SlideShare ist ein Scribd-Unternehmen logo
1 von 73
Downloaden Sie, um offline zu lesen
1
‫لم يستوعب الفاعلون السياسيون في تونس جوهر‬
‫الثورة وقيمتها وإن عبروا عن ذلك ..لقد أضفوا‬
‫قراءاتهم السياسية و اإليديولوجية على حراك الفقراء‬
‫و المهمشين فحادوا بالثورة عن مسارها الحقيقي ، و‬
‫التجاذبات السياسية التي يشهدها المشهد السياسي‬
                  ‫العام هو أحد اإلفرازات المكشوفة.‬




                        ‫2‬
‫حركة النهضة بين االنفتاح و الهيمنة.‬

‫كان بإمكان حركة النهضة باعتبارها الحزب الفائز في‬
‫االنتخابات أن تؤكد منذ البداية أنها ستقود البالد في هذه‬
‫المرحلة المؤقتة بالطريقة التي تراها مناسبة ، دون أن‬
‫تضطر إلى بعث رسائل اطمئنان و دون أن تؤكد أن‬
‫الحكومة المؤقتة ستكون حكومة ائتالف وطني مفتوحة‬
            ‫أمام الجميع للمساهمة في إنجاح هذه المرحلة.‬
‫ال أحد كان سيلومها على ذلك باعتبارها الحزب الفائز‬
‫في انتخابات شرعية وبالتالي فإن قيادتها لهذه المرحلة‬
                      ‫هي قيادة شرعية مصدرها الناخب.‬
‫لكن أن تدعو حركة النهضة إلى حكومة ائتالف وطني و‬
‫إلى االنفتاح على كافة األطراف ، وفي الوقت ذاته تعمل‬
‫من أجل الهيمنة على السلطة التنفيذية و التشريعية مما‬
‫يجعل بقية األطراف مجرد ديكور ، فهذا غير معقول و‬
                                            ‫غير مقبول.‬
‫مؤشرات نزعة الهيمنة المطلقة لحركة النهضة تظهر‬
                                       ‫من خالل ما يلي:‬
‫-استئثارها بأغلب الوزارات بما في ذلك وزارات‬
                                                ‫السيادة.‬
‫-السلطة شبه المطلقة لرئيس الحكومة و في‬
‫المقابل تحديد صالحيات بقية أعضاء السلطة التنفيذية (‬

                           ‫3‬
‫مشروع قانون تنظيم السلط العمومية الذي قدم للمجلس‬
                                         ‫التأسيسي.)‬
‫-نزعة الهيمنة على أشغال المجلس التأسيسي و‬
                               ‫سيطرتها على اللجان.‬
‫ربما من حق حركة النهضة أن تستثمر األغلبية التي‬
‫حصلت عليها في انتخابات 23 أكتوبر للمحطات المقبلة‬
‫وهو أمر مشروع و كان يمكن أن يمارسه أي حزب فاز‬
‫باألغلبية ، لكن هذا يتناقض مع خطابها الداعي لالنفتاح‬
‫على الجميع و يتناقض مع خصوصية المرحلة التي تمر‬
 ‫بها تونس التي تتطلب مشاركة الجميع في إعادة بناء‬
‫الدولة و مؤسساتها و اقتصادها ...مشاركة حقيقية و‬
                             ‫ليست مشاركة صورية.‬




                         ‫4‬
‫أوقفوا هذا المسار‬
‫ثمة مسار يجب أن يتوقّف، ألن في استمراره وتواصله‬
                                ‫ْ‬               ‫ّ‬
‫خطورة ليس فقط على ثورة 14 جانفي وما جاءت به من‬
‫قيم ومبادئ وإنما أيضا على وحدة التونسيين والمشترك‬
                                            ‫بينهم.‬
‫هذا المسار الذي يسعى البعض للنفخ فيه وتضخيمه‬
‫ليكون من األولويات المطروحة ليس أمام النخب‬
‫والناشطين السياسيين فحسب بل أيضا أمام "المواطن‬
‫العادي"، هو تحويل قاعدة الفرز بين من يدفع لتنجز‬
‫الثورة مهامها السياسية واالقتصادية واالجتماعية وبين‬
‫من يبحث بكافة الوسائل لاللتفاف عليها وحصرها في‬
‫أفق محدود، إلى قاعدة فرز جديدة بين المؤمنين‬
‫والعلمانيين، بين "الغيورين على المقدسات" وبين‬
                                   ‫"المشككين فيها".‬
‫قاعدة الفرز هذه التي يحرص البعض إليجاد المبررات‬
‫الميدانية والواقعية لها، تبقى مسقطة ومفتعلة ألنها تمس‬
‫من وحدة التونسيين حول دينهم وعروبتهم، وتشكك في‬
                          ‫المشترك بينهم منذ قرون.‬

                          ‫5‬
‫الموقف من المسالة الدينية لم يكن في يوم من األيام‬
‫عنصر خالف بين التونسيين وعامل صراع بينهم، فلماذا‬
‫النفخ في هذه النقطة وتحويلها إلى واجهة رئيسية في هذه‬
               ‫المرحلة الدقيقة والحرجة من عمر الثورة؟‬
‫ثورة 14 جانفي مازالت تترصد بها المخاطر الداخلية‬
‫والخارجية .وتوجيه بوصلة الشعب الذي أنجز هذه‬
‫الثورة إلى وجهة غير حماية ثورته ودفعها النجاز كافة‬
‫مهامها نعتقد انه أمر مشبوه، وال يخدم إال أغراض‬
                                    ‫المتربصين بها.‬




                          ‫6‬
‫كلية اآلداب بمنوبة : معركة مواقف أم مواقع‬

‫ما تشهده كلية اآلداب بمنوبة هو حلقة غير منفصلة عن‬
          ‫ُ‬
‫سلسلة كاملة من الممارسات الممنهجة بدأت بعدد من‬
                     ‫ُ‬
‫المساجد و الجوامع و الكتاتيب و الفضاءات العمومية‬
            ‫لتصل إلى الجامعة في انتظار بقية الحلقات.‬
‫اكتفت هياكل الدولة و مؤسسات المجتمع المدني و‬
‫األحزاب السياسية بمراقبة ما يحدث دون أن تتدخل‬
                                             ‫ّ‬
‫لوضع حد لتزايد حلقات السلسلة و أقصى ما قامت به‬
‫بيانات اإلدانة التي تعبّر عن القلق، فيما اآلخرون يفتكون‬
                                ‫المساحة تلوى المساحة.‬
‫المعركة من وجهة نظر المجتمع المدني و األحزاب‬
‫السياسية هي معركة مواقف ، فيما هي معركة مواقع‬
‫بالنسبة للسلفيين شعارهم: افتكاك أوسع ما يمكن من‬
                       ‫المساحات وفرض األمر الواقع.‬
‫هياكل ومؤسسات الدولة لم تتحرك إما ألنها مشلولة أو‬
‫ألنها تمارس الحياد في وقت ال حياد فيه مع مكتسبات‬
                                      ‫المجتمع و بنيته.‬
‫المعركة مازالت ستتواصل تحت شعار " ذراعك يا‬
‫عالّف" ما دامت الدولة مستقيلة و المجلس التأسيسي‬
‫مهتم بخالفات صلوحيات الرئاسات الثالث و األحزاب‬
‫منها المهتم بالحقائب الوزارية و منها من يبحث عن‬
                              ‫آليات ممارسة المعارضة‬
                           ‫7‬
‫هناك من يسعى إلعادة إنتاج القيود على حرية الرأي و‬
                     ‫التعبير‬

‫قبل ثورة 14 جانفي 4413 كان شعار و مطلب حرية‬
‫الرأي و التعبير حلقة رئيسية في العمل النقابي الصحفي‬
‫و النشاط الحقوقي و السياسي في تونس ، أغلب القوى‬
‫رفعت هذا الشعار و دافعت عن هذا المطلب ألن حرية‬
‫الرأي و التعبير هي إحدى المداخل الرئيسية ألي عملية‬
                                                ‫تغيير.‬
‫و بعد الثورة سقطت أغلب القيود عن ممارسة هذه‬
‫الحرية خاصة المفروضة على اإلعالميين باعتبارهم‬
‫الجهة األولى المعنية بهذه الحرية من خالل األشكال‬
                              ‫الصحفية التي ينتجونها.‬
‫وكشف المناخ الجديد قوة التعدد و االختالف و هي‬
                      ‫مسالة طبيعية لصيقة بأي مجتمع.‬
‫لكن ما يُالحظ أن هناك من يسعى إلعادة إنتاج القيود‬
‫على حرية الرأي و التعبير بأشكال جديدة مثل التكفير و‬
‫التخوين و التشكيك حتى في النوايا ..فقط لالختالف في‬
                                               ‫الرأي.‬
‫االختالف في الرأي مبدأ أساسي ألي عملية تقدم و شرط‬
‫هام ألي نقاش و جدل حقيقيين ، ومن يعمل على تقييد‬
‫حرية الرأي و التعبير فإنه يضع القيود أمام أي تقدم‬
                                        ‫حقيقي وجاد.‬
                          ‫8‬
‫و أعتقد أن ما يتعرض له عدد من اإلعالميين خاصة من‬
‫تكفير وتخوين بسبب أراء عبروا عنها تختلف نسبيا أو‬
‫كليا مع أراء آخرين هي مسألة خطيرة و تمس بالدرجة‬
‫األولى من مساحة حرية الرأي و التعبير التي تحققت بعد‬
                                     ‫ثورة 14 جانفي.‬




                         ‫9‬
‫الحكومة الجديدة:الحلقة المفقودة في المخرج من‬
                 ‫الوضع الراهن‬

‫تُدرك حركة النهضة وحليفاها أن عوائق كثيرة ومتنوعة‬
‫تمأل الطريق أمام الحكومة الجديدة ، أهم هذه العوائق و‬
‫أخطرها الملف االقتصادي و تداعياته االجتماعية‬
‫،خاصة في الجهات التي كانت تنتظر نصيبها من التنمية‬
       ‫في فترة بن علي و تنتظر اليوم نصيبها من الثورة.‬
‫خطورة الملف االقتصادي و االجتماعي ال تكمن فقط في‬
‫المؤشرات الحالية التي تنذر بأزمة حقيقة حسب‬
‫األخصائيين و الفاعلين االقتصاديين ، بل أيضا في خطط‬
‫و آليات الخروج من هذا الوضع الذي يرفض التعامل‬
             ‫بالعواطف و حسن النوايا و اإلرادة االيجابية.‬
‫ال نخال أن "مهندسي" الحكومة الجديدة تغيب عنهم‬
‫حقيقة أنهم سيحاسبون على نتائج أعمالهم و أدائهم‬
‫الملموس و ليس على شعارات الوفاء للثورة و الصدق‬
‫في العمل، و هو األمر الذي يتطلب منهم فهما دقيقا لواقع‬
                          ‫دقيق يتداخل فيه أكثر من معطى.‬
                                ‫ُ‬
‫لم تبدأ الحكومة الجديدة بعد في عملها و تنفيذ مخططاتها‬
‫للحكم لها أو عليها و حتى إن بدأت فإن األمر يتطلب‬
‫منحها الوقت الكافي للتقييم ..لكن ذلك ال يمنع من‬
‫اإلشارة أن المقدمات و الخطوات األولى في اتجاه‬
                           ‫01‬
‫ممارسة الحكومة تدفع للتساؤل عن مدى التآلف‬
‫الحكومي الجديد وعموده الفقري حركة النهضة واع‬
                ‫بحجم التحديات و خاصة بمخارج األزمة.‬
‫الحلقة الرئيسية في مخرج األزمة هي الوفاق الحقيقي‬
‫بين الفاعلين السياسيين و االقتصاديين و االجتماعيين‬
‫على أرضية مشاركة هذه األطراف مع بعضها في رسم‬
‫خطة الخروج من الوضع الراهن، هذه الحلقة ال يبدو أنه‬
                  ‫تم المسك بها على األقل إلى حد اللحظة.‬
                                  ‫ويظهر ذلك من خالل:‬
‫توزيع المسؤوليات الحكومية لم يتم على قاعدة ما‬               ‫‪‬‬

‫يتطلبه الوضع في البالد من وفاق بين الفاعلين السياسيين‬
‫و االقتصاديين و االجتماعيين ، بل تم على قاعدة حزبية‬
                                                  ‫ضيقة.‬
‫تعمق الهوة بين عدد من الفاعلين السياسيين بسبب‬               ‫‪‬‬

‫سيطرة منطق األغلبية و األقلية، رغم أن المرحلة‬
          ‫الحالية للبالد ال تحتمل هذا التقسيم وهذا الفرز.‬
‫تعدد اإلشارات و التصريحات حول وجود‬                          ‫‪‬‬

‫مؤامرات لعرقلة الحكومة المقبلة ، وهي إشارات خطيرة‬
‫ألنها ربما تضع من اآلن تفسيرا ألسباب فشل الحكومة‬
                                   ‫الجديدة ( إن فشلت.)‬


                           ‫11‬
‫التعاطي السلبي مع بعض التحركات االحتجاجية‬            ‫‪‬‬

‫ذات الطابع االجتماعي و النظر إليها فقط من زاوية‬
                                       ‫المؤامرة.‬
‫التقليل من حجم األزمة االقتصادية و اعتبار‬            ‫‪‬‬

‫بعض التصريحات في هذا الصدد، تصريحات سياسية‬
                                       ‫باألساس.‬


‫نأمل كما يأمل أي تونسي أن تثبت الحكومة الجديدة أن‬
‫هذه المؤشرات ظرفية.و أن فترة إدارتها لشؤون البالد‬
  ‫ستؤسس لمرحلة جديدة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا.‬




                        ‫21‬
‫الصورة المقلوبة !‬

‫ال يبدو المشهد العام في البالد واضحا أو على األقل يدفع‬
‫لالطمئنان فالضبابية والخوف من االنزالق نحو‬
‫المجهول عناصر مازالت تلقي بظاللها ويرددها‬
                 ‫المواطن العادي كما المراقب السياسي.‬

‫السؤال الذي يتردد : " البالد وين ماشية ؟" وهو مستمد‬
‫من الوقائع الميدانية وما يحدث على األرض ، اقتصاد‬
‫تكاد تالمس نسبة نموه صفر بالمائة و مصانع ال تعمل و‬
                                ‫ّ‬
‫ارتفاع في نسبة البطالة و القطاع السياحي يعاني‬
                 ‫صعوبات وتجاذبات سياسية عميقة.‬

‫هذا هو المشهد العام رغم حصول انتخابات أفرزت‬
‫مجلسا تأسيسيا أنتخب حكومة لتسيير البالد و الخروج‬
                             ‫بها من عنق الزجاجة.‬

‫األكيد أن ثورة 14 جانفي 4413 لم تنجز إلحداث هذا‬
‫"االنقالب السلبي" في البالد . إنما أنجزها الشباب وأبناء‬
‫الجهات الداخلية المعدمون من أجل الحرية والتشغيل‬
           ‫والتنمية العدالة ، من أجل وجه جديد لتونس.‬


                          ‫31‬
‫ماذا حدث؟‬

‫في السياسة التبرير وتركيب الجمل لرسم صورة معينة‬
‫مسألة سهلة ويمكن ألي ناشط سياسي أن يجد بدل‬
‫التبرير الواحد عشرات التبريرات . كالقول إن المرحلة‬
‫الحالية استثنائية، أو أن تونس مازالت تعيش المرحلة‬
‫االنتقالية ، أو أن قوى الثورة المضادة مازالت تتحرك‬
                                   ‫إلفشال الثورة...‬

‫قد ال يختلف عاقالن حول هذه العوائق وأهمية تأثيرها‬
‫في الواقع لكنها وحدها ال تفسر ما يحدث عن األرض‬
‫ثمة عناصر أخرى ال تقل أهمية وخطورة أهمها أن‬
‫العملية السياسية ما زالت تحتل النصيب األكبر في‬
‫اهتمامات الفاعلين السياسيين مما جعل مسارها ( مسار‬
‫العملية السياسية) يسير في طريق عكسي لمسار التنمية‬
‫واإلصالح االجتماعي. وهو ما يذكر بإحدى مفارقات‬
‫نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي كان‬
‫يفتخر بتقدم نسبة النمو وسالمة االقتصاد وفي الوقت‬
‫ذاته كان منغلقا سياسيا وال يسمح بالحريات ويقمع الرأي‬
                                             ‫اآلخر.‬

‫أما اليوم فإن الصورة أصبحت مقلوبة فالفاعلون‬
‫السياسيون يشيدون بفضاءات الحرية والديمقراطية وتقدم‬
                         ‫41‬
‫العملية السياسية وفي الوقت ذاته هناك صعوبات‬
      ‫اقتصادية واجتماعية خطيرة تنذر بأزمة حقيقية.‬

‫بعد 14 جانفي اكتشف الجميع أن الرفاه االجتماعي‬
‫والتقدم االقتصادي لنظام بن علي كانت أكذوبة فهل‬
‫نكتشف بعد مدة أن كل ما يقال حول الحرية‬
                    ‫والديمقراطية هو أيضا أكذوبة!!!‬




                        ‫51‬
‫حول بيان السيد الباجي القائد السبسي: "خريطة‬
           ‫طريق" قديمة لوضع جديد‬

‫لم يأت بيان السيد الباجي القائد السبسي في حجم‬
‫التسريبات التي سبقته من ناحية توصيفه للوضع العام‬
‫في البالد ودليل الخروج من مظاهر األزمة التي مازالت‬
                                            ‫تحيط به.‬
‫البيان تمت صياغته بطريقة مكثفة شبيهة بالبيانات‬
‫التأسيسية التي تكتفي بطرح الخطوط العريضة بعيدا عن‬
‫التفاصيل .ومع ذلك أعطى صورة واضحة على " بديل"‬
                                  ‫السيد القائد السبسي.‬
‫إن قول إن الوضع في البالد يتميز بالضبابية هو أمر‬
‫معلوم لدى عديد الفاعلين السياسيين والمراقبين وإن كان‬
‫هناك خالف في تحديد أسباب هذه الضبابية .كما أن‬
‫التأكيد على " اختالط المهام التي سادت أعمال المجلس‬
‫الوطني التأسيسي " هو أمر سبقت اإلشارة إليه من قبل‬
‫عديد المختصين و السياسيين.وهذا يدفع للقول إن السيد‬
‫الباجي القائد السبسي يتفق في بيانه مع توصيف العديد‬
‫من األطراف للوضع العام في البالد هو وضع دقيق و‬
‫خطير و" يهدد األمن و االقتصاد والوضع االجتماعي‬
                                            ‫عموما."‬
‫غير أن االلتقاء في توصيف الوضع ال يعني أن السيد‬
‫الباجي القائد السبسي يتفق مع اآلخرين في " بديل"‬
                          ‫61‬
‫الخروج من األزمة فقد طرح "خريطة طريق " تتكون‬
‫من 2 نقاط كبرى اعتبارها أساسية لعودة الثقة السياسية‬
‫وهي أن يحدد المجلس الوطني التأسيسي مدة عمله و‬
‫الشروع فورا في اإلعداد للدستور و الدعوة النتخابات‬
‫يوم 23 أكتوبر المقبل ثم إعادة تفعيل مؤسسة الهيئة‬
‫العليا المستقلة للبالد وتمكينها من استئناف عملها "حاال"‬
‫ودعا أيضا إلى تجميع طاقات القوى السياسية والفكرية و‬
                 ‫الوطنية التي "تأبى" التطرف والعنف."‬
‫-1إن "خريطة الطريق " هذه ال تختلف في عمومها‬
‫عن تلك التي جاء بها السيد الباجي القائد السبسي نهاية‬
‫شهر فيفري الفارط..ومكنته من قيادة البالد في مرحلة‬
‫صعبة و الوصول بها إلى االنتخابات يوم 23 أكتوبر‬
‫4413 . السؤال الذي يطرح هنا :هل أن أولويات البالد‬
‫من مارس 4413 إلى ديسمبر4413 هي ذاتها أولويات‬
                                          ‫البالد اآلن ؟.‬
‫-2السيد الباجي القائد السبسي يعتبر أن المسألة‬
‫السياسية مازالت تحتل األولوية في الخروج من مظاهر‬
‫األزمة التي تميز الوضع العام في البالد .فيما العديد‬
‫يعتبرون أن المسألة االقتصادية واالجتماعية وعدم قدرة‬
‫الحكومة الحالية على تقديم برنامج اقتصادي و اجتماعي‬
‫واضح وعدم قدرتها على تقديم حلول ملموسة لملفات‬
‫اقتصادية واجتماعية هي السبب في تواصل حالة‬
                   ‫االحتقان و التوتر االجتماعي واألمني.‬
                          ‫71‬
‫-3السيد الباجي القائد السبسي لم يتعرض إلى‬
‫المطلوب من الحكومة الحالية في الجوانب االقتصادية‬
‫واالجتماعية وهي القاعدة التي ستوفر المناخ اآلمن‬
‫لتنظيم االنتخابات المقبلة .وهو ما بذلك يثبت السير في‬
‫مسارين غير متوازيين إلى حد اآلن وهما المسار‬
           ‫السياسي و المسار االقتصادي و االجتماعي.‬

‫أما دعوته إلى تجميع طاقات القوى السياسية و الفكرية و‬
‫الوطنية فهي دعوة انطلقت منذ االنتخابات الفارطة‬
‫وقطعت عديد األطراف خطوات هامة فيها وبالتالي فإنها‬
‫ليست دعوة جديدة فقط إذا نظرنا إليها من زاوية الدور‬
‫الذي يمكن أن يقوم به في هذا التجمع وهو ما لم يشر إليه‬
                                             ‫بوضوح.‬




                         ‫81‬
‫االعتصامات من "صنيعة الثورة المضادة" في حكومة‬
  ‫الغنوشي مرورا بـ "إفشال االنتخابات" في حكومة‬
 ‫القائد السبسي إلى "إفشال حكومة االئتالف الثالثي‬


‫من 17 ديسمبر 2720 إلى اليوم لم تتوقف االعتصامات‬
‫و الحركات االحتجاجية من أجل المطالبة بالتشغيل،‬
‫حقيقة يجب أن نقر بها حتى نفهم لماذا تواصلت هذه‬
‫االعتصامات في عدد من المدن خاصة التي عانت‬
‫طويال من غياب مجهود تنموي حقيقي، رغم تشكيل‬
              ‫حكومة منتخبة من مجلس تأسيسي منتخب.‬
                                              ‫ُ‬
‫مطالب أبناء الجهات الداخلية هي ذاتها من 17 ديسمبر‬
‫إلى اليوم، لكن التعامل مع هذه المطالب تغيّر من فترة‬
                                            ‫إلى أخرى:‬
‫من 17 ديسمبر 2720 الى 17 جانفي 7720 وحدت‬
‫هذه المطالب كافة فئات الشعب التونسي وتم الدفع بها في‬
‫اتجاه تصعيدها لتتحول هذه الحركة االحتجاجية إلى‬
                              ‫حركة تشمل البالد كلها.‬


                         ‫91‬
‫من 17 جانفي إلى 10 فيفري 7720 تغير مسار‬
‫المطالب بعد أن كانت المطالب االجتماعية و الحق في‬
‫الشغل هي الحلقة الرئيسية أصبحت اإلصالحات‬
‫السياسية هي الحلقة األولى (العفو التشريعي العام – منح‬
‫التراخيص ألكثر من مائة حزب – منح تراخيص‬
‫لعشرات النشريات...الخ)، تم ذلك على خلفية أن المدخل‬
‫الرئيسي لإلصالح هو المدخل السياسي. لكن في الوقت‬
‫ذاته ظلت مطالب حق التشغيل دون حلول حقيقية وبقي‬
‫أبناء الجهات ينتظرون حقهم في التشغيل و حق جهاتهم‬
                                           ‫في التنمية.‬

‫في هذه الفترة تم التعامل مع عديد االعتصامات و‬
‫الحركات االحتجاجية على أنها من صنع قوى الثورة‬
‫المضادة التي تريد إجهاض الثورة ومن صنع أيادي‬
‫خفية كما جاء على لسان السيد محمد الغنوشي في كلمة‬
                                         ‫استقالته.‬

‫من مارس 7720 إلى ديسمبر 7720 عندما استلم‬
‫السيد الباجي قائد السبسي رئاسة الحكومة طرح خريطة‬
‫طريق سياسية (انتخابات المجلس التأسيسي) ورغم أن‬
                          ‫02‬
‫هذا المطلب كان مطلب اعتصام القصبة 0 فإن المسار‬
‫بعد ذلك كان مسارا سياسيا، اهتمت األحزاب باإلعداد‬
‫لالنتخابات و تمحور الجدل داخل هيئة تحقيق أهداف‬
‫الثورة حول قضايا سياسية، بمعنى أن قضايا التشغيل و‬
‫قضايا التنمية بقيت أيضا في المرتبة متأخرة في‬
                                ‫اهتمامات السياسيين.‬

‫في هذه الفترة تواصلت االعتصامات و الحركات‬
‫االحتجاجية و تم التعامل معها أيضا على أنها من صنع‬
‫أيادي خفية مع إضافة أن هناك مخطط إلفشال‬
                                       ‫االنتخابات.‬

‫من ديسمبر 7720 إلى اآلن وجدت الحكومة الجديدة‬
‫المنتخبة من المجلس التأسيسي نفسها أمام ملفات عالقة‬
‫منذ 17 ديسمبر 2720 ورغم دعوتها لهدنة اجتماعية و‬
‫تأكيدها على خطورة الوضع االقتصادي و تداعياته‬
‫المستقبلية فإن حركة االعتصامات و االحتجاجات‬
‫مازالت متواصلة.وهو أمر بديهي ألن ملف التشغيل و‬
‫التنمية الجهوية العادلة الذي كان الحلقة الرئيسية في‬

                        ‫12‬
‫ثورة الشعب التونسي لم يحتل المرتبة الرئيسية في‬
      ‫المتابعة من طرف السياسيين منذ سقوط بن علي.‬

‫ويتم التعامل مع هذه االعتصامات و الحركات على أنها‬
‫تندرج ضمن مخطط إلفشال حكومة االئتالف الثالثي و‬
                       ‫عمودها الفقري حركة النهضة.‬

‫ال ندعو إلى استمرار هذه االعتصامات المضرة بالعجلة‬
             ‫ُ‬
‫االقتصادية..لكننا في الوقت ذاته ندعو إلى التعامل معها‬
‫بوعي و فهم: أبناء الجهات الداخلية و العاطلون عن‬
‫العمل لن يتوقفوا عن المطالبة باالرتقاء بأوضاعهم‬
‫االجتماعية ما لم يلمسوا أن هناك فعال خطوات حقيقية‬
                                      ‫في هذا االتجاه.‬




                         ‫22‬
‫الحركات االحتجاجية ال تُفسر بالمؤامرة فقط .....‬

‫اخطأ النظام السابق حين حاول تفسير االنتفاضة الشعبية‬
‫التي انطلقت من سيدي بوزيد يوم 14 ديسمبر بأنها‬
‫مؤامرة ضد مكاسب و انجازات تونس ، وأن أطرافا‬
‫مجهولة وملثمة و إرهابية تحرك الشباب و تحرضهم و‬
                      ‫تدفعهم إلى التظاهر و االحتجاج .‬
‫أخطأ النظام السابق في قراءته لحقيقة ودوافع انتفاضة‬
‫العاطلين عن العمل و المهمشين و الفقراء ، ألنه لم‬
                                     ‫يبحث عن األس‬
‫باب في الوقائع الملموسة ، إنما ذهب إلى ما يُرضيه وما‬
‫يدين اآلخر ، ذهب إلى نظرية المؤامرة ألنها األسهل‬
‫للتفسير و ترمي المسؤولية على اآلخرين .‬
‫وعلى قاعدة هذا التفسير التآمري جاء خطاب التهديد و‬
‫الوعيد و تطبيق القانون "بكل حزم" الذي أثبت مسار‬
‫الثورة في تونس أنه زاد المنتفضين قوة و إرادة للوصول‬
‫باالنتفاضة إلى آخر مراحلها أي الثورة و إسقاط رأس‬
                                               ‫النظام.‬
                                             ‫*****‬
‫إن تعاطي النظام السابق مع مطالب العاطلين عن العمل‬
‫و المهمشين و الفقراء هو بمثابة الدرس لكافة‬
‫الحكومات،درس جوهره أن التفسير التآمري‬
‫لالحتجاجات االجتماعية ورمي المسؤولية على اآلخرين‬
                          ‫32‬
‫ال يزيد األوضاع إال تأزما ، وهو درس ال يبدو أن‬
‫الحكومات التي تتالت على قيادة البالد بعد 14 جانفي قد‬
                                       ‫استوعبته جيدا.‬

‫لم تستوعبه حكومة السيد محمد الغنوشي فاضطرت‬
‫لالستقالة تحت ضغط اعتصام القصبة3 ، وقال السيد‬
‫محمد الغنوشي إن أيادي خفية كانت تحرض على‬
‫اإلضرابات و االعتصامات و تضع العصا في عجلة‬
     ‫الحكومة و ال تريدها أن تنجز برنامجها اإلصالحي .‬
‫ولم تستوعبه أيضا حكومة السيد الباجي القائد السبسي‬
‫التي وزعت االتهامات في أكثر من مناسبة إلى مجهولين‬
‫و أيادي خفية تعمل لعرقلة خريطة الطريق التي تقدمت‬
                                                   ‫بها‬
                                                     ‫.‬
‫وال يبدو أيضا أن حكومة 23 أكتوبر بدورها قد‬
‫استوعبت الدرس، فهي بصدد تفسير االحتجاجات‬
                 ‫بالمؤامرة ضدها و بالتخطيط إلسقاطها.‬
                                               ‫*****‬
‫دون شك أن فلول النظام البائد وكافّة العناصر التي كانت‬
‫مرتبطة بهذا النظام والتي فقدت مصالحها وامتيازاتها‬
‫وسقطت بسقوط النظام تعمل على خلق التوتّر و"تجتهد"‬
‫حتى ال يتفرّغ أبناء الشعب الذين أنجزوا الثورة للبناء‬
‫ولرسم مستقبل جديد لتونس بل ويحرصون على عرقلة‬
                          ‫42‬
‫كل خطوة إيجابية إلى األمام باإلشاعات وإثارة النعرات‬
‫المتخلفة من نعرات جهوية وقبلية وغيرها هدفهم الوحيد‬
                        ‫أن ال تنهض البالد على قدميها.‬
‫هذا أمر مفهوم ومعلوم و كل تجارب الثورات في العالم‬
‫عرفت الثورات المضادة وميليشيات الحرس القديم ولن‬
‫تكون تونس استثناء في هذا الصدد ألن ثورة 14 جانفي‬
                    ‫ليست استثناء في تاريخ اإلنسانية .‬
‫لكن ما هو غير مفهوم أن تصبح "الثورة المضادة"‬
‫الشماعة التي تعلق عليها الحكومات أخطاءها وعدم‬
‫قدرتها على المسك "برأس الخيط" في هذه المرحلة‬
                              ‫ّ‬
                  ‫االنتقالية والدقيقة التي تمر بها البالد.‬

‫كنا نبهنا عندما استلمت حكومة 23 أكتوبر مهامها أن‬
‫عوائق كثيرة ومتنوعة تمأل الطريق أمامها ، أهمها و‬
‫أخطرها الملف االقتصادي و تداعياته االجتماعية‬
‫،خاصة في الجهات التي كانت تنتظر نصيبها من التنمية‬
‫في فترة بن علي و تنتظر اليوم نصيبها من الثورة. وهو‬
‫ملف يرفض التعامل بالعواطف و حسن النوايا و اإلرادة‬
‫االيجابية.ألنه يتطلب فهما دقيقا لواقع دقيق يتداخل فيه‬
                                    ‫أكثر من معطى.‬
                                          ‫ُ‬



                           ‫52‬
‫صورة تونس في الخارج:‬
     ‫الصورة األصلية وحدها القادرة على اإلشعاع‬


‫صورة تونس في الخارج ( مشرقة كانت أم عكسها) من‬
                          ‫ُ‬
‫يرسمها ؟ هل ترسمها الحكومات ؟ أم الشعوب؟ أم‬
‫يرسمها اإلعالم من خالل القضايا والملفات التي ينشرها‬
                                                     ‫؟‬
‫أسئلة تطرح اليوم على خلفية تصريحات عدد من‬
‫الفاعلين السياسيين و المسؤولين الحكوميين ، تقول أن‬
‫صورة تونس في الخارج أصبحت مهزوزة بسبب أداء‬
              ‫اإلعالم وما ينشره وتركيزه على ملفات اال‬
‫عتصامات و اإلضرابات و "الخطر السلفي" ، وغير‬
‫ذلك من المسائل التي تعطل قدوم االستثمارات األجنبية‬
‫وتثير الخوف لدى السياح ، و الحال أن البالد اليوم في‬
‫حاجة إلى رسائل طمأنة لكافة الجهات ، طمأنة‬
‫المستثمرين و السياح و الشركاء االقتصاديين.‬
‫أغلب الفاعلين السياسيين و الحقوقيين و اإلعالميين في‬
‫تونس يدركون أن صورة تونس في الخارج كانت إحدى‬
‫الواجهات التي "اشتغل" عليها النظام السابق ،وسخر من‬
‫أجلها اإلمكانات المادية والبشرية من أجل أن تكون‬
‫تونس في عيون اآلخرين "بلد األمن و االستقرار" و‬
                            ‫"بلد االنجازات والمكاسب" .‬
                          ‫62‬
‫ويدركون أيضا الدور الذي كانت تقوم به الوكالة‬
‫التونسية لالتصال الخارجي في هذا االتجاه ،‬
‫والضغوطات التي كانت تُمارس على المؤسسات‬
‫اإلعالمية واإلعالميين في تونس للتعتيم على الملفات و‬
‫القضايا التي من شأنها أن "تسيء " إلى صورة تونس‬
‫في الخارج.ومع ذلك لم تنجح منظومة النظام السابق في‬
‫رسم صورة مشرقة لتونس في الخارج ، ألن الوقائع‬
  ‫الميدانية كانت دائما أقوى من إرادة التضليل و التعتيم .‬
‫لم تنجح منظومة النظام السابق ألنها استبعدت أداء‬
‫حكومات بن علي من تفاصيل الصورة التي أرادت‬
‫رسمها ، استبعدت الفساد و المحسوبية والرشوة والخلل‬
‫في البرامج التنموية ، واعتقدت أن تقريرا صحفيا في‬
‫إحدى الصحف األجنبية أو الفضائيات من شأنه أن‬
                            ‫يغطي عن الحقائق الملموسة.‬
‫إن أفضل صورة لتونس في الخارج منذ االستقالل تلك‬
‫التي رسمها الشعب التونسي بكافة مكوناته من 14‬
‫ديسمبر 1413 إلى 14 جانفي 4413 ، صورة أصلية‬
‫عكست إرادة الشعب التونسي في التغيير و التمسك بقيم‬
              ‫الحرية و الديمقراطية والعدالة االجتماعية .‬
‫برز في تلك الصورة أبناء الشعب التونسي ، برز محمد‬
‫البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده ليمهد الطريق‬
‫أمام ثورة أسقطت مؤسسات حكمت 23 سنة ،وبرزت‬
‫صورة أبناء سيدي بوزيد و القصرين وتالة و الشمال‬
                          ‫72‬
‫الغربي و األحياء الفقيرة ينتفضون ضد الحيف‬
‫االجتماعي ، وبرزت صورة الحناجر تهتف يوم 14‬
                                     ‫جانفي "ديقاج" .‬
‫هذه الصورة األصلية التي رسمها الشعب التونسي‬
‫أسقطت أيضا الصورة المركبة التي حاول النظام السابق‬
‫رسمها من خالل شراء التقارير الصحفية في وسائل‬
‫اإلعالم األجنبية وفرض الوصاية على اإلعالم المحلي ،‬
‫وإبراز "المكاسب و االنجازات" والتقليل من حدة‬
‫المشاكل السياسية و االقتصادية واالجتماعية.‬
‫في المحصلة أثبتت ثورة 14 جانفي أن الصورة األصلية‬
‫وحدها القادرة على اإلشعاع ، أما الصورة المركبة فإنها‬
                       ‫غير قادرة على الصمود طويال.‬




                         ‫82‬
‫مؤامرة" المعارضة إلسقاط الحكومة أم "مؤامرة"‬
           ‫الحكومة إلسقاط المعارضة‬

‫ين التأكيد و التشكيك يراوح الجدل في تونس مكانه حول‬
‫"المؤامرة" إلسقاط حكومة 23 أكتوبر المنتخبة ، ال‬
‫المسؤولين في الحكومة الذين أثاروا الملف قدموا‬
‫اإلثباتات و الدالئل و األطراف المورطة ، وال المشككين‬
‫تمكنوا من اإلقناع بغيابها أصال.وفي الحقيقة يعكس هذا‬
‫الجدل في جانب منه ما بلغته حالة التجاذب بين الفرقاء‬
‫السياسيين بعد انتخابات 23 أكتوبر التي فازت فيها‬
‫حركة النهضة اإلسالمية بأغلب المقاعد في المجلس‬
                                     ‫الوطني التأسيسي.‬

‫حركة النهضة تقول إن الخاسرين في االنتخابات أو‬
‫"جماعة صفر فاصل" كما يحلو ألنصارها أن يصفوهم‬
‫، لم يقبلوا نتائج صناديق االقتراع ويعملون من أجل‬
‫عرقلة عمل الحكومة من خالل التحريض على‬
‫االعتصامات و اإلضرابات وخلق مناخ متوتر ، وفي‬
‫المقابل ترفض األحزاب اليسارية والوسطية المتهمة‬
‫بعرقلة عمل الحكومة االتهامات الموجهة لها و تعتبر أن‬
‫حكومة 23 أكتوبر هي المسؤولة عن حالة الالاستقرار‬
‫االجتماعي لعدم تعاطيها مع الملفات االقتصادية‬
‫واالجتماعية ألوسع فئات المجتمع ، وتذهب إلى حد‬
                         ‫92‬
‫اعتبار أن الحكومة ال تملك برنامجا واضح المعالم من‬
              ‫شأنه أن يُخرج البالد من عنق الزجاجة.‬

‫ورغم أن هذا الجدل لم يكن غائبا عن المشهد السياسي‬
‫العام في تونس منذ سقوط زين العابدين بنعلي ، فقد سبق‬
‫أن وجّهت الحكومة األولى للسيد محمد الغنوشي‬
‫االتهامات ذاتها لخصومها السياسيين وكذلك فعلت‬
‫الحكومة الثانية للسيد الباجي القائد السبسي، رغم ذلك‬
‫لم ُتلق المؤامرة بضاللها على المشهد في تونس ولم يتم‬
‫التسويق لها كما هو الحال بالنسبة للحكومة الحالية .وذلك‬
                             ‫على األقل لألسباب التالية:‬

‫‪‬إن حكومة 23 أكتوبر هي حكومة منتخبة تستمد‬
‫شرعيتها من صناديق االقتراع وهو ما يعني أن التآمر‬
                       ‫عليها، هو تآمر على الشرعية.‬

‫‪‬إن حكومة 23 أكتوبر عملت منذ أن تولت تسيير‬
‫شؤون البالد إلى خلق قاعدة فرز جديدة بين الفاعلين‬
‫السياسيين تقوم على من مع الشرعية ومن ضدها ، بعد‬
‫أن كانت قبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بين من‬
‫مع استكمال مهام الثورة وبين من يعمل على االلتفاف‬
                                            ‫عليها.‬

                          ‫03‬
‫‪‬إن حكومة 23 أكتوبر على خالف الحكومتين األولى‬
‫والثانية، تستند إلى قاعدة واسعة من األنصار و‬
‫المتعاطفين تدافع عنها وتروج لخطابها بما في ذلك القول‬
   ‫إن مؤامرة تُحاك ضد الحكومة إلضعافها و إسقاطها.‬

‫ال بد من القول إن الحديث عن مؤامرة تشترك فيها‬
‫"أطراف تدعي الديمقراطية وعدد من رموز النظام‬
‫السابق وجهات خارجية " هو من أخطر االتهامات التي‬
‫وجهت ألطراف سياسية منذ 17 جانفي 7720 ، ألنها‬
‫ترتقي إلى مستوى التآمر على أمن الدولة و البالد مع ما‬
‫يعميه ذلك من ضرورة لمحاكمة األطراف المورطة‬
                               ‫على قاعدة هذه التهمة .‬

‫غير أن عدة إشكاالت حقيقية تطرح حول جدية هذا‬
            ‫االتهام، بل حول وجود مؤامرة، من ذلك:‬

‫‪‬إن الجهات المتهمة غير معلومة إلى حد اآلن وترفض‬
                                  ‫ُ‬
‫األطراف التي تتحدث عن المؤامرة الكشف عنها رغم‬
‫تصاعد نسق الحديث عن هذه المؤامرة وخطورتها.‬
‫‪‬إن الفريق الحكومي غير متفق على وجود مؤامرة‬
‫بالحجم الذي تحدث عنه كل من المستشار السياسي‬
                      ‫لرئيس الحكومة ووزير النقل.‬

                         ‫13‬
‫‪‬إن مسؤوال في وزارة الداخلية أكد غياب المؤامرة بل‬
‫وذهب إلى حد القول إن الحديث عنها يدخل في خانة‬
                                       ‫حرية التعبير.‬

‫‪‬إن األطراف التي قد تكون معنية ضمنيا بتهمة التآمر‬
‫تطالب الحكومة بالكشف عن خيوط هذه المؤامرة و‬
                                         ‫تفاصليها.‬

‫وعليه فإن الصورة كالتالي: جزء من الحكومة يتحدث‬
‫عن مؤامرة وجزء آخر ينفيها، معارضة تطالب بالكشف‬
‫عن المؤامرة فيأتي الرد سيكون ذلك في الوقت المناسب،‬
‫لكن دون توضيح هل الوقت المناسب للجزء من‬
‫الحكومة الذي يتحدث عن المؤامرة أم الوقت المناسب‬
                                   ‫لمصلحة تونس؟‬




                         ‫23‬
‫مؤتمر النهضة ..مؤتمر التمكن من الحكم‬
‫في كلمته في افتتاح المؤتمر التاسع لحركة النهضة ،‬
‫الذي لم تحضره أغلب قيادات أحزاب السياسية بما في‬
‫ذلك شريك النهضة في الحكم المؤتمر من أجل‬
‫الجمهورية ، وجه السيد حمادي الجبالي رسالة غير‬
‫مشفرة إلى المؤتمرين، هي الفوز في االنتخابات‬
                     ‫التشريعية المقبلة بأغلبية مريحة‬
‫األمين العام لحركة النهضة يدرك ما يقول وإن جاءت‬
‫رسالته بعد كلمة رئيس الحركة السيد راشد الغنوشي‬
‫الذي وجه رسائله إلى المجتمع السياسي عموما داعيا‬
                        ‫للوفاق و الشراكة و الوحدة‬
‫بين الرسالتين سلك متين ال تستطيع حركة النهضة ردمه‬
‫: الوفاق و الشراكة مع مكونات المجتمع السياسي دون‬
‫ضغوط التحالفات وما تفرضه من تنازالت .وهو الدرس‬
‫الذي ربما استفادت منه حركة النهضة من تجربتها‬
‫القصيرة في الحكم مع حزبي التكتل الديمقراطي‬
                       ‫والمؤتمر من أجل الجمهورية‬


                         ‫33‬
‫ويبدو أن رسالة السيد حمادي الجبالي وصلت إلى‬
‫المؤتمرين واضحة دون تشويش ، كل الخالفات و‬
‫التباينات في تقييم مختلف المحطات التي مرت بها حركة‬
‫النهضة يجب أن ال تُبعد البوصلة عن وجهتها الصحيحة‬
‫أي االنتخابات المقبلة التي ستعطي للحركة شرعية حكم‬
‫أقوى من الشرعية المؤقتة التي منحتها لها انتخابات 23‬
                                       ‫أكتوبر 4413 .‬
‫الحركة التي جاءت إلى الحكم بغبار السرية و الهجرة ال‬
‫يمكن أن تفرط فيه بعد أن المست معنى الحكم وإن‬
‫بشرعية يمنحها نظام مؤقت للسلطات العمومية . هذا‬
‫يجعلنا نفهم لماذا تمت الدعوة إلى مؤتمر استثنائي بعد‬
‫سنتين ولماذا تم تأجيل فتح عدد من الملفات الداخلية لهذا‬
                                               ‫المؤتمر.‬
‫في كلمة المؤتمر التاسع لحركة النهضة الذي انعقد تحت‬
‫شعار " مستقبلنا بين أيدينا" هو مؤتمر التمكن من الحكم‬
                                                    ‫.‬




                          ‫43‬
‫حول جدل التعويض للمساجين السياسيين:‬
  ‫الخطاب ال يغير الواقع و الملفات الملموسة تتطلب‬
                 ‫حلوال ملموسة‬


‫ال يخلو الجدل حول موضوع التعويضات المادية‬
‫للمساجين السياسيين من جوانب شعبوية مستمدة من حالة‬
‫التجاذب التي يعرفها المشهد السياسي العام في البالد.‬
‫وحصر الجدل في" مع أو ضد التعويض " و انتقاء‬
 ‫األمثلة والمبررات من الجانبين ال أعتقد أنه يدفع بالنقاش‬
‫التعويض المادي و المعنوي لمساجين الرأي هو احد‬
‫مبادئ العدالة االنتقالية وثمة عدة تجارب في هذا الصدد‬
‫منها التجربة المغربية و إن كانت مختلفة عن الوضع‬
‫الذي تمر به حاليا تونس. وبالتالي إن الذين يدعون إلى‬
‫تعويض المساجيين السياسيين في نهاية األمر لم يأتوا‬
    ‫ببدعة ..هذه حقيقة يجب االعتراف بها .‬
‫لكن الحكمة في األداء الحكومي هي القدرة على تحديد‬
‫األولويات وبالنسبة لحكومة "الترويكا" في تونس‬
‫األولوية مازالت أهداف ثورة 14 جانفي 4413 :‬

                           ‫53‬
‫النهوض بالجهات المحرومة التي انطلقت منها الثورة ،‬
‫ملف البطالة والتشغيل ، ملفات شهداء و جرحى الثورة ،‬
                  ‫ُ‬
‫وهي ملفات مازالت لم تعرف بعد طريقها إلى بداية‬
                                           ‫التسوية.‬

‫في سيدي بوزيد ( مهد الثورة التونسية) انطلقت قبل أيام‬
‫احتجاجات عمال الحضائر ، وفي القصرين التي دفعت‬
‫أكبر عدد من الشهداء و الجرحى مقر الوالية (‬
‫المحافظة) مغلق منذ أسابيع ، في الكاف (الشمال الغربي‬
‫) ..الوضع االجتماعي مازال يتسم بالتوتر..وكذلك الشأن‬
                                   ‫في أغلب مدن البالد.‬
‫وعندما يقول أبناء القصرين و سيدي بوزيد و قفصة و‬
‫غيرها من المناطق الداخلية المهمشة أنهم مازالوا‬
‫ينتظرون نصيبهم من التنمية ..وعندما تكون البطالة احد‬
‫الملفات الرئيسية في الوضع االجتماعي في البالد بعد‬
‫أكثر من سنة و نصف من الثورة ..وعندما تؤكد األرقام‬
‫أن الوضع االقتصادي في البالد مازال في مرحلة حرجة‬
‫..وعندما يصيح شهداء و جرحى الثورة أنهم مازالوا في‬


                          ‫63‬
‫انتظار تسوية ملفاتهم ..تكون اإلجابة دائما أن تسوية هذه‬
     ‫الملفات يتطلب سنوات ..وقد يكون األمر كذلك فعال‬
‫في ظل هذا الوضع هل من الحكمة طرح مشروع‬
‫التعويض للمساجين السياسيين ؟ وإعطائه هذه األولوية ؟‬
‫ربما ليس مبالغة التأكيد أن حكومة "الترويكا" تمر هذه‬
‫األيام بأصعب فتراتها بسب الملفات المفتوحة أمامها و‬
‫عليها ، فباإلضافة إلى الوضع االجتماعي و االقتصادي‬
‫استقالة وزير المالية وقبل ذلك إقالة محافظ البنك‬
‫المركزي . ورغم أن الخطاب المعلن للمسؤولين‬
‫الحكوميين يحاول التخفيف من حدة هذه الصعوبات .لكن‬
‫الخطاب ال يغير الواقع ألن الملفات الملموسة تتطلب‬
                                      ‫حلوال ملموسة‬
‫قد تتراجع الحكومة عن أولوية ملف التعويض للمساجين‬
‫السياسيين (ولن تفرط فيه) ، لكنها ال يمكن أن تتراجع‬
‫عن مطالب الفقراء و المحرومين ( وقود الثورة) ألن أي‬
‫تراجع يعني مزيد الصعوبات ، وما حدث في سيدي‬
‫بوزيد قبل أيام هو بمثابة ناقوس إنذار حقيقي لمن يريد‬
                        ‫أن يستوعب الدروس في حينها‬

                          ‫73‬
‫حكومة الترويكا التي تمثل حركة النهضة اإلسالمية‬
‫عمودها الفقري في موقف حرج و الخروج منه يبدأ أوال‬
‫بتخلص هذه "الحكومة السياسية " من ضغوطات‬
‫االنتخابات المقبلة ألن الحكومات دورها التعامل مع‬
‫مطالب مواطنيها االجتماعية و االقتصادية و السياسية‬
‫وليس العمل من أجل مكاسب يتم توظيفها في االنتخابات‬
                                            ‫المقبلة‬




                        ‫83‬
‫تونس …الثورة المغدورة‬
‫بعد أكثر من سنة ونصف من ثورة تونس ، ال يبدو أن‬
‫هناك من استوعب جوهرها أكثر من الذين أشعلوا‬
‫شرارتها ودفعوا بها إلى أن سقط رأس النظام ..إنهم‬
              ‫الفقراء و المهمشين و العاطلين عن العمل.‬
                                      ‫ّ‬
‫جوهر الثورة اجتماعي واقتصادي ،ثورة من أجل التنمية‬
‫العادلة والتوزيع العادل للثروة والحق في التشغيل ،‬
‫لخصها بشكل مكثف وقوي شعار” التشغيل استحقاق يا‬     ‫ّ‬
                                    ‫عصابة السرّاق.”‬
‫ال يمكن ألي جهة في الداخل أو الخارج أن تنفي هذه‬
‫الحقيقة وتعطي للثورة مضمونا آخر غير هذا المضمون‬
‫، وال يمكن ألي طرف أن يعتبر استكمال أهداف الثورة‬
       ‫بعيدا عن هذا المضمون االجتماعي و االقتصادي.‬
‫الفقراء و المهمشون والعاطلون عن العمل استوعبوا‬
                                     ‫ّ‬
‫أكثر من غيرهم جوهر الثورة ألنهم مازالوا بعد أكثر من‬
‫عام ونصف يرفعون المطالب ذاتها ومازال الحق في‬
‫التشغيل والحق في التنمية الشعار الرئيس في‬
‫احتجاجاتهم وان اختلفت القراءات السياسية لهذه‬
         ‫االحتجاجات من الحزب الحاكم إلى المعارضة.‬
                                              ‫****‬
                         ‫93‬
‫لم يستوعب الفاعلون السياسيون في تونس جوهر الثورة‬
‫وقيمتها وإن عبروا عن ذلك ..لقد أضفوا قراءاتهم‬
‫السياسية و اإليديولوجية على حراك الفقراء و المهمشين‬
‫فحادوا بالثورة عن مسارها الحقيقي ، و التجاذبات‬
‫السياسية التي يشهدها المشهد السياسي العام هو أحد‬
                               ‫اإلفرازات المكشوفة.‬
‫ال أحد اجتهد قوال وفعال لمحاصرة هذا التجاذب الذي‬
‫بدأا يتوسع و يتطور ليصل إلى معتقدات الناس و نمط‬
                 ‫عيشهم، يحدث كل هذا باسم الثورة!!‬
‫وأخطر مظاهر هذا التجاذب زرع بذور الفتنة بين‬
‫التونسيين على خلفية انتماءاتهم و معتقداتهم ، وما فشل‬
‫االستعمار المباشر وغير المباشر في تحقيقه ثمة اليوم‬
             ‫من ينفخ في الشرارة لتلتهم وحدة التونسيين.‬
‫ماحدث في القيروان وقابس و بنزرت هو نفخ في شرارة‬
‫الفتنة وضرب لوحدة التونسيين وطعن للثورة في الظهر.‬
‫بعد أكثر من عام ونصف من انجاز التونسيين لثورتهم‬
‫التي هزت العالم..تبدو الثورة التونسية مطعونة ومغدورة‬




                          ‫04‬
‫" اكبس" ..لفك الضغط على الحكومة !!‬
‫أن تكون حملة " اكبس" (أي اضغط) ، مبادرة من‬
‫داخل حركة النهضة أو من خارجها، ذلك أمر غير‬
‫مهم ، المهم هو هل أن هذه المبادرة لدعم الحكومة‬
‫أم للضغط عليها من أجل انجاز أهداف الثورة.‬
‫جاءت حملة " اكبس" في فترة تزايدت فيها‬
‫االنتقادات ألداء الحكومة وخاصة ضعفها في‬
‫التعاطي مع ملفات التنمية وكشف ملفات الفساد و‬
‫فرض األمن ، وربما أكثر هذه االنتقادات رمزية‬
‫ما جاء على لسان رئيس الجمهورية ذاته الذي‬
‫حذر من ثورة ثانية في مناسبة أولى و لمح إلى‬
       ‫ّ‬
‫خطورة هيمنة حركة النهضة على مفاصل الدولة‬
                               ‫في مناسبة ثانية.‬

‫و المتابع ألداء الحكومة يالحظ أن أغلب‬
‫االنتقادات الموجهة إليها ، لم تأت من فراغ ،‬
‫فالوقائع الميدانية تؤكد أن هذا األداء مازال لم‬
‫يرتق إلى ما انتظره أبناء الجهات الفقيرة‬
‫والمحرومة و شهداء وجرحى الثورة و إلى ما‬
                    ‫انتظره ضحايا الفساد ..الخ.‬

‫حاولت الحكومة في أكثر من مناسبة تبرير ضعف‬
                      ‫14‬
‫أدائها مرة بـ" الثورة المضادة" وبإرباك‬
‫المعارضة ألدائها ، وأخرى بحجم الملفات التي‬
‫ورثتها عن النظام السابق وأيضا عن الحكومة التي‬
‫سبقتها( حكومة السيد الباجي القايد السبسي) ،‬
‫وأحيانا بالقفز إلى األمام والقول - رغم ذلك- أن‬
‫الحكومة الحالية هي األقوى في تاريخ تونس منذ‬
‫االستقالل ، دون أن تقدم ما يؤكد ذلك باستثناء أنها‬
                          ‫حكومة شرعية ومنتخبة.‬

‫وال يبدو أن هذه التبريرات وجدتها صداها القوي‬
‫لدى عموم الشارع في تونس ، فأبناء الجهات‬
‫الداخلية المحرومة الذين لم يكفوا عن االحتجاج‬
‫رفضوا أن تفسر احتجاجاتهم بأنها من أفعال الثورة‬
‫المضادة ، والمعارضة رفضت دائما أن يتم تفسير‬
‫كل ما يحدث من حراك في الشارع بأنه مؤامرة‬
                           ‫منها إلسقاط الحكومة .‬

‫مثلت هذه العومل عناصر ضغط حقيقية على‬
‫الحكومة ( بالتونسي نقول "كبسة" ) ، ثم أنضاف‬
‫إليها عنصر آخر ال يقل أهمية ،هو اقتراب موعد‬
‫23 أكتوبر الذي تعتبر عديد األطراف أنه موعد‬
‫انتهاء الشرعية االنتخابية للحكومة حسب المرسوم‬
‫الذي نظم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.‬
                       ‫24‬
‫في هذا اإلطار وفي هذا التوقيت جاءت حملة "‬
‫اكبس" رافعة شعارات المحاسبة و التطهير وفتح‬
‫ملفات الفساد ، وهي من الشعارات الرئيسية للثورة‬
‫واليمكن معارضتها ، إنما من المفروض دعمها و‬
‫االنخراط فيها من المعارضة التي رفعت هذه‬
‫الحكومة.‬           ‫لمحاججة‬           ‫الشعارات‬
‫لكن دائما بين الشعارات و األفعال مساحة ،‬
‫فشعارات المحاسبة و التطهير التي رفعتها حملة‬
‫"اكبس" ، اثبت األفعال ( وقفة الجمعة 42 أوت‬
‫في العاصمة- وقفة السبت 4 سبتمبر في صفاقس)‬
‫أنها في جانب منها ال تختلف عن التبريرات التي‬
‫كانت تقدمها الحكومة من كونها عرضة للمؤامرة‬
‫من المعارضة و من الثورة المضادة..بل أن عديد‬
‫الشعارات التي رفعت في هذه التظاهرات كانت‬
‫موجهة للمعارضة وتدعم الحكومة و حضور‬
‫بعض المسؤولين الحكوميين ضمنها هو دليل قوي‬
                                             ‫.‬

‫فهل الحكومة الشرعية في حاجة لالنخراط في‬
‫حملها تحثها على فتح ملفات الفساد ؟ وهل الحزب‬
‫الحاكم ( حركة النهضة) في حاجة للنزول للشارع‬
‫للضغط على الحكومة التي شكلتها؟‬
‫حملة " اكبس" قد تكون فكرتها تتماشى و أهداف‬
                      ‫34‬
‫الثورة ، لكن أدائها يشير أنها لدعم الحكومة و‬
                  ‫الضغط على الشارع ليدعمها‬




                     ‫44‬
‫"الوفاق" بعد 23 أكتوبر..بين قوة الشعار وعراقيل‬
                     ‫الواقع‬


‫قبل أسابيع من موعد 23 أكتوبر 3413 ، بدأت مساحة‬
  ‫النقاش حول مستقبل حكومة "الترويكا " في‬
‫تونس تتوسّع ، بين من يعتقد أن الشرعية االنتخابية التي‬
‫تستند إليها هذه الحكومة تنتهي بحلول التاريخ المذكور‬
‫،وبين من يتمسك بشرعيتها إلى حين انتهاء المجلس‬
                   ‫الوطني التأسيسي من إعداد الدستور.‬
‫النقاش يتداخل فيه القانوني مع السياسي مع االلتزام‬
‫األخالقي ( وثيقة 14 سبتمبر 4413) ،ويشمل إلى جانب‬
‫الفاعلين السياسيين المعنيين بممارسة الحكم ،‬
            ‫ّ‬
‫األخصائيين في القانون الدستوري ، كل يقدم حججه‬
‫ومبرراته لما يمكن أن تكون عليه مرحلة ما بعد 32‬
‫أكتوبر ، دون التوصل إلى حد اآلن إلى وفاق حقيقي‬
                 ‫يحدد عناصر هذه المرحلة ومسارها.‬
                                           ‫****‬
‫غياب الوفاق له ما يفسره على أرض الواقع، وأيضا في‬
                         ‫54‬
‫العالقة بين األحزاب السياسية ألن هذا الجدل حول ما‬
‫بعد 23 أكتوبر يجري في مناخ سياسي يتسم ب:‬
‫.غياب إطار واضح للحوار الوطني بين الفاعلين‬
‫السياسيين وكافة المتدخلين في الشأن الوطني ،وهو‬
‫اإلطار الذي لم تحرص حكومة "الترويكا" على بعثه‬
                           ‫رغم النداءات المتكررة.‬
‫.ارتفاع نسق التجاذبات السياسية استعدادا لالنتخابات‬
‫المقبلة خاصة أن كافة األحزاب بدأت تعدل بوصلتها‬
‫على االنتخابات المقبلة المزمع تنظيمها بعد االنتهاء من‬
                                       ‫إعداد الدستور.‬
‫.تباين في تقييم فترة حكم "الترويكا "، بين المعارضة‬
‫التي تصفها بالفاشلة لعدم قدرة الحكومة على التعاطي مع‬
‫أهم ملفات استحقاقات الثورة ، وبين الحكومة التي تعتبر‬
‫أنها كانت عرضة لتعطيل دورها وعرقلة نشاطها‬
                       ‫والتآمر عليها من أجل إسقاطها.‬
‫ويجري هذا النقاش أيضا في ظل مناخ اقتصادي و‬
‫اجتماعي يتسم بالهشاشة و االضطراب ، فإلى جانب‬
‫تواصل اإلضرابات و االعتصامات، خاصة في الجهات‬

                         ‫64‬
‫الداخلية ، تشير التقارير االقتصادية إلى صعوبة الظرف‬
‫االقتصادي في تونس وحاجته إلى مناخ من األمن و‬
                         ‫االستقرار لينتعش و ينمو.‬
‫وإضافة إلى ذلك فإن ملف العنف في المجتمع و التباين‬
‫الواضح بين الحكومة و المعارضة في تفسير دوافعه‬
‫وأسبابه وحدود مسؤولية الحكومة في توسّعه وانتشاره‬
‫أصبح بدوره عنصرا هاما ال يمكن التغافل عنه ، خاصة‬
‫أن الملف كانت له خالل المدة األخيرة تداعيات ملموسة‬
‫على صورة تونس في الخارج ( االعتداءات على‬
                ‫المبدعين – حادثة السفارة األمريكية.)..‬
                                               ‫****‬
‫في ظل هذا المناخ يدور الجدل و النقاش حول مرحلة‬
‫دقيقة من مراحل االنتقال الديمقراطي في تونس ، و ال‬
‫نعتقد أن أي نقاش مهما كانت إرادته جدية ونواياه‬
‫صادقة يمكن أن يفضي إلى وفاق إذا لم يتم تخليص‬
‫المشهد العام في البالد من العناصر و األسباب التي تعيق‬
                     ‫الوصول إلى قاعدة توافق حقيقية‬


                          ‫74‬
‫ونعتقد أن التأسيس آللية حوار وطني تجمع كافة الفاعلين‬
‫السياسيين تمثل الخطوة األولى المطلوبة حاليا ، وتتحمل‬
‫الحكومة المسؤولية في الحرص على بعثها ضمانا لسد‬
       ‫األبواب أمام أي مأزق جديد يمكن أن يهدد البالد .‬




                          ‫84‬
‫النهضة والسلفيون: التصادم غير المتكافئ‬
‫عندما دوى رصاص السلفية الجهادية في احدى‬
‫الضواحي الجنوبية للعاصمة التونسية في كانون‬
‫أول/ديسمبر 2006، انطلق الجدل بين النخب والفاعلين‬
‫السياسيين حول حجم هذا التيار واألسباب الخاصة‬
‫لظهوره. وكان للسيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة‬
‫رأيا في هذا الموضوع عبر عنه من مقر اقامته وقتها في‬
‫لندن قائال أن ما ظهر من السلفية هو "رأس جبل‬
                                           ‫الجليد".‬
‫الذين تابعوا ذلك الجدل والنقاش اعتبروا أن رأي‬
‫الغنوشي تضمن رسائل متعددة الى نظام بن علي.‬
‫الرسالة األولى تحذر من توسع قاعدة السلفية الجهادية‬
‫في البالد، والثانية تحاول إقناعه أن "ال مفر من التعاطي‬
              ‫مع االسالم المعتدل" في مواجهة التطرف.‬
‫عموما لم يكن موقف حركة النهضة (وهي في‬
‫المعارضة وقيادتها في الخارج) من السلفية الجهادية‬
‫بعيدا عن هذه الرؤية المستمدة أصال من مواقف حكومية‬
‫ودولية ظهرت بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 1006،‬
‫دفعت في اتجاه المزيد من التعاطي مع االسالم السياسي‬
                                            ‫المعتدل.‬
                          ‫94‬
‫بعد 11 كانون الثاني/يناير 1106 وهروب زين‬
‫العابدين، تغير المشهد السياسي في تونس، ووجدت‬
‫حركة النهضة نفسها طرفا أساسيا في المعادلة الجديدة،‬
‫ليس من موقع المعارضة وإنما من موقع أحد المكونات‬
‫الرئاسية للوفاق الذي حكم تونس في مرحلة أولى، ثم من‬
‫موقع الحزب الحاكم بعد انتخابات 26 تشرين‬
                                   ‫أول/أكتوبر 1106.‬
‫في المقابل برز الملف السلفي على سطح المشهد الجديد‬
‫بعد العفو عن الذين شاركوا في المواجهة المسلحة في‬
‫2006 والبروز العلني لعدد من قياداتهم وحضورهم‬
                        ‫الميداني في أكثر من محطة.‬
‫وبدا واضحا لكافة المراقبين أن مسار حركة النهضة في‬
‫التعاطي مع الوضع في تونس لن يكون هو مسار التيار‬
‫السلفي، فقد اختارت حركة النهضة دخول اللعبة‬
‫السياسية الجديدة من بابها الكبير مع ما تفرضه من‬
‫تحالفات وتنازالت وتوافقات، هدفها الوصول الى‬
                   ‫السلطة من بوابة العملية االنتخابية.‬
‫اختار التيار السلفي االستفادة من حضوره العلني‬
 ‫الفتكاك مواقع ميدانية دون التورط في العملية السياسية.‬
‫برز ذلك من خالل سيطرة السلفيين على العديد من‬
‫المساجد وخوضهم لمعركة النقاب في الجامعة التونسية‬
                          ‫05‬
‫الى جانب النشاط االجتماعي في عديد األحياء الفقيرة‬
                         ‫والجهات الداخلية المحرومة.‬
‫ورغم التباين الظاهري بين المسارين، فإن كل طرف‬
‫حاول االستفادة من مسار الطرف اآلخر، لتأكيد معطى‬
‫روج له بعض مشايخ وحكومات الخليج، وهو أن ثورات‬   ‫ّ‬
‫الربيع العربي هي ثورات إسالمية، سترد االعتبار‬
                   ‫لمكانة االسالم ودوره في المجتمع.‬
‫هذا ما يفسر غياب التصادم بين حركة النهضة و التيار‬
‫السلفي في أكثر من محطة. وقد حرصت حركة النهضة‬
‫(المنخرطة في العملية السياسية) على تأجيل هذا‬
‫التصادم، وهو تأجيل تحركه اعتبارات سياسية تقود‬
‫الحزب الحاكم الجديد الذي عمل على توسيع قاعدة حزام‬
‫المتعاطفين مع "مشروع الحكم اإلسالمي " في مواجهة‬
‫المشروع العلماني. وربما تطلب األمر غض الطرف‬
‫عن التجاوزات التي يقوم بها السلفيون. من ذلك‬
‫سيطرتهم بالقوة على المساجد وهجومهم على الحانات‬
          ‫وغلقها بالقوة ومنعهم لعديد التظاهرات الثقافية.‬
‫اقصى ما كان يصدر عن حركة النهضة والمسؤولين‬
‫الحكوميين أن التعاطي مع السلفيين يكون فقط بالحوار.‬
‫حيث تحدث زعيم الحركة السيد راشد الغنوشي في أكثر‬
‫من مناسبة عن ضرورة الحوار مع السلفيين، لكن دون‬
                          ‫15‬
‫أن تبرز نتائج هذا الحوار باستثناء التصريحات التي‬
‫أدلى بها في بعض المناسبات بعض زعماء ما يُعرف بـ‬
                                 ‫"السلفية العلمية".‬
‫لكن أمام توسع حجم تجاوزات السلفيين وتراخي السلطة‬
‫التنفيذية لوضع حد لهذه التجاوزات، تحرك المجتمع‬
‫المدني في تونس للتشهير بالطرفين، ووصلت أصداء‬
‫ذلك الى االعالم االجنبي. وأصبحت صورة الثورة‬
‫التونسية التي وصفت بثورة الياسمين وثورة الحرية و‬
          ‫الكرامة، مرتبطة بما أفرزته من عنف سلفي.‬
‫وما أحرج بالدرجة األولى حركة النهضة، خاصة، تفاقم‬
‫األوضاع االقتصادية واالجتماعية الهشة التي تتطلب‬
                ‫تدفق االستثمارات وانجاز المشاريع.‬
‫إن الضغط الداخلي على حركة النهضة من طرف‬
‫المجتمع المدني والمجتمع السياسي الى جانب الضغط‬
‫الدولي دفع الحكومة للتلويح بالتصادم مع السلفيين.‬
‫وكانت أولى تلميحات النهضويين أن جزء منهم‬
‫(السلفيين) هم "صنيعة النظام السابق" وأن من يحركهم‬
‫هم "فلول النظام السابق" الى التأكيد أنهم يخدمون‬
‫"أجندة الثورة المضادة"، ثم انطلقت حملة اعتقاالت‬
‫شملت بعض عناصر هذا التيار على خلفية تورطهم في‬
                                     ‫أعمال عنف .‬
                        ‫25‬
‫هذه الحملة وإن يعتبرها مراقبون ال ترتقي إلى ما‬
‫يستحقه هذا الملف من تعامل، إال أنها أعادت كل من‬
‫حركة النهضة والتيار السلفي إلى بداية مسارهما في‬
                      ‫التعاطي مع الوضع في تونس.‬
‫حركة النهضة بينت أنها الحركة السياسية المنخرطة في‬
‫اللعبة السياسية مع ما يتطلب ذلك من تقديم تنازالت حتى‬
‫على حساب أقرب التيارات الفكرية واإليديولوجية اليها،‬
‫من أجل ضمان استمرارها في السلطة. أما التيار السلفي‬
‫الذي يرفض االنخراط في السياسة الوضعية، يبدو أنه‬
                        ‫اختار سياسة الهروب إلى األمام.‬
‫اليمكن التكهن بنتائج هذا التصادم والدرجة التي يمكن أن‬
‫يبلغها. ليس من ناحية التيار السلفي الذي بين منذ ظهوره‬
‫العلني أنه ثابت على مواقفه وإنما من ناحية حركة‬
‫النهضة التي لم تخف أنها حركة براغماتية تتعامل مع‬
‫الوضع من خالل موازين القوى وما يضمن لها‬
                               ‫االستمرار في السلطة .‬




                          ‫35‬
‫حملة "اكبس".. االنتخابية‬
‫في جميع تحركاتهم حرص منظمو حملة "اكبس" على‬
‫التذكير بأنها مستقلة ال ترتبط بحزب "النهضة"‬
‫اإلسالمي، وأنها عنوانها الكبير هو الضغط على‬
      ‫الحكومة "من أجل تسريع تحقيق أهداف الثورة".‬
‫لكن النشاطات التي انطلقت قبل أسابيع في العاصمة‬
‫تونس وبلغت ذروتها في السابع من أيلول/سبتمبر‬
‫الجاري في اعتصام ساحة القصبة قرب مقر رئاسة‬
‫الحكومة تضع عالمات استفهام كبيرة على مزاعم‬
                                    ‫االستقاللية.‬
‫خمسة آالف جلّهم من أنصار التيار اإلسالمي شاركوا‬
‫في التظاهرة، كان يتقدمهم أحد أبرز قيادات النهضة‬
‫الحبيب اللوز والمستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي‬
                                           ‫زيتون.‬
‫الشعارات التي هتف بها المشاركون في القصبة كانت‬
‫هي نفسها التي حملها الحزب الحاكم في المجلس الوطني‬
‫التأسيسي. مهاجمة اإلعالم واإلعالميين جاءت بالطريقة‬
‫ذاتها التي تتردد على ألسنة المسؤولين في الحكومة، ما‬
‫يجعل من "اكبس" حلقة جديدة في سلسلة دعم الحكومة‬
 ‫المؤقتة ومساندتها في مواجهة االنتقادات الموجهة إليها.‬
                          ‫45‬
‫جاءت هذه المبادرة في فترة تزايدت فيها االنتقادات‬
‫ألداء الحكومة وخاصة ضعفها في التعاطي مع ملفات‬
‫التنمية وكشف ملفات الفساد و فرض األمن. ربما أكثر‬
‫هذه االنتقادات رمزية ما جاء على لسان رئيس‬
‫الجمهورية المؤقت ذاته الذي حذر من ثورة ثانية في‬
‫مناسبة أولى، ولمح إلى خطورة هيمنة حركة النهضة‬
                                     ‫ّ‬
                   ‫على مفاصل الدولة في مناسبة ثانية.‬


‫المتابع ألداء الحكومة يلحظ أن أغلب االنتقادات الموجهة‬
‫إليها لم تأت من فراغ، فالوقائع الميدانية تؤكد أن هذا‬
‫األداء مازال لم يرتق إلى ما انتظره أبناء الجهات الفقيرة‬
‫والمحرومة وشهداء وجرحى الثورة وما انتظره ضحايا‬
                                                ‫الفساد.‬
‫حاولت الحكومة في أكثر من مناسبة تبرير ضعف أدائها‬
‫مرة بـ" الثورة المضادة" وبإرباك المعارضة ألدائها،‬
‫وأخرى بحجم الملفات التي ورثتها عن النظام السابق‬
‫وأيضا عن الحكومة التي سبقتها (حكومة السيد الباجي‬
‫القايد السبسي)، وأحيانا بالقفز إلى األمام والقول - رغم‬
‫ذلك- أن الحكومة الحالية هي األقوى في تاريخ تونس‬
‫منذ االستقالل، دون أن تقدم ما يؤكد ذلك باستثناء أنها‬
                               ‫حكومة شرعية ومنتخبة.‬
                          ‫55‬
‫ال يبدو أن هذه التبريرات وجدت صداها القوي لدى‬
‫عموم الشارع في تونس، فأبناء الجهات الداخلية‬
‫المحرومة الذين لم يكفوا عن االحتجاج رفضوا أن تفسر‬
‫احتجاجاتهم بأنها من أفعال الثورة المضادة، والمعارضة‬
‫رفضت دائما أن يتم تفسير كل ما يحدث من حراك في‬
‫الشارع بأنه مؤامرة منها إلسقاط الحكومة .‬

‫هذه العوامل مثّلت عناصر ضغط حقيقية على الحكومة.‬
‫يضاف إلى كل ذلك عنصر آخر ال يقل أهمية، هو‬
‫اقتراب موعد 26 تشرين أول/ أكتوبر، وهو موعد‬
‫انتهاء الشرعية االنتخابية للحكومة، حسب المرسوم الذي‬
‫نظم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي قبل أقل من‬
                                              ‫سنة.‬
‫في هذا اإلطار وفي هذا التوقيت جاءت حملة "اكبس"‬
‫التي لم يعد خافيا أنها حملة أنصار الحكومة لدعم‬
‫الحكومة وحملة أنصار حركة النهضة إلبراز أن‬
                ‫حركتهم مازال لها قاعدتها الشعبية.‬
‫حملة "اكبس" كما أرادها منظموها اكتفت إلى حد اآلن‬
‫بوقفة احتجاجات، لكن حملة "اكبس" الحقيقية التي‬
‫يمارسها العاطلون عن العمل وأبناء الجهات الداخلية‬

                        ‫65‬
‫المحرومة و أبناء األحياء الفقيرة الذين كانوا وقود ثورة‬
                 ‫11 كانون ثاني/ يناير مازالت مستمر‬


          ‫تونس ..عاصمة إلضرابات الجوع‬
‫بعد أكثر من سنة ونصف على سقوط النظام السابق،‬
‫مازالت اضرابات الجوع في تونس تسجل حضورا بقوة.‬
‫فقد دخل أعضاء من المجلس الوطني التأسيسي‬
‫(البرلمان) مطلع تشرين أول/ اكتوبر الجاري إضرابا‬
‫عن الطعام احتجاجا على حملة مداهمات واعتقاالت‬
‫شملت متظاهرين من مدينة منزل بوزيان التي قدمت‬
                      ‫أول شهيد في الثورة التونسية.‬
‫كما قام شيوخ وعجائز بعضهم تجاوز العقد الثامن،‬
‫بإضراب عن الطعام في المدينة ذاتها للمطالبة بإطالق‬
‫سراح أبنائهم، الذين احتجوا وتظاهروا للمطالبة بالحق‬
                 ‫في التشغيل ونصيب الجهة من التنمية.‬
‫صحفيون وصحافيات من دار الصباح وصحيفة السور‬
‫األسبوعية، أيضا دخلوا في اضراب جوع دفاعا عن‬
‫استقاللية المؤسسات االعالمية وعن حق الصحف في‬
                            ‫اإلعالنات العمومية.‬
                          ‫75‬
‫وقبل ذلك كان عشرات من جرحى الثورة وعائالت‬
‫الشهداء ومن العاطلين عن العمل دخلوا في اضرابات‬
                ‫عن الطعام في أكثر من مدينة وقرية.‬
‫صدى هذه االضرابات وصل الى وسائل االعالم‬
‫االجنبية في مشهد يذكر تماما بما كان عليه األمر قبل‬
‫الثورة، حتى أن بعض المسؤولين الجدد رددوا العبارات‬
‫ذاتها التي كان يرددها المسؤولون السابقون "ثمة من‬
           ‫يعمل على تشويه صورة تونس في الخارج".‬
‫بدأت قصة التونسيين مع اضرابات الجوع عندما أصبح‬
‫هذا الخيار هو الوسيلة الوحيدة أمام الحقوقيين والناشطين‬
‫السياسيين واالعالميين لمواجهة االستبداد، وهو خيار‬
‫صعب ألنه يضع حياة المضرب عن الطعام أمام خطر‬
‫معلوم، لكنه كان الخيار الذي ال مفر منه في مواجهة‬
                    ‫االستبداد والتضييق على الحريات.‬
‫وتمكن التونسيون بدء من سنة 0006 من مراكمة‬
                             ‫ً‬
‫تجربة نوعية في تنظيم هذا النوع من االضرابات، ففي‬
‫تلك السنة أضرب الصحفي توفيق بن بريك عن الطعام‬
‫احتجاجا على منعه من الكتابة وهو اضراب كسر حاجز‬
‫الخوف لدى العديد من التونسيين وفتح األبواب أمام‬
‫سلسلة أخرى من االضرابات يبقى أهمها اضراب 11‬
‫أكتوبر 2006 الذي شارك فيه حقوقيون وناشطون‬
                          ‫85‬
‫سياسيون وإعالميون من ضمنهم وزير حقوق االنسان‬
                ‫والعدالة االنتقالية الحالي سمير ديلو.‬
‫كان هذا االضراب هو األهم ألنه وحّد المعارضة‬
‫السياسية باختالف مرجعياتها االيديولوجية وجمع‬
  ‫ّ‬
‫الحقوقيين واالعالميين حول مطالب حرية االعالم‬
                               ‫وحرية التنظيم.‬
‫وأضربت أيضا المحامية والحقوقية راضية النصراوي‬
‫أكثر من ثالثين يوما احتجاجا على المضايقات التي‬
‫تعرضت لها، وأضرب في السجون مساجين حركة‬
‫النهضة، وهي االضرابات التي قال عنها الناشط‬
‫الحقوقي السوري هيثم مناع إنها "األطول في السجون‬
                                      ‫األفريقية".‬
‫لقد ساهمت هذه االضرابات، وقتها، في وضع ملف‬
‫حقوق االنسان والحريات في تونس تحت المجهر،‬
‫وحظيت بمتابعة في أعلى الهيئات االوروبية‬
‫واألمريكية، وهو ما أحرج كثيرا النظام السابق الذي‬
‫عجز عن رسم صورة أخرى لتونس غير صورة البلد‬
            ‫الذي تنتهك فيه الحريات و حقوق االنسان.‬
‫بعد الثورة، سقطت كافة القيود التي كانت مفروضة على‬
‫الحريات وعلى حقوق االنسان في تونس، ووجد بعض‬
                         ‫95‬
‫من كانوا يشاركون في اضرابات الجوع أنفسهم في‬
‫مواقع قيادية في الدولة، وكأن الثورة كافأتهم على تلك‬
                                         ‫النضاالت.‬
‫الثورة التونسية كانت في جوهرها ثورة على الخيارات‬
‫االقتصادية واالجتماعية للنظام السابق، التي حرمت‬
‫جهات وأقاليم كاملة من تنمية حقيقية، فتوسع الفقر‬
‫وارتفعت نسب البطالة وغرق الشباب في قوارب الموت‬
          ‫نحو الضفة الشمالية للبحر االبيض المتوسط.‬
‫وكان من المفروض أن يعي المسؤولون الجدد الذين‬
‫جاؤوا للحكم من النضال السياسي والحقوقي ومن‬
‫اضرابات الجوع داخل السجون وخارجها، جوهر الثورة‬
‫وبالتالي جوهر انتظارات ابناء الجهات المحرومة‬
 ‫والمهمشة والعاطلين عن العمل و سكان األحياء الفقيرة.‬
‫لكن ما حصل أن كل الحكومات التي تعاقبت منذ 11‬
‫كانون الثاني/يناير 1106 بما في ذلك الحكومة المنتخبة‬
‫يوم 26 اكتوبر 1106، جعلت من االصالحات‬
‫االقتصادية واالجتماعية تحتل مراتب متأخرة في‬
‫أولوياتها، معوضة االجراءات الملموسة بالوعود مرة‬
‫وباإلشارة الى صعوبة ودقة الوضع االقتصادي في‬
                                     ‫أغلب األحيان.‬

                         ‫06‬
‫لم يلمس الشباب الذي كان وقود الثورة ثمار دوره في‬
‫اسقاط النظام السابق، ولم يتغير حال الجهات الداخلية‬
‫التي بقيت محرومة ومهمشة، ولم تفلح الوعود والحلول‬
‫اللفظية في اقناع هؤالء، فكان من الطبيعي أن تبرز من‬
    ‫جديد الحركات االحتجاجية وتتوسع الحركة المطلبية.‬
‫إن المتمعن في التوزيع الجغرافي والقطاعي لهذه‬
‫التحركات يالحظ أنها في الجهات والقطاعات التي‬
                       ‫انطلقت منها شرارة الثورة.‬
‫وقد تعاملت الحكومة الحالية مع هذه التحركات بأساليب‬
‫مختلفة، فمن وصف المحتجين بأدوات "بيد الثورة‬
‫المضادة" و"أزالم النظام السابق" الى استعمال الحل‬
‫االمني، دون أن تتقدم في ايجاد حلول لألسباب الحقيقية‬
          ‫لهذه االحتجاجات أي الحق في الشغل والتنمية.‬
‫ويبقى مثال مدينة منزل بوزيان (محافظة سيدي بوزيد)‬
‫هو األبرز، فقد استعمل ابناء هذه المدينة كافة االشكال‬
‫للفت انتباه الحكومة الى حقيقة أوضاعهم لكن دون‬
‫جدوى، مما اضطرهم الى التصعيد في حركة احتجاجهم‬
‫وهو ما قابلته الحكومة بجملة من المداهمات واالعتقاالت‬
 ‫شملت العديد من الشبان أغلبهم ممن شاركوا في الثورة.‬


                         ‫16‬
‫وأمام هذه االعتقاالت ورفض الحكومة اطالق سراح‬
‫المعتقلين لم يبق اال خيار اضراب الجوع الذي شارك فيه‬
‫شيوخ تجاوز بعضهم عقده الثامن وساندهم أعضاء من‬
                        ‫المجلس الوطني التأسيسي .‬
‫وفي قطاع االعالم ال يبدو االمر مغايرا، فرغم‬
‫التحذيرات التي اطلقها المهنيون وهياكلهم الممثلة من‬
‫محوالت الحكومة إلعادة انتاج الهيمنة على قطاع‬
‫االعالم، ليكون اداة بيدها مثلما كان الشأن قبل ثورة 11‬
                                        ‫يناير 1106.‬
‫اعتبرت الحكومة دائما أن االعالم غير محايد وال‬
‫يتعاطى مع الحكومة المنتخبة بما يتطلب التعاطي مع‬
‫حكومة "تمثل إرادة الشعب"، وبلغ األمر بأنصار‬
‫الحكومة واألحزاب المكونة لها الى حد توصيف االعالم‬
‫أنه أداة "بيد الثورة المضادة". بل وذهبت الحكومة في‬
‫خطوات عملية اكدت انها بصدد وضع يدها على االعالم‬
‫من أجل السيطرة عليه وذلك من خالل سلسلة من‬
‫التعيينات على راس بعض المؤسسات االعالمية من‬
                                ‫ضمنها دار الصباح.‬
‫تمت هذه التعيينات بشكل فوقي دون التشاور بين الهيكل‬
‫الممثلة وهو ما صعد من شدة االحتجاجات انتهت‬

                         ‫26‬
‫بإضراب الجوع الذي شنه مجموعة من الصحفيين ألكثر‬
      ‫من شهر دفاعا عن استقاللية المؤسسة االعالمية.‬
‫تونس مازالت عاصمة اضرابات الجوع رغم الثورة‬
‫التي حصلت وهو ما يعني ان اهداف الثورة مازالت لم‬
           ‫تحقق ألن في تحقيقها سيرحل هذا التوصيف‬




                        ‫36‬
‫عودة إلى صحافة بن علي‬
‫منذ إعالن تشكيلها قبل أقل من سنة ترى الحكومة‬
‫المؤقتة أن االعالم التونسي غير محايد وال يتعاطى معها‬
‫بصفتها حكومة منتخبة تمثل "إرادة الشعب". بل إن‬
‫األمر بلغ باألحزاب الثالثة المكونة للحكومة إلى حد‬
        ‫وصف االعالم بأنه "أداة بيد الثورة المضادة".‬
‫في المقابل تتهم النقابات اإلعالمية الحكومة بالعمل على‬
‫إعادة انتاج الهيمنة على قطاع االعالم، متحدثة عن‬
‫"حساسية مفرطة" لدى حزب النهضة اإلسالمي على‬
                  ‫وجه الخصوص إزاء حرية التعبير.‬
‫التجاذب بين الطرفين مازال قائما، بل تحول إلى معركة‬
‫بين مدافعين ومتمسكين باستقاللية االعالم وبين محاولين‬
‫لتركيعه والسيطرة عليه مثلما كان الشأن قبل ثورة 11‬
                                       ‫جانفي 1106.‬
               ‫ّ‬
‫في هذا المناخ من االتهامات المتبادلة قدم حزب المؤتمر‬
‫من أجل الجمهورية (حزب رئيس الجمهورية منصف‬
‫المرزوقي) مشروع قانون جديد للصحافة وحرية التعبير‬
         ‫يخفف – حسب رأي الحزب- من هذا التجاذب.‬


                         ‫46‬
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا
تونس ..سنة بعد حكم الترويكا

Weitere ähnliche Inhalte

Ähnlich wie تونس ..سنة بعد حكم الترويكا

جائحة كوفيد 19 في تونس: السياسة، السياسات العامة، والتحركات االحتجاجية
جائحة كوفيد 19 في تونس: السياسة، السياسات العامة، والتحركات االحتجاجية جائحة كوفيد 19 في تونس: السياسة، السياسات العامة، والتحركات االحتجاجية
جائحة كوفيد 19 في تونس: السياسة، السياسات العامة، والتحركات االحتجاجية
Jamaity
 
الحوار الوطني الانموذج االتونسي في اهدار الفرص
الحوار الوطني الانموذج االتونسي في اهدار الفرصالحوار الوطني الانموذج االتونسي في اهدار الفرص
الحوار الوطني الانموذج االتونسي في اهدار الفرص
Mbarki Noureddine
 
المنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي بقلم عزالدين مبارك
المنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي بقلم عزالدين مباركالمنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي بقلم عزالدين مبارك
المنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي بقلم عزالدين مبارك
ezzeddine mbarek
 
حركة أحرار من نحن
حركة أحرار  من نحنحركة أحرار  من نحن
حركة أحرار من نحن
Ahrarmov
 
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
Qasim A. Rasool
 
هل هناك-يسار-تونسي
هل هناك-يسار-تونسيهل هناك-يسار-تونسي
هل هناك-يسار-تونسي
Med Aymen Oueslati
 
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
bahrainhistory
 

Ähnlich wie تونس ..سنة بعد حكم الترويكا (20)

جائحة كوفيد 19 في تونس: السياسة، السياسات العامة، والتحركات االحتجاجية
جائحة كوفيد 19 في تونس: السياسة، السياسات العامة، والتحركات االحتجاجية جائحة كوفيد 19 في تونس: السياسة، السياسات العامة، والتحركات االحتجاجية
جائحة كوفيد 19 في تونس: السياسة، السياسات العامة، والتحركات االحتجاجية
 
الحوار الوطني الانموذج االتونسي في اهدار الفرص
الحوار الوطني الانموذج االتونسي في اهدار الفرصالحوار الوطني الانموذج االتونسي في اهدار الفرص
الحوار الوطني الانموذج االتونسي في اهدار الفرص
 
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسيةهل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
هل غيرت سطوة الأحزاب مسار الثورة التونسية
 
المنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي بقلم عزالدين مبارك
المنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي بقلم عزالدين مباركالمنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي بقلم عزالدين مبارك
المنافع الاقتصادية للنظام الديمقراطي بقلم عزالدين مبارك
 
تقدير موقف حول حكومة الوحدة الوطنية
تقدير موقف حول حكومة الوحدة الوطنيةتقدير موقف حول حكومة الوحدة الوطنية
تقدير موقف حول حكومة الوحدة الوطنية
 
Map minimal
Map minimalMap minimal
Map minimal
 
الفجر 250
الفجر 250الفجر 250
الفجر 250
 
حركة أحرار من نحن
حركة أحرار  من نحنحركة أحرار  من نحن
حركة أحرار من نحن
 
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي
المنصف المرزوقي في حضن الاسلام السياسي
 
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
 
Map+couv
Map+couvMap+couv
Map+couv
 
هل هناك-يسار-تونسي
هل هناك-يسار-تونسيهل هناك-يسار-تونسي
هل هناك-يسار-تونسي
 
الفجر 215
الفجر 215الفجر 215
الفجر 215
 
554
554554
554
 
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
عرض ورقة عمل «رؤيتنا»
 
Globalisasi : Cabaran dan Implikasinya Dalam Pendidikan Serta Cara Menanganinya
Globalisasi : Cabaran dan Implikasinya Dalam Pendidikan Serta Cara MenanganinyaGlobalisasi : Cabaran dan Implikasinya Dalam Pendidikan Serta Cara Menanganinya
Globalisasi : Cabaran dan Implikasinya Dalam Pendidikan Serta Cara Menanganinya
 
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي
تونس:الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة للدكتور عبد اللطيف الحناشي
 
الفجر 218
الفجر 218الفجر 218
الفجر 218
 
العمل التطوعي وادارة المتطوعين
العمل التطوعي وادارة المتطوعينالعمل التطوعي وادارة المتطوعين
العمل التطوعي وادارة المتطوعين
 
الفجر212
الفجر212الفجر212
الفجر212
 

Mehr von Mbarki Noureddine

"الرابطة الجهادية التونسية – الليبية"(
"الرابطة الجهادية التونسية – الليبية"( "الرابطة الجهادية التونسية – الليبية"(
"الرابطة الجهادية التونسية – الليبية"(
Mbarki Noureddine
 
قوانين مكافحة الارهاب
قوانين مكافحة الارهابقوانين مكافحة الارهاب
قوانين مكافحة الارهاب
Mbarki Noureddine
 
التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب
التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهابالتجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب
التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب
Mbarki Noureddine
 
تنظيم الدولة الاسلامية - الأزمة السنية و الصراع على الجهادية العالمية
تنظيم الدولة الاسلامية - الأزمة السنية و الصراع على الجهادية العالمية تنظيم الدولة الاسلامية - الأزمة السنية و الصراع على الجهادية العالمية
تنظيم الدولة الاسلامية - الأزمة السنية و الصراع على الجهادية العالمية
Mbarki Noureddine
 
كيف يمكن مواجهة الانفلات الاعلامي بعد الثورات
كيف يمكن مواجهة الانفلات الاعلامي بعد الثوراتكيف يمكن مواجهة الانفلات الاعلامي بعد الثورات
كيف يمكن مواجهة الانفلات الاعلامي بعد الثورات
Mbarki Noureddine
 
خطاب المؤامرة و الانقلاب في تونس
خطاب المؤامرة و الانقلاب في تونسخطاب المؤامرة و الانقلاب في تونس
خطاب المؤامرة و الانقلاب في تونس
Mbarki Noureddine
 

Mehr von Mbarki Noureddine (20)

قراءات ومقاربات حول الارهاب في تونس
قراءات ومقاربات حول الارهاب في تونسقراءات ومقاربات حول الارهاب في تونس
قراءات ومقاربات حول الارهاب في تونس
 
"الرابطة الجهادية التونسية – الليبية"(
"الرابطة الجهادية التونسية – الليبية"( "الرابطة الجهادية التونسية – الليبية"(
"الرابطة الجهادية التونسية – الليبية"(
 
قوانين مكافحة الارهاب
قوانين مكافحة الارهابقوانين مكافحة الارهاب
قوانين مكافحة الارهاب
 
التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب
التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهابالتجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب
التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب
 
تنظيم الدولة الاسلامية - الأزمة السنية و الصراع على الجهادية العالمية
تنظيم الدولة الاسلامية - الأزمة السنية و الصراع على الجهادية العالمية تنظيم الدولة الاسلامية - الأزمة السنية و الصراع على الجهادية العالمية
تنظيم الدولة الاسلامية - الأزمة السنية و الصراع على الجهادية العالمية
 
كيف يمكن مواجهة الانفلات الاعلامي بعد الثورات
كيف يمكن مواجهة الانفلات الاعلامي بعد الثوراتكيف يمكن مواجهة الانفلات الاعلامي بعد الثورات
كيف يمكن مواجهة الانفلات الاعلامي بعد الثورات
 
تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014
تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014
تقرير حول الانتحار و محاولات الانتحار في تونس سنة 2014
 
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونس
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونسملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونس
ملخّص مشروع قانون المالية لسنة 2015/ تونس
 
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانيةحول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
حول الديمقراطية التوافقية / التجربة العراقية و اللبنانية
 
الديمقراطية التوافقية آرنت ليبهارت
الديمقراطية التوافقية  آرنت ليبهارتالديمقراطية التوافقية  آرنت ليبهارت
الديمقراطية التوافقية آرنت ليبهارت
 
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوارقصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
قصة عبد الرؤوف المقدمي مع الصحافة ودار الأنوار
 
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...
تقرير حول التعددية السياسية في القنوات التلفزية والاذاعية خلال الأسبوع الأول ...
 
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬
‫دليـل التصدي‬ ‫لجريمـة التعذيـب‬ ‫في القانون التونسي‬
 
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014
تقرير الاتحاد العام التونسي للشغل جول انتخابات 26 أكتوبر2014
 
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...
تقرير الأسبوع الأوّل من الحملة الانتخابية التشريعية (تونس)حول التعددية السياس...
 
خطاب المؤامرة و الانقلاب في تونس
خطاب المؤامرة و الانقلاب في تونسخطاب المؤامرة و الانقلاب في تونس
خطاب المؤامرة و الانقلاب في تونس
 
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف وثائق - قرارات)
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف   وثائق - قرارات)منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف   وثائق - قرارات)
منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني (تعريف وثائق - قرارات)
 
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسية
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسيةالسيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسية
السيرة الذاتية للمترشحين للانتخابات الرئاسية
 
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروبا
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروباتجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروبا
تجارب الاعلام المرئي و المسموع في اوروبا
 
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابيةدليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية
دليل الصحفيين التونسيين لتغطية الحملة الانتخابية
 

تونس ..سنة بعد حكم الترويكا

  • 1. 1
  • 2. ‫لم يستوعب الفاعلون السياسيون في تونس جوهر‬ ‫الثورة وقيمتها وإن عبروا عن ذلك ..لقد أضفوا‬ ‫قراءاتهم السياسية و اإليديولوجية على حراك الفقراء‬ ‫و المهمشين فحادوا بالثورة عن مسارها الحقيقي ، و‬ ‫التجاذبات السياسية التي يشهدها المشهد السياسي‬ ‫العام هو أحد اإلفرازات المكشوفة.‬ ‫2‬
  • 3. ‫حركة النهضة بين االنفتاح و الهيمنة.‬ ‫كان بإمكان حركة النهضة باعتبارها الحزب الفائز في‬ ‫االنتخابات أن تؤكد منذ البداية أنها ستقود البالد في هذه‬ ‫المرحلة المؤقتة بالطريقة التي تراها مناسبة ، دون أن‬ ‫تضطر إلى بعث رسائل اطمئنان و دون أن تؤكد أن‬ ‫الحكومة المؤقتة ستكون حكومة ائتالف وطني مفتوحة‬ ‫أمام الجميع للمساهمة في إنجاح هذه المرحلة.‬ ‫ال أحد كان سيلومها على ذلك باعتبارها الحزب الفائز‬ ‫في انتخابات شرعية وبالتالي فإن قيادتها لهذه المرحلة‬ ‫هي قيادة شرعية مصدرها الناخب.‬ ‫لكن أن تدعو حركة النهضة إلى حكومة ائتالف وطني و‬ ‫إلى االنفتاح على كافة األطراف ، وفي الوقت ذاته تعمل‬ ‫من أجل الهيمنة على السلطة التنفيذية و التشريعية مما‬ ‫يجعل بقية األطراف مجرد ديكور ، فهذا غير معقول و‬ ‫غير مقبول.‬ ‫مؤشرات نزعة الهيمنة المطلقة لحركة النهضة تظهر‬ ‫من خالل ما يلي:‬ ‫-استئثارها بأغلب الوزارات بما في ذلك وزارات‬ ‫السيادة.‬ ‫-السلطة شبه المطلقة لرئيس الحكومة و في‬ ‫المقابل تحديد صالحيات بقية أعضاء السلطة التنفيذية (‬ ‫3‬
  • 4. ‫مشروع قانون تنظيم السلط العمومية الذي قدم للمجلس‬ ‫التأسيسي.)‬ ‫-نزعة الهيمنة على أشغال المجلس التأسيسي و‬ ‫سيطرتها على اللجان.‬ ‫ربما من حق حركة النهضة أن تستثمر األغلبية التي‬ ‫حصلت عليها في انتخابات 23 أكتوبر للمحطات المقبلة‬ ‫وهو أمر مشروع و كان يمكن أن يمارسه أي حزب فاز‬ ‫باألغلبية ، لكن هذا يتناقض مع خطابها الداعي لالنفتاح‬ ‫على الجميع و يتناقض مع خصوصية المرحلة التي تمر‬ ‫بها تونس التي تتطلب مشاركة الجميع في إعادة بناء‬ ‫الدولة و مؤسساتها و اقتصادها ...مشاركة حقيقية و‬ ‫ليست مشاركة صورية.‬ ‫4‬
  • 5. ‫أوقفوا هذا المسار‬ ‫ثمة مسار يجب أن يتوقّف، ألن في استمراره وتواصله‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫خطورة ليس فقط على ثورة 14 جانفي وما جاءت به من‬ ‫قيم ومبادئ وإنما أيضا على وحدة التونسيين والمشترك‬ ‫بينهم.‬ ‫هذا المسار الذي يسعى البعض للنفخ فيه وتضخيمه‬ ‫ليكون من األولويات المطروحة ليس أمام النخب‬ ‫والناشطين السياسيين فحسب بل أيضا أمام "المواطن‬ ‫العادي"، هو تحويل قاعدة الفرز بين من يدفع لتنجز‬ ‫الثورة مهامها السياسية واالقتصادية واالجتماعية وبين‬ ‫من يبحث بكافة الوسائل لاللتفاف عليها وحصرها في‬ ‫أفق محدود، إلى قاعدة فرز جديدة بين المؤمنين‬ ‫والعلمانيين، بين "الغيورين على المقدسات" وبين‬ ‫"المشككين فيها".‬ ‫قاعدة الفرز هذه التي يحرص البعض إليجاد المبررات‬ ‫الميدانية والواقعية لها، تبقى مسقطة ومفتعلة ألنها تمس‬ ‫من وحدة التونسيين حول دينهم وعروبتهم، وتشكك في‬ ‫المشترك بينهم منذ قرون.‬ ‫5‬
  • 6. ‫الموقف من المسالة الدينية لم يكن في يوم من األيام‬ ‫عنصر خالف بين التونسيين وعامل صراع بينهم، فلماذا‬ ‫النفخ في هذه النقطة وتحويلها إلى واجهة رئيسية في هذه‬ ‫المرحلة الدقيقة والحرجة من عمر الثورة؟‬ ‫ثورة 14 جانفي مازالت تترصد بها المخاطر الداخلية‬ ‫والخارجية .وتوجيه بوصلة الشعب الذي أنجز هذه‬ ‫الثورة إلى وجهة غير حماية ثورته ودفعها النجاز كافة‬ ‫مهامها نعتقد انه أمر مشبوه، وال يخدم إال أغراض‬ ‫المتربصين بها.‬ ‫6‬
  • 7. ‫كلية اآلداب بمنوبة : معركة مواقف أم مواقع‬ ‫ما تشهده كلية اآلداب بمنوبة هو حلقة غير منفصلة عن‬ ‫ُ‬ ‫سلسلة كاملة من الممارسات الممنهجة بدأت بعدد من‬ ‫ُ‬ ‫المساجد و الجوامع و الكتاتيب و الفضاءات العمومية‬ ‫لتصل إلى الجامعة في انتظار بقية الحلقات.‬ ‫اكتفت هياكل الدولة و مؤسسات المجتمع المدني و‬ ‫األحزاب السياسية بمراقبة ما يحدث دون أن تتدخل‬ ‫ّ‬ ‫لوضع حد لتزايد حلقات السلسلة و أقصى ما قامت به‬ ‫بيانات اإلدانة التي تعبّر عن القلق، فيما اآلخرون يفتكون‬ ‫المساحة تلوى المساحة.‬ ‫المعركة من وجهة نظر المجتمع المدني و األحزاب‬ ‫السياسية هي معركة مواقف ، فيما هي معركة مواقع‬ ‫بالنسبة للسلفيين شعارهم: افتكاك أوسع ما يمكن من‬ ‫المساحات وفرض األمر الواقع.‬ ‫هياكل ومؤسسات الدولة لم تتحرك إما ألنها مشلولة أو‬ ‫ألنها تمارس الحياد في وقت ال حياد فيه مع مكتسبات‬ ‫المجتمع و بنيته.‬ ‫المعركة مازالت ستتواصل تحت شعار " ذراعك يا‬ ‫عالّف" ما دامت الدولة مستقيلة و المجلس التأسيسي‬ ‫مهتم بخالفات صلوحيات الرئاسات الثالث و األحزاب‬ ‫منها المهتم بالحقائب الوزارية و منها من يبحث عن‬ ‫آليات ممارسة المعارضة‬ ‫7‬
  • 8. ‫هناك من يسعى إلعادة إنتاج القيود على حرية الرأي و‬ ‫التعبير‬ ‫قبل ثورة 14 جانفي 4413 كان شعار و مطلب حرية‬ ‫الرأي و التعبير حلقة رئيسية في العمل النقابي الصحفي‬ ‫و النشاط الحقوقي و السياسي في تونس ، أغلب القوى‬ ‫رفعت هذا الشعار و دافعت عن هذا المطلب ألن حرية‬ ‫الرأي و التعبير هي إحدى المداخل الرئيسية ألي عملية‬ ‫تغيير.‬ ‫و بعد الثورة سقطت أغلب القيود عن ممارسة هذه‬ ‫الحرية خاصة المفروضة على اإلعالميين باعتبارهم‬ ‫الجهة األولى المعنية بهذه الحرية من خالل األشكال‬ ‫الصحفية التي ينتجونها.‬ ‫وكشف المناخ الجديد قوة التعدد و االختالف و هي‬ ‫مسالة طبيعية لصيقة بأي مجتمع.‬ ‫لكن ما يُالحظ أن هناك من يسعى إلعادة إنتاج القيود‬ ‫على حرية الرأي و التعبير بأشكال جديدة مثل التكفير و‬ ‫التخوين و التشكيك حتى في النوايا ..فقط لالختالف في‬ ‫الرأي.‬ ‫االختالف في الرأي مبدأ أساسي ألي عملية تقدم و شرط‬ ‫هام ألي نقاش و جدل حقيقيين ، ومن يعمل على تقييد‬ ‫حرية الرأي و التعبير فإنه يضع القيود أمام أي تقدم‬ ‫حقيقي وجاد.‬ ‫8‬
  • 9. ‫و أعتقد أن ما يتعرض له عدد من اإلعالميين خاصة من‬ ‫تكفير وتخوين بسبب أراء عبروا عنها تختلف نسبيا أو‬ ‫كليا مع أراء آخرين هي مسألة خطيرة و تمس بالدرجة‬ ‫األولى من مساحة حرية الرأي و التعبير التي تحققت بعد‬ ‫ثورة 14 جانفي.‬ ‫9‬
  • 10. ‫الحكومة الجديدة:الحلقة المفقودة في المخرج من‬ ‫الوضع الراهن‬ ‫تُدرك حركة النهضة وحليفاها أن عوائق كثيرة ومتنوعة‬ ‫تمأل الطريق أمام الحكومة الجديدة ، أهم هذه العوائق و‬ ‫أخطرها الملف االقتصادي و تداعياته االجتماعية‬ ‫،خاصة في الجهات التي كانت تنتظر نصيبها من التنمية‬ ‫في فترة بن علي و تنتظر اليوم نصيبها من الثورة.‬ ‫خطورة الملف االقتصادي و االجتماعي ال تكمن فقط في‬ ‫المؤشرات الحالية التي تنذر بأزمة حقيقة حسب‬ ‫األخصائيين و الفاعلين االقتصاديين ، بل أيضا في خطط‬ ‫و آليات الخروج من هذا الوضع الذي يرفض التعامل‬ ‫بالعواطف و حسن النوايا و اإلرادة االيجابية.‬ ‫ال نخال أن "مهندسي" الحكومة الجديدة تغيب عنهم‬ ‫حقيقة أنهم سيحاسبون على نتائج أعمالهم و أدائهم‬ ‫الملموس و ليس على شعارات الوفاء للثورة و الصدق‬ ‫في العمل، و هو األمر الذي يتطلب منهم فهما دقيقا لواقع‬ ‫دقيق يتداخل فيه أكثر من معطى.‬ ‫ُ‬ ‫لم تبدأ الحكومة الجديدة بعد في عملها و تنفيذ مخططاتها‬ ‫للحكم لها أو عليها و حتى إن بدأت فإن األمر يتطلب‬ ‫منحها الوقت الكافي للتقييم ..لكن ذلك ال يمنع من‬ ‫اإلشارة أن المقدمات و الخطوات األولى في اتجاه‬ ‫01‬
  • 11. ‫ممارسة الحكومة تدفع للتساؤل عن مدى التآلف‬ ‫الحكومي الجديد وعموده الفقري حركة النهضة واع‬ ‫بحجم التحديات و خاصة بمخارج األزمة.‬ ‫الحلقة الرئيسية في مخرج األزمة هي الوفاق الحقيقي‬ ‫بين الفاعلين السياسيين و االقتصاديين و االجتماعيين‬ ‫على أرضية مشاركة هذه األطراف مع بعضها في رسم‬ ‫خطة الخروج من الوضع الراهن، هذه الحلقة ال يبدو أنه‬ ‫تم المسك بها على األقل إلى حد اللحظة.‬ ‫ويظهر ذلك من خالل:‬ ‫توزيع المسؤوليات الحكومية لم يتم على قاعدة ما‬ ‫‪‬‬ ‫يتطلبه الوضع في البالد من وفاق بين الفاعلين السياسيين‬ ‫و االقتصاديين و االجتماعيين ، بل تم على قاعدة حزبية‬ ‫ضيقة.‬ ‫تعمق الهوة بين عدد من الفاعلين السياسيين بسبب‬ ‫‪‬‬ ‫سيطرة منطق األغلبية و األقلية، رغم أن المرحلة‬ ‫الحالية للبالد ال تحتمل هذا التقسيم وهذا الفرز.‬ ‫تعدد اإلشارات و التصريحات حول وجود‬ ‫‪‬‬ ‫مؤامرات لعرقلة الحكومة المقبلة ، وهي إشارات خطيرة‬ ‫ألنها ربما تضع من اآلن تفسيرا ألسباب فشل الحكومة‬ ‫الجديدة ( إن فشلت.)‬ ‫11‬
  • 12. ‫التعاطي السلبي مع بعض التحركات االحتجاجية‬ ‫‪‬‬ ‫ذات الطابع االجتماعي و النظر إليها فقط من زاوية‬ ‫المؤامرة.‬ ‫التقليل من حجم األزمة االقتصادية و اعتبار‬ ‫‪‬‬ ‫بعض التصريحات في هذا الصدد، تصريحات سياسية‬ ‫باألساس.‬ ‫نأمل كما يأمل أي تونسي أن تثبت الحكومة الجديدة أن‬ ‫هذه المؤشرات ظرفية.و أن فترة إدارتها لشؤون البالد‬ ‫ستؤسس لمرحلة جديدة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا.‬ ‫21‬
  • 13. ‫الصورة المقلوبة !‬ ‫ال يبدو المشهد العام في البالد واضحا أو على األقل يدفع‬ ‫لالطمئنان فالضبابية والخوف من االنزالق نحو‬ ‫المجهول عناصر مازالت تلقي بظاللها ويرددها‬ ‫المواطن العادي كما المراقب السياسي.‬ ‫السؤال الذي يتردد : " البالد وين ماشية ؟" وهو مستمد‬ ‫من الوقائع الميدانية وما يحدث على األرض ، اقتصاد‬ ‫تكاد تالمس نسبة نموه صفر بالمائة و مصانع ال تعمل و‬ ‫ّ‬ ‫ارتفاع في نسبة البطالة و القطاع السياحي يعاني‬ ‫صعوبات وتجاذبات سياسية عميقة.‬ ‫هذا هو المشهد العام رغم حصول انتخابات أفرزت‬ ‫مجلسا تأسيسيا أنتخب حكومة لتسيير البالد و الخروج‬ ‫بها من عنق الزجاجة.‬ ‫األكيد أن ثورة 14 جانفي 4413 لم تنجز إلحداث هذا‬ ‫"االنقالب السلبي" في البالد . إنما أنجزها الشباب وأبناء‬ ‫الجهات الداخلية المعدمون من أجل الحرية والتشغيل‬ ‫والتنمية العدالة ، من أجل وجه جديد لتونس.‬ ‫31‬
  • 14. ‫ماذا حدث؟‬ ‫في السياسة التبرير وتركيب الجمل لرسم صورة معينة‬ ‫مسألة سهلة ويمكن ألي ناشط سياسي أن يجد بدل‬ ‫التبرير الواحد عشرات التبريرات . كالقول إن المرحلة‬ ‫الحالية استثنائية، أو أن تونس مازالت تعيش المرحلة‬ ‫االنتقالية ، أو أن قوى الثورة المضادة مازالت تتحرك‬ ‫إلفشال الثورة...‬ ‫قد ال يختلف عاقالن حول هذه العوائق وأهمية تأثيرها‬ ‫في الواقع لكنها وحدها ال تفسر ما يحدث عن األرض‬ ‫ثمة عناصر أخرى ال تقل أهمية وخطورة أهمها أن‬ ‫العملية السياسية ما زالت تحتل النصيب األكبر في‬ ‫اهتمامات الفاعلين السياسيين مما جعل مسارها ( مسار‬ ‫العملية السياسية) يسير في طريق عكسي لمسار التنمية‬ ‫واإلصالح االجتماعي. وهو ما يذكر بإحدى مفارقات‬ ‫نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الذي كان‬ ‫يفتخر بتقدم نسبة النمو وسالمة االقتصاد وفي الوقت‬ ‫ذاته كان منغلقا سياسيا وال يسمح بالحريات ويقمع الرأي‬ ‫اآلخر.‬ ‫أما اليوم فإن الصورة أصبحت مقلوبة فالفاعلون‬ ‫السياسيون يشيدون بفضاءات الحرية والديمقراطية وتقدم‬ ‫41‬
  • 15. ‫العملية السياسية وفي الوقت ذاته هناك صعوبات‬ ‫اقتصادية واجتماعية خطيرة تنذر بأزمة حقيقية.‬ ‫بعد 14 جانفي اكتشف الجميع أن الرفاه االجتماعي‬ ‫والتقدم االقتصادي لنظام بن علي كانت أكذوبة فهل‬ ‫نكتشف بعد مدة أن كل ما يقال حول الحرية‬ ‫والديمقراطية هو أيضا أكذوبة!!!‬ ‫51‬
  • 16. ‫حول بيان السيد الباجي القائد السبسي: "خريطة‬ ‫طريق" قديمة لوضع جديد‬ ‫لم يأت بيان السيد الباجي القائد السبسي في حجم‬ ‫التسريبات التي سبقته من ناحية توصيفه للوضع العام‬ ‫في البالد ودليل الخروج من مظاهر األزمة التي مازالت‬ ‫تحيط به.‬ ‫البيان تمت صياغته بطريقة مكثفة شبيهة بالبيانات‬ ‫التأسيسية التي تكتفي بطرح الخطوط العريضة بعيدا عن‬ ‫التفاصيل .ومع ذلك أعطى صورة واضحة على " بديل"‬ ‫السيد القائد السبسي.‬ ‫إن قول إن الوضع في البالد يتميز بالضبابية هو أمر‬ ‫معلوم لدى عديد الفاعلين السياسيين والمراقبين وإن كان‬ ‫هناك خالف في تحديد أسباب هذه الضبابية .كما أن‬ ‫التأكيد على " اختالط المهام التي سادت أعمال المجلس‬ ‫الوطني التأسيسي " هو أمر سبقت اإلشارة إليه من قبل‬ ‫عديد المختصين و السياسيين.وهذا يدفع للقول إن السيد‬ ‫الباجي القائد السبسي يتفق في بيانه مع توصيف العديد‬ ‫من األطراف للوضع العام في البالد هو وضع دقيق و‬ ‫خطير و" يهدد األمن و االقتصاد والوضع االجتماعي‬ ‫عموما."‬ ‫غير أن االلتقاء في توصيف الوضع ال يعني أن السيد‬ ‫الباجي القائد السبسي يتفق مع اآلخرين في " بديل"‬ ‫61‬
  • 17. ‫الخروج من األزمة فقد طرح "خريطة طريق " تتكون‬ ‫من 2 نقاط كبرى اعتبارها أساسية لعودة الثقة السياسية‬ ‫وهي أن يحدد المجلس الوطني التأسيسي مدة عمله و‬ ‫الشروع فورا في اإلعداد للدستور و الدعوة النتخابات‬ ‫يوم 23 أكتوبر المقبل ثم إعادة تفعيل مؤسسة الهيئة‬ ‫العليا المستقلة للبالد وتمكينها من استئناف عملها "حاال"‬ ‫ودعا أيضا إلى تجميع طاقات القوى السياسية والفكرية و‬ ‫الوطنية التي "تأبى" التطرف والعنف."‬ ‫-1إن "خريطة الطريق " هذه ال تختلف في عمومها‬ ‫عن تلك التي جاء بها السيد الباجي القائد السبسي نهاية‬ ‫شهر فيفري الفارط..ومكنته من قيادة البالد في مرحلة‬ ‫صعبة و الوصول بها إلى االنتخابات يوم 23 أكتوبر‬ ‫4413 . السؤال الذي يطرح هنا :هل أن أولويات البالد‬ ‫من مارس 4413 إلى ديسمبر4413 هي ذاتها أولويات‬ ‫البالد اآلن ؟.‬ ‫-2السيد الباجي القائد السبسي يعتبر أن المسألة‬ ‫السياسية مازالت تحتل األولوية في الخروج من مظاهر‬ ‫األزمة التي تميز الوضع العام في البالد .فيما العديد‬ ‫يعتبرون أن المسألة االقتصادية واالجتماعية وعدم قدرة‬ ‫الحكومة الحالية على تقديم برنامج اقتصادي و اجتماعي‬ ‫واضح وعدم قدرتها على تقديم حلول ملموسة لملفات‬ ‫اقتصادية واجتماعية هي السبب في تواصل حالة‬ ‫االحتقان و التوتر االجتماعي واألمني.‬ ‫71‬
  • 18. ‫-3السيد الباجي القائد السبسي لم يتعرض إلى‬ ‫المطلوب من الحكومة الحالية في الجوانب االقتصادية‬ ‫واالجتماعية وهي القاعدة التي ستوفر المناخ اآلمن‬ ‫لتنظيم االنتخابات المقبلة .وهو ما بذلك يثبت السير في‬ ‫مسارين غير متوازيين إلى حد اآلن وهما المسار‬ ‫السياسي و المسار االقتصادي و االجتماعي.‬ ‫أما دعوته إلى تجميع طاقات القوى السياسية و الفكرية و‬ ‫الوطنية فهي دعوة انطلقت منذ االنتخابات الفارطة‬ ‫وقطعت عديد األطراف خطوات هامة فيها وبالتالي فإنها‬ ‫ليست دعوة جديدة فقط إذا نظرنا إليها من زاوية الدور‬ ‫الذي يمكن أن يقوم به في هذا التجمع وهو ما لم يشر إليه‬ ‫بوضوح.‬ ‫81‬
  • 19. ‫االعتصامات من "صنيعة الثورة المضادة" في حكومة‬ ‫الغنوشي مرورا بـ "إفشال االنتخابات" في حكومة‬ ‫القائد السبسي إلى "إفشال حكومة االئتالف الثالثي‬ ‫من 17 ديسمبر 2720 إلى اليوم لم تتوقف االعتصامات‬ ‫و الحركات االحتجاجية من أجل المطالبة بالتشغيل،‬ ‫حقيقة يجب أن نقر بها حتى نفهم لماذا تواصلت هذه‬ ‫االعتصامات في عدد من المدن خاصة التي عانت‬ ‫طويال من غياب مجهود تنموي حقيقي، رغم تشكيل‬ ‫حكومة منتخبة من مجلس تأسيسي منتخب.‬ ‫ُ‬ ‫مطالب أبناء الجهات الداخلية هي ذاتها من 17 ديسمبر‬ ‫إلى اليوم، لكن التعامل مع هذه المطالب تغيّر من فترة‬ ‫إلى أخرى:‬ ‫من 17 ديسمبر 2720 الى 17 جانفي 7720 وحدت‬ ‫هذه المطالب كافة فئات الشعب التونسي وتم الدفع بها في‬ ‫اتجاه تصعيدها لتتحول هذه الحركة االحتجاجية إلى‬ ‫حركة تشمل البالد كلها.‬ ‫91‬
  • 20. ‫من 17 جانفي إلى 10 فيفري 7720 تغير مسار‬ ‫المطالب بعد أن كانت المطالب االجتماعية و الحق في‬ ‫الشغل هي الحلقة الرئيسية أصبحت اإلصالحات‬ ‫السياسية هي الحلقة األولى (العفو التشريعي العام – منح‬ ‫التراخيص ألكثر من مائة حزب – منح تراخيص‬ ‫لعشرات النشريات...الخ)، تم ذلك على خلفية أن المدخل‬ ‫الرئيسي لإلصالح هو المدخل السياسي. لكن في الوقت‬ ‫ذاته ظلت مطالب حق التشغيل دون حلول حقيقية وبقي‬ ‫أبناء الجهات ينتظرون حقهم في التشغيل و حق جهاتهم‬ ‫في التنمية.‬ ‫في هذه الفترة تم التعامل مع عديد االعتصامات و‬ ‫الحركات االحتجاجية على أنها من صنع قوى الثورة‬ ‫المضادة التي تريد إجهاض الثورة ومن صنع أيادي‬ ‫خفية كما جاء على لسان السيد محمد الغنوشي في كلمة‬ ‫استقالته.‬ ‫من مارس 7720 إلى ديسمبر 7720 عندما استلم‬ ‫السيد الباجي قائد السبسي رئاسة الحكومة طرح خريطة‬ ‫طريق سياسية (انتخابات المجلس التأسيسي) ورغم أن‬ ‫02‬
  • 21. ‫هذا المطلب كان مطلب اعتصام القصبة 0 فإن المسار‬ ‫بعد ذلك كان مسارا سياسيا، اهتمت األحزاب باإلعداد‬ ‫لالنتخابات و تمحور الجدل داخل هيئة تحقيق أهداف‬ ‫الثورة حول قضايا سياسية، بمعنى أن قضايا التشغيل و‬ ‫قضايا التنمية بقيت أيضا في المرتبة متأخرة في‬ ‫اهتمامات السياسيين.‬ ‫في هذه الفترة تواصلت االعتصامات و الحركات‬ ‫االحتجاجية و تم التعامل معها أيضا على أنها من صنع‬ ‫أيادي خفية مع إضافة أن هناك مخطط إلفشال‬ ‫االنتخابات.‬ ‫من ديسمبر 7720 إلى اآلن وجدت الحكومة الجديدة‬ ‫المنتخبة من المجلس التأسيسي نفسها أمام ملفات عالقة‬ ‫منذ 17 ديسمبر 2720 ورغم دعوتها لهدنة اجتماعية و‬ ‫تأكيدها على خطورة الوضع االقتصادي و تداعياته‬ ‫المستقبلية فإن حركة االعتصامات و االحتجاجات‬ ‫مازالت متواصلة.وهو أمر بديهي ألن ملف التشغيل و‬ ‫التنمية الجهوية العادلة الذي كان الحلقة الرئيسية في‬ ‫12‬
  • 22. ‫ثورة الشعب التونسي لم يحتل المرتبة الرئيسية في‬ ‫المتابعة من طرف السياسيين منذ سقوط بن علي.‬ ‫ويتم التعامل مع هذه االعتصامات و الحركات على أنها‬ ‫تندرج ضمن مخطط إلفشال حكومة االئتالف الثالثي و‬ ‫عمودها الفقري حركة النهضة.‬ ‫ال ندعو إلى استمرار هذه االعتصامات المضرة بالعجلة‬ ‫ُ‬ ‫االقتصادية..لكننا في الوقت ذاته ندعو إلى التعامل معها‬ ‫بوعي و فهم: أبناء الجهات الداخلية و العاطلون عن‬ ‫العمل لن يتوقفوا عن المطالبة باالرتقاء بأوضاعهم‬ ‫االجتماعية ما لم يلمسوا أن هناك فعال خطوات حقيقية‬ ‫في هذا االتجاه.‬ ‫22‬
  • 23. ‫الحركات االحتجاجية ال تُفسر بالمؤامرة فقط .....‬ ‫اخطأ النظام السابق حين حاول تفسير االنتفاضة الشعبية‬ ‫التي انطلقت من سيدي بوزيد يوم 14 ديسمبر بأنها‬ ‫مؤامرة ضد مكاسب و انجازات تونس ، وأن أطرافا‬ ‫مجهولة وملثمة و إرهابية تحرك الشباب و تحرضهم و‬ ‫تدفعهم إلى التظاهر و االحتجاج .‬ ‫أخطأ النظام السابق في قراءته لحقيقة ودوافع انتفاضة‬ ‫العاطلين عن العمل و المهمشين و الفقراء ، ألنه لم‬ ‫يبحث عن األس‬ ‫باب في الوقائع الملموسة ، إنما ذهب إلى ما يُرضيه وما‬ ‫يدين اآلخر ، ذهب إلى نظرية المؤامرة ألنها األسهل‬ ‫للتفسير و ترمي المسؤولية على اآلخرين .‬ ‫وعلى قاعدة هذا التفسير التآمري جاء خطاب التهديد و‬ ‫الوعيد و تطبيق القانون "بكل حزم" الذي أثبت مسار‬ ‫الثورة في تونس أنه زاد المنتفضين قوة و إرادة للوصول‬ ‫باالنتفاضة إلى آخر مراحلها أي الثورة و إسقاط رأس‬ ‫النظام.‬ ‫*****‬ ‫إن تعاطي النظام السابق مع مطالب العاطلين عن العمل‬ ‫و المهمشين و الفقراء هو بمثابة الدرس لكافة‬ ‫الحكومات،درس جوهره أن التفسير التآمري‬ ‫لالحتجاجات االجتماعية ورمي المسؤولية على اآلخرين‬ ‫32‬
  • 24. ‫ال يزيد األوضاع إال تأزما ، وهو درس ال يبدو أن‬ ‫الحكومات التي تتالت على قيادة البالد بعد 14 جانفي قد‬ ‫استوعبته جيدا.‬ ‫لم تستوعبه حكومة السيد محمد الغنوشي فاضطرت‬ ‫لالستقالة تحت ضغط اعتصام القصبة3 ، وقال السيد‬ ‫محمد الغنوشي إن أيادي خفية كانت تحرض على‬ ‫اإلضرابات و االعتصامات و تضع العصا في عجلة‬ ‫الحكومة و ال تريدها أن تنجز برنامجها اإلصالحي .‬ ‫ولم تستوعبه أيضا حكومة السيد الباجي القائد السبسي‬ ‫التي وزعت االتهامات في أكثر من مناسبة إلى مجهولين‬ ‫و أيادي خفية تعمل لعرقلة خريطة الطريق التي تقدمت‬ ‫بها‬ ‫.‬ ‫وال يبدو أيضا أن حكومة 23 أكتوبر بدورها قد‬ ‫استوعبت الدرس، فهي بصدد تفسير االحتجاجات‬ ‫بالمؤامرة ضدها و بالتخطيط إلسقاطها.‬ ‫*****‬ ‫دون شك أن فلول النظام البائد وكافّة العناصر التي كانت‬ ‫مرتبطة بهذا النظام والتي فقدت مصالحها وامتيازاتها‬ ‫وسقطت بسقوط النظام تعمل على خلق التوتّر و"تجتهد"‬ ‫حتى ال يتفرّغ أبناء الشعب الذين أنجزوا الثورة للبناء‬ ‫ولرسم مستقبل جديد لتونس بل ويحرصون على عرقلة‬ ‫42‬
  • 25. ‫كل خطوة إيجابية إلى األمام باإلشاعات وإثارة النعرات‬ ‫المتخلفة من نعرات جهوية وقبلية وغيرها هدفهم الوحيد‬ ‫أن ال تنهض البالد على قدميها.‬ ‫هذا أمر مفهوم ومعلوم و كل تجارب الثورات في العالم‬ ‫عرفت الثورات المضادة وميليشيات الحرس القديم ولن‬ ‫تكون تونس استثناء في هذا الصدد ألن ثورة 14 جانفي‬ ‫ليست استثناء في تاريخ اإلنسانية .‬ ‫لكن ما هو غير مفهوم أن تصبح "الثورة المضادة"‬ ‫الشماعة التي تعلق عليها الحكومات أخطاءها وعدم‬ ‫قدرتها على المسك "برأس الخيط" في هذه المرحلة‬ ‫ّ‬ ‫االنتقالية والدقيقة التي تمر بها البالد.‬ ‫كنا نبهنا عندما استلمت حكومة 23 أكتوبر مهامها أن‬ ‫عوائق كثيرة ومتنوعة تمأل الطريق أمامها ، أهمها و‬ ‫أخطرها الملف االقتصادي و تداعياته االجتماعية‬ ‫،خاصة في الجهات التي كانت تنتظر نصيبها من التنمية‬ ‫في فترة بن علي و تنتظر اليوم نصيبها من الثورة. وهو‬ ‫ملف يرفض التعامل بالعواطف و حسن النوايا و اإلرادة‬ ‫االيجابية.ألنه يتطلب فهما دقيقا لواقع دقيق يتداخل فيه‬ ‫أكثر من معطى.‬ ‫ُ‬ ‫52‬
  • 26. ‫صورة تونس في الخارج:‬ ‫الصورة األصلية وحدها القادرة على اإلشعاع‬ ‫صورة تونس في الخارج ( مشرقة كانت أم عكسها) من‬ ‫ُ‬ ‫يرسمها ؟ هل ترسمها الحكومات ؟ أم الشعوب؟ أم‬ ‫يرسمها اإلعالم من خالل القضايا والملفات التي ينشرها‬ ‫؟‬ ‫أسئلة تطرح اليوم على خلفية تصريحات عدد من‬ ‫الفاعلين السياسيين و المسؤولين الحكوميين ، تقول أن‬ ‫صورة تونس في الخارج أصبحت مهزوزة بسبب أداء‬ ‫اإلعالم وما ينشره وتركيزه على ملفات اال‬ ‫عتصامات و اإلضرابات و "الخطر السلفي" ، وغير‬ ‫ذلك من المسائل التي تعطل قدوم االستثمارات األجنبية‬ ‫وتثير الخوف لدى السياح ، و الحال أن البالد اليوم في‬ ‫حاجة إلى رسائل طمأنة لكافة الجهات ، طمأنة‬ ‫المستثمرين و السياح و الشركاء االقتصاديين.‬ ‫أغلب الفاعلين السياسيين و الحقوقيين و اإلعالميين في‬ ‫تونس يدركون أن صورة تونس في الخارج كانت إحدى‬ ‫الواجهات التي "اشتغل" عليها النظام السابق ،وسخر من‬ ‫أجلها اإلمكانات المادية والبشرية من أجل أن تكون‬ ‫تونس في عيون اآلخرين "بلد األمن و االستقرار" و‬ ‫"بلد االنجازات والمكاسب" .‬ ‫62‬
  • 27. ‫ويدركون أيضا الدور الذي كانت تقوم به الوكالة‬ ‫التونسية لالتصال الخارجي في هذا االتجاه ،‬ ‫والضغوطات التي كانت تُمارس على المؤسسات‬ ‫اإلعالمية واإلعالميين في تونس للتعتيم على الملفات و‬ ‫القضايا التي من شأنها أن "تسيء " إلى صورة تونس‬ ‫في الخارج.ومع ذلك لم تنجح منظومة النظام السابق في‬ ‫رسم صورة مشرقة لتونس في الخارج ، ألن الوقائع‬ ‫الميدانية كانت دائما أقوى من إرادة التضليل و التعتيم .‬ ‫لم تنجح منظومة النظام السابق ألنها استبعدت أداء‬ ‫حكومات بن علي من تفاصيل الصورة التي أرادت‬ ‫رسمها ، استبعدت الفساد و المحسوبية والرشوة والخلل‬ ‫في البرامج التنموية ، واعتقدت أن تقريرا صحفيا في‬ ‫إحدى الصحف األجنبية أو الفضائيات من شأنه أن‬ ‫يغطي عن الحقائق الملموسة.‬ ‫إن أفضل صورة لتونس في الخارج منذ االستقالل تلك‬ ‫التي رسمها الشعب التونسي بكافة مكوناته من 14‬ ‫ديسمبر 1413 إلى 14 جانفي 4413 ، صورة أصلية‬ ‫عكست إرادة الشعب التونسي في التغيير و التمسك بقيم‬ ‫الحرية و الديمقراطية والعدالة االجتماعية .‬ ‫برز في تلك الصورة أبناء الشعب التونسي ، برز محمد‬ ‫البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده ليمهد الطريق‬ ‫أمام ثورة أسقطت مؤسسات حكمت 23 سنة ،وبرزت‬ ‫صورة أبناء سيدي بوزيد و القصرين وتالة و الشمال‬ ‫72‬
  • 28. ‫الغربي و األحياء الفقيرة ينتفضون ضد الحيف‬ ‫االجتماعي ، وبرزت صورة الحناجر تهتف يوم 14‬ ‫جانفي "ديقاج" .‬ ‫هذه الصورة األصلية التي رسمها الشعب التونسي‬ ‫أسقطت أيضا الصورة المركبة التي حاول النظام السابق‬ ‫رسمها من خالل شراء التقارير الصحفية في وسائل‬ ‫اإلعالم األجنبية وفرض الوصاية على اإلعالم المحلي ،‬ ‫وإبراز "المكاسب و االنجازات" والتقليل من حدة‬ ‫المشاكل السياسية و االقتصادية واالجتماعية.‬ ‫في المحصلة أثبتت ثورة 14 جانفي أن الصورة األصلية‬ ‫وحدها القادرة على اإلشعاع ، أما الصورة المركبة فإنها‬ ‫غير قادرة على الصمود طويال.‬ ‫82‬
  • 29. ‫مؤامرة" المعارضة إلسقاط الحكومة أم "مؤامرة"‬ ‫الحكومة إلسقاط المعارضة‬ ‫ين التأكيد و التشكيك يراوح الجدل في تونس مكانه حول‬ ‫"المؤامرة" إلسقاط حكومة 23 أكتوبر المنتخبة ، ال‬ ‫المسؤولين في الحكومة الذين أثاروا الملف قدموا‬ ‫اإلثباتات و الدالئل و األطراف المورطة ، وال المشككين‬ ‫تمكنوا من اإلقناع بغيابها أصال.وفي الحقيقة يعكس هذا‬ ‫الجدل في جانب منه ما بلغته حالة التجاذب بين الفرقاء‬ ‫السياسيين بعد انتخابات 23 أكتوبر التي فازت فيها‬ ‫حركة النهضة اإلسالمية بأغلب المقاعد في المجلس‬ ‫الوطني التأسيسي.‬ ‫حركة النهضة تقول إن الخاسرين في االنتخابات أو‬ ‫"جماعة صفر فاصل" كما يحلو ألنصارها أن يصفوهم‬ ‫، لم يقبلوا نتائج صناديق االقتراع ويعملون من أجل‬ ‫عرقلة عمل الحكومة من خالل التحريض على‬ ‫االعتصامات و اإلضرابات وخلق مناخ متوتر ، وفي‬ ‫المقابل ترفض األحزاب اليسارية والوسطية المتهمة‬ ‫بعرقلة عمل الحكومة االتهامات الموجهة لها و تعتبر أن‬ ‫حكومة 23 أكتوبر هي المسؤولة عن حالة الالاستقرار‬ ‫االجتماعي لعدم تعاطيها مع الملفات االقتصادية‬ ‫واالجتماعية ألوسع فئات المجتمع ، وتذهب إلى حد‬ ‫92‬
  • 30. ‫اعتبار أن الحكومة ال تملك برنامجا واضح المعالم من‬ ‫شأنه أن يُخرج البالد من عنق الزجاجة.‬ ‫ورغم أن هذا الجدل لم يكن غائبا عن المشهد السياسي‬ ‫العام في تونس منذ سقوط زين العابدين بنعلي ، فقد سبق‬ ‫أن وجّهت الحكومة األولى للسيد محمد الغنوشي‬ ‫االتهامات ذاتها لخصومها السياسيين وكذلك فعلت‬ ‫الحكومة الثانية للسيد الباجي القائد السبسي، رغم ذلك‬ ‫لم ُتلق المؤامرة بضاللها على المشهد في تونس ولم يتم‬ ‫التسويق لها كما هو الحال بالنسبة للحكومة الحالية .وذلك‬ ‫على األقل لألسباب التالية:‬ ‫‪‬إن حكومة 23 أكتوبر هي حكومة منتخبة تستمد‬ ‫شرعيتها من صناديق االقتراع وهو ما يعني أن التآمر‬ ‫عليها، هو تآمر على الشرعية.‬ ‫‪‬إن حكومة 23 أكتوبر عملت منذ أن تولت تسيير‬ ‫شؤون البالد إلى خلق قاعدة فرز جديدة بين الفاعلين‬ ‫السياسيين تقوم على من مع الشرعية ومن ضدها ، بعد‬ ‫أن كانت قبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بين من‬ ‫مع استكمال مهام الثورة وبين من يعمل على االلتفاف‬ ‫عليها.‬ ‫03‬
  • 31. ‫‪‬إن حكومة 23 أكتوبر على خالف الحكومتين األولى‬ ‫والثانية، تستند إلى قاعدة واسعة من األنصار و‬ ‫المتعاطفين تدافع عنها وتروج لخطابها بما في ذلك القول‬ ‫إن مؤامرة تُحاك ضد الحكومة إلضعافها و إسقاطها.‬ ‫ال بد من القول إن الحديث عن مؤامرة تشترك فيها‬ ‫"أطراف تدعي الديمقراطية وعدد من رموز النظام‬ ‫السابق وجهات خارجية " هو من أخطر االتهامات التي‬ ‫وجهت ألطراف سياسية منذ 17 جانفي 7720 ، ألنها‬ ‫ترتقي إلى مستوى التآمر على أمن الدولة و البالد مع ما‬ ‫يعميه ذلك من ضرورة لمحاكمة األطراف المورطة‬ ‫على قاعدة هذه التهمة .‬ ‫غير أن عدة إشكاالت حقيقية تطرح حول جدية هذا‬ ‫االتهام، بل حول وجود مؤامرة، من ذلك:‬ ‫‪‬إن الجهات المتهمة غير معلومة إلى حد اآلن وترفض‬ ‫ُ‬ ‫األطراف التي تتحدث عن المؤامرة الكشف عنها رغم‬ ‫تصاعد نسق الحديث عن هذه المؤامرة وخطورتها.‬ ‫‪‬إن الفريق الحكومي غير متفق على وجود مؤامرة‬ ‫بالحجم الذي تحدث عنه كل من المستشار السياسي‬ ‫لرئيس الحكومة ووزير النقل.‬ ‫13‬
  • 32. ‫‪‬إن مسؤوال في وزارة الداخلية أكد غياب المؤامرة بل‬ ‫وذهب إلى حد القول إن الحديث عنها يدخل في خانة‬ ‫حرية التعبير.‬ ‫‪‬إن األطراف التي قد تكون معنية ضمنيا بتهمة التآمر‬ ‫تطالب الحكومة بالكشف عن خيوط هذه المؤامرة و‬ ‫تفاصليها.‬ ‫وعليه فإن الصورة كالتالي: جزء من الحكومة يتحدث‬ ‫عن مؤامرة وجزء آخر ينفيها، معارضة تطالب بالكشف‬ ‫عن المؤامرة فيأتي الرد سيكون ذلك في الوقت المناسب،‬ ‫لكن دون توضيح هل الوقت المناسب للجزء من‬ ‫الحكومة الذي يتحدث عن المؤامرة أم الوقت المناسب‬ ‫لمصلحة تونس؟‬ ‫23‬
  • 33. ‫مؤتمر النهضة ..مؤتمر التمكن من الحكم‬ ‫في كلمته في افتتاح المؤتمر التاسع لحركة النهضة ،‬ ‫الذي لم تحضره أغلب قيادات أحزاب السياسية بما في‬ ‫ذلك شريك النهضة في الحكم المؤتمر من أجل‬ ‫الجمهورية ، وجه السيد حمادي الجبالي رسالة غير‬ ‫مشفرة إلى المؤتمرين، هي الفوز في االنتخابات‬ ‫التشريعية المقبلة بأغلبية مريحة‬ ‫األمين العام لحركة النهضة يدرك ما يقول وإن جاءت‬ ‫رسالته بعد كلمة رئيس الحركة السيد راشد الغنوشي‬ ‫الذي وجه رسائله إلى المجتمع السياسي عموما داعيا‬ ‫للوفاق و الشراكة و الوحدة‬ ‫بين الرسالتين سلك متين ال تستطيع حركة النهضة ردمه‬ ‫: الوفاق و الشراكة مع مكونات المجتمع السياسي دون‬ ‫ضغوط التحالفات وما تفرضه من تنازالت .وهو الدرس‬ ‫الذي ربما استفادت منه حركة النهضة من تجربتها‬ ‫القصيرة في الحكم مع حزبي التكتل الديمقراطي‬ ‫والمؤتمر من أجل الجمهورية‬ ‫33‬
  • 34. ‫ويبدو أن رسالة السيد حمادي الجبالي وصلت إلى‬ ‫المؤتمرين واضحة دون تشويش ، كل الخالفات و‬ ‫التباينات في تقييم مختلف المحطات التي مرت بها حركة‬ ‫النهضة يجب أن ال تُبعد البوصلة عن وجهتها الصحيحة‬ ‫أي االنتخابات المقبلة التي ستعطي للحركة شرعية حكم‬ ‫أقوى من الشرعية المؤقتة التي منحتها لها انتخابات 23‬ ‫أكتوبر 4413 .‬ ‫الحركة التي جاءت إلى الحكم بغبار السرية و الهجرة ال‬ ‫يمكن أن تفرط فيه بعد أن المست معنى الحكم وإن‬ ‫بشرعية يمنحها نظام مؤقت للسلطات العمومية . هذا‬ ‫يجعلنا نفهم لماذا تمت الدعوة إلى مؤتمر استثنائي بعد‬ ‫سنتين ولماذا تم تأجيل فتح عدد من الملفات الداخلية لهذا‬ ‫المؤتمر.‬ ‫في كلمة المؤتمر التاسع لحركة النهضة الذي انعقد تحت‬ ‫شعار " مستقبلنا بين أيدينا" هو مؤتمر التمكن من الحكم‬ ‫.‬ ‫43‬
  • 35. ‫حول جدل التعويض للمساجين السياسيين:‬ ‫الخطاب ال يغير الواقع و الملفات الملموسة تتطلب‬ ‫حلوال ملموسة‬ ‫ال يخلو الجدل حول موضوع التعويضات المادية‬ ‫للمساجين السياسيين من جوانب شعبوية مستمدة من حالة‬ ‫التجاذب التي يعرفها المشهد السياسي العام في البالد.‬ ‫وحصر الجدل في" مع أو ضد التعويض " و انتقاء‬ ‫األمثلة والمبررات من الجانبين ال أعتقد أنه يدفع بالنقاش‬ ‫التعويض المادي و المعنوي لمساجين الرأي هو احد‬ ‫مبادئ العدالة االنتقالية وثمة عدة تجارب في هذا الصدد‬ ‫منها التجربة المغربية و إن كانت مختلفة عن الوضع‬ ‫الذي تمر به حاليا تونس. وبالتالي إن الذين يدعون إلى‬ ‫تعويض المساجيين السياسيين في نهاية األمر لم يأتوا‬ ‫ببدعة ..هذه حقيقة يجب االعتراف بها .‬ ‫لكن الحكمة في األداء الحكومي هي القدرة على تحديد‬ ‫األولويات وبالنسبة لحكومة "الترويكا" في تونس‬ ‫األولوية مازالت أهداف ثورة 14 جانفي 4413 :‬ ‫53‬
  • 36. ‫النهوض بالجهات المحرومة التي انطلقت منها الثورة ،‬ ‫ملف البطالة والتشغيل ، ملفات شهداء و جرحى الثورة ،‬ ‫ُ‬ ‫وهي ملفات مازالت لم تعرف بعد طريقها إلى بداية‬ ‫التسوية.‬ ‫في سيدي بوزيد ( مهد الثورة التونسية) انطلقت قبل أيام‬ ‫احتجاجات عمال الحضائر ، وفي القصرين التي دفعت‬ ‫أكبر عدد من الشهداء و الجرحى مقر الوالية (‬ ‫المحافظة) مغلق منذ أسابيع ، في الكاف (الشمال الغربي‬ ‫) ..الوضع االجتماعي مازال يتسم بالتوتر..وكذلك الشأن‬ ‫في أغلب مدن البالد.‬ ‫وعندما يقول أبناء القصرين و سيدي بوزيد و قفصة و‬ ‫غيرها من المناطق الداخلية المهمشة أنهم مازالوا‬ ‫ينتظرون نصيبهم من التنمية ..وعندما تكون البطالة احد‬ ‫الملفات الرئيسية في الوضع االجتماعي في البالد بعد‬ ‫أكثر من سنة و نصف من الثورة ..وعندما تؤكد األرقام‬ ‫أن الوضع االقتصادي في البالد مازال في مرحلة حرجة‬ ‫..وعندما يصيح شهداء و جرحى الثورة أنهم مازالوا في‬ ‫63‬
  • 37. ‫انتظار تسوية ملفاتهم ..تكون اإلجابة دائما أن تسوية هذه‬ ‫الملفات يتطلب سنوات ..وقد يكون األمر كذلك فعال‬ ‫في ظل هذا الوضع هل من الحكمة طرح مشروع‬ ‫التعويض للمساجين السياسيين ؟ وإعطائه هذه األولوية ؟‬ ‫ربما ليس مبالغة التأكيد أن حكومة "الترويكا" تمر هذه‬ ‫األيام بأصعب فتراتها بسب الملفات المفتوحة أمامها و‬ ‫عليها ، فباإلضافة إلى الوضع االجتماعي و االقتصادي‬ ‫استقالة وزير المالية وقبل ذلك إقالة محافظ البنك‬ ‫المركزي . ورغم أن الخطاب المعلن للمسؤولين‬ ‫الحكوميين يحاول التخفيف من حدة هذه الصعوبات .لكن‬ ‫الخطاب ال يغير الواقع ألن الملفات الملموسة تتطلب‬ ‫حلوال ملموسة‬ ‫قد تتراجع الحكومة عن أولوية ملف التعويض للمساجين‬ ‫السياسيين (ولن تفرط فيه) ، لكنها ال يمكن أن تتراجع‬ ‫عن مطالب الفقراء و المحرومين ( وقود الثورة) ألن أي‬ ‫تراجع يعني مزيد الصعوبات ، وما حدث في سيدي‬ ‫بوزيد قبل أيام هو بمثابة ناقوس إنذار حقيقي لمن يريد‬ ‫أن يستوعب الدروس في حينها‬ ‫73‬
  • 38. ‫حكومة الترويكا التي تمثل حركة النهضة اإلسالمية‬ ‫عمودها الفقري في موقف حرج و الخروج منه يبدأ أوال‬ ‫بتخلص هذه "الحكومة السياسية " من ضغوطات‬ ‫االنتخابات المقبلة ألن الحكومات دورها التعامل مع‬ ‫مطالب مواطنيها االجتماعية و االقتصادية و السياسية‬ ‫وليس العمل من أجل مكاسب يتم توظيفها في االنتخابات‬ ‫المقبلة‬ ‫83‬
  • 39. ‫تونس …الثورة المغدورة‬ ‫بعد أكثر من سنة ونصف من ثورة تونس ، ال يبدو أن‬ ‫هناك من استوعب جوهرها أكثر من الذين أشعلوا‬ ‫شرارتها ودفعوا بها إلى أن سقط رأس النظام ..إنهم‬ ‫الفقراء و المهمشين و العاطلين عن العمل.‬ ‫ّ‬ ‫جوهر الثورة اجتماعي واقتصادي ،ثورة من أجل التنمية‬ ‫العادلة والتوزيع العادل للثروة والحق في التشغيل ،‬ ‫لخصها بشكل مكثف وقوي شعار” التشغيل استحقاق يا‬ ‫ّ‬ ‫عصابة السرّاق.”‬ ‫ال يمكن ألي جهة في الداخل أو الخارج أن تنفي هذه‬ ‫الحقيقة وتعطي للثورة مضمونا آخر غير هذا المضمون‬ ‫، وال يمكن ألي طرف أن يعتبر استكمال أهداف الثورة‬ ‫بعيدا عن هذا المضمون االجتماعي و االقتصادي.‬ ‫الفقراء و المهمشون والعاطلون عن العمل استوعبوا‬ ‫ّ‬ ‫أكثر من غيرهم جوهر الثورة ألنهم مازالوا بعد أكثر من‬ ‫عام ونصف يرفعون المطالب ذاتها ومازال الحق في‬ ‫التشغيل والحق في التنمية الشعار الرئيس في‬ ‫احتجاجاتهم وان اختلفت القراءات السياسية لهذه‬ ‫االحتجاجات من الحزب الحاكم إلى المعارضة.‬ ‫****‬ ‫93‬
  • 40. ‫لم يستوعب الفاعلون السياسيون في تونس جوهر الثورة‬ ‫وقيمتها وإن عبروا عن ذلك ..لقد أضفوا قراءاتهم‬ ‫السياسية و اإليديولوجية على حراك الفقراء و المهمشين‬ ‫فحادوا بالثورة عن مسارها الحقيقي ، و التجاذبات‬ ‫السياسية التي يشهدها المشهد السياسي العام هو أحد‬ ‫اإلفرازات المكشوفة.‬ ‫ال أحد اجتهد قوال وفعال لمحاصرة هذا التجاذب الذي‬ ‫بدأا يتوسع و يتطور ليصل إلى معتقدات الناس و نمط‬ ‫عيشهم، يحدث كل هذا باسم الثورة!!‬ ‫وأخطر مظاهر هذا التجاذب زرع بذور الفتنة بين‬ ‫التونسيين على خلفية انتماءاتهم و معتقداتهم ، وما فشل‬ ‫االستعمار المباشر وغير المباشر في تحقيقه ثمة اليوم‬ ‫من ينفخ في الشرارة لتلتهم وحدة التونسيين.‬ ‫ماحدث في القيروان وقابس و بنزرت هو نفخ في شرارة‬ ‫الفتنة وضرب لوحدة التونسيين وطعن للثورة في الظهر.‬ ‫بعد أكثر من عام ونصف من انجاز التونسيين لثورتهم‬ ‫التي هزت العالم..تبدو الثورة التونسية مطعونة ومغدورة‬ ‫04‬
  • 41. ‫" اكبس" ..لفك الضغط على الحكومة !!‬ ‫أن تكون حملة " اكبس" (أي اضغط) ، مبادرة من‬ ‫داخل حركة النهضة أو من خارجها، ذلك أمر غير‬ ‫مهم ، المهم هو هل أن هذه المبادرة لدعم الحكومة‬ ‫أم للضغط عليها من أجل انجاز أهداف الثورة.‬ ‫جاءت حملة " اكبس" في فترة تزايدت فيها‬ ‫االنتقادات ألداء الحكومة وخاصة ضعفها في‬ ‫التعاطي مع ملفات التنمية وكشف ملفات الفساد و‬ ‫فرض األمن ، وربما أكثر هذه االنتقادات رمزية‬ ‫ما جاء على لسان رئيس الجمهورية ذاته الذي‬ ‫حذر من ثورة ثانية في مناسبة أولى و لمح إلى‬ ‫ّ‬ ‫خطورة هيمنة حركة النهضة على مفاصل الدولة‬ ‫في مناسبة ثانية.‬ ‫و المتابع ألداء الحكومة يالحظ أن أغلب‬ ‫االنتقادات الموجهة إليها ، لم تأت من فراغ ،‬ ‫فالوقائع الميدانية تؤكد أن هذا األداء مازال لم‬ ‫يرتق إلى ما انتظره أبناء الجهات الفقيرة‬ ‫والمحرومة و شهداء وجرحى الثورة و إلى ما‬ ‫انتظره ضحايا الفساد ..الخ.‬ ‫حاولت الحكومة في أكثر من مناسبة تبرير ضعف‬ ‫14‬
  • 42. ‫أدائها مرة بـ" الثورة المضادة" وبإرباك‬ ‫المعارضة ألدائها ، وأخرى بحجم الملفات التي‬ ‫ورثتها عن النظام السابق وأيضا عن الحكومة التي‬ ‫سبقتها( حكومة السيد الباجي القايد السبسي) ،‬ ‫وأحيانا بالقفز إلى األمام والقول - رغم ذلك- أن‬ ‫الحكومة الحالية هي األقوى في تاريخ تونس منذ‬ ‫االستقالل ، دون أن تقدم ما يؤكد ذلك باستثناء أنها‬ ‫حكومة شرعية ومنتخبة.‬ ‫وال يبدو أن هذه التبريرات وجدتها صداها القوي‬ ‫لدى عموم الشارع في تونس ، فأبناء الجهات‬ ‫الداخلية المحرومة الذين لم يكفوا عن االحتجاج‬ ‫رفضوا أن تفسر احتجاجاتهم بأنها من أفعال الثورة‬ ‫المضادة ، والمعارضة رفضت دائما أن يتم تفسير‬ ‫كل ما يحدث من حراك في الشارع بأنه مؤامرة‬ ‫منها إلسقاط الحكومة .‬ ‫مثلت هذه العومل عناصر ضغط حقيقية على‬ ‫الحكومة ( بالتونسي نقول "كبسة" ) ، ثم أنضاف‬ ‫إليها عنصر آخر ال يقل أهمية ،هو اقتراب موعد‬ ‫23 أكتوبر الذي تعتبر عديد األطراف أنه موعد‬ ‫انتهاء الشرعية االنتخابية للحكومة حسب المرسوم‬ ‫الذي نظم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.‬ ‫24‬
  • 43. ‫في هذا اإلطار وفي هذا التوقيت جاءت حملة "‬ ‫اكبس" رافعة شعارات المحاسبة و التطهير وفتح‬ ‫ملفات الفساد ، وهي من الشعارات الرئيسية للثورة‬ ‫واليمكن معارضتها ، إنما من المفروض دعمها و‬ ‫االنخراط فيها من المعارضة التي رفعت هذه‬ ‫الحكومة.‬ ‫لمحاججة‬ ‫الشعارات‬ ‫لكن دائما بين الشعارات و األفعال مساحة ،‬ ‫فشعارات المحاسبة و التطهير التي رفعتها حملة‬ ‫"اكبس" ، اثبت األفعال ( وقفة الجمعة 42 أوت‬ ‫في العاصمة- وقفة السبت 4 سبتمبر في صفاقس)‬ ‫أنها في جانب منها ال تختلف عن التبريرات التي‬ ‫كانت تقدمها الحكومة من كونها عرضة للمؤامرة‬ ‫من المعارضة و من الثورة المضادة..بل أن عديد‬ ‫الشعارات التي رفعت في هذه التظاهرات كانت‬ ‫موجهة للمعارضة وتدعم الحكومة و حضور‬ ‫بعض المسؤولين الحكوميين ضمنها هو دليل قوي‬ ‫.‬ ‫فهل الحكومة الشرعية في حاجة لالنخراط في‬ ‫حملها تحثها على فتح ملفات الفساد ؟ وهل الحزب‬ ‫الحاكم ( حركة النهضة) في حاجة للنزول للشارع‬ ‫للضغط على الحكومة التي شكلتها؟‬ ‫حملة " اكبس" قد تكون فكرتها تتماشى و أهداف‬ ‫34‬
  • 44. ‫الثورة ، لكن أدائها يشير أنها لدعم الحكومة و‬ ‫الضغط على الشارع ليدعمها‬ ‫44‬
  • 45. ‫"الوفاق" بعد 23 أكتوبر..بين قوة الشعار وعراقيل‬ ‫الواقع‬ ‫قبل أسابيع من موعد 23 أكتوبر 3413 ، بدأت مساحة‬ ‫النقاش حول مستقبل حكومة "الترويكا " في‬ ‫تونس تتوسّع ، بين من يعتقد أن الشرعية االنتخابية التي‬ ‫تستند إليها هذه الحكومة تنتهي بحلول التاريخ المذكور‬ ‫،وبين من يتمسك بشرعيتها إلى حين انتهاء المجلس‬ ‫الوطني التأسيسي من إعداد الدستور.‬ ‫النقاش يتداخل فيه القانوني مع السياسي مع االلتزام‬ ‫األخالقي ( وثيقة 14 سبتمبر 4413) ،ويشمل إلى جانب‬ ‫الفاعلين السياسيين المعنيين بممارسة الحكم ،‬ ‫ّ‬ ‫األخصائيين في القانون الدستوري ، كل يقدم حججه‬ ‫ومبرراته لما يمكن أن تكون عليه مرحلة ما بعد 32‬ ‫أكتوبر ، دون التوصل إلى حد اآلن إلى وفاق حقيقي‬ ‫يحدد عناصر هذه المرحلة ومسارها.‬ ‫****‬ ‫غياب الوفاق له ما يفسره على أرض الواقع، وأيضا في‬ ‫54‬
  • 46. ‫العالقة بين األحزاب السياسية ألن هذا الجدل حول ما‬ ‫بعد 23 أكتوبر يجري في مناخ سياسي يتسم ب:‬ ‫.غياب إطار واضح للحوار الوطني بين الفاعلين‬ ‫السياسيين وكافة المتدخلين في الشأن الوطني ،وهو‬ ‫اإلطار الذي لم تحرص حكومة "الترويكا" على بعثه‬ ‫رغم النداءات المتكررة.‬ ‫.ارتفاع نسق التجاذبات السياسية استعدادا لالنتخابات‬ ‫المقبلة خاصة أن كافة األحزاب بدأت تعدل بوصلتها‬ ‫على االنتخابات المقبلة المزمع تنظيمها بعد االنتهاء من‬ ‫إعداد الدستور.‬ ‫.تباين في تقييم فترة حكم "الترويكا "، بين المعارضة‬ ‫التي تصفها بالفاشلة لعدم قدرة الحكومة على التعاطي مع‬ ‫أهم ملفات استحقاقات الثورة ، وبين الحكومة التي تعتبر‬ ‫أنها كانت عرضة لتعطيل دورها وعرقلة نشاطها‬ ‫والتآمر عليها من أجل إسقاطها.‬ ‫ويجري هذا النقاش أيضا في ظل مناخ اقتصادي و‬ ‫اجتماعي يتسم بالهشاشة و االضطراب ، فإلى جانب‬ ‫تواصل اإلضرابات و االعتصامات، خاصة في الجهات‬ ‫64‬
  • 47. ‫الداخلية ، تشير التقارير االقتصادية إلى صعوبة الظرف‬ ‫االقتصادي في تونس وحاجته إلى مناخ من األمن و‬ ‫االستقرار لينتعش و ينمو.‬ ‫وإضافة إلى ذلك فإن ملف العنف في المجتمع و التباين‬ ‫الواضح بين الحكومة و المعارضة في تفسير دوافعه‬ ‫وأسبابه وحدود مسؤولية الحكومة في توسّعه وانتشاره‬ ‫أصبح بدوره عنصرا هاما ال يمكن التغافل عنه ، خاصة‬ ‫أن الملف كانت له خالل المدة األخيرة تداعيات ملموسة‬ ‫على صورة تونس في الخارج ( االعتداءات على‬ ‫المبدعين – حادثة السفارة األمريكية.)..‬ ‫****‬ ‫في ظل هذا المناخ يدور الجدل و النقاش حول مرحلة‬ ‫دقيقة من مراحل االنتقال الديمقراطي في تونس ، و ال‬ ‫نعتقد أن أي نقاش مهما كانت إرادته جدية ونواياه‬ ‫صادقة يمكن أن يفضي إلى وفاق إذا لم يتم تخليص‬ ‫المشهد العام في البالد من العناصر و األسباب التي تعيق‬ ‫الوصول إلى قاعدة توافق حقيقية‬ ‫74‬
  • 48. ‫ونعتقد أن التأسيس آللية حوار وطني تجمع كافة الفاعلين‬ ‫السياسيين تمثل الخطوة األولى المطلوبة حاليا ، وتتحمل‬ ‫الحكومة المسؤولية في الحرص على بعثها ضمانا لسد‬ ‫األبواب أمام أي مأزق جديد يمكن أن يهدد البالد .‬ ‫84‬
  • 49. ‫النهضة والسلفيون: التصادم غير المتكافئ‬ ‫عندما دوى رصاص السلفية الجهادية في احدى‬ ‫الضواحي الجنوبية للعاصمة التونسية في كانون‬ ‫أول/ديسمبر 2006، انطلق الجدل بين النخب والفاعلين‬ ‫السياسيين حول حجم هذا التيار واألسباب الخاصة‬ ‫لظهوره. وكان للسيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة‬ ‫رأيا في هذا الموضوع عبر عنه من مقر اقامته وقتها في‬ ‫لندن قائال أن ما ظهر من السلفية هو "رأس جبل‬ ‫الجليد".‬ ‫الذين تابعوا ذلك الجدل والنقاش اعتبروا أن رأي‬ ‫الغنوشي تضمن رسائل متعددة الى نظام بن علي.‬ ‫الرسالة األولى تحذر من توسع قاعدة السلفية الجهادية‬ ‫في البالد، والثانية تحاول إقناعه أن "ال مفر من التعاطي‬ ‫مع االسالم المعتدل" في مواجهة التطرف.‬ ‫عموما لم يكن موقف حركة النهضة (وهي في‬ ‫المعارضة وقيادتها في الخارج) من السلفية الجهادية‬ ‫بعيدا عن هذه الرؤية المستمدة أصال من مواقف حكومية‬ ‫ودولية ظهرت بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 1006،‬ ‫دفعت في اتجاه المزيد من التعاطي مع االسالم السياسي‬ ‫المعتدل.‬ ‫94‬
  • 50. ‫بعد 11 كانون الثاني/يناير 1106 وهروب زين‬ ‫العابدين، تغير المشهد السياسي في تونس، ووجدت‬ ‫حركة النهضة نفسها طرفا أساسيا في المعادلة الجديدة،‬ ‫ليس من موقع المعارضة وإنما من موقع أحد المكونات‬ ‫الرئاسية للوفاق الذي حكم تونس في مرحلة أولى، ثم من‬ ‫موقع الحزب الحاكم بعد انتخابات 26 تشرين‬ ‫أول/أكتوبر 1106.‬ ‫في المقابل برز الملف السلفي على سطح المشهد الجديد‬ ‫بعد العفو عن الذين شاركوا في المواجهة المسلحة في‬ ‫2006 والبروز العلني لعدد من قياداتهم وحضورهم‬ ‫الميداني في أكثر من محطة.‬ ‫وبدا واضحا لكافة المراقبين أن مسار حركة النهضة في‬ ‫التعاطي مع الوضع في تونس لن يكون هو مسار التيار‬ ‫السلفي، فقد اختارت حركة النهضة دخول اللعبة‬ ‫السياسية الجديدة من بابها الكبير مع ما تفرضه من‬ ‫تحالفات وتنازالت وتوافقات، هدفها الوصول الى‬ ‫السلطة من بوابة العملية االنتخابية.‬ ‫اختار التيار السلفي االستفادة من حضوره العلني‬ ‫الفتكاك مواقع ميدانية دون التورط في العملية السياسية.‬ ‫برز ذلك من خالل سيطرة السلفيين على العديد من‬ ‫المساجد وخوضهم لمعركة النقاب في الجامعة التونسية‬ ‫05‬
  • 51. ‫الى جانب النشاط االجتماعي في عديد األحياء الفقيرة‬ ‫والجهات الداخلية المحرومة.‬ ‫ورغم التباين الظاهري بين المسارين، فإن كل طرف‬ ‫حاول االستفادة من مسار الطرف اآلخر، لتأكيد معطى‬ ‫روج له بعض مشايخ وحكومات الخليج، وهو أن ثورات‬ ‫ّ‬ ‫الربيع العربي هي ثورات إسالمية، سترد االعتبار‬ ‫لمكانة االسالم ودوره في المجتمع.‬ ‫هذا ما يفسر غياب التصادم بين حركة النهضة و التيار‬ ‫السلفي في أكثر من محطة. وقد حرصت حركة النهضة‬ ‫(المنخرطة في العملية السياسية) على تأجيل هذا‬ ‫التصادم، وهو تأجيل تحركه اعتبارات سياسية تقود‬ ‫الحزب الحاكم الجديد الذي عمل على توسيع قاعدة حزام‬ ‫المتعاطفين مع "مشروع الحكم اإلسالمي " في مواجهة‬ ‫المشروع العلماني. وربما تطلب األمر غض الطرف‬ ‫عن التجاوزات التي يقوم بها السلفيون. من ذلك‬ ‫سيطرتهم بالقوة على المساجد وهجومهم على الحانات‬ ‫وغلقها بالقوة ومنعهم لعديد التظاهرات الثقافية.‬ ‫اقصى ما كان يصدر عن حركة النهضة والمسؤولين‬ ‫الحكوميين أن التعاطي مع السلفيين يكون فقط بالحوار.‬ ‫حيث تحدث زعيم الحركة السيد راشد الغنوشي في أكثر‬ ‫من مناسبة عن ضرورة الحوار مع السلفيين، لكن دون‬ ‫15‬
  • 52. ‫أن تبرز نتائج هذا الحوار باستثناء التصريحات التي‬ ‫أدلى بها في بعض المناسبات بعض زعماء ما يُعرف بـ‬ ‫"السلفية العلمية".‬ ‫لكن أمام توسع حجم تجاوزات السلفيين وتراخي السلطة‬ ‫التنفيذية لوضع حد لهذه التجاوزات، تحرك المجتمع‬ ‫المدني في تونس للتشهير بالطرفين، ووصلت أصداء‬ ‫ذلك الى االعالم االجنبي. وأصبحت صورة الثورة‬ ‫التونسية التي وصفت بثورة الياسمين وثورة الحرية و‬ ‫الكرامة، مرتبطة بما أفرزته من عنف سلفي.‬ ‫وما أحرج بالدرجة األولى حركة النهضة، خاصة، تفاقم‬ ‫األوضاع االقتصادية واالجتماعية الهشة التي تتطلب‬ ‫تدفق االستثمارات وانجاز المشاريع.‬ ‫إن الضغط الداخلي على حركة النهضة من طرف‬ ‫المجتمع المدني والمجتمع السياسي الى جانب الضغط‬ ‫الدولي دفع الحكومة للتلويح بالتصادم مع السلفيين.‬ ‫وكانت أولى تلميحات النهضويين أن جزء منهم‬ ‫(السلفيين) هم "صنيعة النظام السابق" وأن من يحركهم‬ ‫هم "فلول النظام السابق" الى التأكيد أنهم يخدمون‬ ‫"أجندة الثورة المضادة"، ثم انطلقت حملة اعتقاالت‬ ‫شملت بعض عناصر هذا التيار على خلفية تورطهم في‬ ‫أعمال عنف .‬ ‫25‬
  • 53. ‫هذه الحملة وإن يعتبرها مراقبون ال ترتقي إلى ما‬ ‫يستحقه هذا الملف من تعامل، إال أنها أعادت كل من‬ ‫حركة النهضة والتيار السلفي إلى بداية مسارهما في‬ ‫التعاطي مع الوضع في تونس.‬ ‫حركة النهضة بينت أنها الحركة السياسية المنخرطة في‬ ‫اللعبة السياسية مع ما يتطلب ذلك من تقديم تنازالت حتى‬ ‫على حساب أقرب التيارات الفكرية واإليديولوجية اليها،‬ ‫من أجل ضمان استمرارها في السلطة. أما التيار السلفي‬ ‫الذي يرفض االنخراط في السياسة الوضعية، يبدو أنه‬ ‫اختار سياسة الهروب إلى األمام.‬ ‫اليمكن التكهن بنتائج هذا التصادم والدرجة التي يمكن أن‬ ‫يبلغها. ليس من ناحية التيار السلفي الذي بين منذ ظهوره‬ ‫العلني أنه ثابت على مواقفه وإنما من ناحية حركة‬ ‫النهضة التي لم تخف أنها حركة براغماتية تتعامل مع‬ ‫الوضع من خالل موازين القوى وما يضمن لها‬ ‫االستمرار في السلطة .‬ ‫35‬
  • 54. ‫حملة "اكبس".. االنتخابية‬ ‫في جميع تحركاتهم حرص منظمو حملة "اكبس" على‬ ‫التذكير بأنها مستقلة ال ترتبط بحزب "النهضة"‬ ‫اإلسالمي، وأنها عنوانها الكبير هو الضغط على‬ ‫الحكومة "من أجل تسريع تحقيق أهداف الثورة".‬ ‫لكن النشاطات التي انطلقت قبل أسابيع في العاصمة‬ ‫تونس وبلغت ذروتها في السابع من أيلول/سبتمبر‬ ‫الجاري في اعتصام ساحة القصبة قرب مقر رئاسة‬ ‫الحكومة تضع عالمات استفهام كبيرة على مزاعم‬ ‫االستقاللية.‬ ‫خمسة آالف جلّهم من أنصار التيار اإلسالمي شاركوا‬ ‫في التظاهرة، كان يتقدمهم أحد أبرز قيادات النهضة‬ ‫الحبيب اللوز والمستشار السياسي لرئيس الحكومة لطفي‬ ‫زيتون.‬ ‫الشعارات التي هتف بها المشاركون في القصبة كانت‬ ‫هي نفسها التي حملها الحزب الحاكم في المجلس الوطني‬ ‫التأسيسي. مهاجمة اإلعالم واإلعالميين جاءت بالطريقة‬ ‫ذاتها التي تتردد على ألسنة المسؤولين في الحكومة، ما‬ ‫يجعل من "اكبس" حلقة جديدة في سلسلة دعم الحكومة‬ ‫المؤقتة ومساندتها في مواجهة االنتقادات الموجهة إليها.‬ ‫45‬
  • 55. ‫جاءت هذه المبادرة في فترة تزايدت فيها االنتقادات‬ ‫ألداء الحكومة وخاصة ضعفها في التعاطي مع ملفات‬ ‫التنمية وكشف ملفات الفساد و فرض األمن. ربما أكثر‬ ‫هذه االنتقادات رمزية ما جاء على لسان رئيس‬ ‫الجمهورية المؤقت ذاته الذي حذر من ثورة ثانية في‬ ‫مناسبة أولى، ولمح إلى خطورة هيمنة حركة النهضة‬ ‫ّ‬ ‫على مفاصل الدولة في مناسبة ثانية.‬ ‫المتابع ألداء الحكومة يلحظ أن أغلب االنتقادات الموجهة‬ ‫إليها لم تأت من فراغ، فالوقائع الميدانية تؤكد أن هذا‬ ‫األداء مازال لم يرتق إلى ما انتظره أبناء الجهات الفقيرة‬ ‫والمحرومة وشهداء وجرحى الثورة وما انتظره ضحايا‬ ‫الفساد.‬ ‫حاولت الحكومة في أكثر من مناسبة تبرير ضعف أدائها‬ ‫مرة بـ" الثورة المضادة" وبإرباك المعارضة ألدائها،‬ ‫وأخرى بحجم الملفات التي ورثتها عن النظام السابق‬ ‫وأيضا عن الحكومة التي سبقتها (حكومة السيد الباجي‬ ‫القايد السبسي)، وأحيانا بالقفز إلى األمام والقول - رغم‬ ‫ذلك- أن الحكومة الحالية هي األقوى في تاريخ تونس‬ ‫منذ االستقالل، دون أن تقدم ما يؤكد ذلك باستثناء أنها‬ ‫حكومة شرعية ومنتخبة.‬ ‫55‬
  • 56. ‫ال يبدو أن هذه التبريرات وجدت صداها القوي لدى‬ ‫عموم الشارع في تونس، فأبناء الجهات الداخلية‬ ‫المحرومة الذين لم يكفوا عن االحتجاج رفضوا أن تفسر‬ ‫احتجاجاتهم بأنها من أفعال الثورة المضادة، والمعارضة‬ ‫رفضت دائما أن يتم تفسير كل ما يحدث من حراك في‬ ‫الشارع بأنه مؤامرة منها إلسقاط الحكومة .‬ ‫هذه العوامل مثّلت عناصر ضغط حقيقية على الحكومة.‬ ‫يضاف إلى كل ذلك عنصر آخر ال يقل أهمية، هو‬ ‫اقتراب موعد 26 تشرين أول/ أكتوبر، وهو موعد‬ ‫انتهاء الشرعية االنتخابية للحكومة، حسب المرسوم الذي‬ ‫نظم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي قبل أقل من‬ ‫سنة.‬ ‫في هذا اإلطار وفي هذا التوقيت جاءت حملة "اكبس"‬ ‫التي لم يعد خافيا أنها حملة أنصار الحكومة لدعم‬ ‫الحكومة وحملة أنصار حركة النهضة إلبراز أن‬ ‫حركتهم مازال لها قاعدتها الشعبية.‬ ‫حملة "اكبس" كما أرادها منظموها اكتفت إلى حد اآلن‬ ‫بوقفة احتجاجات، لكن حملة "اكبس" الحقيقية التي‬ ‫يمارسها العاطلون عن العمل وأبناء الجهات الداخلية‬ ‫65‬
  • 57. ‫المحرومة و أبناء األحياء الفقيرة الذين كانوا وقود ثورة‬ ‫11 كانون ثاني/ يناير مازالت مستمر‬ ‫تونس ..عاصمة إلضرابات الجوع‬ ‫بعد أكثر من سنة ونصف على سقوط النظام السابق،‬ ‫مازالت اضرابات الجوع في تونس تسجل حضورا بقوة.‬ ‫فقد دخل أعضاء من المجلس الوطني التأسيسي‬ ‫(البرلمان) مطلع تشرين أول/ اكتوبر الجاري إضرابا‬ ‫عن الطعام احتجاجا على حملة مداهمات واعتقاالت‬ ‫شملت متظاهرين من مدينة منزل بوزيان التي قدمت‬ ‫أول شهيد في الثورة التونسية.‬ ‫كما قام شيوخ وعجائز بعضهم تجاوز العقد الثامن،‬ ‫بإضراب عن الطعام في المدينة ذاتها للمطالبة بإطالق‬ ‫سراح أبنائهم، الذين احتجوا وتظاهروا للمطالبة بالحق‬ ‫في التشغيل ونصيب الجهة من التنمية.‬ ‫صحفيون وصحافيات من دار الصباح وصحيفة السور‬ ‫األسبوعية، أيضا دخلوا في اضراب جوع دفاعا عن‬ ‫استقاللية المؤسسات االعالمية وعن حق الصحف في‬ ‫اإلعالنات العمومية.‬ ‫75‬
  • 58. ‫وقبل ذلك كان عشرات من جرحى الثورة وعائالت‬ ‫الشهداء ومن العاطلين عن العمل دخلوا في اضرابات‬ ‫عن الطعام في أكثر من مدينة وقرية.‬ ‫صدى هذه االضرابات وصل الى وسائل االعالم‬ ‫االجنبية في مشهد يذكر تماما بما كان عليه األمر قبل‬ ‫الثورة، حتى أن بعض المسؤولين الجدد رددوا العبارات‬ ‫ذاتها التي كان يرددها المسؤولون السابقون "ثمة من‬ ‫يعمل على تشويه صورة تونس في الخارج".‬ ‫بدأت قصة التونسيين مع اضرابات الجوع عندما أصبح‬ ‫هذا الخيار هو الوسيلة الوحيدة أمام الحقوقيين والناشطين‬ ‫السياسيين واالعالميين لمواجهة االستبداد، وهو خيار‬ ‫صعب ألنه يضع حياة المضرب عن الطعام أمام خطر‬ ‫معلوم، لكنه كان الخيار الذي ال مفر منه في مواجهة‬ ‫االستبداد والتضييق على الحريات.‬ ‫وتمكن التونسيون بدء من سنة 0006 من مراكمة‬ ‫ً‬ ‫تجربة نوعية في تنظيم هذا النوع من االضرابات، ففي‬ ‫تلك السنة أضرب الصحفي توفيق بن بريك عن الطعام‬ ‫احتجاجا على منعه من الكتابة وهو اضراب كسر حاجز‬ ‫الخوف لدى العديد من التونسيين وفتح األبواب أمام‬ ‫سلسلة أخرى من االضرابات يبقى أهمها اضراب 11‬ ‫أكتوبر 2006 الذي شارك فيه حقوقيون وناشطون‬ ‫85‬
  • 59. ‫سياسيون وإعالميون من ضمنهم وزير حقوق االنسان‬ ‫والعدالة االنتقالية الحالي سمير ديلو.‬ ‫كان هذا االضراب هو األهم ألنه وحّد المعارضة‬ ‫السياسية باختالف مرجعياتها االيديولوجية وجمع‬ ‫ّ‬ ‫الحقوقيين واالعالميين حول مطالب حرية االعالم‬ ‫وحرية التنظيم.‬ ‫وأضربت أيضا المحامية والحقوقية راضية النصراوي‬ ‫أكثر من ثالثين يوما احتجاجا على المضايقات التي‬ ‫تعرضت لها، وأضرب في السجون مساجين حركة‬ ‫النهضة، وهي االضرابات التي قال عنها الناشط‬ ‫الحقوقي السوري هيثم مناع إنها "األطول في السجون‬ ‫األفريقية".‬ ‫لقد ساهمت هذه االضرابات، وقتها، في وضع ملف‬ ‫حقوق االنسان والحريات في تونس تحت المجهر،‬ ‫وحظيت بمتابعة في أعلى الهيئات االوروبية‬ ‫واألمريكية، وهو ما أحرج كثيرا النظام السابق الذي‬ ‫عجز عن رسم صورة أخرى لتونس غير صورة البلد‬ ‫الذي تنتهك فيه الحريات و حقوق االنسان.‬ ‫بعد الثورة، سقطت كافة القيود التي كانت مفروضة على‬ ‫الحريات وعلى حقوق االنسان في تونس، ووجد بعض‬ ‫95‬
  • 60. ‫من كانوا يشاركون في اضرابات الجوع أنفسهم في‬ ‫مواقع قيادية في الدولة، وكأن الثورة كافأتهم على تلك‬ ‫النضاالت.‬ ‫الثورة التونسية كانت في جوهرها ثورة على الخيارات‬ ‫االقتصادية واالجتماعية للنظام السابق، التي حرمت‬ ‫جهات وأقاليم كاملة من تنمية حقيقية، فتوسع الفقر‬ ‫وارتفعت نسب البطالة وغرق الشباب في قوارب الموت‬ ‫نحو الضفة الشمالية للبحر االبيض المتوسط.‬ ‫وكان من المفروض أن يعي المسؤولون الجدد الذين‬ ‫جاؤوا للحكم من النضال السياسي والحقوقي ومن‬ ‫اضرابات الجوع داخل السجون وخارجها، جوهر الثورة‬ ‫وبالتالي جوهر انتظارات ابناء الجهات المحرومة‬ ‫والمهمشة والعاطلين عن العمل و سكان األحياء الفقيرة.‬ ‫لكن ما حصل أن كل الحكومات التي تعاقبت منذ 11‬ ‫كانون الثاني/يناير 1106 بما في ذلك الحكومة المنتخبة‬ ‫يوم 26 اكتوبر 1106، جعلت من االصالحات‬ ‫االقتصادية واالجتماعية تحتل مراتب متأخرة في‬ ‫أولوياتها، معوضة االجراءات الملموسة بالوعود مرة‬ ‫وباإلشارة الى صعوبة ودقة الوضع االقتصادي في‬ ‫أغلب األحيان.‬ ‫06‬
  • 61. ‫لم يلمس الشباب الذي كان وقود الثورة ثمار دوره في‬ ‫اسقاط النظام السابق، ولم يتغير حال الجهات الداخلية‬ ‫التي بقيت محرومة ومهمشة، ولم تفلح الوعود والحلول‬ ‫اللفظية في اقناع هؤالء، فكان من الطبيعي أن تبرز من‬ ‫جديد الحركات االحتجاجية وتتوسع الحركة المطلبية.‬ ‫إن المتمعن في التوزيع الجغرافي والقطاعي لهذه‬ ‫التحركات يالحظ أنها في الجهات والقطاعات التي‬ ‫انطلقت منها شرارة الثورة.‬ ‫وقد تعاملت الحكومة الحالية مع هذه التحركات بأساليب‬ ‫مختلفة، فمن وصف المحتجين بأدوات "بيد الثورة‬ ‫المضادة" و"أزالم النظام السابق" الى استعمال الحل‬ ‫االمني، دون أن تتقدم في ايجاد حلول لألسباب الحقيقية‬ ‫لهذه االحتجاجات أي الحق في الشغل والتنمية.‬ ‫ويبقى مثال مدينة منزل بوزيان (محافظة سيدي بوزيد)‬ ‫هو األبرز، فقد استعمل ابناء هذه المدينة كافة االشكال‬ ‫للفت انتباه الحكومة الى حقيقة أوضاعهم لكن دون‬ ‫جدوى، مما اضطرهم الى التصعيد في حركة احتجاجهم‬ ‫وهو ما قابلته الحكومة بجملة من المداهمات واالعتقاالت‬ ‫شملت العديد من الشبان أغلبهم ممن شاركوا في الثورة.‬ ‫16‬
  • 62. ‫وأمام هذه االعتقاالت ورفض الحكومة اطالق سراح‬ ‫المعتقلين لم يبق اال خيار اضراب الجوع الذي شارك فيه‬ ‫شيوخ تجاوز بعضهم عقده الثامن وساندهم أعضاء من‬ ‫المجلس الوطني التأسيسي .‬ ‫وفي قطاع االعالم ال يبدو االمر مغايرا، فرغم‬ ‫التحذيرات التي اطلقها المهنيون وهياكلهم الممثلة من‬ ‫محوالت الحكومة إلعادة انتاج الهيمنة على قطاع‬ ‫االعالم، ليكون اداة بيدها مثلما كان الشأن قبل ثورة 11‬ ‫يناير 1106.‬ ‫اعتبرت الحكومة دائما أن االعالم غير محايد وال‬ ‫يتعاطى مع الحكومة المنتخبة بما يتطلب التعاطي مع‬ ‫حكومة "تمثل إرادة الشعب"، وبلغ األمر بأنصار‬ ‫الحكومة واألحزاب المكونة لها الى حد توصيف االعالم‬ ‫أنه أداة "بيد الثورة المضادة". بل وذهبت الحكومة في‬ ‫خطوات عملية اكدت انها بصدد وضع يدها على االعالم‬ ‫من أجل السيطرة عليه وذلك من خالل سلسلة من‬ ‫التعيينات على راس بعض المؤسسات االعالمية من‬ ‫ضمنها دار الصباح.‬ ‫تمت هذه التعيينات بشكل فوقي دون التشاور بين الهيكل‬ ‫الممثلة وهو ما صعد من شدة االحتجاجات انتهت‬ ‫26‬
  • 63. ‫بإضراب الجوع الذي شنه مجموعة من الصحفيين ألكثر‬ ‫من شهر دفاعا عن استقاللية المؤسسة االعالمية.‬ ‫تونس مازالت عاصمة اضرابات الجوع رغم الثورة‬ ‫التي حصلت وهو ما يعني ان اهداف الثورة مازالت لم‬ ‫تحقق ألن في تحقيقها سيرحل هذا التوصيف‬ ‫36‬
  • 64. ‫عودة إلى صحافة بن علي‬ ‫منذ إعالن تشكيلها قبل أقل من سنة ترى الحكومة‬ ‫المؤقتة أن االعالم التونسي غير محايد وال يتعاطى معها‬ ‫بصفتها حكومة منتخبة تمثل "إرادة الشعب". بل إن‬ ‫األمر بلغ باألحزاب الثالثة المكونة للحكومة إلى حد‬ ‫وصف االعالم بأنه "أداة بيد الثورة المضادة".‬ ‫في المقابل تتهم النقابات اإلعالمية الحكومة بالعمل على‬ ‫إعادة انتاج الهيمنة على قطاع االعالم، متحدثة عن‬ ‫"حساسية مفرطة" لدى حزب النهضة اإلسالمي على‬ ‫وجه الخصوص إزاء حرية التعبير.‬ ‫التجاذب بين الطرفين مازال قائما، بل تحول إلى معركة‬ ‫بين مدافعين ومتمسكين باستقاللية االعالم وبين محاولين‬ ‫لتركيعه والسيطرة عليه مثلما كان الشأن قبل ثورة 11‬ ‫جانفي 1106.‬ ‫ّ‬ ‫في هذا المناخ من االتهامات المتبادلة قدم حزب المؤتمر‬ ‫من أجل الجمهورية (حزب رئيس الجمهورية منصف‬ ‫المرزوقي) مشروع قانون جديد للصحافة وحرية التعبير‬ ‫يخفف – حسب رأي الحزب- من هذا التجاذب.‬ ‫46‬