1. الزمة العالمية ..
مالية أم سياسية ؟
د. أحمد الخميسي
معظم ما يكتب في الصحافة يتناول الزمة المالية العالمية الحالية باعتبارها أزمة
اقتصادية لأكثر، يمكن فهم أسبابها ودرء مخاطرها داخل إطار العملية القتصادية .
ول تشير الغالبية العظمى إلي ما هو أبعد من القتصاد والبورصة وسيطرة الطبقة
المالية المصرفية ، أي إلي الجذور السياسية للزمة . ل يسأل أحد عن العلقة بين
الزمة وتكاليف الغزو المريكي للعراق ؟ وأفغانستان ؟ وتكلفة حشد قوات حلف
الناتو على حدود روسيا ؟ وتكلفة الدعم المريكي غير المحدود لسرائيل؟ والتكلفة
الباهظة لبرامج الدرع الصاروخي المريكي والتسلح؟ . الهم ليسأل أحد عن
صلحية نظام رأسمالي تدفعه الزمة إلي إحراق الغذاء واستخدامه كوقود حيوي
بينما يجوع مليين البشر، خاصة أن تلك ليست أولى أزماتها ، فقد سبق أن عصفت
بها أزمات مماثلة من قبل أشعلت إحداها نار الحرب العالمية الولى ثم أزمة
٥٧٩١ ، وأزمة ١٨٩١ ، وأزمة ١٠٠٢ . تطرح الزمة الحالية من جديد أهمية
منهج التخطيط ، وتدخل الدولة ودورها، وهو ما لجأت إليه الدول الوربية كلها
وأمريكا للتخفيف من حدة الكارثة . هل تعتبر الكارثة حدثا عارضا ؟ بسبب فئة
حولت الرأسمالية إلي كازينو قمار يقوم على مبدأ المخاطرة من أجل أقصى ربح ؟
أم أن الكارثة في صميم ذلك النظام الرأسمالي ؟ بحيث ل يمكن تجنبها إل بنظام
آخر؟ وأيديولوجية أخرى؟. لقد خيبت الزمة آمال الذين أكدوا بعد زوال التحاد
السوفيتي وحتى وقت قريب أن الرأسمالية هي المحطة الخيرة لقطار البشرية .
وأعادت الزمة الكثيرين إلي مبادئ القتصاد المخطط ، ودور الدولة ، في مواجهة
فوضى الربح الرأسمالي . ولم تكن مصادفة أن يمسك وليم كريستول المعلق
السياسي لجريدة نيويورك تايمز على أوباما المرشح للرئاسة المركية استشهادا
بعبارة من كارل ماركس . والن فلنصف الزمة التي يمر بها العالم والتي تسببت
في خسارة بمقدار مئة وخمسين مليار دولر في دول الخليج وحدها ، إنها : "
الرعب الذي يستشعره كل بلد حديث ..فبعد عدة أعوام من الزدهار والصفقات
الجيدة، تبدأ الهمسات هنا وهناك: في الصحف والبورصة، حيث تسري بعض
إشاعات الفلس المقلقة، ثم يصبح لشارات الصحف معنى واضح ومحدد،
وتضحي البورصة أكثر قلقا، فيما تزيد مصارف الدولة نسبة الحسم، أي أنها تجعل
من القراض أمرا أكثر صعوبة وتقلصه حتى تبدأ أخبار الفلس تهطل كالمطر. ثم
ما أن تندلع الزمة حتى يبدأ النقاش والنزاع لمعرفة المسئول عنها. يقول رجال
العمال إن المصارف هي المسؤولة بسبب رفضها القاطع تقديم القروض،
ويشاركها في المسؤولية رجال البورصة بسبب تكالبهم على المضاربة، أما رجال
2. البورصة فيحملون المسؤولية للصناعيين، وهؤلء بدورهم يرجعون السبب إلى
شح النقد المتداول في البلد.. وهكذا دواليك " . هذا هو وصف الزمة الحالية بالدقة
، ليس من عندي ، فقد جاء في كتاب " القتصاد السياسي " لروزا لوكسمبورج
منذ مئة عام ! والسبب في أن هذا التوصيف للزمة – رغم انقضاء قرن من الزمان
- ينطبق بدقة على الزمة الن ، هو أن القانون الرئيسي للرأسمالية ، قانون
التنافس الحر لم يتبدل ، ولم يتبدل تغييب كل تخطيط وتنظيم ، مما يجعل ثمار
النشاط القتصادي للبشر بعيدا عن إرادتهم . وليعني ذلك القانون سوى العتراف
بأن الفوضى هي أساس النظام الرأسمالي . ولهذا فالزمة المالية العالمية الحالية
هي في واقع المر أزمة سياسية ، أزمة نظام وأيديولوجية ، وقد انعكست آثارها
السلبية وسوف تنعكس علينا ، على القل بتقليص حجم المساعدات المقدمة لدول
العالم الثالث. وربما نكون بحاجة الن إلي إعادة النظر في صحة اللتزام بروشتة
صندوق النقد والبنك الدولي التي دعتنا إلي نبذ دور الدولة ، والتخلي عن التخطيط
والقطاع العام وللتنمية . الجانب الكثر خطورة الكامن في الزمة السياسية العالمية
الحالية ، أن الرأسمالية اعتادت حل أزماتها القتصادية بتصديرها للخارج بإشعال
الحروب، وهناك ما يمكن أن تجده الزمة سببا للحروب في إيران ، ودول أمريكا
اللتينية التي يعلن بعضها عداءه الصريح لمريكا . أيا كان ، فل يمكن النظر إلي
الكارثة التي وقعت باعتبارها " لعبة القتصاد " بعيدا عن السياسة .
...
أحمد الخميسي . كاتب مصري
Ahmad_alkhamisi@yahoo.com