1. الفلسطينيون أحفاد العرب الكنعانيين
يقول المؤرخ اليطالي كايتاني إن أول الهجرات السامية قد بدأت بنحو خمسة آلف سنة قبل الميلد. وفي أوائل
اللف الثالث قبل الميلد, نزل الكاديون جنوب العراق والشوريون شماله, ونزل الموريون القسم الداخلي من
بلد الشام, والكنعانيون القسم الساحلي وفلسطين. وفي أوائل اللف الثاني قبل الميلد نزحت القبائل الموآبية
والدومية والعمونية إلى جنوب فلسطين. وفي عام ٠٠٥ قبل الميلد نزح النباط, وبعدهم الغساسنة إلى جنوب
بلد الشام )الردن وفلسطين(. ويذكر المؤرخ الطبري أن الكنعانيين هم من العرب البائدة, ويرجع نسبهم إلى
العماليق, ويقول: "والعماليق قوم عرب, لسانهم الذي جبلوا عليه لسان عربي. و عمليق أول من تكلم العربية".
ونسبة إلى هؤلء الكنعانيين دعيت فلسطين بأرض كنعان. وبقيت لهم السيادة في فلسطين من ٠٠٥٢ إلى ٠٠٠١
قبل الميلد.
ويذكر المؤرخون أنه في عام ٠٠٩١ ق.م. نزح فريق من الموريين الذين كانوا يسكنون الداخلي من بلد الشام
إلى العراق وك ّنوا فيه سللة بابل الولى, ومنها ظهر حمورابي. وفي هؤلء الموريين الذين ذهبوا إلى العراق,
و
ظهر إبراهيم ) عليه السلم(, وفي عام ٥٠٨١ ق.م. هاجر إبراهيم وزوجته سارة وابن أخيه لوط من بلدة أور
التي تبعد ٠٢١ مي ً شمال البصرة, واستقر في )حاران( التي تقع على بعد ٠٨٢ ميلً شمال شرق دمشق, ومنها
ل
بدأ يتنقل في بلد الشام إلى أن استقر في بئر السبع, وحفر بئرً ومسجدً, ودعا إلى وحدانية ال, فبذلك تكون
ا ا
فلسطين من أقدم بقاع العالم التي ذكر التاريخ أنها عرفت التوحيد.
وفي عام ٤٩٧١ ق.م. ولد لبراهيم إسماعيل )جد العرب( من زوجته المصرية )هاجر(, وفي عام ١٨٧١ ولد
إسحق. وبعد وفاة إبراهيم ودفنه في الخليل, سكن إسماعيل الحجاز, حيث كان قد بنى وأباه البيت الحرام, وسكن
إسحق في عين مويلح – ٠٥ ميل جنوب غرب بئر السبع, ورزق بيعقوب ) جد اليهود(. وفي عام ٦٥٦١ ق.م.
نزح يعقوب وأولده ومن معه وعددهم سبعون إلى مصر بسبب القحط الذي وقع في فلسطين.
تكاثرت عائلة يعقوب ونمت بعد نزوحهم إلى مصر, وأصبحوا جزءً من سكانها, غير أن الفراعنة استعبدوهم
ا
وأذّوهم, فاتجهت أفكار زعمائهم إلى النزوح عن مصر, وقد تم لهم ذلك في عهد موسى )عليه السلم( في نحو
ل
عام ٧٢٢١ ق.م. وكان عددهم حوالي ٠٠٥٥ نسمة, فعبروا بحيرة المنزلة إلى صحراء سيناء. ومن هناك أرسل
موسى جواسيسه إلى أرض كنعان, فعادوا ليخبروه بأنها تفيض لبن ً وعس ً, غير أنه ليس لهم طاقة على حرب من
ل ا
فيها. وخاف اليهود من جبروت أهل فلسطين, ورفضوا التوجه إليها, فضرب ال عليهم التيه أربعين سنة في
الصحراء. وفي نهاية الربعين سنة, حاول موسى أن يدخل فلسطين عن طريق بئر السبع إل أنه فشل نظرً إلى
ا
مقاومة سكانها العنيفة, فاستأذن ملك الدوميين في شرق الردن بالعبور من أرضه, فرفض, فذهبوا إلى جبل
هور قرب البتراء في شرق الردن, وهناك مات هارون. ومن ثم استمروا إلى وادي الحسا والموجب شرق
الردن, حيث اصطدموا مع سيحون ملك الموريين فانتصروا عليه وقتلوه, وكان ذلك أول انتصار لليهود.
وزحفوا إلى الشمال نحو حوران, حيث انتصروا على ملكها )عوج(, وبذلك أكملوا السيطرة على شرق الردن,
وتوفي موسى ودفن في جبل )نبا( على بعد ٠١ كيلو مترات شمال غرب مأدبا.
وتولى )يوشع( قيادة اليهود بعد موت موسى, فعبر نهر الردن حوالي عام ٠٧١١ق.م. وعسكر أمام أريحا.
وكانت خطته كما جاء في الصحاح السابع من سفر التثنية: " إذا أدخلك الرب إلى الرض التي أنت داخل
لترثها,استأصل أمم ً كثيرة من أمام وجهك: الحثيين والجرجاشيين والموريين والكنعانيين والفرزيين والحوريين
ا
واليبوسيين, سبع أمم أعظم وأكثر منك. ل تقطع معهم عهداً ول تشفق عليهم ول تصاهرهم.. تعملون بهم هكذا,
تهدمون مذابحهم, وتكسرون أنصابهم, وتقطعون أشجارهم, وتحرقون تماثيلهم بالنار")١(
استطاع يوشع أن يفتح أريحا بمساعدة بعض عاهراتها, فقتل سكانها وحرق بناياتها بعد أن نهب ما فيها من
نفائس, وتوجه بعد ذلك إلى )عاي( واستطاع أهل عاي أن ينتصروا عليه في البداية, لكنه مالبث أن انتصر عليهم,
وذبح جميع أهل عاي البالغين ٢١ ألف ً, واستمر في زحفه إلى أن أخضع معظم جنوب فلسطين باستثناء بعض
ا
المدن والحصون التي بقيت يد الكنعانيين, وبقي الساحل من حيفا إلى سيناء بيد الفلسطينيين.
ولما مات يوشع, تولى أمر اليهود كبار شيوخهم, وسميت هذه الفترة حكم القضاة, وفيها اختلط اليهود بالكنعانيين
وصاهروهم وتعّموا منهم. وفي عام ٠٢٠١ ق.م. قرر شيوخ اليهود تنصيب شاول )طالوت( ملك ً عليهم, وقد قتل
ا ل
في أحد معاركه مع الفلسطينيين. وتولى بعده داوود )عليه السلم( ملك اليهود عام ٤٠٠١ ق.م. , فانتصر على
الفلسطينيين وقتل ملكهم جالود )جالوت( وفتح يبوس )القدس( وجعلها عاصمة له.
2. وبعد أن توفي عام ٣٦٩ق.م. تولى بعده ابنه سليمان )عليه السلم(, فبنى الهيكل في القدس. وفي عهده ثار
الكنعانيون بقيادة ملك جازر فعجز سليمان )عليه السلم( عن إخضاعهم, فاستنجد بفرعون مصر)شيشنق( الذي
اغتنمها فرصه فذهب واحتل فلسطين. يقول برستيد: "والظاهر أن سليمان كان واليا وقتئذ تحت النفوذ المصري
هناك", واستطاعت الكثير من أجزاء مملكة سليمان أن تنفصل عنه.
توفي سليمان عام ٣٢٩ ق.م., وخلفه ابنه رحبعام الذي انقسمت في عهده المملكة إلى مملكتين: مملكة إسرائيل,
وعاصمتها )شكيم( نابلس؛ ومملكة يهوذا, وعاصمتها القدس, فضعف أمرهم وضعف شأن تجارتهم, وارتد فريق
كبير منهم إلى عبادة الوثان, ونشبت بينهم الحروب. هكذا, نجد أن الدولة اليهودية لم تدم في فلسطين إل ٣٧ عاما
فقط, ولم تضم كل فلسطين, إذ بقيت سواحل فلسطين وشمالها متمتعين باستقللهما.
وفي عام ٣٥٨ ق.م. قام ملك شلمناصر ملك الشوريين, باحتلل شمال بلد الشام, فخاف اليهود وأعلنت
المملكتان خضوعهما له. وعندما حاول اليهود التمرد على الشوريين قام الملك)تغلت فلسر( الشوري عام
٤٣٧ ق.م. باحتلل المملكتين, وع ّن ولة عرب ً على معظم مقاطعاتهما. ولما حاول آخر ملوك الدولة السرائيلية
ا ي
التحالف مع المصريين ضد الشوريين, جاء الملك الشوري سرجون الثاني, ف ّك نابلس وسبى ٠٨٢٧٢ من
د
وجوه اليهود ونخبتهم إلى العراق, والباقي هاجر إلى مملكة يهوذا, أو بقى يؤدي الجزية.
وخضعت مملكة يهوذا فيما بعد, لحكم الشوريين في عهد أسرحدون عام ٠٨٦ ق.م., وخضعت معها كذلك
مصر. وفي عام ٩٠٦ ق.م. قام الملك المصري )بسامتيك الول( بالهجوم على فلسطين واحتللها وهزم
الشوريين, وأخضع مملكة يهوذا لحكمه.
وقامت الدولة البابلية )الكلدانية( على أنقاض الشوريين, وزحف بختنصر إلى فلسطين, حيث هزم الجيش
المصري في عام ٥٠٦ ق.م. وفتح القدس, وسبى الملك اليهودي وعائلة وثمانية آلف آخرين إلى العراق. وفي
عام ٦٨٩ ق.م تم ّد اليهود- بتحريض من مصر – على البابليين, فعاد بختنصر وخ ّب القدس وأحرق الهيكل,
ر ر
وسبى ٠٥ ألف ً من سكانها إلى العراق, وانتهت بذلك مملكة يهوذا.
ا
وفي عام ٩٣٥ ق.م قام الملك الفارسي )كورش( بالهجوم على بلد الشام, واستعان باليهود م ّعيا:" أنه رأى الله
د
يهوه في منامه, فأمره هذا أن َ ُ ّ ِسار سبايا بابل, وسمح لهم بالعودة إلى فلسطين لبناء الهيكل من جديد". وفي
يفك إ
ذلك يقول المؤرخ العراقي اليهودي يوسف رزق ال:" ومن حدسيات المؤرخين أن كورش أمطر غيث جوده
على اليهود, مكافأة لهم على مساندة الفرس في فتح بابل, وأنه أراد أن ينشئ دولة جديدة في فلسطين تحت
سيطرته, تكون حدً فاص ً بين الفرس والمصريين".
ل ا
خضعت فلسطين لحكم الفرس حتى عام ٢٣٣ ق.م حيث جاء السكندر المقدوني واحتل بلد الشام, وخضعت
فلسطين لحكم اليونان إلى غاية عام ٤٦ ق.م حين تولى القائد الروماني بومبي على بلد الشام كلها. وفي عام ٠٧
ا
ميلدية, قام القائد الروماني تيطس بالزحف على فلسطين بعد تمرد اليهود, ففتح القدس, وأعمل فيها نهبا وحرق ً
ً
وقت ً, وأصبحت المدينة قاع ً صفصفً, وبيع الكثير من سكانها- الذين سباهم – عبيداً في أوربا, ومنع على اليهود
ا ا ل
القامة فيها.
)١( الكتاب المقدس, "سفر التثنية," الصحاح ٧, اليات ١-٥ ,
كتاب مسألة اللجئين: جوهر القضية الفلسطينية, واصف منصور, الشبكة العربية للبحاث والنشر, ٨٠٠٢
الطبعة الولى, صفحة ٧٢-٨٢-٩٢-٠٣