SlideShare ist ein Scribd-Unternehmen logo
1 von 263
Downloaden Sie, um offline zu lesen
‫1‬




‫حرب الع�صابات‬
      ‫َ ُ ِ‬
                 ‫ّ‬
    ‫بني النظرية العلميـة‬
      ‫ّ‬
    ‫والتطبيق الفل�سطيني‬
‫2‬




              ‫حرب الع�صابات‬
   ‫بني ال ّنظرية العلميـة والتطبيق الفل�سطيني‬
                         ‫ّ‬


          ‫�إعداد الأ�سري حممد ناجي �صبحة‬
                         ‫____________‬
    ‫الطبعة الأوىل – 2341هـ / 1102م‬


        ‫توزيع: م�ؤ�س�سة فل�سطني للثقافة‬




    ‫________________________________________________________‬
    ‫�سورية – دم�شق – �ص.ب: 92031‬
      ‫هاتف: 20847361136900‬
      ‫فاك�س: 15547361136900‬
‫الربيد االلكرتوين: ‪thaqafa@thaqafa.org‬‬
 ‫املوقع االلكرتوين: ‪www.thaqafa.org‬‬
‫3‬




       ‫حرب الع�صابات‬
    ‫بني ال ّنظرية العلميـة والتطبيق الفل�سطيني‬
                          ‫ّ‬




              ‫�إعداد الأ�سري حممد ناجي �صبحة‬
4
‫5‬




                    ‫�إهـــــداء‬

      ‫�إىل �أ�سود كتائب ال�شهيد عز الدين الق�سام..‬
                 ‫�إىل ال�شهداء العظام..‬


              ‫و�إىل املرابطني املجاهدين..‬
    ‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
       ‫و�إىل ال�صابرين الثابتني؛ جرحى و�أ�رسى..‬



                  ‫�أُهدي كتابي هذا..‬
                ‫راجياً من اهلل القَبول..‬
6
‫7‬




                          ‫َ ِ ُّ ّ‬
                         ‫مـن قـبـ�س النـبـوة‬


‫«لن تربح هذه الأمة من�صورين �أينما توجهوا، ال ي�رضهم من خذلهم من‬
              ‫ّ‬           ‫ّ‬                   ‫ُ‬         ‫َ‬
                                     ‫النا�س، حتى ي�أتي �أمر اهلل وهم بال�شّ ام».‬
                                                          ‫َ ُ‬

               ‫ّ‬      ‫ٌ‬     ‫ُ‬             ‫َ‬       ‫ِ‬        ‫َ ُ‬
‫«�إذا فَ�سد �أهل ال�شّ ام فال خري فيكم. ال تزال طائفة من �أمتي من�صورين، ال‬
                                    ‫ي�رضهم من خذ َلهم، حتى تقوم ال�ساعة».‬
                                          ‫َ ّ‬                    ‫ُّ َ‬
                                                   ‫«عقر دارِ امل�ؤمنني ال�شّ ام».‬
                                                                               ‫ُ‬

‫«�إنيّ ر�أيت املالئكة يف املنام �أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به �إىل ال�شّ ام، ف�إذا‬
                           ‫َ‬          ‫َ‬       ‫ِ َ‬           ‫َ‬        ‫ُ‬
                                            ‫وقعت الفنت ف�إنّ الإميانَ بال�شّ ام».‬
                                                                       ‫ُ‬
                               ‫َ‬
‫«عن عبد اهلل بن حوالة �أ ّنه قال: يا ر�سول اهلل، اكتب يل بلداً �أكون فيه،‬
                                                               ‫َ‬
‫فلو �أعلم �أ ّنك تبقى مل �أخرت �إال قر َبك. فقال عليه ال�سالم: «عليك بال�شّ ام،‬
                            ‫ُ‬
‫عليك بال�شّ ام، عليك بال�شّ ام». فلما ر�أى ر�سول اهلل كراهي َته لل�شام، قال:‬
‫«هل تدرون ما يقول اهلل عز وجل؟ يقول: �أنت �صفْوتي من بالدي، �أُدخل‬
 ‫ِ ُ‬                   ‫ِ َ َ‬
                                                      ‫فيك خريتي من عبادي»‬
                                                                    ‫ِ ِ‬

‫«ور�أيت ليلة ُ�أ�سرِْي بي عموداً �أبي�ضا ك�أنه ل�ؤل�ؤ، حتمله املالئكة، فقلت: ما‬
                    ‫ُ‬                   ‫ً‬                   ‫َ‬      ‫ُ َ‬
                   ‫حتملون؟ قالوا: عمود الإ�سالم �أُمرنا �أنْ ن�ضعه بال�شّ ام»‬
                               ‫َ‬                 ‫ِ‬        ‫َ‬
‫8‬

                                                   ‫ِ ّ ِ ُ‬               ‫َ‬
       ‫«عليك بال�شّ ام ف�إنها خرية اهلل من �أر�ضه، جتبي �إليها خريته من عباده»‬

‫«�ستجدون �أجناداً: جنداً بال�شام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن. قال عبد‬
                                      ‫َ‬
‫اهلل: فقمت فقلت: اخرت يل يا ر�سول اهلل. فقال: عليكم بال�شّ ام، فمن �أبى‬
                                                        ‫ُ‬    ‫ُ‬
             ‫َ‬         ‫َّ‬   ‫َ َّ‬
‫فليلحق مبنه، ولي�ستعذ من غدره، ف�إنّ اهلل عز وجل قد تكفّل يل بال�شّ ام‬
                                                                                   ‫و�أه ِله»(1).‬



                                               ‫***‬




‫1جميع ما تقدم م�أخوذ من كتاب (ف�ضائل ال�شام/ للربيعي)، حتقيق ال�شيخ الألباين، وجميع الأحاديث �إما �صحيحة‬
                                                                                          ‫�أو ح�سنة.‬
‫9‬




                                  ‫تقدمي‬
                              ‫الدكتور �أحمد نوفل‬
                  ‫�أ�ستاذ ال�رشيعة الإ�سالمية يف اجلامعة الأردنية‬

‫ال�صاع هو قانون احلياة، و�س ّنة ال ّتدافع �سنة كونية اجتماعية، و�ضعها اهلل‬
                      ‫ٌّ‬    ‫ٌ‬                                          ‫رِّ‬
‫يف ُبنية الكون واملجتمعات، بل جعلها �صمـام �أمان، و�ضمانَ �سالمة وعدم‬
‫ِ‬    ‫ٍ‬                     ‫ّ َ‬
‫ف�سادٍ للأر�ض، و�أمن �أماكن العبادة، وقد كررها القر�آن الكرمي يف مو�ضعنيِ‬
   ‫َ‬                          ‫ّ‬                      ‫ِ‬
‫من �سورتَنيِ كرمي َتني، هما �سورة البقرة و�سورة احلج، فقال: }ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{ [البقرة: ١٥٢]، وقال:‬
‫}ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
                               ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ{ [احلج: ٠٤].‬

‫واخلالف بني بني الب�رش �س ّنـة �أخرى، و�سيالزمهم ذلك ما الزم ْتهم احلياة:‬
                                           ‫ٌ‬                         ‫ِ‬
‫}ﭙ ﭚ ﭛ{ [هود:٨١١]. وكثرياً ما يح�سم الب�رش خالفاتهم بالقوة‬
                                                                       ‫واحلروب.‬

‫وحتى �إن مل يكن ثمة خالفات، ف�إن نظرية (فائ�ض القوة) �ستجد نف�سها‬
   ‫َ‬                                        ‫ّ ِ‬
‫متحقّقة يف الواقع؛ اعتداء على ال�ضعيف، ومتدداً يف �أر�ضه، ومت ّتعا برثوته. �إن‬
            ‫ً‬                      ‫ّ‬                 ‫ً‬                 ‫ً‬
‫َّ ْ ِ‬                   ‫ّ‬
‫ال�ضعف ال ُيغري الأقوياء �إال باالعتداء على الطرف ال�ضعيف، ورائحة ال�ضعف‬
                                                ‫َ‬                 ‫َّ َ‬
                       ‫َ ِ‬
‫جتذب الأقوياء كما جتذب رائحة الدم �أ�سماك القر�ش يف البحار واملحيطات‬
                                   ‫ُ ِّ‬                ‫َ‬
                                                                    ‫نحو الفرائ�س.‬
‫01‬

‫هذه هي طبيعة احلياة، وهذه طبيعة الأ�شياء. وما ال�سالم �إال �أماين عذاب‬
‫ٍ‬                    ‫ّ‬
‫ّ‬                                         ‫َّ‬
‫و�أحالم، يحلم بها ال�ضعفاء ويتعللونَ بها، كما هو حال العامل العربي الر�سمي‬
                                                     ‫ّ‬
                                                                    ‫اليوم.‬

‫ما دام الأمر كذلك، و�أن الأقوياء ال يرحمون ال�ضعفاء، بل �إن �ضعفهم‬
                                       ‫َ‬
‫ُيغري الأقوياء باالعتداء، ويهدد ال�ضعفاء بالإنهاء والإفناء، �أفال ترى �إىل‬
                                         ‫ُّ‬  ‫ّ‬               ‫َ‬
                                                          ‫ُ‬
‫م�صري الهنود احلمر؟ و�أال ترى �إىل م�صري �إفريقيا كيف تُف َتعل فيها احلروب‬
‫وتُوزع الأ�سلحة «ليتفانى» النا�س يف حرب قذرة ال م�صلحة لهم فيها؟ ولكن‬
‫ّ‬              ‫َ‬         ‫ٍ‬     ‫ٍ‬                                 ‫َّ‬
‫الأقوياء يت�صارعون من خالل ال�ضعفاء، ففرن�سا و�أمريكا تتناطحان من خالل‬
                                        ‫ُّ‬                     ‫َ‬
                                                       ‫الأفارقة... وهكذا..‬

‫فهل بعد هذا الت�صوير ال�سوداوي للواقع من �أمل لل�ضعفاء؟! �أم �أن النهاية‬
‫َ‬                      ‫ٍ ُّ‬               ‫ِّ‬    ‫َّ‬
                                       ‫احلتمية با�ستئ�صالهم هي لهم باملر�صاد؟‬
                                                                      ‫َّ‬

       ‫ّ‬        ‫َ‬
‫اجلواب نعم! �إنّ لهم ف�سحة وفر�صة للبقاء واالنت�صار، �رشط �أن يتغلبوا على‬
                                        ‫ً‬      ‫ً‬
‫�ضعفهم، ويقهروا �سلبي َتهم وخوفَهم و�شعور الإحباط والي�أ�س والتمزق والتفرق،‬
  ‫ّ‬       ‫ّ‬                       ‫َ‬                   ‫ّ‬
                           ‫ويجتمعوا على املقاومة و�شن «حرب الع�صابات».‬
                                            ‫ّ‬
‫لقد غيرّت حرب الع�صابات وجه التاريخ! و�إن لنا فيها نحن امل�سلمني جتربة‬
‫ً‬                                          ‫َ‬             ‫ُ‬
‫عتيقة قدمية منذ فجر الإ�سالم، حني اتّخذ �أبو جندل و�أبو ب�صري من مواقعهما‬
                                                              ‫ً‬     ‫ً‬
                               ‫ٍ‬        ‫ٍ‬    ‫َ‬
‫على طريق القوافل نقاط هجوم وانق�ضا�ض على م�صالح قري�ش، فقامت قري�ش‬
                                                      ‫َ‬
‫ترجو النبي [ �أن يقبلهم يف املدينة، بعك�س االتفاقية املوقَّعة بني ال ّنبي [‬
                         ‫ّ‬
                                                          ‫وقري�ش، وقد كان.‬

‫على �أنّ حرب الع�صابات، �أو حرب ال�شعب، �أو املقاومة، �أو العمل الفدائي،‬
‫11‬


                        ‫ُ‬      ‫ّ‬                             ‫ِ ً‬
‫قد �أ�صبحت علما وممار�سةً، و�صار لل�شعوب، خا�صة الـم�س َتعمرة منها، �صار لها‬
            ‫جتارب، تتبادلها الأمم والأقوام، وتتكامل اخلربات بني امل�ست�ضعفني.‬

                                                               ‫ُّ‬
‫فكل عاملنا الإ�سالمي خا�ض حرب حترير �ضد امل�ستعمر، حتى حقّق لبالده‬
                                ‫َّ‬            ‫ً‬
‫اال�ستقالل، واحدة فواحدة.. ولعل من �أجمل �صفحات الن�ضال واجلهاد‬
            ‫ِّ‬
‫ً‬                     ‫ٍ ّ‬       ‫ٍ‬         ‫ّ‬                 ‫َّ‬
‫والقتال؛ ما �سطره ال�شعب اجلزائري يف مقاومة �شعبية قدمت فيها اجلزائر مليونا‬
                                                                             ‫ً‬
                                                                ‫ون�صفا من ال�شهداء.‬

‫وجتربة عبد الكرمي اخلطابي يف حرب الريف باملغرب العربي غنيـة قيمـة‬
‫ّ ّ ٌ ّ ٌ‬                    ‫ِّ‬
‫كذلك. وجتربة عمر املختار معلم م�رشِّف. واملقاومة امل�رص ّية يف قناة ال�سوي�س‬
     ‫ُّ‬                                      ‫َ ٌ ُ‬
                                                       ‫ِّ‬   ‫ٌ‬     ‫ٌ‬
‫عمل �شجاع متقدم. على �أن من �أعظم جتارب حروب الع�صابات جتربة ال�شّ عب‬
‫ٍّ ٍ‬               ‫ٍ ّ‬       ‫ٍ‬          ‫ُ ُّ‬      ‫َ‬
‫الفيتنامي؛ فقد انخرط ال�شعب كله يف مقاومة رائعة �ضد طغيانٍ �أمريكي عات‬
                                                             ‫ّ‬
        ‫َ‬                                ‫َ َّ‬
‫مدجج ال يرحم، وا�ستخدم كل الأ�سلحة املحظورة واملحرمة، وحرق الغابات‬
                ‫َّ‬                                            ‫َّ ٍ‬
‫والب�رش، وارتكب من املجازر ما ت�شيب له الولدان. ومن قبله فرن�سا �صنعت‬
‫ال�صنيع نف�سه يف ذات البلد، ومع ذات ال�شعب، وخرج ال�شعب الفيتنامي منت�رصاً‬
         ‫ُّ‬                                                    ‫َّ َ َ‬
      ‫ً ّ‬             ‫ّ‬          ‫ّ ِ‬
‫على القوتَنيِ اال�ستعمار ّي َتنيِ امل�ستكربتَنيِ الطاغ َيتني، ولق َنهما در�سا تعلمت منه‬
                                                                               ‫ّ‬
                                                                  ‫كل �شعوب الأر�ض.‬   ‫ُّ‬

‫وثورة غيفارا وحربه الفدائية مدر�سة يف حرب الع�صابات، حتى غدا رمزاً‬
                                ‫ٌ‬
  ‫ِ‬             ‫ّ‬             ‫ً‬
‫للمقاومة. وخا�ض ال�شّ عب اللبناين مقاومة عنيدة با�سلةً، و�سطر مالحم من العرب‬
                                    ‫ً‬      ‫ّ‬
‫والبطولة والت�ضحية. وكذا ال�شّ عب ال�سوري يف مقارعة اال�ستعمار الفرن�سي،‬
                               ‫ُ ُّ ُّ‬
                                                                         ‫َّ َ‬
                                                        ‫�سطر بطوالت وت�ضحيات.‬
                                                                  ‫ٍ‬

‫ِّ‬       ‫ّ‬    ‫ُّ َ َ ً‬
‫على �أنّ ب�سالة ونبالة املقاومة يف فل�سطني، تظل معلما متميزا بني كل‬
                                             ‫َ‬      ‫َ‬
‫21‬

‫ال ّتجارب، وخا�صة جتربة (حما�س).. ومن قبلها جتربة املقاومة الفل�سطينية‬
                            ‫ٍ‬                     ‫ُ‬        ‫َ‬
‫قبل �أن تنحرف القيادات وتنجرف باجتاه ت�سويات غري �سو ّية، �إمنا تنخرط يف‬
                                                       ‫م�رشوع مقاومة املقاومة.‬
                                                                 ‫ِ‬

‫لقد ابتد�أت املقاومة الفل�سطينية من اال�ستعمار الربيطاين يف �أوا�سط العقد‬
                                          ‫ّ‬
                ‫ً‬
               ‫الثاين من القرن الع�رشين، �أي منذ قرابة قرن من الآن.. �إال قليال.‬

 ‫ّ‬
‫ثم تطورت مبقاومة م�رشوع اليهود ال�صهاينة، بالهجرة �إىل فل�سطني والتوطن‬
                                                                ‫ّ‬
    ‫ّ‬      ‫ّ ّ‬                 ‫ّ‬                    ‫ٌ ٌّ‬
‫فيها. وظهرت قيادات فذة لهذه الأعمال البطولية، من �أبرزها عز الدين الق�سام،‬
‫َّ‬                               ‫ُ‬
‫وفرحان ال�سعدي، وعبد القادر احل�سيني، وغريهم... رحمهم اهلل وتقبل‬
                                                      ‫َّ‬
                                                         ‫جهادهم.‬
                                                            ‫َ‬
                                                         ‫ّ‬
‫ولقد �سطرت (فتح) بطوالت ال تُنكر، �إنْ يف حرب الكرامة �أو بعدها..‬
                                          ‫ٍ‬
             ‫َ‬                         ‫ّ‬      ‫ّ‬                    ‫ّ َ‬
‫قبل �أن يت�سلط عليها جمموعة من التجار وال�سما�رسة ا ّلذين باعوا دماء ال�شُّ هداء،‬
                                                      ‫ٌ‬
                                       ‫وا�شتغلوا متعهدين مقاولني عن الأعداء.‬
                                                   ‫ِ َ‬     ‫ِّ َ‬
‫ثم منذ نيف وع�رشين �سنة، ظهرت حركة (حما�س)، مقاومة فل�سطينية‬
‫ٌ‬         ‫ٌ‬                                                ‫ّ ٍ‬
‫منطلقة من الإ�سالم العظيم ومبادئه يف احل�ضِّ على اجلهاد واملقاومة ومقارعة‬
                                                                   ‫ٌ‬
‫املحتل: }ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{[البقرة: ١٩١]، وقد غدت يف زمن‬
‫ٍ‬      ‫ْ‬
  ‫ّ‬                                                       ‫ً‬
‫ي�سري واحدة من رموز املقاومة على مدى العامل والتاريخ الإن�ساين، وقدمت‬
                                                                ‫ٍ‬
                       ‫ِّ‬         ‫ِ‬               ‫ّ‬                   ‫َ‬
‫قوافل من ال�شهداء، يف مقدمتهم قادتُها العظام وامل�ؤ�س�سون، ومل تفرت عزميتها‬
        ‫ْ‬
‫وما النت. ثم خا�ضت حروب مواجهة مع �أعتى قوة ع�سكرية يف العامل، مع �أنه‬
                   ‫ٍ‬       ‫ٍ‬            ‫ٍ‬      ‫َ‬
          ‫ّ‬     ‫ٍ‬       ‫ً‬      ‫َ‬                           ‫ً‬
‫لي�س مطلوبا من حركات املقاومة �أن تواجه جيو�شا يف حروب نظامية، ومع هذا‬
                   ‫ٍّ ّ‬          ‫َ ّ‬        ‫ً‬
                 ‫�أثبتت موجود ّية وخرجت منت�رصة مرفوعة الر�أ�س وبهمة علية.‬
                                                          ‫ً‬         ‫ْ‬
‫31‬

                                    ‫ً‬       ‫ً‬      ‫ُ َّ‬
‫كانت حرب غزة منعطفا تاريخيا �أوقف فيه العدو من طرف واحدٍ �إطالق‬
             ‫ٍ‬      ‫ُّ‬        ‫َ‬
 ‫َ َ‬                                              ‫ُ ُّ‬
‫النار، واعرتف العامل كله �أنّ العدو خ�رس يف هذه احلرب، و�إن كان �آمل بع�ض‬
                                      ‫َّ‬
‫العرب هذا الواقع اجلديد وال ّن�رص العتيد؛ فهم يعتربون �أنف�سهم و�إ�رسائيل يف‬
                 ‫َ‬                          ‫ُ‬        ‫ُ‬      ‫ُ‬            ‫ِ‬
                           ‫ُ‬
                         ‫خندق واحد، ي�ؤذيهم ما ي�ؤذيها، ويقاتلون من تقاتله.‬
                                                                       ‫ٍ‬

                              ‫ً‬       ‫ّ ُ‬
‫يف هذا ال�سياق، اطلعت، �رسيعا، على كتاب «حرب الع�صابات، بني‬
                                                 ‫ِّ‬
‫ال ّنظر ّية العلمية وال ّتطبيق الفل�سطيني». وكاتبه ممن خا�ض الغَمرات، ولبث‬
 ‫َ‬         ‫َ‬               ‫ُ‬                            ‫ِ ّ‬
                                         ‫َّ َ‬
‫يف ال�سجن �سنوات، و�سجل من ال ّتجارب وامل�شاهدات واملعاي�شات هذه‬
                                                               ‫ّ‬
‫ال�صفحات. ونحن نرحب بالكتاب لين�ضم �إىل مئات الكتب عن حرب‬
                       ‫َّ‬              ‫ّ‬              ‫ّ‬
‫الع�صابات، و�إىل ع�رشات الكتب من ال ّتجربة العربية الإ�سالمية يف حرب‬
                   ‫ّ‬
                                                          ‫الع�صابات.‬

‫ِّ‬
‫�أ�س�أل اهلل لهذا الكتاب وكاتبه القبول، و�أ�س�أل اهلل لأمتنا �أن ت�ستفيد من كل‬
      ‫َ‬              ‫ّ‬
   ‫َ ْ‬              ‫ً َ‬         ‫َ‬          ‫َ‬               ‫ِ‬    ‫ِّ‬
‫جتربة، ومن كل كلمة مقاومة، و�أن جتعل املقاومة لها نهجا وخياراً، فما ج َنـيـنا‬
‫من خدعة ال�سالم �إال العلقم واملوت الز�ؤام. وخيار املقاومة �أربح اخليارات‬
              ‫ُ‬            ‫ُ‬            ‫ُّ‬                         ‫ّ‬
‫واحللول، وخيار م�ساملة العدو �أ�سو�أُ و�أرد�أُ اخليارات.. والأحمق من ال تعلمه‬
  ‫ّ‬                                              ‫ّ‬             ‫ُ‬
                                                                ‫اخلربة والتجربة.‬

‫يجب �أن ت�صبح املقاومة ثقافة �شعبية عامة، و�أن يكونَ ال�صرب على الن�ضال‬
            ‫ّ ُ‬                 ‫ًّ ّ‬       ‫ً‬     ‫ُ‬        ‫َ‬
         ‫ّ‬     ‫ّ ٍ‬    ‫ٍ‬     ‫ّ‬       ‫ٍ‬      ‫ّ‬
‫وحتمل تبعا ِته وتكاليفه بكل �شجاعة و�أريحية وروح م�ضحية فدائية. هذا هو‬
                                                ‫ِ‬                 ‫ّ‬
                                         ‫طريق ال�شرَّف وال ّن�رص والعزة والتحرير.‬
                                                    ‫ّ‬                ‫َ‬

‫وفعال وحقا، �أنّ ما �أُخذ بالقوة؛ ال ميكن �أن ي�سرتد �إال بالقوة، وما جاء‬
                     ‫َّ‬                         ‫ِ َ‬            ‫ًّ‬   ‫ً‬
‫41‬


‫َّ‬             ‫ّ‬             ‫ُ‬                          ‫ُّ‬
‫باملفاو�ضات تبدده �أقل التحديات. والأق�صى �أكرم على اهلل و�أعز من �أن يتحرر‬
                                                  ‫ّ‬           ‫ّ‬
‫�إال بالدماء وال�شهداء، فهذا م�رسى �أعظم الأنبياء، ومهره �أكرم ما ُيقدم الأحياء؛‬
          ‫ِّ‬             ‫َ ُ‬
                                              ‫الدماء.. وال نامت �أعني اجلبناء..‬
                                                                            ‫ّ‬



          ‫د.�أحمد نوفل‬                 ‫					‬
     ‫					�أ�ستاذ ال�رشيعة الإ�سالمية‬
        ‫يف اجلامعة الأردنية‬            ‫					‬
          ‫عمان ـ الأردن‬                ‫					‬
‫51‬




                                   ‫ِّ‬
                               ‫مـقـدمــة‬


‫�إنَّ الناظر �إىل حال العمل الثوري واجلهادي يف فل�سطني على مدار العقود‬
                                                          ‫َ‬
‫ال�سابقة، يجده قائما على التطور الع�شوائي، معتمداً على الكثري من اجلهود‬
                                                   ‫ً‬
‫الفردية واملبادرات الذاتية، ما يجعله مفتقراً �إىل النظرات التحليلية والتقييمية‬
                                                                   ‫ً‬
‫غالبا، فالتجارب الثورية ـ رغم غزارتها ـ متر مرور الكرام من غري توثيق �أو‬
‫حتليل، فرتى مئات بل �آالف العمليات الع�سكرية تُنفذ ومتر ب�إجنازاتها و�أخطائها‬
‫دون �أن جتد من يتوقف عندها فيدر�سها وي�ستخل�ص النتائج منها، ثم ي�ضعها بني‬
                                                              ‫َ‬
                                               ‫�أيدي العاملني لال�ستفادة منها.‬

‫لذا، ف�إن كثرياً من ال�سلبيات ا ّلتي واجهت العمل الوطني الفل�سطيني ال زالت‬
               ‫ً‬
‫متكررة، وما زال ال�سقوط عند «الع�صافري» ي�شكل ن�سبة كبرية من االعرتافات،‬
                                                                    ‫ّ‬
‫وال زالت االغتياالت تُنفَّذ بحق املقاومني بنف�س الطريقة، ودومنا يقظة �أو‬
                                                       ‫مراجعة حقيقية مت�أ ّنية.‬

‫كذلك ال زال اال�ستهتار الأمني، والف�شل املرتتّب على ا�ستخدام االت�صاالت‬
‫الإلكرتونية، والقافلة ت�سري، وال زال.. وال زال.. وال من معترب. و�إن كنا قد‬
‫بد�أنا ن�شهد يف املدة الأخرية تطوراً ملحوظا على العمل الع�سكري يف قطاع‬
                           ‫ً‬
                      ‫ً‬
‫غزة، وا�ستفادة طيبة من التجارب ال�سابقة، ونقال لتجارب وخربات ال�شعوب‬
 ‫الأخرى، التي عا�شت احلياة الثورية ومار�ست حرب الع�صابات �ضد عدوها.‬
‫61‬

                                                                ‫َ‬
‫�إنَّ اخللل الذي تعي�شه املقاومة الفل�سطينية هو خلل يف �إدارة العمل املقاوم‬
                                                      ‫ُ‬
‫وتوجيهه واال�ستفادة منه، وتوجيه العاملني �إىل الوجهة ال�صحيحة. �أما �إدارة‬
‫ال�سيا�سة، فهي خا�ضعة �إىل ِفكر احلركة التي تدير هذا العمل، فعندما �أدارت‬
               ‫ً‬
‫حركة فتح واملنظمة العمل املقاوم كانت توجهه ليقطف حلوال �سلمية تو�صلها‬
‫�إىل ثمار (واهية) حددتها هي لنف�سها، وعندما �أدارت حركة حما�س عملها‬
‫املقاوم ف�إنها وجهته �إىل وجهة �أخرى ونح�سبها قد �أح�سنت يف �إدارته �إن �شاء‬
                                                           ‫َّ‬
                                                                          ‫اهلل.‬

‫�إنَّ الثورة الفل�سطينية حتتاج �إىل مفكرين ميتازون بعقول نرية، لهم جتارب‬
‫عملية ثرية يدعمونها بدرا�سات متعمقة لثورات العامل امل�شابهة، الأمر الذي‬
‫ي�ؤهلهم �إىل درا�سة الكم الهائل من التجربة والتاريخ الثوري يف فل�سطني، و�إنني‬
                                                     ‫ّ‬                   ‫ّ‬
                                                                       ‫ّ‬
‫�أ�ؤكد �أنّ وجود مثل ه�ؤالء املفكرين، ي�ضمن جتاوزاً للكثري من ال�سلبيات التي‬
‫تكرر الوقوع فيها، وي�سمح بالتخطيط امل�ستقبلي البديل عن االندفاع الع�شوائي‬
                                                                     ‫َّ َ‬
                                                   ‫الذي ن�شهده كثرياً للأ�سف.‬

‫لن جنلد ذاتنا، فاملقاومة حقّقت من الإجنازات ما نفخر به، �إال �أنّ الأمل‬
‫معقود عليها لتكون �أكرث قوة و�أبلغ �أثراً، و�أدق تخطيطا، و�أكرث ا�ستفادة‬
                 ‫ً‬
                                                          ‫وا�ستثماراً للخربات.‬

                                               ‫ّ‬
‫هذه الدرا�سة جهد املقل، �أ�سعى من خاللها �إىل ت�سليط ال�ضوء على �أبرز‬
‫جتارب (حرب الع�صابات) احلديثة، و�إجراء مقارنة �رسيعة بني النظرية العملية‬
‫لهذه احلروب والتطبيق الفل�سطيني لقواعدها، و�أخ�صِّ�ص درا�ستي للتجربة‬
                 ‫ُ‬
                                 ‫الق�سامية التي ع�شناها و�سمعناها و�شاهدناها.‬
‫71‬

‫لقد ا�ستمعت يف �سجني �إىل مئات التجارب اجلهادية الق�سامية، فخبرِت‬
‫َ ُ‬
‫الكثري من الأخطاء التي تقع فيها، وللأ�سف ف�أغلبها متكررة وم�ستمرة، وقد‬
                ‫ّ‬
‫ا�ستفدت من بع�ضها يف هذه الدرا�سة، وا�ست�شهدت بها مبا يتوافق مع الأبواب‬
                          ‫ُ‬                                     ‫ُ‬
                                                              ‫التي �سنطرقها.‬

‫�أ�س�أل اهلل العظيم �أن يكتب لهذا العمل القبول، ويجعل فيه اخلري والنفع‬
           ‫والفائدة، و�أن يكتبه يف ميزان ح�سناتنا يوم نلقاه، �إنه �سميع جميب.‬
18
‫91‬




     ‫متهيد‬
20
‫12‬




                                  ‫متهيد‬


                                                 ‫ما هي حرب الع�صابات؟‬
                                      ‫ٌ ُّ‬
‫حرب الع�صابات هي حرب �أقل من حمدودة، وغري نظامية، بني طرفني غري‬
                      ‫ُ‬
 ‫ٍ‬     ‫ِ‬                 ‫ِّ ُ‬
‫متكافئني. وهي قد تكون حربا وحدها، �أو ت�شكل جزءاً من تكتيكات حرب‬
                                           ‫ً‬

      ‫ّ‬     ‫ّ‬                            ‫ّ‬
‫تقليدية، دوافعها حتررية، �أو للتخل�ص من دكتاتورية، �أو انف�صامية عرقية، وهي‬
                                                       ‫ّ‬
                                                  ‫ٍ‬        ‫ٍ‬                   ‫ً‬
                                ‫غالبا ما ت�ستند �إىل حركة �سيا�سية تتولىّ �إدارتَها.‬

‫�إذن فهي حرب غري نظامية، لأنها ال تعتمد �أ�سلوب احلرب ال ّنظامية القائمة على‬
                             ‫َ‬                        ‫ّ‬         ‫ٌ‬
‫املواجهة املبا�رشة، فحرب الع�صابات تقوم على العمل ال�رسِّي، وا�ستخدام �أ�سلوب‬
‫املجموعات ال�صغرية املنف�صلة، وانتهاج �أ�سلوب الكر والفر واخلديعة والكمائن‬
       ‫وعدم الظهور، واالكتفاء با�ستخدام ال�سالح اخلفيف لتحقيق هذا الغر�ض.‬

‫بينما احلروب النظامية (الكال�سيكية)، ف�إنها تقوم على تقابل جي�شنيِ‬
    ‫َ‬
‫نظامينيِ �أو �أكرث، تدور بينهم معارك ع�سكرية كبرية ذات طابع معلوم، وتعتمد‬
                                                                    ‫َّ‬
‫هذه احلرب على نظام اجليو�ش يف التعبئة والتنظيم والقتال، وا�ستخدام ال�سالح‬
      ‫ٌ‬
‫الثقيل من املدفعية والدبابات والطائرات وال�سفن احلربية. فهي �شكل خمتلف‬
‫ٌ‬
‫من التكتيكات واخلطط والآليات، تختلف يف �أهدافها وو�سائلها و�أ�ساليبها‬
                                            ‫وميزاتها ومبادئها التي ت�ستند �إليها.‬
‫22‬

‫وحرب الع�صابات ت�ستند �إىل حركة �سيا�سية تقود العمل املقاوم وتوجهه‬
  ‫ّ‬
‫الوجهة التي ر�سمتها لنف�سها، تقيم �أداءه، وتقطف ثماره. هذه احلركة تقوم‬
                                      ‫ّ‬
‫مبوازاة العمل املقاوم بخلق وعي �سيا�سي يرقى بوعي ال�شعب ليكون قادراً‬
                    ‫ِ‬         ‫ٍّ‬      ‫ٍ‬   ‫ِ‬
 ‫على حمل �أعباء وتبعات الثورة. فحرب الع�صابات هي ذراع ع�سكري حلركة‬
‫�سيا�سية، وهذا ما �أثبته (ماو) يف مبادئ ثورته حني قال: «�إنّ ال�شيوعية هي‬
    ‫ّ‬
                                                                 ‫ُ‬
                                    ‫القائدة حلرب الع�صابات ال�صينية»(1).‬
                                              ‫ّ‬
‫�أما دوافع حرب الع�صابات فمتعددة: منها ما كان دافعه حترريا طارداً‬
       ‫ّ ً‬                         ‫ّ‬
 ‫لالحتالل؛ كما الثورة الفل�سطينية والثورة اجلزائرية، ومنها ما كان هدفه‬
‫التخل�ص من الدكتاتورية؛ كالثورة ال�صينية والكوبية، ومنها ما كان لدوافع‬
‫انف�صالية؛ كثورة الأكراد على احلدود الرتكية العراقية الإيرانية، والثورة البا�سكية‬
 ‫ّ‬
                                                ‫املم َّثلة بحركة (�إينا) االنف�صالية.‬

‫وحرب الع�صابات كما ذكرنا تكون بني طرفني غري متكافئني، الأول جي�ش‬
 ‫ٌ‬
              ‫ً َ ً‬
‫نظامي يتبع لدولة ذات كيانٍ و�سيادة، ميلك عتاداً ثقيال و ِفرقا وت�شكيالت‬
                                                   ‫ٍ ِ‬            ‫ٌّ‬
‫مقاتلة، �أما الطرف الآخر فمجموعات مقاتلة مكونة من �أفراد ال ميلكون �إال‬
                         ‫ٌ َّ ٌ‬       ‫ٌ‬
                                                        ‫ً‬      ‫ً‬     ‫ً‬
                        ‫�سالحا خفيفا مدعوما بالإميان والإخال�ص يف االنتماء.‬

         ‫ً‬
‫فحرب الع�صابات �أ�سلوب ي�ستخدمه الطرف ال�ضعيف ع�سكريا، لي ّتقي‬
                                        ‫ٌ‬
‫التفوق ا ّلذي يتمتع به خ�صمه، ويتجنب الفارق العددي والتكنولوجي،‬
                        ‫َ‬     ‫َ‬                             ‫ّ َ‬
                                  ‫ً‬          ‫ً‬
‫في�ستخدم �أ�ساليب بدائية ن�سبيا، و�أ�شكاال يف املواجهة ال تنفع معها كرثة عدد‬
‫جيو�ش اخل�صم وثقل عدته، مما ي�ضطر اخل�صم �إىل مالحقته ومواجهته بالطريقة‬
                               ‫َ‬


                                                ‫1 احلرب واال�سرتاتيجية /يهو�شيفت هركيف.‬
‫32‬

                             ‫ّ‬
‫التي يفر�ضها الطرف ال�ضعيف، وبالتايل يتخلى هذا اخل�صم عن تفوقه الهائل،‬
                                               ‫وال ي�ستطيع اال�ستفادة منه كثرياً.‬

‫ويالحظ �أنّ حرب الع�صابات قد تكون (ا�سرتاتيجية)، فتكون هي طريقة‬
                                                          ‫َ‬
‫القتال الأ�سا�سية الوحيدة، كما هو احلال يف التجارب الفيتنامية وال�صينية‬
‫ً‬
‫والكوبية والفل�سطينية، والتي هي مو�ضوع بحثنا هنا، وحينها تكون حربا‬
                                  ‫ً‬                             ‫ً‬
                          ‫مفتوحة زمانيا، �أهدافها �أكرث �شمولية وعمقا وحيوية.‬

                                  ‫ً‬
‫وقد تكون حرب الع�صابات تكتيكا، فتكون �إحدى طرق القتال امل�ساندة‬
‫للقتال التقليدي الدائر بني جيو�ش نظامية، فت�ستخدم هذه اجليو�ش �أ�ساليب‬
‫قتالية حمددة تخو�ضها وحدات خا�صة مدربة على هذا اللون من القتال، تقوم‬
‫ب�أغرا�ض حمددة؛ كوحدات من الكوماندوز. ويف ذات الإطار، قد تعمد بع�ض‬
           ‫الدول املتحاربة �إىل خلق ع�صابات غري نظامية كي تخدم �أغرا�ضها.‬
                      ‫َ‬
‫لقد �أُطلق على حرب الع�صابات عامليا ا�سم (جاريال)، وهي كلمة التينية‬
                                ‫ً‬
‫تعني (احلرب ال�صغرية)، ولأنه م�صطلح عاملي يعرب عن م�صطلحات اجلهاد‬
       ‫والثورة واملقاومة والن�ضال واالنتفا�ضة، ف�سن�ستخدمه نحن يف درا�ستنا.‬

‫وقد تكون الع�صابة كلمة غري حمببة �إىل النف�س الرتباطها ببع�ض املعاين ال�سلبية‬
 ‫ّ‬                                             ‫َّ‬
‫يف الأذهان، �إال �أنها لي�ست بالكلمة ال�سلبية يف حقيق ِتها وجوهرها، فقد وردت‬
                                ‫ّ‬
‫يف حديث لر�سول اهلل [ يف �صحيح م�سلم: «اللهم �إنْ تهلك هذه الع�صابة من‬
                          ‫َّ‬                                       ‫ٍ‬
                                          ‫�أهل الإ�سالم؛ ال تُعبد يف الأر�ض».‬
‫42‬


                                                          ‫ملحة تاريخية:‬
‫تُعد حرب الع�صابات �صورة قدمية من �صور ال�رصاع، �سبقت احلرب النظامية‬
                                                                ‫ُّ‬
‫يف وجودها، ذلك �أن النزاعات وال�رصاعات بد�أت بني قوات غري نظامية،‬
‫ثم �أخذت هذه القوات تُـعـد نف�سها، وتزيد من قدرتها وترفع من كفاءتها،‬
                                          ‫ِ ُّ‬
‫وت�ضاعف من قواتها ملواجهة الهجمات امل�ضادة والرد عليها ب�رسعة وقوة،‬
‫وت�شن هجمات ا�ستباقية خاطفة، فبد�أت ت�شكل القوات �شبه النظامية، ومن ثم‬
     ‫النظامية، لتتحول ال�رصاعات �إىل حرة نظامية ت�شبه واقع احلال هذه الأيام.‬

‫ولقد بد�أت حرب الع�صابات على �شكل غارات خاطفة ومتكررة بني مقاتلي‬
‫القبائل املختلفة يف م�ساع لل�سيطرة على الكلأ واملاء، ول�ضم �أرا�ض جديدة �إىل‬
            ‫ٍ‬     ‫ِّ‬
‫ممتلكات القبيلة وزعيمها، وا�س َتخدمت هذه الغارات بع�ض الأ�ساليب البدائية‬
       ‫َ‬           ‫اّ‬
‫حلرب الع�صابات؛ كالكر والفر، والتمويه واملباغتة، �إل �أن عنا�رصها بقيت‬
                                           ‫ّ‬     ‫ِّ‬
‫غري مكتملة، فال تنطبق عليها مبادئ حرب الع�صابات املعا�رصة ب�شكل فعلي.‬
‫ومن �أ�شهر حروب الع�صابات القدمية يف تاريخنا العربي: (حرب الب�سو�س)، و‬
‫(داح�س والغرباء). ثم جاءت جتارب حروب الع�صابات يف ع�رص النبوة، ومن‬
                                   ‫�أبرزها جتربة ال�صحابي اجلليل (�أبو ب�صري).‬

           ‫ً‬      ‫ً‬
‫وتطورت حرب الع�صابات الأخرية (احلديثة) �شيئا ف�شيئا مع التجارب‬
‫الثورية الناجحة التي خا�ضتها ال�شعوب �ضد امل�ستعمر وامل�ستبد، ومع كل جتربة‬
                        ‫ً‬            ‫ً‬
‫جديدة كانت (اجلاريال) ت�أخذ �شكال �أكرث و�ضوحا، وتثبت لها قواعد ومبادئ‬
                  ‫ّ‬
‫و�سمات جديدة، حتى ت�شكلت مدار�س ثورية متثل الأ�شكال املختلفة حلرب‬
                                                  ‫الع�صابات املدنية والريفية.‬
‫52‬

‫ولقد ا�ستطاعت حرب الع�صابات عرب تاريخها حتقيق جناحات وانت�صارات‬
‫و�إجنازات؛ زادت من �أهميتها، وقناعة املجتمع بها.. فقد متكنت من طرد‬
‫امل�ستعمر مهما عظمت قوته، وحترير البالد املحتلة مهما طال احتاللها، وحتقيق‬
‫الأهداف املرجوة واملر�سومة، وحتقيق التقدم والتفوق، على الرغم من الفرق‬
                                    ‫ال�شا�سع يف ميزان القوى ل�صالح عدوها.‬

‫ومن الأمثلة املعا�رصة التي انت�رصت فيها حرب الع�صابات على عدوها:‬
‫الثورة ال�صينية يف مواجهة الدكتاتورية الداخلية واال�ستعمار الياباين، والثورة‬
‫الفيتنامية يف مواجهة الواليات املتحدة الأمريكية، والثورة اجلزائرية يف وجه‬
 ‫ً‬
‫اال�ستعمار الفرن�سي، والثورة الكوبية يف وجه الدكتاتور ّية املدعومة خارجيا،‬
                                       ‫ّ‬
                                        ‫والثورة الأفغانية يف وجه ال�سوفييت.‬



                                  ‫***‬
26
‫72‬




        ‫مدار�س‬
          ‫ُ‬
     ‫حرب الع�صابات‬
            ‫ِ‬    ‫َ‬
28
‫92‬




                  ‫مدار�س حرب الع�صابات‬


                         ‫ً‬                                ‫ً‬
‫و�سعيا لالنتفاع من جتارب الآخرين، ونقال خلرباتهم، ف�إننا �سنعر�ض‬
‫ب�إن�صاف مناذج من حروب الع�صابات احلديثة التي �شكلت مدار�س يحتذى‬
‫بها وجتارب تُدر�س، و�أبرزها (ال�صينية، الكوبية، الفيتنامية).. ونعر�ض معها‬
                                                          ‫َّ‬
                                            ‫ً‬
‫(التجربة اجلزائرية)، وقبلها جميعا نعر�ض خري جتربة عرفتها الإن�سانية، �أال وهي‬
‫التجربة النبويّة املحمد ّية.. نعر�ض منها وم�ضات خاطفة تبارك لنا م�رشوعنا،‬
   ‫َ‬                ‫ً‬     ‫ٍ‬                        ‫ّ‬
                               ‫ونغرتف من معانيها يف ا�ستنتاجاتنا �إن �شاء اهلل.‬



                               ‫�أوالً: حرب الع�صابات يف ع�رص النُّبوة:‬
                                 ‫ّ‬
                                               ‫ُ‬
‫ا�ستخدم الر�سول [ و�صحاب ُته الأطهار مبادئ حرب الع�صابات ب�شكل‬
                    ‫َ‬
                  ‫ّ‬
‫كبري، بل ويف مرحلة مبكرة من الدعوة واجلهاد.. ولعل ممار�ساتهم �أ�صلت‬
   ‫ّ‬
          ‫ً‬       ‫ً‬                                  ‫ً‬
‫وابتكرت بع�ضا من تلك املبادئ، حتى �أ�صبحت مدر�سة متكاملة اقتدى بها‬
                                                                      ‫ُ‬
                        ‫قادة الفتح الإ�سالمي وجند الإ�سالم على مر الع�صور.‬

‫و�سنتحدث هنا عن هذه املدر�سة باخت�صار، حيث �سنطرق بع�ض العناوين‬
                                                        ‫ّ‬
                  ‫واملواقف التي برزت فيها فنون حرب الع�صابات ومباد�ؤها.‬
‫03‬


                                                       ‫جمموعات �أبي ب�صري:‬
                                        ‫ُ‬
‫كما نعلم، فقد عقد ر�سول اهلل [ مع م�رشكي مكة �صلح احلديبية، وقد‬
                                              ‫َ‬
‫ت�ضمن هذا ال�صلح بنـداً اعتربه كبار ال�صحابة جمحفا بحق امل�سلمني، بل رف�ضوه؛‬
                          ‫ً‬                                             ‫ّ‬
                                                    ‫لوال طاعتهم لر�سول اهلل [.‬

               ‫ً‬
‫وهذا الن�ص هو: (من جاء �إىل املدينة من �أهل مكة م�س ِلما فعلى امل�سلمني‬
                      ‫ُ‬
                   ‫ً‬
‫رده �إىل �أهله، �أما من جاء �إىل مكة من �أهل املدينة م�رشكا فلي�س على �أهل مكة‬
                                                                            ‫ّ‬
                                                                           ‫رده)..‬

‫ولقد ا�ستطاع ال�صحابي املجاهد عتبة بن �أ�سيد (�أبو ب�صري) �أن يفر من قيده‬
        ‫َّ‬
‫الذي كبله به خا ُله، الأخن�س بن �رشيف، وفر �إىل مدينة ر�سول اهلل [، و�أقام فيها‬
                                     ‫َّ‬                                 ‫ّ‬
‫�أياما بني �إخوانه م�رسوراً بدينه �سعيداً ب�إميانه، وملا علمت قري�ش بذلك �أر�سلت من‬
                                                                             ‫ً‬
‫امل�رشكني من يرده �إليهم، وحدثوا ر�سول اهلل بذلك، فما كان من ر�سول اهلل [‬
                                            ‫ّ‬            ‫ّ‬
                                          ‫َ ٍ‬
                             ‫وفاء للعهد �إال �أنْ رده �إليهم على كره من ال�صحابة.‬
                                                          ‫ّ‬                  ‫ً‬
‫ويف طريق العودة، احتال �أبو ب�صري على حرا�سه، فقتل �أحدهما، بينما‬
                         ‫ُ ّ‬
                                                                          ‫ّ‬
‫متكن الثاين من الفرار �إىل املدينة، فتبعه �أبو ب�صري.. وهناك مل يجر�ؤ امل�رشك‬
‫على ا�صطحاب �أبي ب�صري معه ثانيةً، بعد ما ر�أى ما ح�صل ب�صاحبه، وعندها‬
‫�أوم�أ ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�إميائة خفية التقطها �أبو ب�صري و�سارع �إىل‬
                          ‫ً‬
‫تنفيذها، فقال عليه ال�سالم «ويح �أمه! ُي�سعر حربا لو كان معه رجال».. فانطلق‬
                                        ‫َّ‬
                          ‫َّ ٍّ‬   ‫َ‬
‫�أبو ب�صري �إىل �أر�ض حمايدة يجمع الرجال وكل فار بدينه من �أر�ض الكفر، حتى‬
‫جتمع لديه جمموعات مقاتلة، واتخذت لنف�سها قاعدة ع�سكرية قريبة من �ساحل‬
                                                                  ‫ّ‬
                                                                           ‫البحر.‬
‫13‬

‫ثم بد أ� بالإغارة على قوافل امل�رشكني و�سلبها، حتى ت�رضرت جميع قوافلهم،‬
‫وفقدوا الأمان حتى على �أنف�سهم، فما كان من م�رشكي مكة �إال �أن بعثوا بوفدٍ‬
‫�إىل ر�سول اهلل [ يف املدينة يطلبون منه �أن يتنازل عن ال�رشط الذي و�ضعوه هم،‬
                                               ‫ً‬
‫وهو ال�رشط الذي ذكرناه �آنفا. وبذاك حقّق �أبو ب�صري هدفه، وعاد جند الإ�سالم‬
                                   ‫َ‬
             ‫�إىل مع�سكرهم و�إىل مدينة ر�سول اهلل [ والن�رص ي�سري بركبهم(1).‬



                                                            ‫االغتياالت:‬

‫ولقد ا�ستخدم ر�سول اهلل [ مبد أ� االغتياالت يف العديد من املرات التي ر�أى‬
‫فيها �أنه احلل الأمثل، فيحقن بذلك دماء امل�سلمني ويفت من ع�ضد امل�رشكني‬
                  ‫ّ‬
                                             ‫ََ‬             ‫َ‬
‫ويفرق �شملهم ويدب الهلع يف قلوبهم، وقد حققت عمليات االغتيال يف‬
                                                  ‫ُّ‬                ‫ّ‬
‫جمملها �أهدافَها بنجاح، ومن �أمثلة االغتياالت يف عهد النبوة؛ اغتيال (كعب‬
‫بن الأ�رشف)، و (�سالم بن �أبي حقيق)، و (�أبو عقل)، و (�أبو رافع)، و (ابن‬
‫�سنينة).. وجميعهم يهود. و (�سفيان بن خالد الهنديل) و (ع�صماء بنت‬
                                                         ‫مروان).. وغريهم.‬

‫ونقف مع �أحد هذه الأمثلة، وهي عملية اغتيال ر�أ�س الكفر اليهودي: (�سالم‬
‫بن �أبي حقيق).. فقد جمع عدو اهلل (ابن �أبي حقيق) اليهود من حوله، و�أخذ‬
               ‫َ‬                               ‫َ‬
‫يحر�ض على امل�سلمني، ومتادى يف التعري�ض بهم وب�أعرا�ضهم، ويف �إيذائهم‬
                                                                  ‫ّ‬
                                      ‫بكل و�سيلة ممكنة.. ولذا كان قرار قتله.‬



                                                      ‫1الرحيق املختوم، املباركفوري.‬
‫23‬


‫اختار ر�سول اهلل [ �أمري املجموعة مبوا�صفات خا�صة جتعله قادراً على �إنفاذ‬
‫املهمة بنجاح، فهو (عبد اهلل بن عتيك)، جماهد �صادق خمل�ص يف دينه، �شجاع‬
‫ومقدام، ال ي�ساوره الرتدد يف �أ�صعب املواقف، ويتقن اللغة العربية ـ لغة اليهود،‬
‫وبالتايل ميكنه التعامل معهم والفهم عليهم و�إفهامهم �إن لزم الأمر. ثم �إن �أمه‬
‫بالر�ضاعة يهودية، مما يوفر له مربراً كافيا لدخول ح�صن اليهود، ويوفر له ملج�أ‬
                                  ‫ً‬
‫يف حال اقت�ضت احلاجة. وترك ر�سول اهلل [ لعبد اهلل �أن يختار جمموعته،‬
‫وذلك كي يختارهم �ضمن موا�صفاته، فيطمئن �إليهم و�إىل قدراتهم، ويكونوا‬
                                ‫على توافق كامل ي�سهل عليهم �إجناح مهمتهم.‬

‫انطلق عبد اهلل و�إخوانه الثالثة �صوب ح�صن خيرب، حيث يقيم (�سالم)،‬
‫بعد �أن جمعوا ما توفر من معلومات عن عدوهم. وكان همهم الأول دخول‬
‫احل�صن، و�إيجاد ملج�أ �آمن بداخله ي�سمح لهم بر�صد الهدف عن قرب والقيام‬
‫بعمليتهم على ب�صرية كاملة، فكان ات�صال عبد اهلل ب�أمه التي �سمحت لهم بالإقامة‬
                         ‫ّ‬
‫يف بيتها، وبالتايل ا�ستطاعوا دخول احل�صن ب�صحبتها، ومن ثم �إيجاد ملج�أ ق�ضوا‬
                                                                   ‫َ‬
‫فيه مدة اال�ستعداد والر�صد ثم االنطالق. وملا جتمعت لديهم املعلومات الالزمة‬
‫والكافية لتنفيذ املهمة، واملتوفرة عرب الر�صد واملراقبة، و�ضع املجاهدون خطتهم،‬
‫وانطلقوا للعمل متوكلني على اهلل، م�ستفيدين من قدرات �أمريهم، وحتديداً يف‬
‫احلديث باللغة العربية، حيث كانت مفتاحهم للو�صول �إىل داخل ق�رص عدو اهلل‬
‫(�سالم بن �أبي حقيق)، وهناك ا�ستطاعوا قتله واالن�سحاب ب�أمان، دون �أن يمُ�س‬
 ‫َّ‬
                                                           ‫�أحدهم ب�سوء(1).‬
                                                                       ‫ُ‬


                                                                    ‫1 نور اليقني.‬
‫33‬


                                                    ‫ال�ســرايا والبعـــوث :‬
                                                      ‫ُ‬
‫بعث ر�سول اهلل [ ع�رشات ال�رسايا والبعوث املجاهدة لتحقيق �أهداف‬
                                                            ‫َ‬
‫ع�سكرية مدرو�سة، �سواء كانت دفاعية ل�صد خطر قادم، �أو هجومية لتحقيق‬
                                                                   ‫�إجناز وتقدم.‬

‫هذه ال�رسايا عملت على طريقة حرب الع�صابات يف معظمها؛ فقد اعتمدت‬
‫ب�شكل �أ�سا�سي على مبد أ� املباغتة وال�سية. ولذا كان الأمر النبوي لقادتها ب�أن‬
                                       ‫رِّ‬
                                                               ‫ً‬
‫ي�سريوا ليال ويكمنوا نهاراً، و�أن ال يحدثوا عن وجهتهم. بل �إنه ا�ستخدم �أول‬
                                   ‫ّ‬
              ‫َ‬                  ‫ُ‬
‫ر�سالة مغلقة ال يعلم بنودها وفحواها حاملها، فقد �أر�سل (عبد اهلل بن جح�ش)‬
                                                ‫َ‬
‫على ر�أ�س �رسية، ومل يخربه عن وجهته، بل �أعطاه ر�سالة مغلقة، وطلب منه �أن‬
‫ال يفتحها �إال بعد م�سري يومني، و�أن يقوم بقراءتها على جنده، ومن ثم يخيرّه‬
‫يف اال�ستمرار �أو االن�سحاب، وبذلك تكون وجهة ال�سرّ ّية جمهولة حتى على‬
                   ‫ِ‬
                                                                         ‫جندها.‬

‫ناهيك عن �أن عدداً من امل�سلمني مل يكونوا يعلمون بو�صول قوات امل�سلمني‬
                  ‫ِ ُ‬
‫�إال يف اللحظات الأخرية، فها هم ع�رشة �آالف مقاتل َي�صلون مكة لفتحها، وال‬
‫يعلم �أهلها بذلك �إال وامل�سلمون على �أبوابها. ويكفي يف هذا املجال الإ�شارة �إىل‬
‫�أن ر�سول اهلل [ مل يعلن عن وجهة �رسية �أو غزوة طوال حياته �إال غزوة تبوك،‬
                           ‫ٍ‬        ‫ٍ‬
‫وذلك لبعد املكان وق�سوة الطريق وحمنة القحط واجلوع التي كانت؛ في�ستعد‬
                                                             ‫ُ‬
                                                                  ‫امل�سلمون لها.‬


                                    ‫***‬
‫43‬


                                       ‫ثانياً: املدر�سة ال�صينيّة (املاويّـة):‬
                                                          ‫ِّ‬
‫هي جاريال ريفية كبرية، رافقَها �أن�شطة متعددة الأ�شكال، موجهة خللق‬
‫ِ‬                      ‫ّ‬    ‫ٌ‬
‫وعي �سيا�سي لدى �أفراد ال�شعب، قادها احلزب ال�شيوعي ال�صيني، وكان هدفها‬
                                                            ‫ٍّ‬      ‫ٍ‬
       ‫ال�سيطرة على احلكم.. فحاربت العدو اخلارجي، واال�ستبداد الداخلي.‬

‫بد�أت الثورة ال�صينية باالحتجاجات ال�شعبية التي قادها احلزب ال�شيوعي‬
                           ‫ّ‬
 ‫ّ‬
‫ال�صيني يف العقد الثاين من القرن الع�رشين، ثم بد�أت هذه االحتجاجات تتنظم‬
                                                              ‫ً‬      ‫ً‬
‫�شيئا ف�شيئا، �إذ �أن�ش�أ احلزب 02 نقابة عمالية من عمال املناجم وعمال �سكك‬
                               ‫ّ‬
‫احلديد، ثم دخلت هذه النقابات يف �إ�رضاب قوي عام 2291م، قاده الزعيم‬
           ‫ال�صيني (ماوت�سي تونغ)، الذي �أ�صبح الأب الروحي للثورة ال�صينية.‬

‫�أطلق (ماو) �رشارة الثورة يف الأرياف، بعك�س تعاليم املارك�سية، فقد حترك‬
‫من (هوتان) حني تر�أّ�س قاعدة �أول نواة ثورية، وحرك االحتادات الفلاّحية‬
                     ‫ّ َ‬
            ‫لتحقيق هدفه، و�أطلق عليها ا�سم: (احلرب الأهلية الثورية الأوىل).‬

‫بادر (ماو) يف �سنة (7291م) �إىل بناء جي�ش ثوري، بهدف حترير مناطق‬
‫ي�صعب مهاجمتها، وذلك لإقامة قاعدة انطالق على �أر�ضها، معتمداً يف ذلك‬
‫على عمال املناجم والفالحني، �إ�ضافة �إىل بع�ض اجلنود الثائرين الفارين من قيادة‬
           ‫ّ‬
                                                                 ‫( الكومنتانغ).‬

‫بد�أ (ماو) بتنظيم (انتفا�ضة ح�صاد اخلريف) من خالل فرقته الأوىل، �إال �أنّ‬
‫حماولته تلك مـ ِنـيـت بالف�شل، وتكبدت قواته خ�سائر فادحة، و�أُلقي القب�ض‬
            ‫َ‬                            ‫ّ‬                 ‫ُ َ‬
                                               ‫عليه، غري �أنه متكن من الفرار.‬

‫جل� (ماو) �إىل اجلبال، حيث �أن�ش� قواعد �سوثياتية، ومناطق حكم تدير كل‬
                                    ‫أ‬                             ‫أ‬
‫53‬

‫الأمور احلياتية والع�سكرية، ثم عمد �إىل �إن�شاء (قواعد حمراء) �أخرى، فات�سعت‬
‫رقعة �سيطرته.. مما �أثار ردة فعل عنيفة لدى (ت�شيانغ كاي ت�سك) الذي حاولت‬
                                        ‫ّ ٍ‬
‫قواته تطويق قوات (ماو ) وجي�شه، �إال �أن (ماو) بادر باالن�سحاب بقواته �إىل‬
‫ال�شمال الغربي، وذلك ما بات يعرف با�سم (امل�سرية الكربى) التي ا�ستغرقت‬
                                                           ‫ً‬     ‫ً‬
‫عاما كامال، عرب فيها 01 �آالف كيلو مرت، وكانت قواته قد بد�أت بـ (001)‬
                     ‫ّ‬
     ‫�ألف ثائر، وانتهت بـ (02) �ألف ثائر فقط، حتى و�صل �إقليم (�شان �سي ).‬

                   ‫ً‬
‫ويف العام (7391م) كانت اليابان قد �شنت هجوما على ال�صني، فتحالف‬
‫(ماو) مع (ت�شيانغ كاي) يف �صد العدوان الياباين، وا�ستمر احلال على ذلك حتى‬
                                            ‫ِّ‬
‫العام 5491م، حتى و�ضعت احلرب �أوزارها با�ست�سالم اليابان. وعندئذ جتدد‬
‫َّ‬
‫القتال بني الطرفني؛ ال�شيوعي بقيادة (ماو)، واليميني بقيادة (ت�شيانغ )، وا�ستمر‬
‫القتال دائراً بني الطرفني حتى العام 9491م، حيث ا�ستطاع ال�شيوعيون‬
   ‫االنت�صار، والتج� (ت�شيانغ ) �إىل جزيرة تايوان و�أقام حكومة ال�صني الوطنية.‬
                                                             ‫أ‬

‫هذا وقد اع ُتـبِـر (ماوت�سي تونغ)، مفكر الثورة ال�صينية، ووا�ضع �أُ�س�سها،‬
    ‫َ ِ‬                            ‫َ‬                    ‫َ‬
‫حتى �سميت منظومة �أفكار الثورة ال�صينية بـ (املاوية) ن�سبة له، ومن الكتب التي‬
                   ‫ً‬                                                  ‫ُ ِّ‬
‫و�ضعها يف هذا املجال: «امل�شكالت اال�سرتاتيجية للحروب الثورية يف ال�صني»‬
‫و «يف احلرب طويلة الأمد»، و «امل�شكالت اال�سرتاتيجية حلرب الأن�صار �ضد‬
‫اليابان». �إ�ضافة �إىل عدد �آخر من امل�ؤ َّلفات التي �أ�صبحت مدر�سة �أ�سا�سية من‬
   ‫ً‬         ‫ً‬                                                 ‫ً‬
                                          ‫مدار�س حرب الع�صابات احلديثة(1).‬




                                              ‫1 املو�سوعة ال�سيا�سية، د. عبد الوهاب الكيايل.‬
‫63‬


                                     ‫من ر�ؤى (ماو) يف حرب الع�صابات:‬

                 ‫- يرى ماو �أن حرب الع�صابات تت�ألف من ثالث مراحل:‬

‫1- االن�سحاب اال�سرتاتيجي: يكون العدو فيه هو الأقوى، والثورة ت�شاغله‬
                                                  ‫وت�رضبه رغم �ضعفها.‬

‫2- الت�ساوي اال�سرتاتيجي: ي�ضعف العدو و ُي�ستنزف، وتقوى الثورة وتبد�أ‬
                                            ‫بالتحول �إىل قوات نظامية.‬

                    ‫ً‬      ‫ً‬
‫3- ال�رضبة اال�سرتاجتية: تتغري الثورة لت�صبح جي�شا نظاميا وتُنزل بالعدو �رضبة‬
                                                     ‫قوية لتحقِّق الن�رص.‬



                                                        ‫ولهذه املراحل �أثران:‬

‫�أ- ع�سكريا ومنهجيا: العمليات التكتيكية ت�أخذ بعداً ا�سرتاتيجيا، واملراحل‬
          ‫ً‬                                           ‫ً‬       ‫ً‬
‫تعطي اجلاريال القدرة على زيادة خلق املبادرة والزيادة التدريجية يف‬
                                                       ‫حجم العمليات.‬

                                        ‫ً‬           ‫ً‬
‫ب- نف�سيا و�أيدولوجيا: اجلاريال تبث روح الأمل يف نفو�س ال�شعب‬
‫واملقاتلني، فترُِيهم ال�ضوء يف نهاية النفق، فيفهمون �أن الأمل واملعاناة‬
                                 ‫والت�ضحية �سيكون لها ثمار ونتائج(1).‬

‫ويرى (ماو) �أن حرب الع�صابات تتنا�سب مع الدول الوا�سعة كال�صني، التي‬
                                 ‫حررت مقاطعة (ينالدا) ف�أ�صبحت مركزاً لها.‬

                                                ‫1احلرب واال�سرتاتيجية، يهو�شيفت هركيف.‬
‫73‬

‫كما يرى �رضورة االعتماد على الذات من الناحية اللوج�ستية، بحيث يكون‬
‫�سالح الثورة غنيمة من عدوها، حيث يقول: «مع�سكر دعمنا يف وا�شنطن،‬
                                              ‫ً‬
                          ‫و�ضابط التوريد الذي ينقله لنا هو ت�شانغ كاي �شك».‬

‫و�أخرياً، ف�إن من املبادئ التي �أكد عليها (ماو) كذلك، هو �أنه ال جناح للثورة‬
                                                    ‫�إال باالعتماد على الفالحني.‬

                                     ‫***‬

                                                    ‫ثالثاً: املدر�سة الكوبيّـة:‬
‫ميكننا اعتبار الثورة الكوبية (جاريال) ريفية �صغرية، ارتبطت ب�شخ�ص‬
 ‫ِ‬                     ‫ّ‬
‫قائدها (فيدل كا�سرتو)، والذي ال زال على ر�أ�سها. فقد قام هذا املحامي ال�شاب‬
                                                                       ‫ِ‬
‫بجمع (021) ثائراً من الناقمني على حكم (بات�ستا)، وهاجموا ثكنة (فونكادا)‬
                                               ‫ّ‬
‫الع�سكرية، يف (62/7/3591م)، �إال �أن هذا الهجوم عد انتحاراً من ِق َبله..‬
                      ‫ُ َّ‬
                                   ‫ً‬
‫حيث كان عدد جنود الثكنة �ضخما، يزيد على (0001) جندي، فباء الهجوم‬
                  ‫ٍ‬              ‫َّ ُ‬                    ‫ُ َ‬
‫بالف�شل الذريع، وق ِتل معظم املنا�ضلني، ومت �أ�سرْ جمموعة منهم، على ر�أ�سهم‬
 ‫كا�سرتو نف�سه، وحكم عليه بال�سجن (51) عاما، �إال �أنه �أُفرج عنه بعد عامني.‬
                                  ‫ً‬

‫وفور خروج كا�سرتو من ال�سجن، توجه �إىل املك�سيك، وهناك جمع بع�ض‬
‫�أن�صاره، و�أ�س�س معهم حركة (62 متوز)، ثم �أعد عدته، ودرب �أتباعه، وعاد‬
               ‫ّ‬      ‫ّ‬                     ‫َ‬          ‫ّ َ‬
                          ‫ً‬
‫بهم على ظهر �سفينة (غرانا)، ي�صحبه (18) منا�ضال، �أبرزهم املنا�ضل املعروف‬
                   ‫ُ‬
                                                                  ‫(ت�شي جيفارا).‬

                                                   ‫َ‬
‫وقد �أطلق ال ُّثوار ال�رشارة الأوىل لثورتهم من جبال (�سريا ماي�سرتا)، حتت �شعار‬
‫83‬


‫(�سنعي�ش هذه ال�سنة �أحراراً �أو منوت �شهداء). ويف نهاية العام كان الفالحون قد‬
‫ا�ستجابوا للثورة، ثم ا�ستجابت جبهات �أخرى يف جبال (دوليكامرياي) ويف‬
                 ‫ُ‬
‫�شمال (�سانتياغو)... وهكذا ا�شتعلت البالد، وهبت الثورة يف كامل القطاعات‬
                         ‫ّ‬
                                                                              ‫واملناطق.‬

‫بد�أت الثورة يف �أيامها القا�سية بالزحف �إىل اجلبال �صوب املدن، و�رشعت‬
‫يف دخول املدن وفتحها دومنا عناد كبري، بدءاً من مدينة (�سانتاكالرا) التي فتحها‬
‫(ت�شي جيفارا)، وانتهاء بالعا�صمة (هافانا) التي فُتحت على يد( فيدل كا�سرتو)‬
                                                    ‫ً‬
                                                       ‫يف مطلع عام (9591م).‬

‫ُيذكر �أن ت�شي جيفارا حاول نقل التجربة �إىل (بوليفيا)، فانتقل �إليها ب�صحبة‬
‫جمموعة من الثوار، �إال �أنه ف�شل يف ذلك لعدم قدرته على جمع ال�سكان حوله،‬
               ‫فانتهت ثورته بعد (11) �شهراً مبقتله يف �أكتوبر عام 7691(1).‬



                                              ‫من �سمات الثورة الكوبية:‬
‫- اعتمدت على ال�شخ�صانية �أكرث من العقالنية، فقد طرح كا�سرتو ورفاقه الثورة‬
                                                   ‫ّ‬
‫والعمل امل�سلح دون �أن يطرحوا �أو يناق�شوا م�س�ألة طبيعة ال�سلطة القادمة‬
‫والأيدولوجية التي تتب ّناها، بل �إنها مل تتنب املارك�سية �إال بعد عامني من‬
                   ‫ّ‬         ‫َّ‬
                                                                 ‫انطالقها.‬
‫- اعتمدت الثورة على اجلبال والأرياف مقراً لها، واعتربتها الرتبة اخل�صبة‬
‫واملكان الأمثل لها، ولي�س املدينة والتجمعات ال�سكنية ال�ضخمة، وهناك‬

                                              ‫1 املو�سوعة ال�سيا�سية، د. عبد الوهاب الكيايل.‬
‫93‬

‫كونت القواعد املتحركة التي تعمل على ن�رش الأفكار وتوجيه املقاتلني الذين‬
                                                                     ‫ّ‬
                                                    ‫ينت�رشون بني ال�سكان.‬
‫- اعتمدت الثورة على تنفيذ عمليات ت�شكل الدعاية امل�سلحة التي تُعر�ض‬
                           ‫ً‬
‫�أمام العامة ك�أداة تَ�سيِي�س تخلق �أجواء وظروفا �سيا�سية و�إعالمية، وحت�شد‬
                  ‫ً‬               ‫ً‬            ‫ٍ‬        ‫ِ‬
‫الأن�صار والثوار، فكان الفالحون الب�سطاء �أكرث ت�أثراً بالبطوالت والأعمال‬
                                      ‫ُ‬
                                                    ‫من الأفكار والأقوال.‬
                   ‫- مل تعتمد على وجود مراحل حمددة ووا�ضحة النت�صارها.‬
                                      ‫ًّ‬     ‫ً‬
‫- يعترب البع�ض �أنها ال تقيم وزنا حقيقيا مل�شقّات الثورة، فهي �رضب من املغامرة‬
            ‫ٌ‬
‫غري املح�سوبة، والتي تقود �أ�صحابها �إىل النهاية امل�أ�ساوية، كما حدث مع‬
                                                           ‫جتربة 62 متوز.‬
‫- نادى (كا�سرتو) ب�إمكانية بدء الثورة يف كل زمان ومكان مبجرد وجود ثور ّيني‬
‫م�ستعدين للقتال، �سماهم هو با�سم (ب�ؤرة الثورة)، ودون احلاجة النتظار‬
                                                ‫ّ‬             ‫ّ‬
                                                     ‫ظروف ثور ّية مواتية.‬



                           ‫رابعاً: الثورة الفيتنامية (املدر�سة الفيتنامية):‬
‫بد�أت الثورة الفيتنامية كثورة �شعبية يف العام (6591م)، وبد�أت الثورة‬
‫تت�صاعد حتى بلغت ذروتها يف العام (0691م) بت�أ�سي�س (جبهة التحرير الوطنية‬
                                           ‫ـ فيت كنغ) وزعيمها (هو�شي من).‬

‫يف العام (3691م) عملت �أمريكا على �إ�سقاط نظام (نغودين يام)،‬
‫وو�ضعت قوتها يف امليزان، ثم تبع ذلك �سل�سلة انقالبات ع�سكرية زعزعت‬
‫04‬

                            ‫ً‬
‫كيان الدولة، فوجدت �أمريكا نف�سها م�ضطرة لدخول حرب حقيقية، تدفع فيها‬
                                      ‫َ‬
‫قواتها وترمي بثقلها، نظراً للدعم الكبري الذي قدمته جمهورية فيتنام الدميقراطية‬
                                                ‫ال�شمالية لثوار (�ألفيت كنغ).‬

‫وامتد م�رسح العمليات لي�شمل كامل (الهند ال�صينية)، وكانت الأ�سلحة‬
‫وامل�ؤن والعتاد واجلنود وخمتلف �أ�شكال الدعم اللوجي�ستي تدخل فيتنام عرب‬
‫طريق (الالوح�س). كما كانت تتواجد يف كمبوديا مبوافقة �أمريها يف خميمات‬
‫ومع�سكرات وم�ست�شفيات ومدار�س ثورية تابعة لـ (�ألفيت كنغ)، ويف العام‬
‫(8691م) قامت اجلبهة بهجمات �شاملة، �سميت (هجوم التيت)، �أذهلت‬
                       ‫ُ ّ‬
‫العامل ب�أ�رسه.. وعـد هذا العام عام املنعطف التاريخي يف حرب فيتنام، حيث‬
                                    ‫َ‬             ‫ُ َّ‬
                                    ‫ُ‬    ‫ً‬
‫وافقت �أمريكا التي متلك قوة ت�صل �إىل ن�صف مليون جندي بعدتهم وعتادهم‬
‫على �إجراء مفاو�ضات �سالم يف باري�س، �إال �أن احلرب َبقيت م�شتعلة طوال مدة‬
         ‫ً‬         ‫َ ِ‬
                                           ‫ً‬
          ‫املفاو�ضات التي ا�ستمرت طويال حتت وط�أة الهجمات التي مل تهد�أ.‬

‫ويف العام 0791م �أعلن الرئي�س الأمريكي (نك�سون) عن ان�سحاب �شكلي‬
‫من �إدارة احلرب يف فيتنام، مع �سحب جزء من القوات الع�سكرية املتواجدة‬
‫هناك، �إال �أنّ ذلك مل ُيوقف اال�ستعمار، وبقيت احلرب يف ا�شتعالها. حتى كان‬
‫العام 2791م، حيث حدث هجوم الربيع الكبري، والذي �ساهم يف ترجيح‬
‫الكفة ل�صالح (�ألفيت كنغ).. ويف مطلع عام 3791م، وبعد مفاو�ضات �شاقة،‬
‫وقِّعت معاهدة باري�س بني �أطرافها: الواليات املتحدة الأمريكية، وجمهورية‬
                                                                      ‫ُ‬
‫فيتنام الدميقراطية، وجمهورية فيتنام (�سايفون)، واحلكومة الثورية امل�ؤقتة‬
                                                    ‫جلمهورية فيتنام اجلنوبية.‬

‫ولكن ب�سبب ال�صعوبات وتباط�ؤ �أمريكا يف �سحب م�ست�شاريها، قامت‬
‫14‬

‫احلكومة الثورية امل�ؤقتة بهجوم ع�سكري كبري ووا�سع النطاق على طول احلدود‬
‫الكمبودية الفيتنامية يف نهاية عام 4791م، ومل ي�أت �شهر ني�سان من العام‬
‫(5791م) حتى وقعت املدن الرئي�سية يف فيتنام بيد الثوار، وكان احلدث الأهم‬
        ‫�سقوط العا�صمة �سايغون بيد الثوار، فغيرّوا ا�سمها �إىل (هو�شي من)(1).‬



                                   ‫***‬

              ‫خام�ساً: حرب التحرير اجلزائرية (ثورة املليون �شهيد):‬
 ‫ُ‬                                                     ‫ً‬     ‫ً‬
‫كانت ثورة عظيمة يف وجه اال�ستعمار الفرن�سي اال�ستيطاين، قام بها ال�شعب‬
‫اجلزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني، وا�ستطاعت انتزاع ا�ستقالل اجلزائر بعد‬
                                                                   ‫ُّ‬
                                                       ‫ً‬
                                                      ‫ا�ستعمار دام (031) عاما.‬

‫انطلقت �رشارة الثورة يف 03/11/4591م، والذي ي�صادف عيد القوميني‬
  ‫ِّ‬
‫القدي�سني عند الأوروبيني، حيث بد�أت مبجموعات م�سلحة �صغرية، متلك بع�ض‬
                                                                 ‫ِّ‬
‫الأ�سلحة البدائية، ثم �أعلنت عرب بيانٍ لل�شعب اجلزائري عن هدفها، ودعت �أبناء‬
                                                          ‫ال�شعب لالن�ضمام �إليها.‬

       ‫وقد دخلت الثورة اجلزائرية �أربع مراحل حتى و�صلت �إىل التحرير:‬

         ‫ُ‬      ‫ّ‬
‫املرحلة الأوىل: وكانت عرب البداية التي قدمنا لها، تخللها عقد امل�ؤمتر‬
                            ‫ّ‬
      ‫ُ َ‬
‫الأول جلبهة التحرير الوطني يف منت�صف عام 6591م، الذي عرف با�سم‬
‫(م�ؤمتر ال�صومام)، والذي عقد يف �إحدى وديان اجلزائر النائية، و�أ�سفر عن‬
                                           ‫ُِ َ‬
‫�إقرار امليثاق التاريخي للجبهة، و�إن�شاء املجل�س الوطني للثورة اجلزائرية، وجلنة‬

                                              ‫1 املو�سوعة ال�سيا�سية، د. عبد الوهاب الكيايل.‬
‫24‬

‫التن�سيق والتنفيذ املكونة من خم�سة �أع�ضاء ميار�سون ال�سلطة التنفيذية للثورة.‬
‫وفيه مت تق�سيم اجلزائر �إىل خم�س مناطق ع�سكرية، تولىّ كل منطقة منها عقيد‬
                                                                 ‫َّ‬
‫يف اجلبهة، وقرر امل�ؤمتر ت�صعيد الكفاح امل�سلح. وقد �أ�صبح (02 �آب) بعد‬
                                         ‫اال�ستقالل: (اليوم الوطني للمجاهد).‬
                                                   ‫َّ‬     ‫َ‬
‫املرحلة الثانية (6591 ـ 8591م): �شهدت هذه املرحلة ارتفاعا يف حدة‬
 ‫ً ِ ّ‬
‫الهجوم الفرن�سي امل�ضاد للثورة يف حماولة للق�ضاء عليها، �إال �أن الثورة ازدادت‬
                                                                   ‫ً‬
‫ا�شتعاال خالل هذه املدة، وبد�أت معركة اجلزائر العا�صمة، وا�ستمرت قرابة عام،‬
‫�أعلنت خاللها اجلبهة الإ�رضاب العام يف كافة �أنحاء اجلزائر ثمانية �أيام، كما ح�صل‬
                ‫َ‬                                   ‫َ‬        ‫ُ‬
‫خالل هذه الفرتة �أطول �إ�رضاب طالبي دعا �إليه االحتاد العام للطلبة امل�سلمني‬
                       ‫ُ‬
‫اجلزائريِّني، وا�ستمر حتى اال�ستقالل. كما بنت احلكومة الفرن�سية خاللها خط‬
     ‫(مور�س) املكهرب بني اجلزائر وتون�س، وخط (�شال) بني اجلزائر واملغرب.‬

‫املرحلة الثالثة (8591 ـ 0691م): وهي من �أ�صعب املراحل التي مرت‬
                                                      ‫َ‬
‫بها الثورة، �إذ نفَّذ اجلي�ش الفرن�سي عمليات ع�سكرية هجومية �رش�سة، مثل‬
‫(كودرن)، (�إيتان�سيل)، (الأحجار الكرمية)، كما �أُقيمت العديد من مع�سكرات‬
                                                           ‫االعتقال يف اجلزائر.‬

‫ويف املقابل، اعتمد جي�ش التحرير فتح جبهات متعددة، وحاول قطع‬
                            ‫َ‬
‫خطوط �إمداد اجلي�ش الفرن�سي، وقد �أعلن الثوار يف هذه املرحلة عن حكومة‬
                                                ‫م�ؤقتة برئا�سة (فرحات عبا�س).‬

‫كما �أعلن (ديغول) خالل ذلك عن اعرتاف فرن�سا بحق اجلزائر يف تقرير‬
‫م�صريها، وكان التفاو�ض وقتها يتم بني احلكومة الفرن�سية واحلكومة اجلزائرية‬
                                         ‫ُّ‬
                                                                         ‫امل�ؤقتة.‬
‫34‬


‫َ‬        ‫َ‬         ‫ّ‬
‫املرحلة الرابعة (0691 ـ 2691م): وهي التي �شكلت املرحلة احلا�سمة‬
‫يف حرب التحرير وتقرير امل�صري، حيث حاولت فرن�سا خاللها ح�سم الأمور‬
                                    ‫ً َ‬
‫باحلل الع�سكري، �إال �أنها ف�شلت مرة تلو مرة، �إىل �أن و�صلت �إىل قناعة تامة‬
‫ب�أن التفاو�ض هو احلل الوحيد والكفيل ب�إنهاء ال�رصاع، ما �أجربها على الدخول‬
       ‫ً‬
‫يف مرحلة تفاو�ضية �ساخنة مع احلكومة امل�ؤقتة، طرحت خاللها حلوال م�ؤقتة‬
‫ً‬
‫وجزئية؛ حاولت من خاللها اقتطاع �أجزاء من اجلزائر، �أو �أن ت�أخذ حقوقا‬
                      ‫وامتيازات ما، �إال �أن اجلبهة رف�ضت ذلك ب�شكل قاطع.‬
                                                   ‫ّ‬
‫ويف تلك الأثناء، ت�شكلت �أول هيئة �أركان للجي�ش اجلزائري الذي بد�أ ي�أخذ‬
 ‫ال�شكل النظامي، و�أ�صبح العقيد (هواري بومدين) �أول رئي�س �أركان للجي�ش.‬

                                                             ‫ً‬
‫وفعال، توقّف القتال يف 91/3/2691م. وكان الأول من متوز يوم ا�ستفتاء‬
         ‫َ‬
‫�شعبي، ف�صوت ال�شعب اجلزائري ل�صالح اال�ستقالل، وكان ان�سحاب اجلي�ش‬
                                       ‫ُّ‬       ‫ُ‬      ‫ّ َ‬
‫الفرن�سي يف 5/11/2691م، وهو ذات التاريخ الذي دخلت فيه فرن�سا اجلزائر‬
                                                                 ‫ً‬
                                                                ‫قبل (031) عاما.‬

‫نعم! لقد خرج اجلي�ش الفرن�سي بعد �أنْ قدم ال�شعب اجلزائري قرابة 5.1‬
                          ‫َّ َ‬
                                               ‫َّ َ‬
‫مليون �شهيد، وبعد �أن نظم ثورات عديدة �سبقت ثورة اال�ستقالل، وتعر�ض‬
  ‫ّ‬
‫ملجازر ب�شعة دموية، �أكرثها ب�شاعة وفظاعة كانت يف (8/5/5491م) �أثناء‬
                           ‫ً‬      ‫ً‬
‫م�سرية �شعبية راف�ضة لال�ستعمار، قُتل فيها على يد اجلي�ش الفرن�سي �أكرث من 54‬
                   ‫�ألف �شهيد يف يوم واحد، �إ�ضافة �إىل مئة جندي فرن�سي(1).‬

                                 ‫***‬


                                            ‫1 املو�سوعة ال�سيا�سية، د. عبد الوهاب الكيايل.‬
‫44‬


                                            ‫�ساد�ساً: التجربة الفل�سطينية:‬
‫عقب انتهاء احلرب العاملية الأوىل وانت�صار احللفاء على دول املحور، مت‬
‫َّ‬
‫تق�سيم البالد العربية ح�سب اتفاق (�سايك�س بيكو)، فكانت فل�سطني من ن�صيب‬
                       ‫بريطانيا، ودخلت حالة ا�ستعمار حتت م�سمى االنتداب.‬

‫�أح�س ال�شعب الفل�سطيني �أن املهاجرين اليهود بد�ؤوا م�رشوع ا�ستيالء على‬
                                                                   ‫َّ‬
                                                        ‫ً‬
‫الأر�ض، خ�صو�صا بعد �صدور (وعد بلفور) امل�ش�ؤوم، الذي قدمت فيه بريطانيا‬
               ‫ّ‬
‫تعهداً ب�إقامة (وطن قومي) لليهود يف فل�سطني، فبد أ� ال�شعب عمليات احتجاج‬
‫ورف�ض للهجرة والوجود اليهودي يف فل�سطني، ومت تقدمي �شكوى للباب العايل‬
                         ‫َّ‬
‫ثم �إىل املندوب ال�سامي، �إال �أن ذلك مل ي�ضع حداً للهجرة اليهودية �أو املمار�سات‬
‫اال�ستعمارية املتمثلة باغت�صاب الأر�ض وبناء امل�ستوطنات والإف�ساد والتحر�ش‬
‫بال�سكان.. لتبد�أ بعدها الهبات ال�شعبية العفوية، كثورة (النبي مو�سى)، و(ثورة‬
                                                ‫ّ‬
‫يافا) و(ثورة الرباق)، والتي جاءت بغالبها كردات فعل غري من�سقة على‬
                     ‫ّ‬
                                               ‫املمار�سات الربيطانية واليهودية.‬

                                                 ‫ّ‬
‫وقد تخلل ذلك ت�شكيل جمعيات �إ�سالمية وم�سيحية وطنية تهدف‬
‫�إىل اال�ستقالل، وطرد اال�ستعمار الربيطاين، ومواجهة الزحف اليهودي‬
‫(الكولونيايل).. وعقد خالل ذلك �سبعة م�ؤمترات وطنية و�إ�سالمية، دعت‬
                                                ‫ُ‬
‫ال�شعب �إىل عدم بيع �أي قطعة �أر�ض لليهود، ورف�ض (وعد بلفور)، كما دعت‬
                                                               ‫َ‬
‫ال�شعب �إىل مواجهة االحتالل بكل ال�سبل، وت�شكلت �أحزاب فل�سطينية كحزب‬
‫(اال�ستقالل)، و(الدفاع الوطني)، و(م�ؤمتر ال�شباب)، و(حزب الإ�صالح)،‬
         ‫و(احلزب ال�شيوعي الفل�سطيني)، و(الإخوان امل�سلمون)، وغريهم...‬
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة
حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة

Weitere ähnliche Inhalte

Ähnlich wie حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة

من أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم
من أخلاق النبي صلى الله عليه و سلممن أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم
من أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم
غايتي الجنة
 
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطابomarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
F El Mohdar
 
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنهعمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
nawalalshehri26
 

Ähnlich wie حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة (20)

سورة الكهف
سورة الكهفسورة الكهف
سورة الكهف
 
سوره الكهف
سوره الكهفسوره الكهف
سوره الكهف
 
1
11
1
 
سوره الكهف
سوره الكهفسوره الكهف
سوره الكهف
 
سوره الكهف
سوره الكهفسوره الكهف
سوره الكهف
 
أسوار العفاف قبس من سورة النور
أسوار العفاف قبس من سورة النورأسوار العفاف قبس من سورة النور
أسوار العفاف قبس من سورة النور
 
كتاب رقم ( 297 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 297 ) من سلسلة الكاملكتاب رقم ( 297 ) من سلسلة الكامل
كتاب رقم ( 297 ) من سلسلة الكامل
 
الكامل في أحاديث العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في الدنيا ...
الكامل في أحاديث العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في الدنيا ...الكامل في أحاديث العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في الدنيا ...
الكامل في أحاديث العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويدخلوا في الدنيا ...
 
من أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم
من أخلاق النبي صلى الله عليه و سلممن أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم
من أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم
 
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطابomarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
omarbenelkhattab-الفاروق عمر بن الخطاب
 
رذيلة التبرم
رذيلة التبرمرذيلة التبرم
رذيلة التبرم
 
1440
14401440
1440
 
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنهعمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
 
Sahar مذكرة دين ثالث إبتدائي تيرم ثاني
Sahar مذكرة دين ثالث إبتدائي تيرم ثانيSahar مذكرة دين ثالث إبتدائي تيرم ثاني
Sahar مذكرة دين ثالث إبتدائي تيرم ثاني
 
ALmokattam-News-Issue02
ALmokattam-News-Issue02ALmokattam-News-Issue02
ALmokattam-News-Issue02
 
فن ادارة الوقت طريقة عملية لطلبة العلم والباحثين
فن ادارة الوقت طريقة عملية لطلبة العلم والباحثينفن ادارة الوقت طريقة عملية لطلبة العلم والباحثين
فن ادارة الوقت طريقة عملية لطلبة العلم والباحثين
 
صفات جيل التمكين
صفات جيل التمكينصفات جيل التمكين
صفات جيل التمكين
 
Hasan bin thabit
Hasan bin thabitHasan bin thabit
Hasan bin thabit
 
الدرس الرمضاني
الدرس الرمضانيالدرس الرمضاني
الدرس الرمضاني
 
عائشة و صفوان
عائشة و صفوانعائشة و صفوان
عائشة و صفوان
 

Kürzlich hochgeladen

الاستعداد للامتحانات.pptx عرض حولك كيفية
الاستعداد للامتحانات.pptx عرض حولك كيفيةالاستعداد للامتحانات.pptx عرض حولك كيفية
الاستعداد للامتحانات.pptx عرض حولك كيفية
NawalDahmani
 

Kürzlich hochgeladen (10)

الكامل في أسانيد وتصحيح حديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر من ( 15 ) طريقا عن...
الكامل في أسانيد وتصحيح حديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر من ( 15 ) طريقا عن...الكامل في أسانيد وتصحيح حديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر من ( 15 ) طريقا عن...
الكامل في أسانيد وتصحيح حديث الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر من ( 15 ) طريقا عن...
 
تێکچوونا خەموکییا مەزن ژخەموکی چیە و خەموکی چەوا پەیدا دبیت ، چارەسەریا خەموک...
تێکچوونا خەموکییا مەزن ژخەموکی چیە و خەموکی چەوا پەیدا دبیت ، چارەسەریا خەموک...تێکچوونا خەموکییا مەزن ژخەموکی چیە و خەموکی چەوا پەیدا دبیت ، چارەسەریا خەموک...
تێکچوونا خەموکییا مەزن ژخەموکی چیە و خەموکی چەوا پەیدا دبیت ، چارەسەریا خەموک...
 
واستعمال الموارد الرقمية في التعليم .ppt
واستعمال الموارد الرقمية في التعليم .pptواستعمال الموارد الرقمية في التعليم .ppt
واستعمال الموارد الرقمية في التعليم .ppt
 
64617773-قلق-الامتحان.ppt قلق الامتحاااااان
64617773-قلق-الامتحان.ppt قلق الامتحاااااان64617773-قلق-الامتحان.ppt قلق الامتحاااااان
64617773-قلق-الامتحان.ppt قلق الامتحاااااان
 
الأركان التربوية بأقسام التعليم الأولي و الابتدائي.ppt
الأركان التربوية بأقسام التعليم الأولي و الابتدائي.pptالأركان التربوية بأقسام التعليم الأولي و الابتدائي.ppt
الأركان التربوية بأقسام التعليم الأولي و الابتدائي.ppt
 
الدرس-المحاصيل الزراعية في وطننا العربي. مرفت روماني يوسف شاكر شعبة ...
  الدرس-المحاصيل الزراعية في وطننا العربي.   مرفت روماني يوسف شاكر      شعبة ...  الدرس-المحاصيل الزراعية في وطننا العربي.   مرفت روماني يوسف شاكر      شعبة ...
الدرس-المحاصيل الزراعية في وطننا العربي. مرفت روماني يوسف شاكر شعبة ...
 
الصف الثاني الاعدادي - العلوم -الموجات.pdf
الصف الثاني الاعدادي - العلوم -الموجات.pdfالصف الثاني الاعدادي - العلوم -الموجات.pdf
الصف الثاني الاعدادي - العلوم -الموجات.pdf
 
الشوق إلى حجّ بيت الله الحرام (فضائل الحج)
الشوق إلى حجّ بيت الله الحرام (فضائل الحج)الشوق إلى حجّ بيت الله الحرام (فضائل الحج)
الشوق إلى حجّ بيت الله الحرام (فضائل الحج)
 
دمشق تاريخ معطر بالياسمين - ماهر أسعد بكر
دمشق تاريخ معطر بالياسمين - ماهر أسعد بكردمشق تاريخ معطر بالياسمين - ماهر أسعد بكر
دمشق تاريخ معطر بالياسمين - ماهر أسعد بكر
 
الاستعداد للامتحانات.pptx عرض حولك كيفية
الاستعداد للامتحانات.pptx عرض حولك كيفيةالاستعداد للامتحانات.pptx عرض حولك كيفية
الاستعداد للامتحانات.pptx عرض حولك كيفية
 

حرب العصابات | إعداد الأسير محمد صبحة

  • 1. ‫1‬ ‫حرب الع�صابات‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ّ‬ ‫بني النظرية العلميـة‬ ‫ّ‬ ‫والتطبيق الفل�سطيني‬
  • 2. ‫2‬ ‫حرب الع�صابات‬ ‫بني ال ّنظرية العلميـة والتطبيق الفل�سطيني‬ ‫ّ‬ ‫�إعداد الأ�سري حممد ناجي �صبحة‬ ‫____________‬ ‫الطبعة الأوىل – 2341هـ / 1102م‬ ‫توزيع: م�ؤ�س�سة فل�سطني للثقافة‬ ‫________________________________________________________‬ ‫�سورية – دم�شق – �ص.ب: 92031‬ ‫هاتف: 20847361136900‬ ‫فاك�س: 15547361136900‬ ‫الربيد االلكرتوين: ‪thaqafa@thaqafa.org‬‬ ‫املوقع االلكرتوين: ‪www.thaqafa.org‬‬
  • 3. ‫3‬ ‫حرب الع�صابات‬ ‫بني ال ّنظرية العلميـة والتطبيق الفل�سطيني‬ ‫ّ‬ ‫�إعداد الأ�سري حممد ناجي �صبحة‬
  • 4. 4
  • 5. ‫5‬ ‫�إهـــــداء‬ ‫�إىل �أ�سود كتائب ال�شهيد عز الدين الق�سام..‬ ‫�إىل ال�شهداء العظام..‬ ‫و�إىل املرابطني املجاهدين..‬ ‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫و�إىل ال�صابرين الثابتني؛ جرحى و�أ�رسى..‬ ‫�أُهدي كتابي هذا..‬ ‫راجياً من اهلل القَبول..‬
  • 6. 6
  • 7. ‫7‬ ‫َ ِ ُّ ّ‬ ‫مـن قـبـ�س النـبـوة‬ ‫«لن تربح هذه الأمة من�صورين �أينما توجهوا، ال ي�رضهم من خذلهم من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫النا�س، حتى ي�أتي �أمر اهلل وهم بال�شّ ام».‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬ ‫«�إذا فَ�سد �أهل ال�شّ ام فال خري فيكم. ال تزال طائفة من �أمتي من�صورين، ال‬ ‫ي�رضهم من خذ َلهم، حتى تقوم ال�ساعة».‬ ‫َ ّ‬ ‫ُّ َ‬ ‫«عقر دارِ امل�ؤمنني ال�شّ ام».‬ ‫ُ‬ ‫«�إنيّ ر�أيت املالئكة يف املنام �أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به �إىل ال�شّ ام، ف�إذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقعت الفنت ف�إنّ الإميانَ بال�شّ ام».‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫«عن عبد اهلل بن حوالة �أ ّنه قال: يا ر�سول اهلل، اكتب يل بلداً �أكون فيه،‬ ‫َ‬ ‫فلو �أعلم �أ ّنك تبقى مل �أخرت �إال قر َبك. فقال عليه ال�سالم: «عليك بال�شّ ام،‬ ‫ُ‬ ‫عليك بال�شّ ام، عليك بال�شّ ام». فلما ر�أى ر�سول اهلل كراهي َته لل�شام، قال:‬ ‫«هل تدرون ما يقول اهلل عز وجل؟ يقول: �أنت �صفْوتي من بالدي، �أُدخل‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫فيك خريتي من عبادي»‬ ‫ِ ِ‬ ‫«ور�أيت ليلة ُ�أ�سرِْي بي عموداً �أبي�ضا ك�أنه ل�ؤل�ؤ، حتمله املالئكة، فقلت: ما‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫حتملون؟ قالوا: عمود الإ�سالم �أُمرنا �أنْ ن�ضعه بال�شّ ام»‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
  • 8. ‫8‬ ‫ِ ّ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫«عليك بال�شّ ام ف�إنها خرية اهلل من �أر�ضه، جتبي �إليها خريته من عباده»‬ ‫«�ستجدون �أجناداً: جنداً بال�شام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن. قال عبد‬ ‫َ‬ ‫اهلل: فقمت فقلت: اخرت يل يا ر�سول اهلل. فقال: عليكم بال�شّ ام، فمن �أبى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫فليلحق مبنه، ولي�ستعذ من غدره، ف�إنّ اهلل عز وجل قد تكفّل يل بال�شّ ام‬ ‫و�أه ِله»(1).‬ ‫***‬ ‫1جميع ما تقدم م�أخوذ من كتاب (ف�ضائل ال�شام/ للربيعي)، حتقيق ال�شيخ الألباين، وجميع الأحاديث �إما �صحيحة‬ ‫�أو ح�سنة.‬
  • 9. ‫9‬ ‫تقدمي‬ ‫الدكتور �أحمد نوفل‬ ‫�أ�ستاذ ال�رشيعة الإ�سالمية يف اجلامعة الأردنية‬ ‫ال�صاع هو قانون احلياة، و�س ّنة ال ّتدافع �سنة كونية اجتماعية، و�ضعها اهلل‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫رِّ‬ ‫يف ُبنية الكون واملجتمعات، بل جعلها �صمـام �أمان، و�ضمانَ �سالمة وعدم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ َ‬ ‫ف�سادٍ للأر�ض، و�أمن �أماكن العبادة، وقد كررها القر�آن الكرمي يف مو�ضعنيِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫من �سورتَنيِ كرمي َتني، هما �سورة البقرة و�سورة احلج، فقال: }ﮰ ﮱ‬ ‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ{ [البقرة: ١٥٢]، وقال:‬ ‫}ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ{ [احلج: ٠٤].‬ ‫واخلالف بني بني الب�رش �س ّنـة �أخرى، و�سيالزمهم ذلك ما الزم ْتهم احلياة:‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫}ﭙ ﭚ ﭛ{ [هود:٨١١]. وكثرياً ما يح�سم الب�رش خالفاتهم بالقوة‬ ‫واحلروب.‬ ‫وحتى �إن مل يكن ثمة خالفات، ف�إن نظرية (فائ�ض القوة) �ستجد نف�سها‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ‬ ‫متحقّقة يف الواقع؛ اعتداء على ال�ضعيف، ومتدداً يف �أر�ضه، ومت ّتعا برثوته. �إن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ال�ضعف ال ُيغري الأقوياء �إال باالعتداء على الطرف ال�ضعيف، ورائحة ال�ضعف‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫جتذب الأقوياء كما جتذب رائحة الدم �أ�سماك القر�ش يف البحار واملحيطات‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫نحو الفرائ�س.‬
  • 10. ‫01‬ ‫هذه هي طبيعة احلياة، وهذه طبيعة الأ�شياء. وما ال�سالم �إال �أماين عذاب‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫و�أحالم، يحلم بها ال�ضعفاء ويتعللونَ بها، كما هو حال العامل العربي الر�سمي‬ ‫ّ‬ ‫اليوم.‬ ‫ما دام الأمر كذلك، و�أن الأقوياء ال يرحمون ال�ضعفاء، بل �إن �ضعفهم‬ ‫َ‬ ‫ُيغري الأقوياء باالعتداء، ويهدد ال�ضعفاء بالإنهاء والإفناء، �أفال ترى �إىل‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫م�صري الهنود احلمر؟ و�أال ترى �إىل م�صري �إفريقيا كيف تُف َتعل فيها احلروب‬ ‫وتُوزع الأ�سلحة «ليتفانى» النا�س يف حرب قذرة ال م�صلحة لهم فيها؟ ولكن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫الأقوياء يت�صارعون من خالل ال�ضعفاء، ففرن�سا و�أمريكا تتناطحان من خالل‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫الأفارقة... وهكذا..‬ ‫فهل بعد هذا الت�صوير ال�سوداوي للواقع من �أمل لل�ضعفاء؟! �أم �أن النهاية‬ ‫َ‬ ‫ٍ ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫احلتمية با�ستئ�صالهم هي لهم باملر�صاد؟‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫اجلواب نعم! �إنّ لهم ف�سحة وفر�صة للبقاء واالنت�صار، �رشط �أن يتغلبوا على‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�ضعفهم، ويقهروا �سلبي َتهم وخوفَهم و�شعور الإحباط والي�أ�س والتمزق والتفرق،‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ويجتمعوا على املقاومة و�شن «حرب الع�صابات».‬ ‫ّ‬ ‫لقد غيرّت حرب الع�صابات وجه التاريخ! و�إن لنا فيها نحن امل�سلمني جتربة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عتيقة قدمية منذ فجر الإ�سالم، حني اتّخذ �أبو جندل و�أبو ب�صري من مواقعهما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫على طريق القوافل نقاط هجوم وانق�ضا�ض على م�صالح قري�ش، فقامت قري�ش‬ ‫َ‬ ‫ترجو النبي [ �أن يقبلهم يف املدينة، بعك�س االتفاقية املوقَّعة بني ال ّنبي [‬ ‫ّ‬ ‫وقري�ش، وقد كان.‬ ‫على �أنّ حرب الع�صابات، �أو حرب ال�شعب، �أو املقاومة، �أو العمل الفدائي،‬
  • 11. ‫11‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ً‬ ‫قد �أ�صبحت علما وممار�سةً، و�صار لل�شعوب، خا�صة الـم�س َتعمرة منها، �صار لها‬ ‫جتارب، تتبادلها الأمم والأقوام، وتتكامل اخلربات بني امل�ست�ضعفني.‬ ‫ُّ‬ ‫فكل عاملنا الإ�سالمي خا�ض حرب حترير �ضد امل�ستعمر، حتى حقّق لبالده‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫اال�ستقالل، واحدة فواحدة.. ولعل من �أجمل �صفحات الن�ضال واجلهاد‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ٍ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫والقتال؛ ما �سطره ال�شعب اجلزائري يف مقاومة �شعبية قدمت فيها اجلزائر مليونا‬ ‫ً‬ ‫ون�صفا من ال�شهداء.‬ ‫وجتربة عبد الكرمي اخلطابي يف حرب الريف باملغرب العربي غنيـة قيمـة‬ ‫ّ ّ ٌ ّ ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫كذلك. وجتربة عمر املختار معلم م�رشِّف. واملقاومة امل�رص ّية يف قناة ال�سوي�س‬ ‫ُّ‬ ‫َ ٌ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عمل �شجاع متقدم. على �أن من �أعظم جتارب حروب الع�صابات جتربة ال�شّ عب‬ ‫ٍّ ٍ‬ ‫ٍ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫الفيتنامي؛ فقد انخرط ال�شعب كله يف مقاومة رائعة �ضد طغيانٍ �أمريكي عات‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫مدجج ال يرحم، وا�ستخدم كل الأ�سلحة املحظورة واملحرمة، وحرق الغابات‬ ‫َّ‬ ‫َّ ٍ‬ ‫والب�رش، وارتكب من املجازر ما ت�شيب له الولدان. ومن قبله فرن�سا �صنعت‬ ‫ال�صنيع نف�سه يف ذات البلد، ومع ذات ال�شعب، وخرج ال�شعب الفيتنامي منت�رصاً‬ ‫ُّ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫ً ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ِ‬ ‫على القوتَنيِ اال�ستعمار ّي َتنيِ امل�ستكربتَنيِ الطاغ َيتني، ولق َنهما در�سا تعلمت منه‬ ‫ّ‬ ‫كل �شعوب الأر�ض.‬ ‫ُّ‬ ‫وثورة غيفارا وحربه الفدائية مدر�سة يف حرب الع�صابات، حتى غدا رمزاً‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫للمقاومة. وخا�ض ال�شّ عب اللبناين مقاومة عنيدة با�سلةً، و�سطر مالحم من العرب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫والبطولة والت�ضحية. وكذا ال�شّ عب ال�سوري يف مقارعة اال�ستعمار الفرن�سي،‬ ‫ُ ُّ ُّ‬ ‫َّ َ‬ ‫�سطر بطوالت وت�ضحيات.‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ َ َ ً‬ ‫على �أنّ ب�سالة ونبالة املقاومة يف فل�سطني، تظل معلما متميزا بني كل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
  • 12. ‫21‬ ‫ال ّتجارب، وخا�صة جتربة (حما�س).. ومن قبلها جتربة املقاومة الفل�سطينية‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قبل �أن تنحرف القيادات وتنجرف باجتاه ت�سويات غري �سو ّية، �إمنا تنخرط يف‬ ‫م�رشوع مقاومة املقاومة.‬ ‫ِ‬ ‫لقد ابتد�أت املقاومة الفل�سطينية من اال�ستعمار الربيطاين يف �أوا�سط العقد‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الثاين من القرن الع�رشين، �أي منذ قرابة قرن من الآن.. �إال قليال.‬ ‫ّ‬ ‫ثم تطورت مبقاومة م�رشوع اليهود ال�صهاينة، بالهجرة �إىل فل�سطني والتوطن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ ٌّ‬ ‫فيها. وظهرت قيادات فذة لهذه الأعمال البطولية، من �أبرزها عز الدين الق�سام،‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫وفرحان ال�سعدي، وعبد القادر احل�سيني، وغريهم... رحمهم اهلل وتقبل‬ ‫َّ‬ ‫جهادهم.‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ولقد �سطرت (فتح) بطوالت ال تُنكر، �إنْ يف حرب الكرامة �أو بعدها..‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ َ‬ ‫قبل �أن يت�سلط عليها جمموعة من التجار وال�سما�رسة ا ّلذين باعوا دماء ال�شُّ هداء،‬ ‫ٌ‬ ‫وا�شتغلوا متعهدين مقاولني عن الأعداء.‬ ‫ِ َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫ثم منذ نيف وع�رشين �سنة، ظهرت حركة (حما�س)، مقاومة فل�سطينية‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ ٍ‬ ‫منطلقة من الإ�سالم العظيم ومبادئه يف احل�ضِّ على اجلهاد واملقاومة ومقارعة‬ ‫ٌ‬ ‫املحتل: }ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ{[البقرة: ١٩١]، وقد غدت يف زمن‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ي�سري واحدة من رموز املقاومة على مدى العامل والتاريخ الإن�ساين، وقدمت‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قوافل من ال�شهداء، يف مقدمتهم قادتُها العظام وامل�ؤ�س�سون، ومل تفرت عزميتها‬ ‫ْ‬ ‫وما النت. ثم خا�ضت حروب مواجهة مع �أعتى قوة ع�سكرية يف العامل، مع �أنه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫لي�س مطلوبا من حركات املقاومة �أن تواجه جيو�شا يف حروب نظامية، ومع هذا‬ ‫ٍّ ّ‬ ‫َ ّ‬ ‫ً‬ ‫�أثبتت موجود ّية وخرجت منت�رصة مرفوعة الر�أ�س وبهمة علية.‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
  • 13. ‫31‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ َّ‬ ‫كانت حرب غزة منعطفا تاريخيا �أوقف فيه العدو من طرف واحدٍ �إطالق‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫النار، واعرتف العامل كله �أنّ العدو خ�رس يف هذه احلرب، و�إن كان �آمل بع�ض‬ ‫َّ‬ ‫العرب هذا الواقع اجلديد وال ّن�رص العتيد؛ فهم يعتربون �أنف�سهم و�إ�رسائيل يف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫خندق واحد، ي�ؤذيهم ما ي�ؤذيها، ويقاتلون من تقاتله.‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ ُ‬ ‫يف هذا ال�سياق، اطلعت، �رسيعا، على كتاب «حرب الع�صابات، بني‬ ‫ِّ‬ ‫ال ّنظر ّية العلمية وال ّتطبيق الفل�سطيني». وكاتبه ممن خا�ض الغَمرات، ولبث‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ّ‬ ‫َّ َ‬ ‫يف ال�سجن �سنوات، و�سجل من ال ّتجارب وامل�شاهدات واملعاي�شات هذه‬ ‫ّ‬ ‫ال�صفحات. ونحن نرحب بالكتاب لين�ضم �إىل مئات الكتب عن حرب‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الع�صابات، و�إىل ع�رشات الكتب من ال ّتجربة العربية الإ�سالمية يف حرب‬ ‫ّ‬ ‫الع�صابات.‬ ‫ِّ‬ ‫�أ�س�أل اهلل لهذا الكتاب وكاتبه القبول، و�أ�س�أل اهلل لأمتنا �أن ت�ستفيد من كل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫جتربة، ومن كل كلمة مقاومة، و�أن جتعل املقاومة لها نهجا وخياراً، فما ج َنـيـنا‬ ‫من خدعة ال�سالم �إال العلقم واملوت الز�ؤام. وخيار املقاومة �أربح اخليارات‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫واحللول، وخيار م�ساملة العدو �أ�سو�أُ و�أرد�أُ اخليارات.. والأحمق من ال تعلمه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫اخلربة والتجربة.‬ ‫يجب �أن ت�صبح املقاومة ثقافة �شعبية عامة، و�أن يكونَ ال�صرب على الن�ضال‬ ‫ّ ُ‬ ‫ًّ ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وحتمل تبعا ِته وتكاليفه بكل �شجاعة و�أريحية وروح م�ضحية فدائية. هذا هو‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫طريق ال�شرَّف وال ّن�رص والعزة والتحرير.‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫وفعال وحقا، �أنّ ما �أُخذ بالقوة؛ ال ميكن �أن ي�سرتد �إال بالقوة، وما جاء‬ ‫َّ‬ ‫ِ َ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
  • 14. ‫41‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫باملفاو�ضات تبدده �أقل التحديات. والأق�صى �أكرم على اهلل و�أعز من �أن يتحرر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�إال بالدماء وال�شهداء، فهذا م�رسى �أعظم الأنبياء، ومهره �أكرم ما ُيقدم الأحياء؛‬ ‫ِّ‬ ‫َ ُ‬ ‫الدماء.. وال نامت �أعني اجلبناء..‬ ‫ّ‬ ‫د.�أحمد نوفل‬ ‫ ‬ ‫ �أ�ستاذ ال�رشيعة الإ�سالمية‬ ‫يف اجلامعة الأردنية‬ ‫ ‬ ‫عمان ـ الأردن‬ ‫ ‬
  • 15. ‫51‬ ‫ِّ‬ ‫مـقـدمــة‬ ‫�إنَّ الناظر �إىل حال العمل الثوري واجلهادي يف فل�سطني على مدار العقود‬ ‫َ‬ ‫ال�سابقة، يجده قائما على التطور الع�شوائي، معتمداً على الكثري من اجلهود‬ ‫ً‬ ‫الفردية واملبادرات الذاتية، ما يجعله مفتقراً �إىل النظرات التحليلية والتقييمية‬ ‫ً‬ ‫غالبا، فالتجارب الثورية ـ رغم غزارتها ـ متر مرور الكرام من غري توثيق �أو‬ ‫حتليل، فرتى مئات بل �آالف العمليات الع�سكرية تُنفذ ومتر ب�إجنازاتها و�أخطائها‬ ‫دون �أن جتد من يتوقف عندها فيدر�سها وي�ستخل�ص النتائج منها، ثم ي�ضعها بني‬ ‫َ‬ ‫�أيدي العاملني لال�ستفادة منها.‬ ‫لذا، ف�إن كثرياً من ال�سلبيات ا ّلتي واجهت العمل الوطني الفل�سطيني ال زالت‬ ‫ً‬ ‫متكررة، وما زال ال�سقوط عند «الع�صافري» ي�شكل ن�سبة كبرية من االعرتافات،‬ ‫ّ‬ ‫وال زالت االغتياالت تُنفَّذ بحق املقاومني بنف�س الطريقة، ودومنا يقظة �أو‬ ‫مراجعة حقيقية مت�أ ّنية.‬ ‫كذلك ال زال اال�ستهتار الأمني، والف�شل املرتتّب على ا�ستخدام االت�صاالت‬ ‫الإلكرتونية، والقافلة ت�سري، وال زال.. وال زال.. وال من معترب. و�إن كنا قد‬ ‫بد�أنا ن�شهد يف املدة الأخرية تطوراً ملحوظا على العمل الع�سكري يف قطاع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غزة، وا�ستفادة طيبة من التجارب ال�سابقة، ونقال لتجارب وخربات ال�شعوب‬ ‫الأخرى، التي عا�شت احلياة الثورية ومار�ست حرب الع�صابات �ضد عدوها.‬
  • 16. ‫61‬ ‫َ‬ ‫�إنَّ اخللل الذي تعي�شه املقاومة الفل�سطينية هو خلل يف �إدارة العمل املقاوم‬ ‫ُ‬ ‫وتوجيهه واال�ستفادة منه، وتوجيه العاملني �إىل الوجهة ال�صحيحة. �أما �إدارة‬ ‫ال�سيا�سة، فهي خا�ضعة �إىل ِفكر احلركة التي تدير هذا العمل، فعندما �أدارت‬ ‫ً‬ ‫حركة فتح واملنظمة العمل املقاوم كانت توجهه ليقطف حلوال �سلمية تو�صلها‬ ‫�إىل ثمار (واهية) حددتها هي لنف�سها، وعندما �أدارت حركة حما�س عملها‬ ‫املقاوم ف�إنها وجهته �إىل وجهة �أخرى ونح�سبها قد �أح�سنت يف �إدارته �إن �شاء‬ ‫َّ‬ ‫اهلل.‬ ‫�إنَّ الثورة الفل�سطينية حتتاج �إىل مفكرين ميتازون بعقول نرية، لهم جتارب‬ ‫عملية ثرية يدعمونها بدرا�سات متعمقة لثورات العامل امل�شابهة، الأمر الذي‬ ‫ي�ؤهلهم �إىل درا�سة الكم الهائل من التجربة والتاريخ الثوري يف فل�سطني، و�إنني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ�ؤكد �أنّ وجود مثل ه�ؤالء املفكرين، ي�ضمن جتاوزاً للكثري من ال�سلبيات التي‬ ‫تكرر الوقوع فيها، وي�سمح بالتخطيط امل�ستقبلي البديل عن االندفاع الع�شوائي‬ ‫َّ َ‬ ‫الذي ن�شهده كثرياً للأ�سف.‬ ‫لن جنلد ذاتنا، فاملقاومة حقّقت من الإجنازات ما نفخر به، �إال �أنّ الأمل‬ ‫معقود عليها لتكون �أكرث قوة و�أبلغ �أثراً، و�أدق تخطيطا، و�أكرث ا�ستفادة‬ ‫ً‬ ‫وا�ستثماراً للخربات.‬ ‫ّ‬ ‫هذه الدرا�سة جهد املقل، �أ�سعى من خاللها �إىل ت�سليط ال�ضوء على �أبرز‬ ‫جتارب (حرب الع�صابات) احلديثة، و�إجراء مقارنة �رسيعة بني النظرية العملية‬ ‫لهذه احلروب والتطبيق الفل�سطيني لقواعدها، و�أخ�صِّ�ص درا�ستي للتجربة‬ ‫ُ‬ ‫الق�سامية التي ع�شناها و�سمعناها و�شاهدناها.‬
  • 17. ‫71‬ ‫لقد ا�ستمعت يف �سجني �إىل مئات التجارب اجلهادية الق�سامية، فخبرِت‬ ‫َ ُ‬ ‫الكثري من الأخطاء التي تقع فيها، وللأ�سف ف�أغلبها متكررة وم�ستمرة، وقد‬ ‫ّ‬ ‫ا�ستفدت من بع�ضها يف هذه الدرا�سة، وا�ست�شهدت بها مبا يتوافق مع الأبواب‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫التي �سنطرقها.‬ ‫�أ�س�أل اهلل العظيم �أن يكتب لهذا العمل القبول، ويجعل فيه اخلري والنفع‬ ‫والفائدة، و�أن يكتبه يف ميزان ح�سناتنا يوم نلقاه، �إنه �سميع جميب.‬
  • 18. 18
  • 19. ‫91‬ ‫متهيد‬
  • 20. 20
  • 21. ‫12‬ ‫متهيد‬ ‫ما هي حرب الع�صابات؟‬ ‫ٌ ُّ‬ ‫حرب الع�صابات هي حرب �أقل من حمدودة، وغري نظامية، بني طرفني غري‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫متكافئني. وهي قد تكون حربا وحدها، �أو ت�شكل جزءاً من تكتيكات حرب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقليدية، دوافعها حتررية، �أو للتخل�ص من دكتاتورية، �أو انف�صامية عرقية، وهي‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما ت�ستند �إىل حركة �سيا�سية تتولىّ �إدارتَها.‬ ‫�إذن فهي حرب غري نظامية، لأنها ال تعتمد �أ�سلوب احلرب ال ّنظامية القائمة على‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫املواجهة املبا�رشة، فحرب الع�صابات تقوم على العمل ال�رسِّي، وا�ستخدام �أ�سلوب‬ ‫املجموعات ال�صغرية املنف�صلة، وانتهاج �أ�سلوب الكر والفر واخلديعة والكمائن‬ ‫وعدم الظهور، واالكتفاء با�ستخدام ال�سالح اخلفيف لتحقيق هذا الغر�ض.‬ ‫بينما احلروب النظامية (الكال�سيكية)، ف�إنها تقوم على تقابل جي�شنيِ‬ ‫َ‬ ‫نظامينيِ �أو �أكرث، تدور بينهم معارك ع�سكرية كبرية ذات طابع معلوم، وتعتمد‬ ‫َّ‬ ‫هذه احلرب على نظام اجليو�ش يف التعبئة والتنظيم والقتال، وا�ستخدام ال�سالح‬ ‫ٌ‬ ‫الثقيل من املدفعية والدبابات والطائرات وال�سفن احلربية. فهي �شكل خمتلف‬ ‫ٌ‬ ‫من التكتيكات واخلطط والآليات، تختلف يف �أهدافها وو�سائلها و�أ�ساليبها‬ ‫وميزاتها ومبادئها التي ت�ستند �إليها.‬
  • 22. ‫22‬ ‫وحرب الع�صابات ت�ستند �إىل حركة �سيا�سية تقود العمل املقاوم وتوجهه‬ ‫ّ‬ ‫الوجهة التي ر�سمتها لنف�سها، تقيم �أداءه، وتقطف ثماره. هذه احلركة تقوم‬ ‫ّ‬ ‫مبوازاة العمل املقاوم بخلق وعي �سيا�سي يرقى بوعي ال�شعب ليكون قادراً‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫على حمل �أعباء وتبعات الثورة. فحرب الع�صابات هي ذراع ع�سكري حلركة‬ ‫�سيا�سية، وهذا ما �أثبته (ماو) يف مبادئ ثورته حني قال: «�إنّ ال�شيوعية هي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫القائدة حلرب الع�صابات ال�صينية»(1).‬ ‫ّ‬ ‫�أما دوافع حرب الع�صابات فمتعددة: منها ما كان دافعه حترريا طارداً‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫لالحتالل؛ كما الثورة الفل�سطينية والثورة اجلزائرية، ومنها ما كان هدفه‬ ‫التخل�ص من الدكتاتورية؛ كالثورة ال�صينية والكوبية، ومنها ما كان لدوافع‬ ‫انف�صالية؛ كثورة الأكراد على احلدود الرتكية العراقية الإيرانية، والثورة البا�سكية‬ ‫ّ‬ ‫املم َّثلة بحركة (�إينا) االنف�صالية.‬ ‫وحرب الع�صابات كما ذكرنا تكون بني طرفني غري متكافئني، الأول جي�ش‬ ‫ٌ‬ ‫ً َ ً‬ ‫نظامي يتبع لدولة ذات كيانٍ و�سيادة، ميلك عتاداً ثقيال و ِفرقا وت�شكيالت‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٌّ‬ ‫مقاتلة، �أما الطرف الآخر فمجموعات مقاتلة مكونة من �أفراد ال ميلكون �إال‬ ‫ٌ َّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�سالحا خفيفا مدعوما بالإميان والإخال�ص يف االنتماء.‬ ‫ً‬ ‫فحرب الع�صابات �أ�سلوب ي�ستخدمه الطرف ال�ضعيف ع�سكريا، لي ّتقي‬ ‫ٌ‬ ‫التفوق ا ّلذي يتمتع به خ�صمه، ويتجنب الفارق العددي والتكنولوجي،‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫في�ستخدم �أ�ساليب بدائية ن�سبيا، و�أ�شكاال يف املواجهة ال تنفع معها كرثة عدد‬ ‫جيو�ش اخل�صم وثقل عدته، مما ي�ضطر اخل�صم �إىل مالحقته ومواجهته بالطريقة‬ ‫َ‬ ‫1 احلرب واال�سرتاتيجية /يهو�شيفت هركيف.‬
  • 23. ‫32‬ ‫ّ‬ ‫التي يفر�ضها الطرف ال�ضعيف، وبالتايل يتخلى هذا اخل�صم عن تفوقه الهائل،‬ ‫وال ي�ستطيع اال�ستفادة منه كثرياً.‬ ‫ويالحظ �أنّ حرب الع�صابات قد تكون (ا�سرتاتيجية)، فتكون هي طريقة‬ ‫َ‬ ‫القتال الأ�سا�سية الوحيدة، كما هو احلال يف التجارب الفيتنامية وال�صينية‬ ‫ً‬ ‫والكوبية والفل�سطينية، والتي هي مو�ضوع بحثنا هنا، وحينها تكون حربا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مفتوحة زمانيا، �أهدافها �أكرث �شمولية وعمقا وحيوية.‬ ‫ً‬ ‫وقد تكون حرب الع�صابات تكتيكا، فتكون �إحدى طرق القتال امل�ساندة‬ ‫للقتال التقليدي الدائر بني جيو�ش نظامية، فت�ستخدم هذه اجليو�ش �أ�ساليب‬ ‫قتالية حمددة تخو�ضها وحدات خا�صة مدربة على هذا اللون من القتال، تقوم‬ ‫ب�أغرا�ض حمددة؛ كوحدات من الكوماندوز. ويف ذات الإطار، قد تعمد بع�ض‬ ‫الدول املتحاربة �إىل خلق ع�صابات غري نظامية كي تخدم �أغرا�ضها.‬ ‫َ‬ ‫لقد �أُطلق على حرب الع�صابات عامليا ا�سم (جاريال)، وهي كلمة التينية‬ ‫ً‬ ‫تعني (احلرب ال�صغرية)، ولأنه م�صطلح عاملي يعرب عن م�صطلحات اجلهاد‬ ‫والثورة واملقاومة والن�ضال واالنتفا�ضة، ف�سن�ستخدمه نحن يف درا�ستنا.‬ ‫وقد تكون الع�صابة كلمة غري حمببة �إىل النف�س الرتباطها ببع�ض املعاين ال�سلبية‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫يف الأذهان، �إال �أنها لي�ست بالكلمة ال�سلبية يف حقيق ِتها وجوهرها، فقد وردت‬ ‫ّ‬ ‫يف حديث لر�سول اهلل [ يف �صحيح م�سلم: «اللهم �إنْ تهلك هذه الع�صابة من‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫�أهل الإ�سالم؛ ال تُعبد يف الأر�ض».‬
  • 24. ‫42‬ ‫ملحة تاريخية:‬ ‫تُعد حرب الع�صابات �صورة قدمية من �صور ال�رصاع، �سبقت احلرب النظامية‬ ‫ُّ‬ ‫يف وجودها، ذلك �أن النزاعات وال�رصاعات بد�أت بني قوات غري نظامية،‬ ‫ثم �أخذت هذه القوات تُـعـد نف�سها، وتزيد من قدرتها وترفع من كفاءتها،‬ ‫ِ ُّ‬ ‫وت�ضاعف من قواتها ملواجهة الهجمات امل�ضادة والرد عليها ب�رسعة وقوة،‬ ‫وت�شن هجمات ا�ستباقية خاطفة، فبد�أت ت�شكل القوات �شبه النظامية، ومن ثم‬ ‫النظامية، لتتحول ال�رصاعات �إىل حرة نظامية ت�شبه واقع احلال هذه الأيام.‬ ‫ولقد بد�أت حرب الع�صابات على �شكل غارات خاطفة ومتكررة بني مقاتلي‬ ‫القبائل املختلفة يف م�ساع لل�سيطرة على الكلأ واملاء، ول�ضم �أرا�ض جديدة �إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ممتلكات القبيلة وزعيمها، وا�س َتخدمت هذه الغارات بع�ض الأ�ساليب البدائية‬ ‫َ‬ ‫اّ‬ ‫حلرب الع�صابات؛ كالكر والفر، والتمويه واملباغتة، �إل �أن عنا�رصها بقيت‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫غري مكتملة، فال تنطبق عليها مبادئ حرب الع�صابات املعا�رصة ب�شكل فعلي.‬ ‫ومن �أ�شهر حروب الع�صابات القدمية يف تاريخنا العربي: (حرب الب�سو�س)، و‬ ‫(داح�س والغرباء). ثم جاءت جتارب حروب الع�صابات يف ع�رص النبوة، ومن‬ ‫�أبرزها جتربة ال�صحابي اجلليل (�أبو ب�صري).‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتطورت حرب الع�صابات الأخرية (احلديثة) �شيئا ف�شيئا مع التجارب‬ ‫الثورية الناجحة التي خا�ضتها ال�شعوب �ضد امل�ستعمر وامل�ستبد، ومع كل جتربة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديدة كانت (اجلاريال) ت�أخذ �شكال �أكرث و�ضوحا، وتثبت لها قواعد ومبادئ‬ ‫ّ‬ ‫و�سمات جديدة، حتى ت�شكلت مدار�س ثورية متثل الأ�شكال املختلفة حلرب‬ ‫الع�صابات املدنية والريفية.‬
  • 25. ‫52‬ ‫ولقد ا�ستطاعت حرب الع�صابات عرب تاريخها حتقيق جناحات وانت�صارات‬ ‫و�إجنازات؛ زادت من �أهميتها، وقناعة املجتمع بها.. فقد متكنت من طرد‬ ‫امل�ستعمر مهما عظمت قوته، وحترير البالد املحتلة مهما طال احتاللها، وحتقيق‬ ‫الأهداف املرجوة واملر�سومة، وحتقيق التقدم والتفوق، على الرغم من الفرق‬ ‫ال�شا�سع يف ميزان القوى ل�صالح عدوها.‬ ‫ومن الأمثلة املعا�رصة التي انت�رصت فيها حرب الع�صابات على عدوها:‬ ‫الثورة ال�صينية يف مواجهة الدكتاتورية الداخلية واال�ستعمار الياباين، والثورة‬ ‫الفيتنامية يف مواجهة الواليات املتحدة الأمريكية، والثورة اجلزائرية يف وجه‬ ‫ً‬ ‫اال�ستعمار الفرن�سي، والثورة الكوبية يف وجه الدكتاتور ّية املدعومة خارجيا،‬ ‫ّ‬ ‫والثورة الأفغانية يف وجه ال�سوفييت.‬ ‫***‬
  • 26. 26
  • 27. ‫72‬ ‫مدار�س‬ ‫ُ‬ ‫حرب الع�صابات‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
  • 28. 28
  • 29. ‫92‬ ‫مدار�س حرب الع�صابات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫و�سعيا لالنتفاع من جتارب الآخرين، ونقال خلرباتهم، ف�إننا �سنعر�ض‬ ‫ب�إن�صاف مناذج من حروب الع�صابات احلديثة التي �شكلت مدار�س يحتذى‬ ‫بها وجتارب تُدر�س، و�أبرزها (ال�صينية، الكوبية، الفيتنامية).. ونعر�ض معها‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫(التجربة اجلزائرية)، وقبلها جميعا نعر�ض خري جتربة عرفتها الإن�سانية، �أال وهي‬ ‫التجربة النبويّة املحمد ّية.. نعر�ض منها وم�ضات خاطفة تبارك لنا م�رشوعنا،‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ونغرتف من معانيها يف ا�ستنتاجاتنا �إن �شاء اهلل.‬ ‫�أوالً: حرب الع�صابات يف ع�رص النُّبوة:‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ا�ستخدم الر�سول [ و�صحاب ُته الأطهار مبادئ حرب الع�صابات ب�شكل‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫كبري، بل ويف مرحلة مبكرة من الدعوة واجلهاد.. ولعل ممار�ساتهم �أ�صلت‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وابتكرت بع�ضا من تلك املبادئ، حتى �أ�صبحت مدر�سة متكاملة اقتدى بها‬ ‫ُ‬ ‫قادة الفتح الإ�سالمي وجند الإ�سالم على مر الع�صور.‬ ‫و�سنتحدث هنا عن هذه املدر�سة باخت�صار، حيث �سنطرق بع�ض العناوين‬ ‫ّ‬ ‫واملواقف التي برزت فيها فنون حرب الع�صابات ومباد�ؤها.‬
  • 30. ‫03‬ ‫جمموعات �أبي ب�صري:‬ ‫ُ‬ ‫كما نعلم، فقد عقد ر�سول اهلل [ مع م�رشكي مكة �صلح احلديبية، وقد‬ ‫َ‬ ‫ت�ضمن هذا ال�صلح بنـداً اعتربه كبار ال�صحابة جمحفا بحق امل�سلمني، بل رف�ضوه؛‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫لوال طاعتهم لر�سول اهلل [.‬ ‫ً‬ ‫وهذا الن�ص هو: (من جاء �إىل املدينة من �أهل مكة م�س ِلما فعلى امل�سلمني‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫رده �إىل �أهله، �أما من جاء �إىل مكة من �أهل املدينة م�رشكا فلي�س على �أهل مكة‬ ‫ّ‬ ‫رده)..‬ ‫ولقد ا�ستطاع ال�صحابي املجاهد عتبة بن �أ�سيد (�أبو ب�صري) �أن يفر من قيده‬ ‫َّ‬ ‫الذي كبله به خا ُله، الأخن�س بن �رشيف، وفر �إىل مدينة ر�سول اهلل [، و�أقام فيها‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫�أياما بني �إخوانه م�رسوراً بدينه �سعيداً ب�إميانه، وملا علمت قري�ش بذلك �أر�سلت من‬ ‫ً‬ ‫امل�رشكني من يرده �إليهم، وحدثوا ر�سول اهلل بذلك، فما كان من ر�سول اهلل [‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ٍ‬ ‫وفاء للعهد �إال �أنْ رده �إليهم على كره من ال�صحابة.‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ويف طريق العودة، احتال �أبو ب�صري على حرا�سه، فقتل �أحدهما، بينما‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫متكن الثاين من الفرار �إىل املدينة، فتبعه �أبو ب�صري.. وهناك مل يجر�ؤ امل�رشك‬ ‫على ا�صطحاب �أبي ب�صري معه ثانيةً، بعد ما ر�أى ما ح�صل ب�صاحبه، وعندها‬ ‫�أوم�أ ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم ب�إميائة خفية التقطها �أبو ب�صري و�سارع �إىل‬ ‫ً‬ ‫تنفيذها، فقال عليه ال�سالم «ويح �أمه! ُي�سعر حربا لو كان معه رجال».. فانطلق‬ ‫َّ‬ ‫َّ ٍّ‬ ‫َ‬ ‫�أبو ب�صري �إىل �أر�ض حمايدة يجمع الرجال وكل فار بدينه من �أر�ض الكفر، حتى‬ ‫جتمع لديه جمموعات مقاتلة، واتخذت لنف�سها قاعدة ع�سكرية قريبة من �ساحل‬ ‫ّ‬ ‫البحر.‬
  • 31. ‫13‬ ‫ثم بد أ� بالإغارة على قوافل امل�رشكني و�سلبها، حتى ت�رضرت جميع قوافلهم،‬ ‫وفقدوا الأمان حتى على �أنف�سهم، فما كان من م�رشكي مكة �إال �أن بعثوا بوفدٍ‬ ‫�إىل ر�سول اهلل [ يف املدينة يطلبون منه �أن يتنازل عن ال�رشط الذي و�ضعوه هم،‬ ‫ً‬ ‫وهو ال�رشط الذي ذكرناه �آنفا. وبذاك حقّق �أبو ب�صري هدفه، وعاد جند الإ�سالم‬ ‫َ‬ ‫�إىل مع�سكرهم و�إىل مدينة ر�سول اهلل [ والن�رص ي�سري بركبهم(1).‬ ‫االغتياالت:‬ ‫ولقد ا�ستخدم ر�سول اهلل [ مبد أ� االغتياالت يف العديد من املرات التي ر�أى‬ ‫فيها �أنه احلل الأمثل، فيحقن بذلك دماء امل�سلمني ويفت من ع�ضد امل�رشكني‬ ‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ويفرق �شملهم ويدب الهلع يف قلوبهم، وقد حققت عمليات االغتيال يف‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫جمملها �أهدافَها بنجاح، ومن �أمثلة االغتياالت يف عهد النبوة؛ اغتيال (كعب‬ ‫بن الأ�رشف)، و (�سالم بن �أبي حقيق)، و (�أبو عقل)، و (�أبو رافع)، و (ابن‬ ‫�سنينة).. وجميعهم يهود. و (�سفيان بن خالد الهنديل) و (ع�صماء بنت‬ ‫مروان).. وغريهم.‬ ‫ونقف مع �أحد هذه الأمثلة، وهي عملية اغتيال ر�أ�س الكفر اليهودي: (�سالم‬ ‫بن �أبي حقيق).. فقد جمع عدو اهلل (ابن �أبي حقيق) اليهود من حوله، و�أخذ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يحر�ض على امل�سلمني، ومتادى يف التعري�ض بهم وب�أعرا�ضهم، ويف �إيذائهم‬ ‫ّ‬ ‫بكل و�سيلة ممكنة.. ولذا كان قرار قتله.‬ ‫1الرحيق املختوم، املباركفوري.‬
  • 32. ‫23‬ ‫اختار ر�سول اهلل [ �أمري املجموعة مبوا�صفات خا�صة جتعله قادراً على �إنفاذ‬ ‫املهمة بنجاح، فهو (عبد اهلل بن عتيك)، جماهد �صادق خمل�ص يف دينه، �شجاع‬ ‫ومقدام، ال ي�ساوره الرتدد يف �أ�صعب املواقف، ويتقن اللغة العربية ـ لغة اليهود،‬ ‫وبالتايل ميكنه التعامل معهم والفهم عليهم و�إفهامهم �إن لزم الأمر. ثم �إن �أمه‬ ‫بالر�ضاعة يهودية، مما يوفر له مربراً كافيا لدخول ح�صن اليهود، ويوفر له ملج�أ‬ ‫ً‬ ‫يف حال اقت�ضت احلاجة. وترك ر�سول اهلل [ لعبد اهلل �أن يختار جمموعته،‬ ‫وذلك كي يختارهم �ضمن موا�صفاته، فيطمئن �إليهم و�إىل قدراتهم، ويكونوا‬ ‫على توافق كامل ي�سهل عليهم �إجناح مهمتهم.‬ ‫انطلق عبد اهلل و�إخوانه الثالثة �صوب ح�صن خيرب، حيث يقيم (�سالم)،‬ ‫بعد �أن جمعوا ما توفر من معلومات عن عدوهم. وكان همهم الأول دخول‬ ‫احل�صن، و�إيجاد ملج�أ �آمن بداخله ي�سمح لهم بر�صد الهدف عن قرب والقيام‬ ‫بعمليتهم على ب�صرية كاملة، فكان ات�صال عبد اهلل ب�أمه التي �سمحت لهم بالإقامة‬ ‫ّ‬ ‫يف بيتها، وبالتايل ا�ستطاعوا دخول احل�صن ب�صحبتها، ومن ثم �إيجاد ملج�أ ق�ضوا‬ ‫َ‬ ‫فيه مدة اال�ستعداد والر�صد ثم االنطالق. وملا جتمعت لديهم املعلومات الالزمة‬ ‫والكافية لتنفيذ املهمة، واملتوفرة عرب الر�صد واملراقبة، و�ضع املجاهدون خطتهم،‬ ‫وانطلقوا للعمل متوكلني على اهلل، م�ستفيدين من قدرات �أمريهم، وحتديداً يف‬ ‫احلديث باللغة العربية، حيث كانت مفتاحهم للو�صول �إىل داخل ق�رص عدو اهلل‬ ‫(�سالم بن �أبي حقيق)، وهناك ا�ستطاعوا قتله واالن�سحاب ب�أمان، دون �أن يمُ�س‬ ‫َّ‬ ‫�أحدهم ب�سوء(1).‬ ‫ُ‬ ‫1 نور اليقني.‬
  • 33. ‫33‬ ‫ال�ســرايا والبعـــوث :‬ ‫ُ‬ ‫بعث ر�سول اهلل [ ع�رشات ال�رسايا والبعوث املجاهدة لتحقيق �أهداف‬ ‫َ‬ ‫ع�سكرية مدرو�سة، �سواء كانت دفاعية ل�صد خطر قادم، �أو هجومية لتحقيق‬ ‫�إجناز وتقدم.‬ ‫هذه ال�رسايا عملت على طريقة حرب الع�صابات يف معظمها؛ فقد اعتمدت‬ ‫ب�شكل �أ�سا�سي على مبد أ� املباغتة وال�سية. ولذا كان الأمر النبوي لقادتها ب�أن‬ ‫رِّ‬ ‫ً‬ ‫ي�سريوا ليال ويكمنوا نهاراً، و�أن ال يحدثوا عن وجهتهم. بل �إنه ا�ستخدم �أول‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ر�سالة مغلقة ال يعلم بنودها وفحواها حاملها، فقد �أر�سل (عبد اهلل بن جح�ش)‬ ‫َ‬ ‫على ر�أ�س �رسية، ومل يخربه عن وجهته، بل �أعطاه ر�سالة مغلقة، وطلب منه �أن‬ ‫ال يفتحها �إال بعد م�سري يومني، و�أن يقوم بقراءتها على جنده، ومن ثم يخيرّه‬ ‫يف اال�ستمرار �أو االن�سحاب، وبذلك تكون وجهة ال�سرّ ّية جمهولة حتى على‬ ‫ِ‬ ‫جندها.‬ ‫ناهيك عن �أن عدداً من امل�سلمني مل يكونوا يعلمون بو�صول قوات امل�سلمني‬ ‫ِ ُ‬ ‫�إال يف اللحظات الأخرية، فها هم ع�رشة �آالف مقاتل َي�صلون مكة لفتحها، وال‬ ‫يعلم �أهلها بذلك �إال وامل�سلمون على �أبوابها. ويكفي يف هذا املجال الإ�شارة �إىل‬ ‫�أن ر�سول اهلل [ مل يعلن عن وجهة �رسية �أو غزوة طوال حياته �إال غزوة تبوك،‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وذلك لبعد املكان وق�سوة الطريق وحمنة القحط واجلوع التي كانت؛ في�ستعد‬ ‫ُ‬ ‫امل�سلمون لها.‬ ‫***‬
  • 34. ‫43‬ ‫ثانياً: املدر�سة ال�صينيّة (املاويّـة):‬ ‫ِّ‬ ‫هي جاريال ريفية كبرية، رافقَها �أن�شطة متعددة الأ�شكال، موجهة خللق‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وعي �سيا�سي لدى �أفراد ال�شعب، قادها احلزب ال�شيوعي ال�صيني، وكان هدفها‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ال�سيطرة على احلكم.. فحاربت العدو اخلارجي، واال�ستبداد الداخلي.‬ ‫بد�أت الثورة ال�صينية باالحتجاجات ال�شعبية التي قادها احلزب ال�شيوعي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�صيني يف العقد الثاين من القرن الع�رشين، ثم بد�أت هذه االحتجاجات تتنظم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�شيئا ف�شيئا، �إذ �أن�ش�أ احلزب 02 نقابة عمالية من عمال املناجم وعمال �سكك‬ ‫ّ‬ ‫احلديد، ثم دخلت هذه النقابات يف �إ�رضاب قوي عام 2291م، قاده الزعيم‬ ‫ال�صيني (ماوت�سي تونغ)، الذي �أ�صبح الأب الروحي للثورة ال�صينية.‬ ‫�أطلق (ماو) �رشارة الثورة يف الأرياف، بعك�س تعاليم املارك�سية، فقد حترك‬ ‫من (هوتان) حني تر�أّ�س قاعدة �أول نواة ثورية، وحرك االحتادات الفلاّحية‬ ‫ّ َ‬ ‫لتحقيق هدفه، و�أطلق عليها ا�سم: (احلرب الأهلية الثورية الأوىل).‬ ‫بادر (ماو) يف �سنة (7291م) �إىل بناء جي�ش ثوري، بهدف حترير مناطق‬ ‫ي�صعب مهاجمتها، وذلك لإقامة قاعدة انطالق على �أر�ضها، معتمداً يف ذلك‬ ‫على عمال املناجم والفالحني، �إ�ضافة �إىل بع�ض اجلنود الثائرين الفارين من قيادة‬ ‫ّ‬ ‫( الكومنتانغ).‬ ‫بد�أ (ماو) بتنظيم (انتفا�ضة ح�صاد اخلريف) من خالل فرقته الأوىل، �إال �أنّ‬ ‫حماولته تلك مـ ِنـيـت بالف�شل، وتكبدت قواته خ�سائر فادحة، و�أُلقي القب�ض‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫عليه، غري �أنه متكن من الفرار.‬ ‫جل� (ماو) �إىل اجلبال، حيث �أن�ش� قواعد �سوثياتية، ومناطق حكم تدير كل‬ ‫أ‬ ‫أ‬
  • 35. ‫53‬ ‫الأمور احلياتية والع�سكرية، ثم عمد �إىل �إن�شاء (قواعد حمراء) �أخرى، فات�سعت‬ ‫رقعة �سيطرته.. مما �أثار ردة فعل عنيفة لدى (ت�شيانغ كاي ت�سك) الذي حاولت‬ ‫ّ ٍ‬ ‫قواته تطويق قوات (ماو ) وجي�شه، �إال �أن (ماو) بادر باالن�سحاب بقواته �إىل‬ ‫ال�شمال الغربي، وذلك ما بات يعرف با�سم (امل�سرية الكربى) التي ا�ستغرقت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عاما كامال، عرب فيها 01 �آالف كيلو مرت، وكانت قواته قد بد�أت بـ (001)‬ ‫ّ‬ ‫�ألف ثائر، وانتهت بـ (02) �ألف ثائر فقط، حتى و�صل �إقليم (�شان �سي ).‬ ‫ً‬ ‫ويف العام (7391م) كانت اليابان قد �شنت هجوما على ال�صني، فتحالف‬ ‫(ماو) مع (ت�شيانغ كاي) يف �صد العدوان الياباين، وا�ستمر احلال على ذلك حتى‬ ‫ِّ‬ ‫العام 5491م، حتى و�ضعت احلرب �أوزارها با�ست�سالم اليابان. وعندئذ جتدد‬ ‫َّ‬ ‫القتال بني الطرفني؛ ال�شيوعي بقيادة (ماو)، واليميني بقيادة (ت�شيانغ )، وا�ستمر‬ ‫القتال دائراً بني الطرفني حتى العام 9491م، حيث ا�ستطاع ال�شيوعيون‬ ‫االنت�صار، والتج� (ت�شيانغ ) �إىل جزيرة تايوان و�أقام حكومة ال�صني الوطنية.‬ ‫أ‬ ‫هذا وقد اع ُتـبِـر (ماوت�سي تونغ)، مفكر الثورة ال�صينية، ووا�ضع �أُ�س�سها،‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حتى �سميت منظومة �أفكار الثورة ال�صينية بـ (املاوية) ن�سبة له، ومن الكتب التي‬ ‫ً‬ ‫ُ ِّ‬ ‫و�ضعها يف هذا املجال: «امل�شكالت اال�سرتاتيجية للحروب الثورية يف ال�صني»‬ ‫و «يف احلرب طويلة الأمد»، و «امل�شكالت اال�سرتاتيجية حلرب الأن�صار �ضد‬ ‫اليابان». �إ�ضافة �إىل عدد �آخر من امل�ؤ َّلفات التي �أ�صبحت مدر�سة �أ�سا�سية من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدار�س حرب الع�صابات احلديثة(1).‬ ‫1 املو�سوعة ال�سيا�سية، د. عبد الوهاب الكيايل.‬
  • 36. ‫63‬ ‫من ر�ؤى (ماو) يف حرب الع�صابات:‬ ‫- يرى ماو �أن حرب الع�صابات تت�ألف من ثالث مراحل:‬ ‫1- االن�سحاب اال�سرتاتيجي: يكون العدو فيه هو الأقوى، والثورة ت�شاغله‬ ‫وت�رضبه رغم �ضعفها.‬ ‫2- الت�ساوي اال�سرتاتيجي: ي�ضعف العدو و ُي�ستنزف، وتقوى الثورة وتبد�أ‬ ‫بالتحول �إىل قوات نظامية.‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫3- ال�رضبة اال�سرتاجتية: تتغري الثورة لت�صبح جي�شا نظاميا وتُنزل بالعدو �رضبة‬ ‫قوية لتحقِّق الن�رص.‬ ‫ولهذه املراحل �أثران:‬ ‫�أ- ع�سكريا ومنهجيا: العمليات التكتيكية ت�أخذ بعداً ا�سرتاتيجيا، واملراحل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تعطي اجلاريال القدرة على زيادة خلق املبادرة والزيادة التدريجية يف‬ ‫حجم العمليات.‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ب- نف�سيا و�أيدولوجيا: اجلاريال تبث روح الأمل يف نفو�س ال�شعب‬ ‫واملقاتلني، فترُِيهم ال�ضوء يف نهاية النفق، فيفهمون �أن الأمل واملعاناة‬ ‫والت�ضحية �سيكون لها ثمار ونتائج(1).‬ ‫ويرى (ماو) �أن حرب الع�صابات تتنا�سب مع الدول الوا�سعة كال�صني، التي‬ ‫حررت مقاطعة (ينالدا) ف�أ�صبحت مركزاً لها.‬ ‫1احلرب واال�سرتاتيجية، يهو�شيفت هركيف.‬
  • 37. ‫73‬ ‫كما يرى �رضورة االعتماد على الذات من الناحية اللوج�ستية، بحيث يكون‬ ‫�سالح الثورة غنيمة من عدوها، حيث يقول: «مع�سكر دعمنا يف وا�شنطن،‬ ‫ً‬ ‫و�ضابط التوريد الذي ينقله لنا هو ت�شانغ كاي �شك».‬ ‫و�أخرياً، ف�إن من املبادئ التي �أكد عليها (ماو) كذلك، هو �أنه ال جناح للثورة‬ ‫�إال باالعتماد على الفالحني.‬ ‫***‬ ‫ثالثاً: املدر�سة الكوبيّـة:‬ ‫ميكننا اعتبار الثورة الكوبية (جاريال) ريفية �صغرية، ارتبطت ب�شخ�ص‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫قائدها (فيدل كا�سرتو)، والذي ال زال على ر�أ�سها. فقد قام هذا املحامي ال�شاب‬ ‫ِ‬ ‫بجمع (021) ثائراً من الناقمني على حكم (بات�ستا)، وهاجموا ثكنة (فونكادا)‬ ‫ّ‬ ‫الع�سكرية، يف (62/7/3591م)، �إال �أن هذا الهجوم عد انتحاراً من ِق َبله..‬ ‫ُ َّ‬ ‫ً‬ ‫حيث كان عدد جنود الثكنة �ضخما، يزيد على (0001) جندي، فباء الهجوم‬ ‫ٍ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫بالف�شل الذريع، وق ِتل معظم املنا�ضلني، ومت �أ�سرْ جمموعة منهم، على ر�أ�سهم‬ ‫كا�سرتو نف�سه، وحكم عليه بال�سجن (51) عاما، �إال �أنه �أُفرج عنه بعد عامني.‬ ‫ً‬ ‫وفور خروج كا�سرتو من ال�سجن، توجه �إىل املك�سيك، وهناك جمع بع�ض‬ ‫�أن�صاره، و�أ�س�س معهم حركة (62 متوز)، ثم �أعد عدته، ودرب �أتباعه، وعاد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ً‬ ‫بهم على ظهر �سفينة (غرانا)، ي�صحبه (18) منا�ضال، �أبرزهم املنا�ضل املعروف‬ ‫ُ‬ ‫(ت�شي جيفارا).‬ ‫َ‬ ‫وقد �أطلق ال ُّثوار ال�رشارة الأوىل لثورتهم من جبال (�سريا ماي�سرتا)، حتت �شعار‬
  • 38. ‫83‬ ‫(�سنعي�ش هذه ال�سنة �أحراراً �أو منوت �شهداء). ويف نهاية العام كان الفالحون قد‬ ‫ا�ستجابوا للثورة، ثم ا�ستجابت جبهات �أخرى يف جبال (دوليكامرياي) ويف‬ ‫ُ‬ ‫�شمال (�سانتياغو)... وهكذا ا�شتعلت البالد، وهبت الثورة يف كامل القطاعات‬ ‫ّ‬ ‫واملناطق.‬ ‫بد�أت الثورة يف �أيامها القا�سية بالزحف �إىل اجلبال �صوب املدن، و�رشعت‬ ‫يف دخول املدن وفتحها دومنا عناد كبري، بدءاً من مدينة (�سانتاكالرا) التي فتحها‬ ‫(ت�شي جيفارا)، وانتهاء بالعا�صمة (هافانا) التي فُتحت على يد( فيدل كا�سرتو)‬ ‫ً‬ ‫يف مطلع عام (9591م).‬ ‫ُيذكر �أن ت�شي جيفارا حاول نقل التجربة �إىل (بوليفيا)، فانتقل �إليها ب�صحبة‬ ‫جمموعة من الثوار، �إال �أنه ف�شل يف ذلك لعدم قدرته على جمع ال�سكان حوله،‬ ‫فانتهت ثورته بعد (11) �شهراً مبقتله يف �أكتوبر عام 7691(1).‬ ‫من �سمات الثورة الكوبية:‬ ‫- اعتمدت على ال�شخ�صانية �أكرث من العقالنية، فقد طرح كا�سرتو ورفاقه الثورة‬ ‫ّ‬ ‫والعمل امل�سلح دون �أن يطرحوا �أو يناق�شوا م�س�ألة طبيعة ال�سلطة القادمة‬ ‫والأيدولوجية التي تتب ّناها، بل �إنها مل تتنب املارك�سية �إال بعد عامني من‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫انطالقها.‬ ‫- اعتمدت الثورة على اجلبال والأرياف مقراً لها، واعتربتها الرتبة اخل�صبة‬ ‫واملكان الأمثل لها، ولي�س املدينة والتجمعات ال�سكنية ال�ضخمة، وهناك‬ ‫1 املو�سوعة ال�سيا�سية، د. عبد الوهاب الكيايل.‬
  • 39. ‫93‬ ‫كونت القواعد املتحركة التي تعمل على ن�رش الأفكار وتوجيه املقاتلني الذين‬ ‫ّ‬ ‫ينت�رشون بني ال�سكان.‬ ‫- اعتمدت الثورة على تنفيذ عمليات ت�شكل الدعاية امل�سلحة التي تُعر�ض‬ ‫ً‬ ‫�أمام العامة ك�أداة تَ�سيِي�س تخلق �أجواء وظروفا �سيا�سية و�إعالمية، وحت�شد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الأن�صار والثوار، فكان الفالحون الب�سطاء �أكرث ت�أثراً بالبطوالت والأعمال‬ ‫ُ‬ ‫من الأفكار والأقوال.‬ ‫- مل تعتمد على وجود مراحل حمددة ووا�ضحة النت�صارها.‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫- يعترب البع�ض �أنها ال تقيم وزنا حقيقيا مل�شقّات الثورة، فهي �رضب من املغامرة‬ ‫ٌ‬ ‫غري املح�سوبة، والتي تقود �أ�صحابها �إىل النهاية امل�أ�ساوية، كما حدث مع‬ ‫جتربة 62 متوز.‬ ‫- نادى (كا�سرتو) ب�إمكانية بدء الثورة يف كل زمان ومكان مبجرد وجود ثور ّيني‬ ‫م�ستعدين للقتال، �سماهم هو با�سم (ب�ؤرة الثورة)، ودون احلاجة النتظار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظروف ثور ّية مواتية.‬ ‫رابعاً: الثورة الفيتنامية (املدر�سة الفيتنامية):‬ ‫بد�أت الثورة الفيتنامية كثورة �شعبية يف العام (6591م)، وبد�أت الثورة‬ ‫تت�صاعد حتى بلغت ذروتها يف العام (0691م) بت�أ�سي�س (جبهة التحرير الوطنية‬ ‫ـ فيت كنغ) وزعيمها (هو�شي من).‬ ‫يف العام (3691م) عملت �أمريكا على �إ�سقاط نظام (نغودين يام)،‬ ‫وو�ضعت قوتها يف امليزان، ثم تبع ذلك �سل�سلة انقالبات ع�سكرية زعزعت‬
  • 40. ‫04‬ ‫ً‬ ‫كيان الدولة، فوجدت �أمريكا نف�سها م�ضطرة لدخول حرب حقيقية، تدفع فيها‬ ‫َ‬ ‫قواتها وترمي بثقلها، نظراً للدعم الكبري الذي قدمته جمهورية فيتنام الدميقراطية‬ ‫ال�شمالية لثوار (�ألفيت كنغ).‬ ‫وامتد م�رسح العمليات لي�شمل كامل (الهند ال�صينية)، وكانت الأ�سلحة‬ ‫وامل�ؤن والعتاد واجلنود وخمتلف �أ�شكال الدعم اللوجي�ستي تدخل فيتنام عرب‬ ‫طريق (الالوح�س). كما كانت تتواجد يف كمبوديا مبوافقة �أمريها يف خميمات‬ ‫ومع�سكرات وم�ست�شفيات ومدار�س ثورية تابعة لـ (�ألفيت كنغ)، ويف العام‬ ‫(8691م) قامت اجلبهة بهجمات �شاملة، �سميت (هجوم التيت)، �أذهلت‬ ‫ُ ّ‬ ‫العامل ب�أ�رسه.. وعـد هذا العام عام املنعطف التاريخي يف حرب فيتنام، حيث‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وافقت �أمريكا التي متلك قوة ت�صل �إىل ن�صف مليون جندي بعدتهم وعتادهم‬ ‫على �إجراء مفاو�ضات �سالم يف باري�س، �إال �أن احلرب َبقيت م�شتعلة طوال مدة‬ ‫ً‬ ‫َ ِ‬ ‫ً‬ ‫املفاو�ضات التي ا�ستمرت طويال حتت وط�أة الهجمات التي مل تهد�أ.‬ ‫ويف العام 0791م �أعلن الرئي�س الأمريكي (نك�سون) عن ان�سحاب �شكلي‬ ‫من �إدارة احلرب يف فيتنام، مع �سحب جزء من القوات الع�سكرية املتواجدة‬ ‫هناك، �إال �أنّ ذلك مل ُيوقف اال�ستعمار، وبقيت احلرب يف ا�شتعالها. حتى كان‬ ‫العام 2791م، حيث حدث هجوم الربيع الكبري، والذي �ساهم يف ترجيح‬ ‫الكفة ل�صالح (�ألفيت كنغ).. ويف مطلع عام 3791م، وبعد مفاو�ضات �شاقة،‬ ‫وقِّعت معاهدة باري�س بني �أطرافها: الواليات املتحدة الأمريكية، وجمهورية‬ ‫ُ‬ ‫فيتنام الدميقراطية، وجمهورية فيتنام (�سايفون)، واحلكومة الثورية امل�ؤقتة‬ ‫جلمهورية فيتنام اجلنوبية.‬ ‫ولكن ب�سبب ال�صعوبات وتباط�ؤ �أمريكا يف �سحب م�ست�شاريها، قامت‬
  • 41. ‫14‬ ‫احلكومة الثورية امل�ؤقتة بهجوم ع�سكري كبري ووا�سع النطاق على طول احلدود‬ ‫الكمبودية الفيتنامية يف نهاية عام 4791م، ومل ي�أت �شهر ني�سان من العام‬ ‫(5791م) حتى وقعت املدن الرئي�سية يف فيتنام بيد الثوار، وكان احلدث الأهم‬ ‫�سقوط العا�صمة �سايغون بيد الثوار، فغيرّوا ا�سمها �إىل (هو�شي من)(1).‬ ‫***‬ ‫خام�ساً: حرب التحرير اجلزائرية (ثورة املليون �شهيد):‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كانت ثورة عظيمة يف وجه اال�ستعمار الفرن�سي اال�ستيطاين، قام بها ال�شعب‬ ‫اجلزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني، وا�ستطاعت انتزاع ا�ستقالل اجلزائر بعد‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ا�ستعمار دام (031) عاما.‬ ‫انطلقت �رشارة الثورة يف 03/11/4591م، والذي ي�صادف عيد القوميني‬ ‫ِّ‬ ‫القدي�سني عند الأوروبيني، حيث بد�أت مبجموعات م�سلحة �صغرية، متلك بع�ض‬ ‫ِّ‬ ‫الأ�سلحة البدائية، ثم �أعلنت عرب بيانٍ لل�شعب اجلزائري عن هدفها، ودعت �أبناء‬ ‫ال�شعب لالن�ضمام �إليها.‬ ‫وقد دخلت الثورة اجلزائرية �أربع مراحل حتى و�صلت �إىل التحرير:‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫املرحلة الأوىل: وكانت عرب البداية التي قدمنا لها، تخللها عقد امل�ؤمتر‬ ‫ّ‬ ‫ُ َ‬ ‫الأول جلبهة التحرير الوطني يف منت�صف عام 6591م، الذي عرف با�سم‬ ‫(م�ؤمتر ال�صومام)، والذي عقد يف �إحدى وديان اجلزائر النائية، و�أ�سفر عن‬ ‫ُِ َ‬ ‫�إقرار امليثاق التاريخي للجبهة، و�إن�شاء املجل�س الوطني للثورة اجلزائرية، وجلنة‬ ‫1 املو�سوعة ال�سيا�سية، د. عبد الوهاب الكيايل.‬
  • 42. ‫24‬ ‫التن�سيق والتنفيذ املكونة من خم�سة �أع�ضاء ميار�سون ال�سلطة التنفيذية للثورة.‬ ‫وفيه مت تق�سيم اجلزائر �إىل خم�س مناطق ع�سكرية، تولىّ كل منطقة منها عقيد‬ ‫َّ‬ ‫يف اجلبهة، وقرر امل�ؤمتر ت�صعيد الكفاح امل�سلح. وقد �أ�صبح (02 �آب) بعد‬ ‫اال�ستقالل: (اليوم الوطني للمجاهد).‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫املرحلة الثانية (6591 ـ 8591م): �شهدت هذه املرحلة ارتفاعا يف حدة‬ ‫ً ِ ّ‬ ‫الهجوم الفرن�سي امل�ضاد للثورة يف حماولة للق�ضاء عليها، �إال �أن الثورة ازدادت‬ ‫ً‬ ‫ا�شتعاال خالل هذه املدة، وبد�أت معركة اجلزائر العا�صمة، وا�ستمرت قرابة عام،‬ ‫�أعلنت خاللها اجلبهة الإ�رضاب العام يف كافة �أنحاء اجلزائر ثمانية �أيام، كما ح�صل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫خالل هذه الفرتة �أطول �إ�رضاب طالبي دعا �إليه االحتاد العام للطلبة امل�سلمني‬ ‫ُ‬ ‫اجلزائريِّني، وا�ستمر حتى اال�ستقالل. كما بنت احلكومة الفرن�سية خاللها خط‬ ‫(مور�س) املكهرب بني اجلزائر وتون�س، وخط (�شال) بني اجلزائر واملغرب.‬ ‫املرحلة الثالثة (8591 ـ 0691م): وهي من �أ�صعب املراحل التي مرت‬ ‫َ‬ ‫بها الثورة، �إذ نفَّذ اجلي�ش الفرن�سي عمليات ع�سكرية هجومية �رش�سة، مثل‬ ‫(كودرن)، (�إيتان�سيل)، (الأحجار الكرمية)، كما �أُقيمت العديد من مع�سكرات‬ ‫االعتقال يف اجلزائر.‬ ‫ويف املقابل، اعتمد جي�ش التحرير فتح جبهات متعددة، وحاول قطع‬ ‫َ‬ ‫خطوط �إمداد اجلي�ش الفرن�سي، وقد �أعلن الثوار يف هذه املرحلة عن حكومة‬ ‫م�ؤقتة برئا�سة (فرحات عبا�س).‬ ‫كما �أعلن (ديغول) خالل ذلك عن اعرتاف فرن�سا بحق اجلزائر يف تقرير‬ ‫م�صريها، وكان التفاو�ض وقتها يتم بني احلكومة الفرن�سية واحلكومة اجلزائرية‬ ‫ُّ‬ ‫امل�ؤقتة.‬
  • 43. ‫34‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫املرحلة الرابعة (0691 ـ 2691م): وهي التي �شكلت املرحلة احلا�سمة‬ ‫يف حرب التحرير وتقرير امل�صري، حيث حاولت فرن�سا خاللها ح�سم الأمور‬ ‫ً َ‬ ‫باحلل الع�سكري، �إال �أنها ف�شلت مرة تلو مرة، �إىل �أن و�صلت �إىل قناعة تامة‬ ‫ب�أن التفاو�ض هو احلل الوحيد والكفيل ب�إنهاء ال�رصاع، ما �أجربها على الدخول‬ ‫ً‬ ‫يف مرحلة تفاو�ضية �ساخنة مع احلكومة امل�ؤقتة، طرحت خاللها حلوال م�ؤقتة‬ ‫ً‬ ‫وجزئية؛ حاولت من خاللها اقتطاع �أجزاء من اجلزائر، �أو �أن ت�أخذ حقوقا‬ ‫وامتيازات ما، �إال �أن اجلبهة رف�ضت ذلك ب�شكل قاطع.‬ ‫ّ‬ ‫ويف تلك الأثناء، ت�شكلت �أول هيئة �أركان للجي�ش اجلزائري الذي بد�أ ي�أخذ‬ ‫ال�شكل النظامي، و�أ�صبح العقيد (هواري بومدين) �أول رئي�س �أركان للجي�ش.‬ ‫ً‬ ‫وفعال، توقّف القتال يف 91/3/2691م. وكان الأول من متوز يوم ا�ستفتاء‬ ‫َ‬ ‫�شعبي، ف�صوت ال�شعب اجلزائري ل�صالح اال�ستقالل، وكان ان�سحاب اجلي�ش‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ‬ ‫الفرن�سي يف 5/11/2691م، وهو ذات التاريخ الذي دخلت فيه فرن�سا اجلزائر‬ ‫ً‬ ‫قبل (031) عاما.‬ ‫نعم! لقد خرج اجلي�ش الفرن�سي بعد �أنْ قدم ال�شعب اجلزائري قرابة 5.1‬ ‫َّ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫مليون �شهيد، وبعد �أن نظم ثورات عديدة �سبقت ثورة اال�ستقالل، وتعر�ض‬ ‫ّ‬ ‫ملجازر ب�شعة دموية، �أكرثها ب�شاعة وفظاعة كانت يف (8/5/5491م) �أثناء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫م�سرية �شعبية راف�ضة لال�ستعمار، قُتل فيها على يد اجلي�ش الفرن�سي �أكرث من 54‬ ‫�ألف �شهيد يف يوم واحد، �إ�ضافة �إىل مئة جندي فرن�سي(1).‬ ‫***‬ ‫1 املو�سوعة ال�سيا�سية، د. عبد الوهاب الكيايل.‬
  • 44. ‫44‬ ‫�ساد�ساً: التجربة الفل�سطينية:‬ ‫عقب انتهاء احلرب العاملية الأوىل وانت�صار احللفاء على دول املحور، مت‬ ‫َّ‬ ‫تق�سيم البالد العربية ح�سب اتفاق (�سايك�س بيكو)، فكانت فل�سطني من ن�صيب‬ ‫بريطانيا، ودخلت حالة ا�ستعمار حتت م�سمى االنتداب.‬ ‫�أح�س ال�شعب الفل�سطيني �أن املهاجرين اليهود بد�ؤوا م�رشوع ا�ستيالء على‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫الأر�ض، خ�صو�صا بعد �صدور (وعد بلفور) امل�ش�ؤوم، الذي قدمت فيه بريطانيا‬ ‫ّ‬ ‫تعهداً ب�إقامة (وطن قومي) لليهود يف فل�سطني، فبد أ� ال�شعب عمليات احتجاج‬ ‫ورف�ض للهجرة والوجود اليهودي يف فل�سطني، ومت تقدمي �شكوى للباب العايل‬ ‫َّ‬ ‫ثم �إىل املندوب ال�سامي، �إال �أن ذلك مل ي�ضع حداً للهجرة اليهودية �أو املمار�سات‬ ‫اال�ستعمارية املتمثلة باغت�صاب الأر�ض وبناء امل�ستوطنات والإف�ساد والتحر�ش‬ ‫بال�سكان.. لتبد�أ بعدها الهبات ال�شعبية العفوية، كثورة (النبي مو�سى)، و(ثورة‬ ‫ّ‬ ‫يافا) و(ثورة الرباق)، والتي جاءت بغالبها كردات فعل غري من�سقة على‬ ‫ّ‬ ‫املمار�سات الربيطانية واليهودية.‬ ‫ّ‬ ‫وقد تخلل ذلك ت�شكيل جمعيات �إ�سالمية وم�سيحية وطنية تهدف‬ ‫�إىل اال�ستقالل، وطرد اال�ستعمار الربيطاين، ومواجهة الزحف اليهودي‬ ‫(الكولونيايل).. وعقد خالل ذلك �سبعة م�ؤمترات وطنية و�إ�سالمية، دعت‬ ‫ُ‬ ‫ال�شعب �إىل عدم بيع �أي قطعة �أر�ض لليهود، ورف�ض (وعد بلفور)، كما دعت‬ ‫َ‬ ‫ال�شعب �إىل مواجهة االحتالل بكل ال�سبل، وت�شكلت �أحزاب فل�سطينية كحزب‬ ‫(اال�ستقالل)، و(الدفاع الوطني)، و(م�ؤمتر ال�شباب)، و(حزب الإ�صالح)،‬ ‫و(احلزب ال�شيوعي الفل�سطيني)، و(الإخوان امل�سلمون)، وغريهم...‬