SlideShare a Scribd company logo
1 of 20
2013
‫الدستور التونسي الجديد‬
‫خطة البحث:‬
‫ح‬
‫الدستور التونسي الجديد: صراع المرجعيّات والمصال 	‬

‫3‬

‫»‬

‫»مقدمة:	‬

‫3‬

‫»‬

‫»نقاشات لجان صياغة الدستور التونسي:	‬

‫4‬

‫حقوق اإلنسان في مشروع الدستور التونسي الجديد	‬

‫7‬

‫»‬

‫»مقدمة:	‬

‫7‬

‫»‬

‫»مرجعية حقوق اإلنسان في مشروع الدستور التونسي:	‬

‫8‬

‫»‬

‫»الحقوق المنصوص عليها في مشروع الدستور التونسي:	‬

‫9‬

‫»‬

‫»تنظيم الحقوق الدستورية:	‬

‫01‬

‫)‬
‫الدين بين دستور 1/6/9591 ومشروع الدستور التونسي 3102( 	‬

‫21‬

‫»‬
‫»‬

‫»المحافظة على الفصل األوّ ل من دستور 9591 "الفصل المقدس":	‬
‫ّ‬

‫41‬

‫»‬

‫2‬

‫»مقدمة:	‬

‫21‬

‫»المحافظة على شرط الدين اإلسالمي لرئيس الدولة:	‬

‫71‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫الدستور التونسي الجديد: صراع المرجعيّات والمصالح‬
‫نادر الحمامي / باحث في الفكر االسالمي - تونس‬
‫ّ‬

‫مقدمة:‬
‫رغــم تعــدد شــواغل التونســيين إثــر التحــول‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫السياســي العميــق الــذي شــهدته تونــس منــذ ســنتين‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ونصــف، وكذلــك رغــم تــوزع تلــك المشــاغل علــى‬
‫مجــاالت عديــدة منهــا مــا هــو سياســي، ومنهــا مــا هــو‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اجتماعــي واقتصــادي، فــإن قضيــة الدســتور التونســي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫المرتقــب تبقــى أولويــة كبــرى فــي هــذه المرحلــة، كمــا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أنهــا تبقــى القضيــة األكثــر راهنيــة، وفرضــً لنفســها‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫فــي وســائل اإلعــام المختلفــة، وفــي نقاشــات النخــب‬
‫ّ‬
‫عمومــً، ال فــي هــذه الفتــرة فحســب، وإنمــا منــذ أن وقــع‬
‫االختيــار الحاســم بتنظيــم انتخابــات عامــة أفــرزت مجلســً وطنيــً تأسيس ـيًا مهمتــه األولــى، نظريــً علــى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫األقــل، وضــع دســتور جديــد للبــاد يخلــف دســتور ســنة 9591.‬
‫ّ‬
‫وبقطــع النظــر عــن الخــوض اآلن فــي جــدال قــد ال يجــدي نفعــً حــول مــدى صــواب هــذا التوجــه الــذي‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫نــادت بــه فئــات مــن الشــعب التونســي فــي األشــهر الثالثــة األولــى التاليــة لـــ 41/1/1102، عــوض اإلبقــاء علــى‬
‫دســتور 9591، وإصــاح مــا علــق بــه مــن إخــاالت ناتجــة عــن تنقيحــات متكــررة، كرســت االســتبداد، وقضــت‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫علــى إمكانيــات التــداول الســلمي والديمقراطــي علــى الســلطة، فــإن التعامــل ينبغــي أن يكــون مــع‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مــا هــو موجــود علــى أرض الواقــع، وربمــا لــن نتمكــن مــن التقييــم الدقيــق للتجربــة إال بعــد المصادقــة‬
‫ّ‬
‫النهائيــة علــى الدســتور فــي قــراءة ثانيــة فــي المجلــس الوطنــي التأسيســي، أو المــرور إلــى االســتفتاء‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الشــعبي العــام، إن لــم يحــظ النــص المقتــرح بنســبة الثلثيــن فــي الجلســة العامــة، بــل ربمــا لــن نتمكــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫مــن التقييــم إال بعــد دخــول الدســتور حيــز التطبيــق أص ـا.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إن مــا نــروم تأكيــده هنــا، أن المســألة الدســتورية، وإن كانــت مســألة تنتمــي إلــى المجاليــن القانونــي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫والسياســي، فــإن جوهرهــا بالنســبة إلينــا يبقــى حقوقيــً ثقافيــً، ومــن هــذه الزاويــة تحديــدًا نحــاول صياغة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫جملــة مــن المالحظــات التمهيديــة قبــل إيــراد مقاليــن لباحثيــن مختصيــن فــي القانــون، ولكــن مشــغولين‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أيضــً بقضايــا الحقــوق والحريــات التــي يطمــح التونسـيون أن يكــون دســتورهم الجديــد ضامنــً لهــا.‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫3‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫نقاشات لجان صياغة الدستور التونسي:‬

‫ّ‬
‫ّ‬
‫إن المتابــع ألعمــال لجــان صياغــة الدســتور التونســي صلــب المجلــس الوطنــي التأسيســي، ســيالحظ حتمــاً أن المســائل‬
‫ّ‬
‫الخالف ّــة بيــن الكتــل والمســتقلّين، تتركــز حــول محوريــن كبيريــن باألســاس، دارت حولهمــا نقاشــات طويلــة:‬
‫ي‬
‫»‬

‫ّ‬
‫»المحــور األوّ ل: سياســي بامتيــاز ويتعلــق بنظــام الحكــم؛ أي اختيــار نظــام برلمانــي دعــت إليــه أطيــاف مــن اليســار‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التونســي قبــل التخلــي عنــه، وتشــبّثت بــه حركــة النهضــة بالخصــوص إلــى وقــت غيــر بعيــد؛ االختيــار الثانــي،‬
‫ّ‬
‫يتمثــل فــي اإلبقــاء علــى نظــام رئاســي؛ واالختيــار الثالــث كان فيــه ســعي إلــى الجمــع بيــن النظاميــن، واالســتقرار‬
‫ّ‬
‫علــى نظــام سياســي مختلــط أو مــزدوج أطلــق عليــه البعــض اســم نظــام رئاســي معــدل، والبعــض اآلخــر اســم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫نظــام برلمانــي معــدل، ويبــدو، نظريــً علــى األقــل، أن هــذا النظــام المختلــط هــو مــا ســيقع عليــه االختيــار. ولكــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تجــدر اإلشــارة هنــا إلــى أن التوافــق "الشــكلي" لــم يمنــع فــي الحقيقــة مــن بــروز خالفــات تمــس جوهــر النظــام‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫المتوافــق عليــه ظاهريــً، وخاصــة فيمــا يتعلــق بمســألة توزيــع الصالحيــات بيــن رأســي الســلطة التنفيذيــة؛ أي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫رئيــس الجمهوريــة، ورئيــس الحكومــة، ولعــل توســيع صالحيــات رئيــس الحكومــة يجعــل مــن النظــام القــادم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫نظامــً "برلمانيــً مقنعــً".‬
‫ّ‬

‫»‬

‫ّ‬
‫»أمــا المحــور الثانــي: الــذي دارت حولــه النقاشــات،‬
‫ّ‬
‫وهــو األهــم بالنســبة إلينــا فــي هــذا المقــام،‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫فيتعلــق أساســً بالفصــول المتعلقــة بجانــب‬
‫ّ‬
‫الحقــوق والحريّــات التــي ســينص عليهــا الدســتور‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التونســي. وتتعلــق الخالفــات، فيمــا نحســب، ودون‬
‫إطنــاب كثيــر فــي التحليــل، بمــا يمكــن أن نعتبــره‬
‫مرجعيــات فكريــة وثقافيــة لألحــزاب والشــخصيّات‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫المشــكلة للمجلــس الوطنــي التأسيســي، وكذلــك‬
‫لمرجعيــات مكوّ نــات المجتمــع المدنــي التونســي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التــي تقدمــت بمقترحــات عديــدة فــي هــذا الصــدد، ومارســت أيضــا ضغوطــً مــن منطلــق تصوّ رهــا للحقــوق‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫والحريــات التــي تــرى ضــرورة التنصيــص عليهــا دســتوريًّا، ولكــن أيضــً عــدم تقييدهــا أو إفراغهــا مــن محتواهــا أو‬
‫ّ‬
‫النــص علــى مــا يخالفهــا.‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫وحتــى ال نحيــد كثيــرًا عــن اإلطــار المرســوم لهــذا التقديــم الســريع، يمكننــا تلخيــص المواقــف مــن مســألة‬
‫ّ‬
‫الحقــوق والحريــات وفــق المرجعيــات الفكريــة والثقافيــة إلــى ثالثــة أقســام بــارزة علــى األقل:‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫1.1هنــاك مــن يــرى فــي المرجعيــة الدينيــة خصوصــً مرجعيــة وحيــدة ينبغــي النظــر مــن خاللهــا إلــى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫صياغــة الدســتور برمتــه، ومــن ضمنــه الحقــوق والحريــات.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫2.2ويوجــد فريــق ثــان، يقــول إنــه يســعى إلــى المــزج بيــن المرجعيــة الدينيــة ومنظومــة القيــم الكونيــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الحديثــة المتعــارف عليهــا.‬

‫4‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫3.3أمــا الفريــق الثالــث، فيــرى فــي الحريــات بمختلــف أشــكالها ومظاهرهــا منظومــة كونيــة إنســانية ال‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫هويــة لهــا، وعلــى هــذه الصــورة ينبغــي التنصيــص عليهــا وتبنيهــا.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يمكننــا التأكيــد أن القســم األول، وإن كان موجــودا، فــإن فاعليتــه، رغــم كثــرة الحديــث عنــه إعالميــً،‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تبقــى فاعليــة محــدودة لينحصــر الصــراع الفعلــي بيــن الفريقيــن الثانــي والثالــث؛ الفريــق الثانــي تمثلــه‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫أساســً كتلــة حركــة النهضــة وبعــض األحــزاب األخــرى، وكذلــك بعــض "المســتقلين"؛ والفريــق الثالــث‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تمثلــه أساســً الكتلــة الديمقراطيــة، والبعــض اآلخــر مــن "المســتقلين".‬
‫ّ‬

‫لقــد تجســد الصــراع حــول المرجعيــات الفكريــة والثقافيــة فــي أشــكال مختلفــة، تبــدأ بطريقــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫صياغــة فصــل مــا؛ حيــث تتــم محاصــرة مــا تــم النــص عليــه عبــر عبــارات أو تلميحــات مــن قبيــل "مــا لــم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يخالــف القانــون"، أو "بمــا يضبطــه القانــون"، أو "بمــا ال يخالــف تعاليــم اإلســام"، أو "بمــا ال يتعــارض مــع‬
‫الهويــة العربيــة اإلســامية للشــعب التونســي".‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وتجســد الصــراع أيضــً بمعارضــة إدراج مرجعيــة معينــة فــي الدســتور والمثــال البــارز علــى ذلــك‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫معارضــة تضميــن اإلعــان العالمــي لحقــوق اإلنســان، باعتبــاره مرجعيــة للحقــوق والحريــات، بحجــة تضمــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫اإلعــان لمــا يخالــف "هويــة" التونسـيين. هــذا فضـا علــى النقاشــات الطويلــة حــول اعتبــار الشــريعة مصدرًا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫للتشــريع قبــل التخلــي عــن ذلــك، إضافة إلــى الجدل حــول عبــارة "ثوابت اإلســام" التــي اعتبرت لــدى العديد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مــن األطــراف والخبــراء والمنظمــات عبــارة فضفاضــة وعامــة؛ ألن مــا هــو ثابــت عنــد البعــض قــد ال يكــون‬
‫ّ‬
‫كذلــك عنــد البعــض اآلخــر. هــذا دون أن ننســى مــا يــدور إلــى اليــوم مــن نقاشــات حــول الفصــل األول مــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الدســتور التونســي، والــذي أبقــي عليــه بصيغتــه األصليــة الــواردة فــي دســتور 9591، فلئــن حصــل االتفــاق‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫حــول الصيغــة، فــإن الواضــح أنــه فصــل إشــكالي مــن جهــة الفهــم والتأويــل، خاصــة فيمــا يتعلــق بعبــارة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫"واإلســام دينهــا" المســبوقة بالجملــة التاليــة: "تونــس دولــة مســتقلة ذات ســيادة..."، ومــدار النقــاش: هــل‬
‫ّ‬
‫الضميــر المتصــل فــي لفــظ "دينهــا" يعــود علــى تونــس؛ أي الشــعب التونســي ذي الغالبيــة المســلمة أو هــو‬
‫ّ‬
‫يعــود علــى لفــظ "دولــة"؟ وهــذا التأويــل األخيــر رأى فيــه الكثيــرون انقالبــً علــى مبــدأ مدنيــة الدولــة.‬

‫5‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫ّ‬
‫تــدل جملــة هــذه‬
‫ّ‬
‫النقاشــات، التــي أشــرنا‬
‫إليهــا فــي عجالــة،‬
‫بوضــوح علــى تداخــل‬
‫القانونــي والسياســي‬
‫ّ‬
‫بالثقافــي والفكــري‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫فــي صياغــة الدســتور،‬
‫ّ‬
‫ولعــل هــذا التداخــل‬
‫هــو مــا يمكــن أن‬
‫نلمســه بجــاء مــن‬
‫ّ‬
‫خــال اطالعنــا علــى‬
‫مدارهمــا‬
‫نصيــن‬
‫ّ‬
‫الدســتور التونســي،‬
‫وهــو يشــهد مخاضــه‬
‫" ا لعســير " .‬
‫ّ‬
‫وهــذان النصــان مــن إنتــاج باحثيــن مختصيــن فــي القانــون، ولكــن النصيــن يــدالن علــى اهتمــام كبيــر‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بمســألة المرجعيــة الفكريــة والثقافيــة فــي مســتوى ارتبــاط بعــض مــواد الدســتور بالقضايــا الدينيــة، وأثــر‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ذلــك فــي مســتوى تصــور الحقــوق والحريــات ومســتنداتها فــي الدســتور التونســي المنتظــر.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫فــي هــذا الســياق العــام نقــرأ لنضــال المكــي، وهــو مســاعد بكليــة العلــوم القانونيــة والسياســية‬
‫واالجتماعيــة بتونــس، وعضــو وحــدة البحــث فــي القانــون الدولــي والمحاكــم الدوليــة، وعضــو مؤســس‬
‫بمركــز تونــس للقانــون الدســتوري مــن أجــل الديمقراطيــة، وعنــوان مقالــه: "حقــوق اإلنســان فــي مشــروع‬
‫ّ‬
‫الدســتور التونســي"، قبــل أن نقــرأ آلمنــة البنــاري، وهــي باحثــة فــي القانــون العــام ومهتمــة بقضايــا العالقة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫بيــن المقــدس والقانــون، مقــاال بعنــوان "الديــن بيــن دســتور 1/6/9591 ومشــروع الدســتور التونســي 3102".‬
‫ّ‬

‫6‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫حقوق اإلنسان في مشروع الدستور التونسي الجديد‬
‫نضال المكي / الجامعة التونسية‬
‫مقدمة:‬
‫ال نبالــغ إذا قلنــا إن حقــوق اإلنســان تشــكل اليــوم روح الدســاتير؛ فهي التــي تضبط عالقــة المحكومين‬
‫بالحــكام وعالقــات المحكوميــن فيمــا بينهــم، كمــا أنهــا تؤســس لقيــم المواطنــة والديمقراطيــة ودولــة‬
‫القانــون. ولــذا فقــد كان مــن الطبيعــي أن تحتــل مســألة الحقــوق والحريــات منزلــة مركزيــة فــي المســار‬
‫الدســتوري التونســي، وأن تشــغل بــال المؤسســين والسياســيين والمجتمــع المدنــي وعمــوم المواطنيــن.‬
‫ونظــرًا ألن هــذه الورقــة ال تســمح بتنــاول مســألة دقيقــة، ومتشــعبة كالحقــوق والحريــات الدســتورية‬
‫فــي كل تفاصيلهــا؛ فســنكتفي بإيــراد بعــض المالحظــات حــول حقــوق اإلنســان عامــة فــي المشــروع‬
‫التونســي وحــول بــاب الحقــوق والحريــات بشــكل خــاص.‬
‫ولئــن كان األمــر ال يــزال متعلقــً بمشــروع للدســتور لــم تقــع المصادقــة عليــه بعــد، فإنــه يمكننــا‬
‫القــول إن المالمــح العامــة لــه قــد ارتســمت، ولــن يكــون للتنقيحــات المســتقبلية قبــل المصادقــة النهائيــة‬
‫عليــه ســوى أثــر طفيــف.‬
‫وســوف نتنــاول تباعــً مســألة مرجعيــة حقــوق اإلنســان فــي هــذا المشــروع (1) قبــل التعــرض للحقــوق‬
‫المنصــوص عليهــا (2)، وانتهــاء إلــى طــرق تنظيــم الحقــوق الدســتورية (3)‬

‫7‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫مرجعية حقوق اإلنسان في مشروع الدستور التونسي:‬
‫إن مســألة المرجعيــة المعتمــدة فــي حقــوق اإلنســان الدســتورية أمــر فــي غايــة األهميــة، إذ أن‬
‫التنصيــص علــى قائمــة مطولــة مــن الحقوق قــد يكون غيــر ذي جــدوى إذا كان اإلطــار الفكري والفلســفي‬
‫العــام لفهــم هــذه الحقــوق وتأويلهــا يــؤدي إلــى الحــد منهــا، بــل وإلغائهــا فــي أحيــان كثيــرة.‬
‫ولذلــك، فقــد عمــدت العديــد مــن الدســاتير فــي أوروبــا الشــرقية وأمريــكا الالتينيــة وإفريقيــا، وخاصــة‬
‫ً‬
‫دســاتير الــدول التــي شــهدت انتقــاال ديمقراطيــً، إلــى التنصيــص علــى انخراطهــا فــي المنظومــة الكونيــة‬
‫لحقــوق اإلنســان، ونصــت العديــد منهــا علــى نصــوص دوليــة خاصــة بحقــوق اإلنســان، وتحديــدًا اإلعــان‬
‫العالمــي لحقــوق اإلنســان، والعهــد الدولــي للحقــوق المدنيــة والسياســية، والعهــد الدولــي للحقــوق‬
‫االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة.‬
‫بــل وذهبــت العديــد مــن الدســاتير إلــى التنصيــص علــى أن تأويــل أحــكام الدســتور والتشــريعات‬
‫الداخليــة المتعلقــة بحقــوق اإلنســان يجــب أن يتــم فــي تــاؤم مــع هــذه النصــوص الدوليــة.‬
‫ولقــد كانــت مســألة المرجعيــة الكونيــة إحــدى أهــم النقــاط التــي اســتدعت انتقــادات الذعة لمشــروع‬
‫الدســتور التونســي فــي مختلــف نســخه المتعاقبــة. ورغــم عمليــات التجميــل التــي خضعــت لهــا العديــد‬
‫مــن فصولــه، فقــد ظــل إلــى حــدود النســخة الثالثــة (22 أفريــل 3102) متســمًا بتحفــظ شــديد، (حتــى ال‬
‫نقــول عدائيــة) إزاء المرجعيــة الكونيــة لحقــوق اإلنســان.‬
‫ً‬
‫ففضـا عــن أن هــذا المشــروع ال ينــص علــى أي مــن النصــوص الدوليــة الكبــرى لحقــوق اإلنســان، والتــي‬
‫نجدهــا فــي دســاتير بلــدان االنتقــال الديمقراطــي التــي يدعــي المؤسســون التونســيون النســج علــى‬
‫ّ‬
‫منوالهــا، فهــو يهمــل التنصيــص علــى القانــون الدولــي العرفــي.‬
‫والغريــب أن االنتقــادات الواســعة التــي وجهــت للمشــروع فــي هــذا المســتوى، والتــي دفعــت‬
‫المؤسســين للتنصيــص علــى "مبــادئ حقــوق اإلنســان الكونيــة"، لــم تحــل دون ربــط هــؤالء للمبــادئ‬
‫الكونيــة بخصوصيــات الشــعب التونســي الثقافيــة، بمــا يجعــل التنصيــص علــى الكونيــة غيــر ذي معنــى، إذ‬
‫(1)‬
‫أن المؤسســين يســترجعون باليــد اليســرى مــا قدمــوه باليــد اليمنــى.‬
‫إن هــذه النظــرة الريبيــة للقانــون الدولــي بشــكل عــام والقانــون الدولــي لحقــوق االنســان بشــكل‬
‫ّ‬

‫ً‬
‫1  - لقد كانت عدائية املؤسسين للقانون الدولي وتحديدا للقانون الدولي لحقوق اإلنسان أكثرجالء في الفصل 51 من النسخة الثانية والذي نقح،‬
‫ً‬
‫ً‬
‫وأصبح يحمل عدد 12 في النسخة الثالثة، والذي كان يربط احترام تونس ملعاهداتها الدولية بعدم تعارضها مع الدستور وهذا يمثل نكرانا صارخا‬
‫اللتزاماتنا الدولية.‬

‫8‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫خــاص، مأتاهــا المرجعيــة الفكريــة لعــدد كبيــر مــن المؤسســين الذيــن لــم يســايروا تطــور المجتمــع‬
‫والقانــون الدولييــن، كمــا أنهــم فــي قطيعــة تامــة مــع التطــورات الحقوقيــة والقانونيــة واالجتماعيــة‬
‫التــي حدثــت فــي تونــس، وهــذا مــا يفســر نزعتهــم لصياغــة دســتور يحمــل روح ونفــس خمســينيات القــرن‬
‫الماضــي.‬

‫الحقوق المنصوص عليها في‬
‫مشروع الدستور التونسي:‬
‫إن طابــع االنغــاق الــذي يســم‬
‫مشــروع الدســتور التونســي ال يتجلــى‬
‫فقــط فــي مســألة المرجعيــة العامــة‬
‫لحقــوق اإلنســان، بــل وكذلــك فــي‬
‫قائمــة الحقــوق المكرســة بنــص‬
‫المشــروع؛ فلــم يــرد منــع لعقوبــة‬
‫اإلعــدام، بــل وأكثــر مــن ذلــك، لــم يقــع‬
‫التنصيــص علــى منــع هــذه العقوبــة ضــد‬
‫األحــداث والنســاء الحوامــل والطاعنيــن‬
‫فــي الســن.‬
‫كمــا غابــت حريــة الضميــر إلــى حــد النســخة الثالثــة مــن المشــروع، وهنــاك مقترحــات عديــدة‬
‫وضغوطــات مــن أكاديمييــن وحقوقييــن ومكونــات المجتمــع المدنــي؛ حتــى يقــع تالفــي هــذه الثغــرة‬
‫بالتنصيــص عليهــا. كمــا أن ربــط حريــة المعتقــد بممارســة الشــعائر الدينيــة، قــد يوحــي ضمنيــً بأنــه تــم‬
‫حصــر حريــة المعتقــد فــي اعتنــاق ديــن معيــن؛ حيــث إن المعتقــدات اإللحاديــة تكــون غيــر مشــمولة‬
‫بالحمايــة.‬
‫ورغــم كل التحســينات التــي أدخلــت علــى الفصــل المتعلــق بحقــوق المــرأة، فــإن الفصــل (24) مــن‬
‫المشــروع الزال يتحــدث عــن ضمــان الدولــة لـــ "تكافــؤ الفــرص بيــن المــرأة والرجــل فــي تحمــل مختلــف‬
‫المســؤوليات". وقــد اقترحــت منظمــات حقوقيــة عــدم االقتصــار فــي تكافــؤ الفــرص علــى المســؤوليات،‬
‫بــل جعلــه يشــمل كل المجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة.‬
‫هــذا وقــد أثــار مفهــوم "التكامــل" بيــن الرجــل والمــرأة الــذي وقــع اســتعماله فــي نســخة ســابقة‬
‫مــن المشــروع اســتنكارًا واســعًا لــدى المواطنيــن والمنظمــات الحقوقيــة، لمــا يشــكله مــن خطــر علــى‬
‫المســاواة الفعليــة والقانونيــة بيــن الرجــل والمــرأة.‬
‫ويمكــن القــول، إن الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة التــي مثلــت عمــاد مطالــب مــن انتفضــوا فــي‬
‫وجــه النظــام الدكتاتــوري، كانــت األقــل حظــً فــي بــاب الحقــوق والحريــات؛ حيــث تــم التنصيــص علــى‬

‫9‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫الحــق فــي العمــل والحــق النقابــي والحــق فــي التعليــم والحقــوق الصحيــة والتغطيــة االجتماعيــة، وهــي‬
‫الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة الكالســيكية، وال تمثــل تطــورًا كبيــرًا قياســً بدســتور 9591. وللمقارنــة‬
‫فقــط، فــإن دســتور بوليفيــا ينــص إلــى جانــب الحقــوق المذكــورة علــى الحــق فــي التشــغيل (وليــس فقــط‬
‫الحــق فــي العمــل)، والحــق فــي المفاوضــات االجتماعيــة، والتــزام الدولــة باتبــاع سياســات تشــغيل تحفــظ‬
‫العمــل وحقــوق العمــال، وعلــى حقــوق األشــخاص ذوي اإلعاقــة والمســاجين والمســتهلكين، وحقــوق‬
‫النســاء واألطفــال والمتقدميــن فــي الســن، والحــق فــي الترفيــه...‬
‫هــذا وقــد جــاء بــاب الحقــوق والحريــات فــي غيــر ترتيــب دقيــق، إذ نجــد مراوحــة بيــن األجيــال الثالثــة‬
‫مــن الحقــوق. وقــد نبــه العديــد مــن المتابعيــن والمالحظيــن إلــى ضــرورة إدخــال نظــام وتناســق علــى هــذا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫البــاب منــذ النســخة األولــى، ومــع ذلــك وجدنــا هــذا االضطــراب فــي الترتيــب الــذي قلــل مــن وضــوح النــص‬
‫ّ‬
‫وتناســقه، فــي داللــة واضحــة علــى قلــة معرفــة المؤسســين، وإطالعهــم علــى الدســاتير المقارنــة مــن‬
‫جهــة، وعلــى تعاملهــم القائــم علــى البارانويــا مــع نصــح أهــل الذكــر وإرشــادهم.‬

‫تنظيم الحقوق الدستورية:‬
‫مــن البديهــي أال تفهــم الحقــوق علــى‬
‫ً‬
‫إطالقهــا؛ فحريــة التعبيــر مثــا، ال تعنــي‬
‫الحــق فــي ثلــب اآلخريــن، كمــا أنهــا ال تعنــي‬
‫الحــق فــي الدعــوة إلــى التباغــض والكراهيــة‬
‫والعنــف. كمــا أن حريــة التجمــع ال تعنــي‬
‫الحــق فــي تكويــن عصابــة مجرميــن أو‬
‫جماعــة مســلحة؛ وهــذا يعنــي أنــه ال بــد مــن‬
‫تنظيــم ممارســة الحقــوق الدســتورية، وبيــان‬
‫مداهــا وكيفيــة ممارســتها، حتــى ال ينجــر‬
‫عنهــا مســاس بحقــوق اآلخريــن.‬
‫ومــا نالحظــه فــي النســخة الثالثــة مــن‬
‫مشــروع الدســتور التونســي، هــو احتفاظهــا عنــد تكريــس حــق مــن الحقــوق باإلحالــة للقانــون لتنظيمــه أو‬
‫إلدخــال حــدود عليــه بصيــغ تتفــاوت فــي درجــة تهديدهــا، لتمتــع المواطــن بحقــه المعتــرف بــه دســتوريًا.‬
‫ونجــد هــذه اإلحــاالت خاصــة فــي الفصــل 22 (الحــق فــي الحيــاة) والفصــل 42 (اختيــار مقــر اإلقامــة‬
‫والتنقــل)، والفصــل 13 (الحــق فــي االجتمــاع والتظاهــر الســلمي) والفصــل 33 (الحــق النقابــي)، والفصــل 04‬
‫(حريــة الــرأي والفكــر والتعبيــر واإلعــام والنشــر).‬

‫01‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫ورغــم أن بعــض هــذه الفصــول تؤكــد عنــد اإلحالــة للقانــون علــى عــدم جــواز مســاس هــذا األخيــر‬
‫ً‬
‫بجوهــر الحــق (الفصــان 03 و13)، فــإن فصــوال أخــرى تضــع ضوابــط فضفاضــة، وتســمح بإفــراغ الحــق‬
‫الدســتوري مــن محتــواه (الفصــل 33: "يضبــط القانــون شــروط ضمــان ســامة المعــدات والتجهيــزات"‬
‫والفصــل 04 :" قانــون يحمــي حقــوق الغيــر وســمعتهم وأمنهــم وصحتهــم")‬
‫ورغــم مــا أثارتــه هــذه الطريقــة فــي اإلحالــة للقانــون المنظــم للحــق الدســتوري مــن انتقــادات‬
‫لكونهــا تهــدد بإفراغــه مــن كل محتــوى، فإنهــا ال تــزال موجــودة فــي النســخة الثالثــة مــن المشــروع، ومــا‬
‫ّ‬
‫مــن أصــداء إلمكانيــة التخلــي عنهــا.‬
‫وقــد اقتــرح أكاديميــون ومختصــون علــى المؤسســين إضافــة فصــل، يضبــط الشــروط التــي يمكــن‬
‫معهــا إدخــال حــدود علــى الحقــوق الدســتورية، كتلــك التــي نجدهــا فــي الفصــل 63 مــن دســتور جنــوب‬
‫إفريقيــا الــذي ينــص: "الحقــوق المنصــوص عليهــا بإعــان الحقــوق يمكــن الحــد منهــا بنــص تشــريعي وفــي‬
‫ً‬
‫الحــدود التــي يكــون فيهــا الحــد معقــوال ومبــررًا فــي مجتمــع منفتــح وديمقراطــي قائــم علــى الكرامــة‬
‫اإلنســانية والمســاواة والحريــة وآخــذًا بعيــن االعتبــار كل العوامــل المناســبة ومنهــا:‬
‫»‬

‫»طبيعة الحق‬

‫»‬

‫»أهمية الهدف من الحد‬

‫»‬

‫»طبيعة الحد ومداه‬

‫»‬

‫»العالقة بين الحد والهدف منه‬

‫»‬

‫»ومراعاة أقل الوسائل لتحقيق الهدف"‬

‫(2)‬

‫إن اإلطــار الضيــق لهــذه الورقــة ال يســمح بتنــاول‬
‫نقــاط أخــرى بمزيــد مــن التفصيــل، ولكــن مــن الواضــح أن‬
‫عــدم اطــاع المؤسســين علــى االتجاهــات الجديــدة فــي‬
‫المســارات الدســتورية بشــكل عــام، وفــي مجــال الحقــوق‬
‫والحريــات خصوصــً، هــو الــذي ســمح لبعضهــم بالقــول‬
‫إن الدســتور التونســي ســيكون مــن أفضــل الدســاتير‬
‫فــي العالــم. ومــن المؤســف أن التعامــل السياســي‬
‫واإليديولوجــي هــو الــذي طغــى علــى صياغــة الدســتور،‬
‫وعلــى تعامــل المؤسســين مــع المختصيــن فــي القانــون‬
‫عمومــً، والقانــون الدســتوري علــى وجــه لخصــوص. وإن كان مــن عبــرة نســتخلصها من المســار الدســتوري‬
‫فــي تونــس ربمــا تكــون نافعــة لمــن ســيلينا فــي إعــداد دســتور؛ فهــي - أي كتابــة دســتور- أمــر مــن‬
‫األهميــة بمــكان، حتــى ال يتــرك بأيــدي السياســيين وحدهــم.‬

‫ً‬
‫ً‬
‫2  - نجد في دستور جنوب إفريقيا جدوال مفصال في الفصل 73 بالحقوق التي ال يمكن الحد منها.‬

‫11‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫الدين بين دستور 1/6/9591 ومشروع الدستور التونسي 3102(3)‬
‫آمنة البنّاري / باحثة في القانون العام بالجامعة التونسيّة‬
‫مقدمة:‬
‫بعــد طــول انتظــار طغــى عليــه الكــر والفــر، والخــاف والتوافــق، بــدأت تظهــر مالمح الدســتور التونســي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لمــا بعــد الثــورة. هــو دســتور أراده التونســيون ثوريــً وعاكســً آلمالهــم وطموحاتهــم، وقــد ثــاروا علــى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫نظــام عــرف لمــدة عقــود باالســتبداد والقمــع، وخنــق الحقــوق والحريــات المتعــارف عليهــا دوليــً.‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وفــي حقيقــة األمــر، جــاءت الصيغــة الحاليــة لمشــروع الدســتور الصــادرة بتاريــخ 22/4/3102 بعــد صــدور‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫األولــى فــي 6/8/2102 والثانيــة فــي 41/21/2102، وهمــا صيغتــان بعيدتــان كل البعــد عــن انتظــارات مختلــف‬
‫ّ‬
‫أطــراف المجتمــع التونســي. وبالنظــر فــي الصيغــة الثالثــة، فإنــه يمكــن أن نالحــظ تقدمــً محمــودًا وإيجابيًا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫فــي حــد ذاتــه مــن جهــة، إال أن الصيغــة تحمــل كذلــك نقصــً مــن جهــة أخــرى، وهــو نقــص يحمــل فــي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫طياتــه العديــد مــن "األلغــام القانونيــة"، وخاصــة فيمــا يتعلــق بالحقــوق والحريــات، ممــا جعــل العديــد‬
‫ّّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مــن األحــزاب الديمقراطيــة ومكونــات المجتمــع المدنــي تمــارس ضغوطــً داخــل وخــارج قبــة المجلــس‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الوطنــي التأسيســي، ومــن خــال تنظيــم النــدوات واالجتماعــات لتقييــم مشــروع الدســتور، وتقديــم‬
‫مقترحــات جديــدة.‬

‫ّ‬
‫ينظــم الدســتور والقانــون الدســتوري بصفــة‬
‫عامــة ثالثــة مواضيــع أساســية، هــي القواعــد القانونيــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫للمؤسســات السياســية، والقواعــد القانونيــة المتعلقــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بالحقــوق والحريــات، وأخيــرًا القواعــد القانونيــة المتصلــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بكيفيــة وضــع القواعــد التــي يتركــب منهــا النظــام‬
‫ّ‬
‫القانونــي للدولــة؛(4) فالدســتور هــو الضامــن األساســي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لحقــوق الشــعب وحريتــه، رغــم أنــه ليــس الضامــن‬
‫ّ‬
‫الوحيــد.‬
‫وســنقتصر فــي هــذه الورقــة علــى محاولــة تحليــل أكثــر المواضيــع حساسـية، ونقصــد مســألة الديــن‬
‫ّ‬
‫ومكانتــه فــي الدســتور التونســي، وهــي مســألة عــادت لتطــرح بقــوة خاصــة بعــد ســقوط نظــام بــن علــي.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫ُ‬
‫ّ ّ‬
‫3 - مالحظة: كتب هذا المقال قبل اإلعالن عن مشروع الدستور في نسخته الرابعة إال أن المالحظات المثارة تبقى صالحة.‬
‫4 - ‪Favoreu Loius, le droit constitutionnel, droit de la constitution et constitution du droit, in Revue française du droit‬‬
‫.98 -27 ‪constitutionnel, n° 1, 1990, pp‬‬

‫21‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫ّ‬
‫وقــد بــرز ذلــك بالخصــوص فــي مســتوى انتشــار الخطــاب الدينــي وتوغلــه فــي األماكــن الخاصــة والعامــة؛‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وثانيــً فــي مســتوى محــاوالت تســييس الديــن؛ وثالثــً بالنظــر إلــى وصــول حــزب ذي مرجعيــة إســامية إلــى‬
‫ّ‬
‫الســلطة بعــد انتخابــات 32/01/1102.‬
‫ّ‬
‫	*الســؤال المركــزي عندنــا: أي مكانــة يحتلهــا الديــن فــي مســودة الدســتور التونســي الثالثــة مقارنــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بدســتور 9591؟‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إن مقارنــة مبدئيــة وســريعة بيــن النصيــن، تمكننــا مــن تبيــن أن نــص 3102 قــد أولــى مكانــة كبــرى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫للمســألة الدينيــة، وذلــك بالمحافظــة علــى بعــض مبــادئ ومــواد دســتور 9591 مــن جهــة، ولكــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫المزيــد مــن التنصيــص علــى الديــن اإلســامي، واعتبــاره مرجعيــة أولــى مــن جهــة ثانيــة.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إن المالحظــة البــارزة فــي هــذا الصــدد هــي التمســك المطلق بالفصــل األول مــن دســتور 9591، والذي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يقــر صراحــة بــأن تونــس دولــة دينهــا اإلســام، إضافــة إلــى اعتبــار اإلســام شــرطًا للترشــح لرئاســة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الجمهوريــة، وهمــا النقطتــان اللتــان ســنركز عليهمــا فــي هــذه الورقــة. وربمــا تكونــان فاتحــة لطــرح‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫قضايــا أخــرى تتعلــق بالمســألة الدينيــة فــي الدســتور التونســي.‬
‫ّ‬

‫31‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫المحافظة على الفصل األول من دستور 9591 "الفصل المقدس":‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إن تفســير النصــوص القانونيــة يخضــع عمومــً إلــى قواعــد معينــة، وجــب اعتمادهــا لفهــم محتواهــا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ومغزاهــا. ومــن بيــن القواعــد وجــوب العــودة إلــى مقاصــد واضــع النــص القانونــي، وتقليــب الظــروف‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الحافــة بصياغتــه، خاصــة وأن عبــارة "اإلســام دينهــا" الــواردة فــي الفصــل األول مــن الدســتور التونســي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫"هــي عبــارة عامــة بــل فضفاضــة"(5) يمكــن أن تطــرح أكثــر مــن تســاؤل: هــل يقصــد بهــا ديــن الدولــة،‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫وبالتالــي المؤسســات القائمــة؟.. أو يقصــد بهــا ديــن األغلبيــة فــي الدولــة التونسـية؟ هــل يقتصــر معناهــا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫علــى البعــد الثقافــي أو يتجــاوز ذلــك ليكــون لــه بعــد سياســي؟ وبالتالــي يمكــن أن يحيــل ضمنيــً علــى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ً ّ‬
‫إمكانيــة إدراج "الشــريعة اإلســامية" مث ـا، حتــى وإن تــم التخلــي عــن التنصيــص عليهــا صراحــة مــن قبــل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(6)‬
‫الحــزب الحاكــم.‬
‫يمكــن أن نتبيــن المفهــوم الحقيقــي للفصــل األول مــن دســتور 9591 بالرجــوع إلــى مــداوالت المجلــس‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫القومــي التأسيســي، وهــي مــداوالت عكســت صراعــً ثقافيــً وفكريــً حــول تصــور ذلــك المجلــس لنظــام‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(7)‬
‫ّ‬
‫البــاد بعــد االســتقالل وقيــام الجمهوريــة، وهــو صــراع يتلخــص فــي مســألة "الهويــة" أو باألحــرى البحــث‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫عــن الهويــة بعــد عقــود طويلــة مــن االســتعمار واالســتنزاف للمجتمــع التونســي والمجتمعــات العربيــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫عمومــً. بمعنــى آخــر "هــل نتمســك باألصــول العربيــة اإلســامية كمــا كانــت فــي الزمــن األول لإلســام‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ونرفــض كل مــا أنجــزه الغــرب مــن إنتــاج مــادي وفكــري أم نحقــق النهضــة بإنجــاز المعادلــة بيــن تأصيــل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(8)‬
‫الكيــان واالنفتــاح علــى اآلخــر"؟‬
‫ّ‬
‫لقــد تميــزت مــداوالت المجلــس القومــي التأسيســي مــن 6591 إلــى 9591 باالختــاف(9) والنقــاش اللذيــن‬
‫ّ‬
‫وصــا إلــى درجــة كبيــرة مــن الحــدة فــي بعــض األحيــان حــول المــادة األولــى مــن الدســتور. وقــد تمحــور‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ ً‬
‫ّ‬
‫االختــاف أساســً حــول موقــع الفصــل المتعلــق بديــن الدولــة أوال، وبالتنصيــص عليــه مــن عدمــه ثانيــً.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وبالعــودة إلــى األعمــال التحضيريــة، يتضــح لنــا أن الحبيــب بورقيبــة، رئيــس الحكومــة آنــذاك، قــد قــدم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫االقتــراح التالــي:‬
‫» »المادة1: "تونس حرة ذات سيادة"‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫» »المادة2: "الشعب التونسي، صاحب السيادة، يباشرها على الوجه الذي يضبطه هذا الدستور"‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫5 - من مداخلة األستاذ سليم اللغماني بمناسبة الملتقى الّذي نظمته الجمع ّة التونس ّة للقانون الدستوري بتاريخ 22/8/2102.‬
‫ي‬
‫ي‬
‫6 - تم التطرق في مداوالت المجلس الوطني التأسيسي إلى إمكان ّة الحديث عن "الشريعة اإلسالم ّة" مصدرا من مصادر القانون الوضعي من قبل حزب‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫حركة النهضة.‬
‫7 - عياض بن عاشور، السياسة والدين والقانون في العالم العربي.‬
‫8 - عبد الجليل بوقرة، المجلس القومي التأسيسي، الوالدة العسيرة لدستور 1 جوان 9591، دراسة تاريخ ّة، دار آفاق، تونس، 2102، ص 09.‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫9 - الصادق بلعيد، "الفصل األ ّل": تونس دولة حرة مستقلّة ذات سيادة اإلسالم دينها ..."، األحكام العا ّة للدستور، تونس في 32-42 جانفي 9002. ُشر‬
‫ن‬
‫م‬
‫و‬
‫ّ‬
‫في 0102، ص 53 وما بعدها.‬

‫41‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫» »المــادة3: "اإلســام ديــن الدولــة، والعربيــة لغتهــا، وهــي تضمــن حريــة المعتقــد، وتحمــي حريــة القيــام‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(01)‬
‫ّ‬
‫بالشــعائر الدينيــة مــا لــم تخــل بالقانــون"‬
‫ّ‬

‫الحبيب بورقيبة‬
‫يعكــس هــذا المقتــرح بجــاء هاجــس‬
‫الحبيــب بورقيبــة إلرســاء مفهــوم الحريــة‬
‫ّ‬
‫وســيادة الدولــة، وهــو أمــر يتيســر فهمــه بالنظــر‬
‫ّ‬
‫إلــى مــا عاشــته البــاد التونســية مــن اســتعمار‬
‫ّ‬
‫وتبعيــة؛ فقــد كان مــن الطبيعــي أن يجســد أول‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫دســتور جــاء بعــد االســتقالل القيــم التــي فقدهــا‬
‫الشــعب التونســي.‬
‫أمــا المقتــرح الثانــي، فقــد قدمــه األســتاذ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫"محمــد الشــاذلي النيفــر، والســيد صالــح‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫القلعــاوي"، وقــد نــص علــى هويــة الدولــة العربيــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلســامية فــي المــادة األولــى. وقــدم الســيد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫"محمــود الغــول" مقترحــا ثالثــً، وتمثــل فــي النــص‬
‫ّ‬
‫ّ ً‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أوال علــى أن "تونــس ديمقراطيــة مســتقلة ذات‬
‫ّ‬
‫(11)‬
‫ســيادة كاملــة"‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بعــد جــدل طويــل تــم التخلــي عــن عبــارة "تونــس دولــة عربيــة إســامية مســتقلة ذات ســيادة"،‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وحلــت محلهــا عبــارة "تونــس دولــة حــرة مســتقلة ذات ســيادة، اإلســام دينهــا"، والســؤال المطــروح:‬
‫ّ‬

‫(21)‬

‫مــا المقصــود بكــون اإلســام ديــن الدولــة التونســية؟ هــل بالمفهــوم السياســي والقانونــي، أو‬
‫ّ‬
‫بالمفهــوم التراثــي والثقافــي؟‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مثــل هــذا الســؤال مســألة مهمــة تتعلــق بإمكانيــات تأويــل الفصــل األول مــن الدســتور، وكان ذلــك‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫ّ‬
‫ّ‬
‫01 - تم حذف "تونس دولة عرب ّة" والتنصيص على أن لغة الدولة هي العرب ّة وهذا ما يوضح مقصد السلطة التأسيس ّة األصل ّة أال وهو الحديث عن الدين‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أو اللغة باعتبارهما صفة للمجتمع التونسي وليس للدولة التونس ّة في حد ذاتها.‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫11 - اعتبر هذا المقترح أكثر االقتراحات جرأة إذ لم يتم التطرق سابقا إلى مسألة الديمقراط ّة والتنصيص عليها صراحة في المادة األولى للدستور وهو ما‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّر المتدرج للمفاهيم الغرب ّة كالديمقراط ّة والليبرال ّة ودولة القانون والحر ّة.‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ي‬
‫يعكس مرة أخرى االختالفات الفكر ّة والتأث‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫21 - وهو االقتراح الّذي تم تقيمه أ ّل األمر.‬
‫و‬
‫ّ‬

‫51‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫محــل نقــاش فــي مــداوالت المجلــس القومــي التأسيســي، وتميــزت النقاشــات بالتخــوف والتحفــظ مــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلقــرار بديــن الدولــة فــي صلــب الدســتور ال فــي التوطئــة، ولذلــك تعالــت األصــوات لتؤكــد علــى الصبغــة‬
‫الثقافيــة والوصفيــة للفصــل األول، خاصــة مــع رفــض صيغــة "دولــة مســلمة" أو "دولــة إســامية".‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وقــد نــادى الســيد "أحمــد المســتيري"(31) باالكتفــاء بالحديــث عــن الدولــة اإلســامية فــي التوطئــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(41)‬
‫ّ‬
‫لخلوهــا مــن أي صبغــة قانونيــة . والموقــف نفســه تبنــاه رئيــس الحكومــة "الحبيــب بورقيبــة، وعلــي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(51)‬
‫ّ‬
‫بلهــوان، والباهــي األدغــم". وفــي هــذا اإلطــار تميــزت مداخلــة "الحبيــب بورقيبــة" بالوضــوح، إذ أكــد علــى‬
‫ّ‬
‫ضــرورة عــدم االنــزالق وتأويــل العبــارة خــارج إطارهــا، بمعنــى "حصــر التعــرض فــي الدســتور إلــى هاتيــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫المســألتين (أي فيمــا يتعلــق بالديــن واللغــة) فــي بعدهمــا الثقافــي فحســب؛ أي كــون اإلســام هــو ديــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الشــعب التونســي فــي أغلبيتــه، وأن العربيــة هــي لغــة األغلبيــة فــي البــاد، وأوصــى باجتنــاب كل بعــد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(61)‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫حكمــي فــي العبــارة التــي وقــع االتفــاق عليهــا فــي صيغتهــا الحاليــة". وبنــاء عليــه يفهــم بوضــوح مــن‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫عبــارة "اإلســام دينهــا" صبغتهــا الوصفيــة المكرســة لثقافــة الشــعب التونســي وللدولــة ككل(71)؛ فالدين‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلســامي هــو ديــن أغلبيــة األمــة بــدون أدنــى نقــاش، وللتأكيــد على غيــاب الطابــع الحكمــي لهــذه العبارة،‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وبالرجــوع إلــى جــل الدســاتير العربيــة؛ فإننــا نالحــظ، خالفــً للدســتور التونســي، التنصيــص علــى مواقــف أو‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫ّ‬
‫قواعــد أخــرى متعلقــة بالديــن والنظــام القانونــي للدولــة، خاصــة فــي الــدول اإلســامية التــي اعتمــدت‬
‫ّ‬
‫علــى التطابــق بيــن الديــن اإلســامي ونظامهــا القانونــي (كدســتور الســودان، باكســتان، البحريــن، إيــران،‬
‫المملكــة العربيــة الســعودية)؛ حيــث تقــر الدســاتير صراحــة بتطبيــق الشــريعة مصــدرًا وحيــدًا وأساس ـيًا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(81)‬
‫ّ‬
‫علــى األقــل للدولــة.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إن مــا يمكــن تأكيــده هــو أن الدولــة التونسـية، لــم تخــرج عــن جذورهــا الثقافيــة العربيــة اإلســامية، إذ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫كرســت فــي المــادة األولــى مــن دســتورها فكــرة أن اإلســام ديــن الدولــة، كمــا أنهــا لــم تحــد عــن األغلبيــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الســائدة للدســاتير المقارنــة للدولــة اإلســامية؛ حيــث اعتمــدت مجموعــة منهــا العبارة نفســها كالدســتور‬
‫ّ‬
‫المغربــي والجزائــري والماليــزي.‬

‫31 - بالنسبة إلى مداخلة الس ّد أحمد المستيري يمكن مراجعة مناقشات المجلس القومي التأسيسي، جلسة 41/4/6591، ص 61.‬
‫ي‬
‫41 - ّلت مكانة التوطئة في السلّ‬
‫م القانوني وصبغتها اإللزام ّة مسألة تم ّزت بعدم االستقرار في أغلب األنظمة الدستور ّة، وقد أخذ المجلس الوطني‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ي‬
‫مث‬
‫ّ‬
‫التأسيسي الحالي ذلك بعين االعتبار إذ تم إدراج الفصل 831 في الصيغة الثالثة من مشروع الدستور وينص الفصل على أن "توطئة هذا الدستور جزء ال‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يتجزأ منه"، وهو إقرار صريح ومحمود بإلزام ّة التوطئة وقيمتها الدستور ّة وبكل مبادئها. ويجدر التأكيد هنا على ضرورة التقليص أو الحذف الكلّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ي لمختلف‬
‫ي‬
‫ي‬
‫التناقضات في التوطئة الحال ّة ونذكر منها التناقض بين التنصيص على كون ّة حقوق اإلنسان بما ينسجم مع الخصوص ّات الثقاف ّة للشعب التونسي".‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ي‬
‫51 - " تونس دولة ..... اإلسالم دينها" هي الصيغة الّ‬
‫تي اقترحها الس ّد الباهي األدغم.‬
‫ي‬
‫61 - الصادق بلعيد، المقال المذكور، ص 63.‬
‫71 - تم التأكيد على الصبغة الوصف ّة في مداخلة الشيخ مح ّد النيفر بمناسبة أعمال ملتقى تحت عنوان "المجلس القومي التأسيسي"، مركز الدراسات‬
‫م‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫والبحوث والنشر، كلية الحقوق والعلوم القانون ّة بتونس، 6891، ص 381.‬
‫ي‬
‫81 - ,4791 ,‪p107. Yadh Ben Achour, Islam et constitution, in R.T.D‬‬

‫61‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يعتبــر هــذا الفصــل مــن الفصــول القالئــل التــي تــم االحتفــاظ بهــا فــي صيغتهــا األولــى، إذ كان محــل‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫ّ‬
‫توافــق بيــن جميــع األطيــاف السياس ـية ومكونــات المجتمــع المدنــي، شــريطة أال يتــم تأويلــه مســتقبال‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫واســتعماله خالفــً لمــا قصــده واضعــوه منــذ أكثــر مــن نصــف قــرن؛ فــا مجــال العتمــاد الشــريعة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اإلســامية علــى ضــوء هــذا الفصــل، كمــا أكــد األســتاذ عيــاض بــن عاشــور أن عبــارة "اإلســام ديــن الدولــة"‬
‫ّ‬
‫يخــرج الديــن مــن السياســة وال يدخلــه فيهــا.‬

‫المحافظة على شرط الدين اإلسالمي لرئيس الدولة:‬
‫جــاءت الصيغــة الثالثــة لمشــروع دســتور البــاد التونســية محافظــة كذلــك علــى الفصــل 04 مــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫دســتور 9591 المتعلــق بشــروط الترشــح لرئاســة الجمهوريــة. وينــص الفصــل علــى أن "الترشــح لمنصــب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫رئيــس الجمهوريــة حــق لــكل تونســي غيــر حامــل لجنســية أخــرى، مســلم، مولــود ألب وأم، وجــد ألب وألم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تونســيين، وكلهــم تونســيون بــدون انقطــاع".‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ونالحــظ فــي البدايــة أن شــرط اإلســام هــو ثانــي الشــروط بعــد الجنس ـية، وهــو مــا يعكــس األهميــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫البالغــة للجنس ـية الطبيعيــة لــكل مترشــح، وإن جــاءت الشــروط متالزمــة. أمــا المالحظــة الثانيــة، فتتمثــل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫فــي تأخــر شــرط اإلســام زمنيــً؛ فالنــص األصلــي للدســتور لــم ينــص علــى ديــن رئيــس الدولــة؛ حيــث‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اكتفــى المجلــس القومــي التأسيســي (9591) بالقــرار التالــي: "رئيــس الجمهوريــة هــو رئيــس الدولــة ودينــه‬
‫ّ‬
‫(91)‬
‫اإلســام".‬
‫لقــد تــم إدراج شــرط الديــن اإلســامي بمقتضــى التنقيــح الدســتوري المــؤرخ فــي 52/7/8891، وحافظت‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫المســودة الثالثــة (3102) علــى شــرط إســام رئيــس الدولــة ضمــن الشــروط األخــرى، إال أنهــا حذفــت اإلقــرار‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بهــذه الصفــة حيــث أصبــح ينــص الفصــل 07 علــى أن "رئيــس الجمهوريــة هــو رئيــس الدولــة ورمــز لوحدتهــا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يضمــن اســتقاللها واســتمراريتها ويضمــن احتــرام الدســتور".‬
‫ّ‬

‫جــاء هــذا الشــرط إذن متجانســً مــع‬
‫تنصيصــات "الدســاتير األخــرى عليــه"، وإن‬
‫تعــددت التنصيصــات، واختلفــت مــن دســاتير‬
‫ّ‬
‫تنــص صراحــة علــى شــرط إســام رئيــس‬
‫ّ‬
‫الدولــة إلــى أخــرى لــم تنــص عليــه بشــكل‬
‫ّ‬
‫واضــح. بالنســبة إلــى الفئــة األولــى، يمكــن أن‬

‫ّ‬
‫91 - الفصل 83 المنقح بالقانون الدستوري عدد 73 لسنة 6791 المؤرخ في 8/4/6791. راجع دستور الجمهور ّة التونس ّة في الذكرى الخمسين‬
‫ي‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫إلصداره، التحد ّات الدستور ّة ومداوالتها، المجلّد األ ّل، تونس، 9002، ص 172 وما بعدها.‬
‫و‬
‫ي‬
‫ي‬

‫71‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫نذكــر الدســتور الجزائــري، والدســتور األردنــي، والدســتور الباكســتاني، والدســتور الموريتانــي. أمــا بالنســبة‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫إلــى الفئــة الثانيــة، فيمكــن أن ذكــر مثـا، الدســتور المغربــي، والدســتور اليمنــي، والدســتور اإليرانــي، وذلــك‬
‫بالنظــر إلــى اعتمادهــا الصريــح علــى الشــريعة اإلســامية، أو لطبيعــة النظــام السياســي القائــم كالنظــام‬
‫ّ‬
‫(02)‬
‫الملكــي فــي المغــرب.‬
‫ّ ً‬
‫أمــا بالنســبة إلــى االســتثناءات، فيمكــن الحديــث أوال عــن المثــال اللبنانــي، ثــم المثــال الســوري، بالنســبة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إلــى الدســتور اللبنانــي، فهــو ال ينــص صراحــة علــى ديــن رئيــس الجمهوريــة إذ نــص الفصــل الســادس‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مــن القانــون 171/ 0002 علــى وجــوب توفــر شــروط معينــة للترشــح، وهــي الجنس ـية اللبنانيــة منــذ أكثــر مــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫عشــر ســنوات، والســن المحــددة بـــ 52 ســنة علــى األقــل، باإلضافــة إلــى شــرط التعليــم والتمتــع بالحقــوق‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫السياســية والمدنيــة، مــع التســجيل فــي قائمــة الناخبيــن، إال أن الفقــه أضــاف شــرطًا إضافيــً متعلقــً‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(12)‬
‫ّ‬
‫بالطائفــة؛ حيــث يشــترط أن يكــون مــن المســيحيين الموارنــة . أمــا فيمــا يخــص الدســتور الســوري، فإنــه‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫لــم يأخــذ بشــرط الديــن (دســتورا 9691 و3791).‬
‫ّ‬
‫وقــد نتجــت عــن هــذه المســألة مواقــف مختلفــة، إذ يفســر البعــض أن هــذا الشــرط عــام وغيــر دقيــق،‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫خاصــة مــع االنســجام الثقافــي والدينــي الــذي يميــز الدولــة التونســية؛ فــا حاجــة لشــرط يتوفــر فــي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(22)‬
‫ّ‬
‫األغلبيــة الســاحقة للمواطنيــن، وهــو موقــف تــم الــرد عليــه مــن خــال بعــض المقــاالت التــي تبــرز أن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التطــور فــي مفهــوم الديــن ذاهــب إلــى ضــرورة التعريــف بالمســلم تعريفــً دقيقــً، وليــس ناتجــً عــن‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫نشــأة المواطــن فــي مجتمــع إســامي. ومــن ناحيــة أخــرى، فــإن تطــور التنظيمــات الدينيــة قــد يــؤدي إلــى‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫حــدوث تنظيمــات دينيــة مختلفــة فــي مجتمــع مــا، وإن كان مجتمعــً متجانســً دينيــً.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ويتبيــن شــرط إســام رئيــس الدولــة، والــذي حافظــت مســودة الدســتور الثالثــة عليــه مــن خــال إلزاميــة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أداء اليميــن الدســتورية أمــام مجلــس النــواب، كمــا نــص علــى ذلــك الفصــل 24 مــن دســتور 9591 وقــد‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أدخلــت علــى اليميــن بعــض التعديــات (الفصــل 47)؛ حيــث يــؤدي الرئيــس الجمهوريــة المنتخــب أمــام‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مجلــس النــواب اليميــن التاليــة: "أقســم بــاهلل العظيــم أن أحافــظ علــى اســتقالل تونــس وســامة‬
‫ترابهــا، وأن أحتــرم دســتورها وتشــريعها، وأن أرعــى مصالحهــا، وأن ألتــزم بالــوالء لهــا".‬

‫ّ‬
‫02 - راجع كل هذه التنصيصات في: مح ّد محمود المدهون، مفهوم األ ّة في دساتير الدول العرب ّة، أطروحة دكتوراه في القانون العام، تونس، 4891.‬
‫ي‬
‫م‬
‫م‬
‫12 - عمر حوري، القانون الدستوري، منشورات الحلبي الحقوق ّة، 9002، ص 412.‬
‫ي‬
‫22 - ‪Pierre Rondot, l'islam et les musulmans d'aujourd'hui, Paris, l'Orante, 1960, t2, 1960, p 166 et ss‬‬

‫81‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
‫ّ‬
‫ويطــرح شــرط ديــن رئيــس الدولــة مســألة مهمــة تتعلــق بالنظــام السياســي للدولــة إذ ارتبــط هــذا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الشــرط بنظــام يتمتــع فيــه الرئيــس بأغلــب الصالحيــات، ونقصــد النظــام الرئاســي. والســؤال هنــا:‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫» »لــم لــم يتــم التطــرق إلــى شــرط إســام رئيــس الحكومــة في ظــل نظــام تريــده األغلبيــة الحاكمة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫نظامــً برلمانيــً فــي البداية؟‬
‫ّ‬
‫لقــد أســس دســتور 1/6/9591 نظامــً سياس ـيًا رئاس ـيًا تحــول علــى مــر العقــود، وبمقتضــى التنقيحــات‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫(32)‬
‫الدســتورية، والقوانيــن الصــادرة لفائــدة الســلطة (قوانيــن علــى المقــاس) إلــى نظــام رئاســي غــول‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الســلطة التنفيذيــة المتمحــورة فــي نهايــة األمــر حــول شــخص رئيــس الدولــة؛ لذلــك ودون الدخــول فــي‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫ّ ً‬
‫ّ‬
‫نقــاش حــول النظــام السياســي األجــدر واألصلــح لمــا بعــد 41/1/1102 ، فإننــا نالحــظ تحــوال جذريــً وانتقــاال‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫واضحــً للصالحيــات مــن رئيــس الدولــة إلــى رئيــس الحكومــة، فلمــاذا لــم يتــم التنصيــص علــى شــرط‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫إســام رئيــس الحكومــة فــي ظــل نظــام برلمانــي معــدل أو نظــام مختلــط فــي أقصــى الحــاالت؟‬
‫ّ‬
‫ّ‬

‫32 - أُدخل على الدستور التونسي 41 تنقيحا إضافة إلى التعديالت الثالثة المتعلّقة بالفصلين 93و04 من الدستور.‬
‫ِ‬

‫91‬

‫الدستور التونسي الجديد‬
www.mominoun.com

MominounWithoutBorders
@Mominoun_sm
mominoun

-

10569 :
00212537730450 :
00212537730408 :
info@mominoun.com :

.

More Related Content

More from Jasmine Foundation

Tableau des Candidats des Elections Tunisie Novembre 2014
Tableau des Candidats des Elections Tunisie Novembre 2014 Tableau des Candidats des Elections Tunisie Novembre 2014
Tableau des Candidats des Elections Tunisie Novembre 2014 Jasmine Foundation
 
Le rôle des diasporas dans les transitions vers la démocratie, rapport de la ...
Le rôle des diasporas dans les transitions vers la démocratie, rapport de la ...Le rôle des diasporas dans les transitions vers la démocratie, rapport de la ...
Le rôle des diasporas dans les transitions vers la démocratie, rapport de la ...Jasmine Foundation
 
Programme jasmine foundation 17 oct 2014
Programme jasmine foundation 17 oct 2014Programme jasmine foundation 17 oct 2014
Programme jasmine foundation 17 oct 2014Jasmine Foundation
 
Programme Jasmine Foundation Table Ronde 17 Octobre 2014
Programme Jasmine Foundation Table Ronde 17 Octobre 2014Programme Jasmine Foundation Table Ronde 17 Octobre 2014
Programme Jasmine Foundation Table Ronde 17 Octobre 2014Jasmine Foundation
 
Improving the quality of the policy making process in Tunisia: The role of th...
Improving the quality of the policy making process in Tunisia: The role of th...Improving the quality of the policy making process in Tunisia: The role of th...
Improving the quality of the policy making process in Tunisia: The role of th...Jasmine Foundation
 
Candidature Election-Legislative
Candidature Election-LegislativeCandidature Election-Legislative
Candidature Election-LegislativeJasmine Foundation
 
Jasmine Foundation Briefing: Tunisian new elections law
Jasmine Foundation Briefing: Tunisian new elections lawJasmine Foundation Briefing: Tunisian new elections law
Jasmine Foundation Briefing: Tunisian new elections lawJasmine Foundation
 
Democracy Improvement Ranking 2013
Democracy Improvement Ranking 2013 Democracy Improvement Ranking 2013
Democracy Improvement Ranking 2013 Jasmine Foundation
 
[Report] Delegation visit of uk and irish members of parliament
[Report] Delegation visit of uk and irish members of parliament[Report] Delegation visit of uk and irish members of parliament
[Report] Delegation visit of uk and irish members of parliamentJasmine Foundation
 

More from Jasmine Foundation (10)

Tableau des Candidats des Elections Tunisie Novembre 2014
Tableau des Candidats des Elections Tunisie Novembre 2014 Tableau des Candidats des Elections Tunisie Novembre 2014
Tableau des Candidats des Elections Tunisie Novembre 2014
 
Le rôle des diasporas dans les transitions vers la démocratie, rapport de la ...
Le rôle des diasporas dans les transitions vers la démocratie, rapport de la ...Le rôle des diasporas dans les transitions vers la démocratie, rapport de la ...
Le rôle des diasporas dans les transitions vers la démocratie, rapport de la ...
 
Programme jasmine foundation 17 oct 2014
Programme jasmine foundation 17 oct 2014Programme jasmine foundation 17 oct 2014
Programme jasmine foundation 17 oct 2014
 
Programme Jasmine Foundation Table Ronde 17 Octobre 2014
Programme Jasmine Foundation Table Ronde 17 Octobre 2014Programme Jasmine Foundation Table Ronde 17 Octobre 2014
Programme Jasmine Foundation Table Ronde 17 Octobre 2014
 
Cahier des-charges-tv-privee
Cahier des-charges-tv-priveeCahier des-charges-tv-privee
Cahier des-charges-tv-privee
 
Improving the quality of the policy making process in Tunisia: The role of th...
Improving the quality of the policy making process in Tunisia: The role of th...Improving the quality of the policy making process in Tunisia: The role of th...
Improving the quality of the policy making process in Tunisia: The role of th...
 
Candidature Election-Legislative
Candidature Election-LegislativeCandidature Election-Legislative
Candidature Election-Legislative
 
Jasmine Foundation Briefing: Tunisian new elections law
Jasmine Foundation Briefing: Tunisian new elections lawJasmine Foundation Briefing: Tunisian new elections law
Jasmine Foundation Briefing: Tunisian new elections law
 
Democracy Improvement Ranking 2013
Democracy Improvement Ranking 2013 Democracy Improvement Ranking 2013
Democracy Improvement Ranking 2013
 
[Report] Delegation visit of uk and irish members of parliament
[Report] Delegation visit of uk and irish members of parliament[Report] Delegation visit of uk and irish members of parliament
[Report] Delegation visit of uk and irish members of parliament
 

الدستور التونسي الجديد صراع المرجعيات والمصالح

  • 2. ‫الدستور التونسي الجديد‬ ‫خطة البحث:‬ ‫ح‬ ‫الدستور التونسي الجديد: صراع المرجعيّات والمصال ‬ ‫3‬ ‫»‬ ‫»مقدمة: ‬ ‫3‬ ‫»‬ ‫»نقاشات لجان صياغة الدستور التونسي: ‬ ‫4‬ ‫حقوق اإلنسان في مشروع الدستور التونسي الجديد ‬ ‫7‬ ‫»‬ ‫»مقدمة: ‬ ‫7‬ ‫»‬ ‫»مرجعية حقوق اإلنسان في مشروع الدستور التونسي: ‬ ‫8‬ ‫»‬ ‫»الحقوق المنصوص عليها في مشروع الدستور التونسي: ‬ ‫9‬ ‫»‬ ‫»تنظيم الحقوق الدستورية: ‬ ‫01‬ ‫)‬ ‫الدين بين دستور 1/6/9591 ومشروع الدستور التونسي 3102( ‬ ‫21‬ ‫»‬ ‫»‬ ‫»المحافظة على الفصل األوّ ل من دستور 9591 "الفصل المقدس": ‬ ‫ّ‬ ‫41‬ ‫»‬ ‫2‬ ‫»مقدمة: ‬ ‫21‬ ‫»المحافظة على شرط الدين اإلسالمي لرئيس الدولة: ‬ ‫71‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 3. ‫الدستور التونسي الجديد: صراع المرجعيّات والمصالح‬ ‫نادر الحمامي / باحث في الفكر االسالمي - تونس‬ ‫ّ‬ ‫مقدمة:‬ ‫رغــم تعــدد شــواغل التونســيين إثــر التحــول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياســي العميــق الــذي شــهدته تونــس منــذ ســنتين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونصــف، وكذلــك رغــم تــوزع تلــك المشــاغل علــى‬ ‫مجــاالت عديــدة منهــا مــا هــو سياســي، ومنهــا مــا هــو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجتماعــي واقتصــادي، فــإن قضيــة الدســتور التونســي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المرتقــب تبقــى أولويــة كبــرى فــي هــذه المرحلــة، كمــا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أنهــا تبقــى القضيــة األكثــر راهنيــة، وفرضــً لنفســها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فــي وســائل اإلعــام المختلفــة، وفــي نقاشــات النخــب‬ ‫ّ‬ ‫عمومــً، ال فــي هــذه الفتــرة فحســب، وإنمــا منــذ أن وقــع‬ ‫االختيــار الحاســم بتنظيــم انتخابــات عامــة أفــرزت مجلســً وطنيــً تأسيس ـيًا مهمتــه األولــى، نظريــً علــى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األقــل، وضــع دســتور جديــد للبــاد يخلــف دســتور ســنة 9591.‬ ‫ّ‬ ‫وبقطــع النظــر عــن الخــوض اآلن فــي جــدال قــد ال يجــدي نفعــً حــول مــدى صــواب هــذا التوجــه الــذي‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫نــادت بــه فئــات مــن الشــعب التونســي فــي األشــهر الثالثــة األولــى التاليــة لـــ 41/1/1102، عــوض اإلبقــاء علــى‬ ‫دســتور 9591، وإصــاح مــا علــق بــه مــن إخــاالت ناتجــة عــن تنقيحــات متكــررة، كرســت االســتبداد، وقضــت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫علــى إمكانيــات التــداول الســلمي والديمقراطــي علــى الســلطة، فــإن التعامــل ينبغــي أن يكــون مــع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مــا هــو موجــود علــى أرض الواقــع، وربمــا لــن نتمكــن مــن التقييــم الدقيــق للتجربــة إال بعــد المصادقــة‬ ‫ّ‬ ‫النهائيــة علــى الدســتور فــي قــراءة ثانيــة فــي المجلــس الوطنــي التأسيســي، أو المــرور إلــى االســتفتاء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشــعبي العــام، إن لــم يحــظ النــص المقتــرح بنســبة الثلثيــن فــي الجلســة العامــة، بــل ربمــا لــن نتمكــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مــن التقييــم إال بعــد دخــول الدســتور حيــز التطبيــق أص ـا.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن مــا نــروم تأكيــده هنــا، أن المســألة الدســتورية، وإن كانــت مســألة تنتمــي إلــى المجاليــن القانونــي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والسياســي، فــإن جوهرهــا بالنســبة إلينــا يبقــى حقوقيــً ثقافيــً، ومــن هــذه الزاويــة تحديــدًا نحــاول صياغة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جملــة مــن المالحظــات التمهيديــة قبــل إيــراد مقاليــن لباحثيــن مختصيــن فــي القانــون، ولكــن مشــغولين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أيضــً بقضايــا الحقــوق والحريــات التــي يطمــح التونسـيون أن يكــون دســتورهم الجديــد ضامنــً لهــا.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫3‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 4. ‫نقاشات لجان صياغة الدستور التونسي:‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن المتابــع ألعمــال لجــان صياغــة الدســتور التونســي صلــب المجلــس الوطنــي التأسيســي، ســيالحظ حتمــاً أن المســائل‬ ‫ّ‬ ‫الخالف ّــة بيــن الكتــل والمســتقلّين، تتركــز حــول محوريــن كبيريــن باألســاس، دارت حولهمــا نقاشــات طويلــة:‬ ‫ي‬ ‫»‬ ‫ّ‬ ‫»المحــور األوّ ل: سياســي بامتيــاز ويتعلــق بنظــام الحكــم؛ أي اختيــار نظــام برلمانــي دعــت إليــه أطيــاف مــن اليســار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونســي قبــل التخلــي عنــه، وتشــبّثت بــه حركــة النهضــة بالخصــوص إلــى وقــت غيــر بعيــد؛ االختيــار الثانــي،‬ ‫ّ‬ ‫يتمثــل فــي اإلبقــاء علــى نظــام رئاســي؛ واالختيــار الثالــث كان فيــه ســعي إلــى الجمــع بيــن النظاميــن، واالســتقرار‬ ‫ّ‬ ‫علــى نظــام سياســي مختلــط أو مــزدوج أطلــق عليــه البعــض اســم نظــام رئاســي معــدل، والبعــض اآلخــر اســم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫نظــام برلمانــي معــدل، ويبــدو، نظريــً علــى األقــل، أن هــذا النظــام المختلــط هــو مــا ســيقع عليــه االختيــار. ولكــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تجــدر اإلشــارة هنــا إلــى أن التوافــق "الشــكلي" لــم يمنــع فــي الحقيقــة مــن بــروز خالفــات تمــس جوهــر النظــام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المتوافــق عليــه ظاهريــً، وخاصــة فيمــا يتعلــق بمســألة توزيــع الصالحيــات بيــن رأســي الســلطة التنفيذيــة؛ أي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رئيــس الجمهوريــة، ورئيــس الحكومــة، ولعــل توســيع صالحيــات رئيــس الحكومــة يجعــل مــن النظــام القــادم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظامــً "برلمانيــً مقنعــً".‬ ‫ّ‬ ‫»‬ ‫ّ‬ ‫»أمــا المحــور الثانــي: الــذي دارت حولــه النقاشــات،‬ ‫ّ‬ ‫وهــو األهــم بالنســبة إلينــا فــي هــذا المقــام،‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فيتعلــق أساســً بالفصــول المتعلقــة بجانــب‬ ‫ّ‬ ‫الحقــوق والحريّــات التــي ســينص عليهــا الدســتور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونســي. وتتعلــق الخالفــات، فيمــا نحســب، ودون‬ ‫إطنــاب كثيــر فــي التحليــل، بمــا يمكــن أن نعتبــره‬ ‫مرجعيــات فكريــة وثقافيــة لألحــزاب والشــخصيّات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المشــكلة للمجلــس الوطنــي التأسيســي، وكذلــك‬ ‫لمرجعيــات مكوّ نــات المجتمــع المدنــي التونســي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التــي تقدمــت بمقترحــات عديــدة فــي هــذا الصــدد، ومارســت أيضــا ضغوطــً مــن منطلــق تصوّ رهــا للحقــوق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والحريــات التــي تــرى ضــرورة التنصيــص عليهــا دســتوريًّا، ولكــن أيضــً عــدم تقييدهــا أو إفراغهــا مــن محتواهــا أو‬ ‫ّ‬ ‫النــص علــى مــا يخالفهــا.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحتــى ال نحيــد كثيــرًا عــن اإلطــار المرســوم لهــذا التقديــم الســريع، يمكننــا تلخيــص المواقــف مــن مســألة‬ ‫ّ‬ ‫الحقــوق والحريــات وفــق المرجعيــات الفكريــة والثقافيــة إلــى ثالثــة أقســام بــارزة علــى األقل:‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫1.1هنــاك مــن يــرى فــي المرجعيــة الدينيــة خصوصــً مرجعيــة وحيــدة ينبغــي النظــر مــن خاللهــا إلــى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صياغــة الدســتور برمتــه، ومــن ضمنــه الحقــوق والحريــات.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫2.2ويوجــد فريــق ثــان، يقــول إنــه يســعى إلــى المــزج بيــن المرجعيــة الدينيــة ومنظومــة القيــم الكونيــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحديثــة المتعــارف عليهــا.‬ ‫4‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 5. ‫3.3أمــا الفريــق الثالــث، فيــرى فــي الحريــات بمختلــف أشــكالها ومظاهرهــا منظومــة كونيــة إنســانية ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هويــة لهــا، وعلــى هــذه الصــورة ينبغــي التنصيــص عليهــا وتبنيهــا.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يمكننــا التأكيــد أن القســم األول، وإن كان موجــودا، فــإن فاعليتــه، رغــم كثــرة الحديــث عنــه إعالميــً،‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تبقــى فاعليــة محــدودة لينحصــر الصــراع الفعلــي بيــن الفريقيــن الثانــي والثالــث؛ الفريــق الثانــي تمثلــه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أساســً كتلــة حركــة النهضــة وبعــض األحــزاب األخــرى، وكذلــك بعــض "المســتقلين"؛ والفريــق الثالــث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تمثلــه أساســً الكتلــة الديمقراطيــة، والبعــض اآلخــر مــن "المســتقلين".‬ ‫ّ‬ ‫لقــد تجســد الصــراع حــول المرجعيــات الفكريــة والثقافيــة فــي أشــكال مختلفــة، تبــدأ بطريقــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صياغــة فصــل مــا؛ حيــث تتــم محاصــرة مــا تــم النــص عليــه عبــر عبــارات أو تلميحــات مــن قبيــل "مــا لــم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يخالــف القانــون"، أو "بمــا يضبطــه القانــون"، أو "بمــا ال يخالــف تعاليــم اإلســام"، أو "بمــا ال يتعــارض مــع‬ ‫الهويــة العربيــة اإلســامية للشــعب التونســي".‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتجســد الصــراع أيضــً بمعارضــة إدراج مرجعيــة معينــة فــي الدســتور والمثــال البــارز علــى ذلــك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معارضــة تضميــن اإلعــان العالمــي لحقــوق اإلنســان، باعتبــاره مرجعيــة للحقــوق والحريــات، بحجــة تضمــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اإلعــان لمــا يخالــف "هويــة" التونسـيين. هــذا فضـا علــى النقاشــات الطويلــة حــول اعتبــار الشــريعة مصدرًا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫للتشــريع قبــل التخلــي عــن ذلــك، إضافة إلــى الجدل حــول عبــارة "ثوابت اإلســام" التــي اعتبرت لــدى العديد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مــن األطــراف والخبــراء والمنظمــات عبــارة فضفاضــة وعامــة؛ ألن مــا هــو ثابــت عنــد البعــض قــد ال يكــون‬ ‫ّ‬ ‫كذلــك عنــد البعــض اآلخــر. هــذا دون أن ننســى مــا يــدور إلــى اليــوم مــن نقاشــات حــول الفصــل األول مــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدســتور التونســي، والــذي أبقــي عليــه بصيغتــه األصليــة الــواردة فــي دســتور 9591، فلئــن حصــل االتفــاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حــول الصيغــة، فــإن الواضــح أنــه فصــل إشــكالي مــن جهــة الفهــم والتأويــل، خاصــة فيمــا يتعلــق بعبــارة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫"واإلســام دينهــا" المســبوقة بالجملــة التاليــة: "تونــس دولــة مســتقلة ذات ســيادة..."، ومــدار النقــاش: هــل‬ ‫ّ‬ ‫الضميــر المتصــل فــي لفــظ "دينهــا" يعــود علــى تونــس؛ أي الشــعب التونســي ذي الغالبيــة المســلمة أو هــو‬ ‫ّ‬ ‫يعــود علــى لفــظ "دولــة"؟ وهــذا التأويــل األخيــر رأى فيــه الكثيــرون انقالبــً علــى مبــدأ مدنيــة الدولــة.‬ ‫5‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 6. ‫ّ‬ ‫تــدل جملــة هــذه‬ ‫ّ‬ ‫النقاشــات، التــي أشــرنا‬ ‫إليهــا فــي عجالــة،‬ ‫بوضــوح علــى تداخــل‬ ‫القانونــي والسياســي‬ ‫ّ‬ ‫بالثقافــي والفكــري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فــي صياغــة الدســتور،‬ ‫ّ‬ ‫ولعــل هــذا التداخــل‬ ‫هــو مــا يمكــن أن‬ ‫نلمســه بجــاء مــن‬ ‫ّ‬ ‫خــال اطالعنــا علــى‬ ‫مدارهمــا‬ ‫نصيــن‬ ‫ّ‬ ‫الدســتور التونســي،‬ ‫وهــو يشــهد مخاضــه‬ ‫" ا لعســير " .‬ ‫ّ‬ ‫وهــذان النصــان مــن إنتــاج باحثيــن مختصيــن فــي القانــون، ولكــن النصيــن يــدالن علــى اهتمــام كبيــر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمســألة المرجعيــة الفكريــة والثقافيــة فــي مســتوى ارتبــاط بعــض مــواد الدســتور بالقضايــا الدينيــة، وأثــر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذلــك فــي مســتوى تصــور الحقــوق والحريــات ومســتنداتها فــي الدســتور التونســي المنتظــر.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فــي هــذا الســياق العــام نقــرأ لنضــال المكــي، وهــو مســاعد بكليــة العلــوم القانونيــة والسياســية‬ ‫واالجتماعيــة بتونــس، وعضــو وحــدة البحــث فــي القانــون الدولــي والمحاكــم الدوليــة، وعضــو مؤســس‬ ‫بمركــز تونــس للقانــون الدســتوري مــن أجــل الديمقراطيــة، وعنــوان مقالــه: "حقــوق اإلنســان فــي مشــروع‬ ‫ّ‬ ‫الدســتور التونســي"، قبــل أن نقــرأ آلمنــة البنــاري، وهــي باحثــة فــي القانــون العــام ومهتمــة بقضايــا العالقة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫بيــن المقــدس والقانــون، مقــاال بعنــوان "الديــن بيــن دســتور 1/6/9591 ومشــروع الدســتور التونســي 3102".‬ ‫ّ‬ ‫6‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 7. ‫حقوق اإلنسان في مشروع الدستور التونسي الجديد‬ ‫نضال المكي / الجامعة التونسية‬ ‫مقدمة:‬ ‫ال نبالــغ إذا قلنــا إن حقــوق اإلنســان تشــكل اليــوم روح الدســاتير؛ فهي التــي تضبط عالقــة المحكومين‬ ‫بالحــكام وعالقــات المحكوميــن فيمــا بينهــم، كمــا أنهــا تؤســس لقيــم المواطنــة والديمقراطيــة ودولــة‬ ‫القانــون. ولــذا فقــد كان مــن الطبيعــي أن تحتــل مســألة الحقــوق والحريــات منزلــة مركزيــة فــي المســار‬ ‫الدســتوري التونســي، وأن تشــغل بــال المؤسســين والسياســيين والمجتمــع المدنــي وعمــوم المواطنيــن.‬ ‫ونظــرًا ألن هــذه الورقــة ال تســمح بتنــاول مســألة دقيقــة، ومتشــعبة كالحقــوق والحريــات الدســتورية‬ ‫فــي كل تفاصيلهــا؛ فســنكتفي بإيــراد بعــض المالحظــات حــول حقــوق اإلنســان عامــة فــي المشــروع‬ ‫التونســي وحــول بــاب الحقــوق والحريــات بشــكل خــاص.‬ ‫ولئــن كان األمــر ال يــزال متعلقــً بمشــروع للدســتور لــم تقــع المصادقــة عليــه بعــد، فإنــه يمكننــا‬ ‫القــول إن المالمــح العامــة لــه قــد ارتســمت، ولــن يكــون للتنقيحــات المســتقبلية قبــل المصادقــة النهائيــة‬ ‫عليــه ســوى أثــر طفيــف.‬ ‫وســوف نتنــاول تباعــً مســألة مرجعيــة حقــوق اإلنســان فــي هــذا المشــروع (1) قبــل التعــرض للحقــوق‬ ‫المنصــوص عليهــا (2)، وانتهــاء إلــى طــرق تنظيــم الحقــوق الدســتورية (3)‬ ‫7‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 8. ‫مرجعية حقوق اإلنسان في مشروع الدستور التونسي:‬ ‫إن مســألة المرجعيــة المعتمــدة فــي حقــوق اإلنســان الدســتورية أمــر فــي غايــة األهميــة، إذ أن‬ ‫التنصيــص علــى قائمــة مطولــة مــن الحقوق قــد يكون غيــر ذي جــدوى إذا كان اإلطــار الفكري والفلســفي‬ ‫العــام لفهــم هــذه الحقــوق وتأويلهــا يــؤدي إلــى الحــد منهــا، بــل وإلغائهــا فــي أحيــان كثيــرة.‬ ‫ولذلــك، فقــد عمــدت العديــد مــن الدســاتير فــي أوروبــا الشــرقية وأمريــكا الالتينيــة وإفريقيــا، وخاصــة‬ ‫ً‬ ‫دســاتير الــدول التــي شــهدت انتقــاال ديمقراطيــً، إلــى التنصيــص علــى انخراطهــا فــي المنظومــة الكونيــة‬ ‫لحقــوق اإلنســان، ونصــت العديــد منهــا علــى نصــوص دوليــة خاصــة بحقــوق اإلنســان، وتحديــدًا اإلعــان‬ ‫العالمــي لحقــوق اإلنســان، والعهــد الدولــي للحقــوق المدنيــة والسياســية، والعهــد الدولــي للحقــوق‬ ‫االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة.‬ ‫بــل وذهبــت العديــد مــن الدســاتير إلــى التنصيــص علــى أن تأويــل أحــكام الدســتور والتشــريعات‬ ‫الداخليــة المتعلقــة بحقــوق اإلنســان يجــب أن يتــم فــي تــاؤم مــع هــذه النصــوص الدوليــة.‬ ‫ولقــد كانــت مســألة المرجعيــة الكونيــة إحــدى أهــم النقــاط التــي اســتدعت انتقــادات الذعة لمشــروع‬ ‫الدســتور التونســي فــي مختلــف نســخه المتعاقبــة. ورغــم عمليــات التجميــل التــي خضعــت لهــا العديــد‬ ‫مــن فصولــه، فقــد ظــل إلــى حــدود النســخة الثالثــة (22 أفريــل 3102) متســمًا بتحفــظ شــديد، (حتــى ال‬ ‫نقــول عدائيــة) إزاء المرجعيــة الكونيــة لحقــوق اإلنســان.‬ ‫ً‬ ‫ففضـا عــن أن هــذا المشــروع ال ينــص علــى أي مــن النصــوص الدوليــة الكبــرى لحقــوق اإلنســان، والتــي‬ ‫نجدهــا فــي دســاتير بلــدان االنتقــال الديمقراطــي التــي يدعــي المؤسســون التونســيون النســج علــى‬ ‫ّ‬ ‫منوالهــا، فهــو يهمــل التنصيــص علــى القانــون الدولــي العرفــي.‬ ‫والغريــب أن االنتقــادات الواســعة التــي وجهــت للمشــروع فــي هــذا المســتوى، والتــي دفعــت‬ ‫المؤسســين للتنصيــص علــى "مبــادئ حقــوق اإلنســان الكونيــة"، لــم تحــل دون ربــط هــؤالء للمبــادئ‬ ‫الكونيــة بخصوصيــات الشــعب التونســي الثقافيــة، بمــا يجعــل التنصيــص علــى الكونيــة غيــر ذي معنــى، إذ‬ ‫(1)‬ ‫أن المؤسســين يســترجعون باليــد اليســرى مــا قدمــوه باليــد اليمنــى.‬ ‫إن هــذه النظــرة الريبيــة للقانــون الدولــي بشــكل عــام والقانــون الدولــي لحقــوق االنســان بشــكل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫1  - لقد كانت عدائية املؤسسين للقانون الدولي وتحديدا للقانون الدولي لحقوق اإلنسان أكثرجالء في الفصل 51 من النسخة الثانية والذي نقح،‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأصبح يحمل عدد 12 في النسخة الثالثة، والذي كان يربط احترام تونس ملعاهداتها الدولية بعدم تعارضها مع الدستور وهذا يمثل نكرانا صارخا‬ ‫اللتزاماتنا الدولية.‬ ‫8‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 9. ‫خــاص، مأتاهــا المرجعيــة الفكريــة لعــدد كبيــر مــن المؤسســين الذيــن لــم يســايروا تطــور المجتمــع‬ ‫والقانــون الدولييــن، كمــا أنهــم فــي قطيعــة تامــة مــع التطــورات الحقوقيــة والقانونيــة واالجتماعيــة‬ ‫التــي حدثــت فــي تونــس، وهــذا مــا يفســر نزعتهــم لصياغــة دســتور يحمــل روح ونفــس خمســينيات القــرن‬ ‫الماضــي.‬ ‫الحقوق المنصوص عليها في‬ ‫مشروع الدستور التونسي:‬ ‫إن طابــع االنغــاق الــذي يســم‬ ‫مشــروع الدســتور التونســي ال يتجلــى‬ ‫فقــط فــي مســألة المرجعيــة العامــة‬ ‫لحقــوق اإلنســان، بــل وكذلــك فــي‬ ‫قائمــة الحقــوق المكرســة بنــص‬ ‫المشــروع؛ فلــم يــرد منــع لعقوبــة‬ ‫اإلعــدام، بــل وأكثــر مــن ذلــك، لــم يقــع‬ ‫التنصيــص علــى منــع هــذه العقوبــة ضــد‬ ‫األحــداث والنســاء الحوامــل والطاعنيــن‬ ‫فــي الســن.‬ ‫كمــا غابــت حريــة الضميــر إلــى حــد النســخة الثالثــة مــن المشــروع، وهنــاك مقترحــات عديــدة‬ ‫وضغوطــات مــن أكاديمييــن وحقوقييــن ومكونــات المجتمــع المدنــي؛ حتــى يقــع تالفــي هــذه الثغــرة‬ ‫بالتنصيــص عليهــا. كمــا أن ربــط حريــة المعتقــد بممارســة الشــعائر الدينيــة، قــد يوحــي ضمنيــً بأنــه تــم‬ ‫حصــر حريــة المعتقــد فــي اعتنــاق ديــن معيــن؛ حيــث إن المعتقــدات اإللحاديــة تكــون غيــر مشــمولة‬ ‫بالحمايــة.‬ ‫ورغــم كل التحســينات التــي أدخلــت علــى الفصــل المتعلــق بحقــوق المــرأة، فــإن الفصــل (24) مــن‬ ‫المشــروع الزال يتحــدث عــن ضمــان الدولــة لـــ "تكافــؤ الفــرص بيــن المــرأة والرجــل فــي تحمــل مختلــف‬ ‫المســؤوليات". وقــد اقترحــت منظمــات حقوقيــة عــدم االقتصــار فــي تكافــؤ الفــرص علــى المســؤوليات،‬ ‫بــل جعلــه يشــمل كل المجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة.‬ ‫هــذا وقــد أثــار مفهــوم "التكامــل" بيــن الرجــل والمــرأة الــذي وقــع اســتعماله فــي نســخة ســابقة‬ ‫مــن المشــروع اســتنكارًا واســعًا لــدى المواطنيــن والمنظمــات الحقوقيــة، لمــا يشــكله مــن خطــر علــى‬ ‫المســاواة الفعليــة والقانونيــة بيــن الرجــل والمــرأة.‬ ‫ويمكــن القــول، إن الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة التــي مثلــت عمــاد مطالــب مــن انتفضــوا فــي‬ ‫وجــه النظــام الدكتاتــوري، كانــت األقــل حظــً فــي بــاب الحقــوق والحريــات؛ حيــث تــم التنصيــص علــى‬ ‫9‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 10. ‫الحــق فــي العمــل والحــق النقابــي والحــق فــي التعليــم والحقــوق الصحيــة والتغطيــة االجتماعيــة، وهــي‬ ‫الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة الكالســيكية، وال تمثــل تطــورًا كبيــرًا قياســً بدســتور 9591. وللمقارنــة‬ ‫فقــط، فــإن دســتور بوليفيــا ينــص إلــى جانــب الحقــوق المذكــورة علــى الحــق فــي التشــغيل (وليــس فقــط‬ ‫الحــق فــي العمــل)، والحــق فــي المفاوضــات االجتماعيــة، والتــزام الدولــة باتبــاع سياســات تشــغيل تحفــظ‬ ‫العمــل وحقــوق العمــال، وعلــى حقــوق األشــخاص ذوي اإلعاقــة والمســاجين والمســتهلكين، وحقــوق‬ ‫النســاء واألطفــال والمتقدميــن فــي الســن، والحــق فــي الترفيــه...‬ ‫هــذا وقــد جــاء بــاب الحقــوق والحريــات فــي غيــر ترتيــب دقيــق، إذ نجــد مراوحــة بيــن األجيــال الثالثــة‬ ‫مــن الحقــوق. وقــد نبــه العديــد مــن المتابعيــن والمالحظيــن إلــى ضــرورة إدخــال نظــام وتناســق علــى هــذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البــاب منــذ النســخة األولــى، ومــع ذلــك وجدنــا هــذا االضطــراب فــي الترتيــب الــذي قلــل مــن وضــوح النــص‬ ‫ّ‬ ‫وتناســقه، فــي داللــة واضحــة علــى قلــة معرفــة المؤسســين، وإطالعهــم علــى الدســاتير المقارنــة مــن‬ ‫جهــة، وعلــى تعاملهــم القائــم علــى البارانويــا مــع نصــح أهــل الذكــر وإرشــادهم.‬ ‫تنظيم الحقوق الدستورية:‬ ‫مــن البديهــي أال تفهــم الحقــوق علــى‬ ‫ً‬ ‫إطالقهــا؛ فحريــة التعبيــر مثــا، ال تعنــي‬ ‫الحــق فــي ثلــب اآلخريــن، كمــا أنهــا ال تعنــي‬ ‫الحــق فــي الدعــوة إلــى التباغــض والكراهيــة‬ ‫والعنــف. كمــا أن حريــة التجمــع ال تعنــي‬ ‫الحــق فــي تكويــن عصابــة مجرميــن أو‬ ‫جماعــة مســلحة؛ وهــذا يعنــي أنــه ال بــد مــن‬ ‫تنظيــم ممارســة الحقــوق الدســتورية، وبيــان‬ ‫مداهــا وكيفيــة ممارســتها، حتــى ال ينجــر‬ ‫عنهــا مســاس بحقــوق اآلخريــن.‬ ‫ومــا نالحظــه فــي النســخة الثالثــة مــن‬ ‫مشــروع الدســتور التونســي، هــو احتفاظهــا عنــد تكريــس حــق مــن الحقــوق باإلحالــة للقانــون لتنظيمــه أو‬ ‫إلدخــال حــدود عليــه بصيــغ تتفــاوت فــي درجــة تهديدهــا، لتمتــع المواطــن بحقــه المعتــرف بــه دســتوريًا.‬ ‫ونجــد هــذه اإلحــاالت خاصــة فــي الفصــل 22 (الحــق فــي الحيــاة) والفصــل 42 (اختيــار مقــر اإلقامــة‬ ‫والتنقــل)، والفصــل 13 (الحــق فــي االجتمــاع والتظاهــر الســلمي) والفصــل 33 (الحــق النقابــي)، والفصــل 04‬ ‫(حريــة الــرأي والفكــر والتعبيــر واإلعــام والنشــر).‬ ‫01‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 11. ‫ورغــم أن بعــض هــذه الفصــول تؤكــد عنــد اإلحالــة للقانــون علــى عــدم جــواز مســاس هــذا األخيــر‬ ‫ً‬ ‫بجوهــر الحــق (الفصــان 03 و13)، فــإن فصــوال أخــرى تضــع ضوابــط فضفاضــة، وتســمح بإفــراغ الحــق‬ ‫الدســتوري مــن محتــواه (الفصــل 33: "يضبــط القانــون شــروط ضمــان ســامة المعــدات والتجهيــزات"‬ ‫والفصــل 04 :" قانــون يحمــي حقــوق الغيــر وســمعتهم وأمنهــم وصحتهــم")‬ ‫ورغــم مــا أثارتــه هــذه الطريقــة فــي اإلحالــة للقانــون المنظــم للحــق الدســتوري مــن انتقــادات‬ ‫لكونهــا تهــدد بإفراغــه مــن كل محتــوى، فإنهــا ال تــزال موجــودة فــي النســخة الثالثــة مــن المشــروع، ومــا‬ ‫ّ‬ ‫مــن أصــداء إلمكانيــة التخلــي عنهــا.‬ ‫وقــد اقتــرح أكاديميــون ومختصــون علــى المؤسســين إضافــة فصــل، يضبــط الشــروط التــي يمكــن‬ ‫معهــا إدخــال حــدود علــى الحقــوق الدســتورية، كتلــك التــي نجدهــا فــي الفصــل 63 مــن دســتور جنــوب‬ ‫إفريقيــا الــذي ينــص: "الحقــوق المنصــوص عليهــا بإعــان الحقــوق يمكــن الحــد منهــا بنــص تشــريعي وفــي‬ ‫ً‬ ‫الحــدود التــي يكــون فيهــا الحــد معقــوال ومبــررًا فــي مجتمــع منفتــح وديمقراطــي قائــم علــى الكرامــة‬ ‫اإلنســانية والمســاواة والحريــة وآخــذًا بعيــن االعتبــار كل العوامــل المناســبة ومنهــا:‬ ‫»‬ ‫»طبيعة الحق‬ ‫»‬ ‫»أهمية الهدف من الحد‬ ‫»‬ ‫»طبيعة الحد ومداه‬ ‫»‬ ‫»العالقة بين الحد والهدف منه‬ ‫»‬ ‫»ومراعاة أقل الوسائل لتحقيق الهدف"‬ ‫(2)‬ ‫إن اإلطــار الضيــق لهــذه الورقــة ال يســمح بتنــاول‬ ‫نقــاط أخــرى بمزيــد مــن التفصيــل، ولكــن مــن الواضــح أن‬ ‫عــدم اطــاع المؤسســين علــى االتجاهــات الجديــدة فــي‬ ‫المســارات الدســتورية بشــكل عــام، وفــي مجــال الحقــوق‬ ‫والحريــات خصوصــً، هــو الــذي ســمح لبعضهــم بالقــول‬ ‫إن الدســتور التونســي ســيكون مــن أفضــل الدســاتير‬ ‫فــي العالــم. ومــن المؤســف أن التعامــل السياســي‬ ‫واإليديولوجــي هــو الــذي طغــى علــى صياغــة الدســتور،‬ ‫وعلــى تعامــل المؤسســين مــع المختصيــن فــي القانــون‬ ‫عمومــً، والقانــون الدســتوري علــى وجــه لخصــوص. وإن كان مــن عبــرة نســتخلصها من المســار الدســتوري‬ ‫فــي تونــس ربمــا تكــون نافعــة لمــن ســيلينا فــي إعــداد دســتور؛ فهــي - أي كتابــة دســتور- أمــر مــن‬ ‫األهميــة بمــكان، حتــى ال يتــرك بأيــدي السياســيين وحدهــم.‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫2  - نجد في دستور جنوب إفريقيا جدوال مفصال في الفصل 73 بالحقوق التي ال يمكن الحد منها.‬ ‫11‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 12. ‫الدين بين دستور 1/6/9591 ومشروع الدستور التونسي 3102(3)‬ ‫آمنة البنّاري / باحثة في القانون العام بالجامعة التونسيّة‬ ‫مقدمة:‬ ‫بعــد طــول انتظــار طغــى عليــه الكــر والفــر، والخــاف والتوافــق، بــدأت تظهــر مالمح الدســتور التونســي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لمــا بعــد الثــورة. هــو دســتور أراده التونســيون ثوريــً وعاكســً آلمالهــم وطموحاتهــم، وقــد ثــاروا علــى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظــام عــرف لمــدة عقــود باالســتبداد والقمــع، وخنــق الحقــوق والحريــات المتعــارف عليهــا دوليــً.‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفــي حقيقــة األمــر، جــاءت الصيغــة الحاليــة لمشــروع الدســتور الصــادرة بتاريــخ 22/4/3102 بعــد صــدور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األولــى فــي 6/8/2102 والثانيــة فــي 41/21/2102، وهمــا صيغتــان بعيدتــان كل البعــد عــن انتظــارات مختلــف‬ ‫ّ‬ ‫أطــراف المجتمــع التونســي. وبالنظــر فــي الصيغــة الثالثــة، فإنــه يمكــن أن نالحــظ تقدمــً محمــودًا وإيجابيًا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫فــي حــد ذاتــه مــن جهــة، إال أن الصيغــة تحمــل كذلــك نقصــً مــن جهــة أخــرى، وهــو نقــص يحمــل فــي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طياتــه العديــد مــن "األلغــام القانونيــة"، وخاصــة فيمــا يتعلــق بالحقــوق والحريــات، ممــا جعــل العديــد‬ ‫ّّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مــن األحــزاب الديمقراطيــة ومكونــات المجتمــع المدنــي تمــارس ضغوطــً داخــل وخــارج قبــة المجلــس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطنــي التأسيســي، ومــن خــال تنظيــم النــدوات واالجتماعــات لتقييــم مشــروع الدســتور، وتقديــم‬ ‫مقترحــات جديــدة.‬ ‫ّ‬ ‫ينظــم الدســتور والقانــون الدســتوري بصفــة‬ ‫عامــة ثالثــة مواضيــع أساســية، هــي القواعــد القانونيــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمؤسســات السياســية، والقواعــد القانونيــة المتعلقــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالحقــوق والحريــات، وأخيــرًا القواعــد القانونيــة المتصلــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بكيفيــة وضــع القواعــد التــي يتركــب منهــا النظــام‬ ‫ّ‬ ‫القانونــي للدولــة؛(4) فالدســتور هــو الضامــن األساســي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لحقــوق الشــعب وحريتــه، رغــم أنــه ليــس الضامــن‬ ‫ّ‬ ‫الوحيــد.‬ ‫وســنقتصر فــي هــذه الورقــة علــى محاولــة تحليــل أكثــر المواضيــع حساسـية، ونقصــد مســألة الديــن‬ ‫ّ‬ ‫ومكانتــه فــي الدســتور التونســي، وهــي مســألة عــادت لتطــرح بقــوة خاصــة بعــد ســقوط نظــام بــن علــي.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ّ‬ ‫3 - مالحظة: كتب هذا المقال قبل اإلعالن عن مشروع الدستور في نسخته الرابعة إال أن المالحظات المثارة تبقى صالحة.‬ ‫4 - ‪Favoreu Loius, le droit constitutionnel, droit de la constitution et constitution du droit, in Revue française du droit‬‬ ‫.98 -27 ‪constitutionnel, n° 1, 1990, pp‬‬ ‫21‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 13. ‫ّ‬ ‫وقــد بــرز ذلــك بالخصــوص فــي مســتوى انتشــار الخطــاب الدينــي وتوغلــه فــي األماكــن الخاصــة والعامــة؛‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وثانيــً فــي مســتوى محــاوالت تســييس الديــن؛ وثالثــً بالنظــر إلــى وصــول حــزب ذي مرجعيــة إســامية إلــى‬ ‫ّ‬ ‫الســلطة بعــد انتخابــات 32/01/1102.‬ ‫ّ‬ ‫ *الســؤال المركــزي عندنــا: أي مكانــة يحتلهــا الديــن فــي مســودة الدســتور التونســي الثالثــة مقارنــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بدســتور 9591؟‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن مقارنــة مبدئيــة وســريعة بيــن النصيــن، تمكننــا مــن تبيــن أن نــص 3102 قــد أولــى مكانــة كبــرى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمســألة الدينيــة، وذلــك بالمحافظــة علــى بعــض مبــادئ ومــواد دســتور 9591 مــن جهــة، ولكــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المزيــد مــن التنصيــص علــى الديــن اإلســامي، واعتبــاره مرجعيــة أولــى مــن جهــة ثانيــة.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن المالحظــة البــارزة فــي هــذا الصــدد هــي التمســك المطلق بالفصــل األول مــن دســتور 9591، والذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقــر صراحــة بــأن تونــس دولــة دينهــا اإلســام، إضافــة إلــى اعتبــار اإلســام شــرطًا للترشــح لرئاســة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمهوريــة، وهمــا النقطتــان اللتــان ســنركز عليهمــا فــي هــذه الورقــة. وربمــا تكونــان فاتحــة لطــرح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قضايــا أخــرى تتعلــق بالمســألة الدينيــة فــي الدســتور التونســي.‬ ‫ّ‬ ‫31‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 14. ‫المحافظة على الفصل األول من دستور 9591 "الفصل المقدس":‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن تفســير النصــوص القانونيــة يخضــع عمومــً إلــى قواعــد معينــة، وجــب اعتمادهــا لفهــم محتواهــا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومغزاهــا. ومــن بيــن القواعــد وجــوب العــودة إلــى مقاصــد واضــع النــص القانونــي، وتقليــب الظــروف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحافــة بصياغتــه، خاصــة وأن عبــارة "اإلســام دينهــا" الــواردة فــي الفصــل األول مــن الدســتور التونســي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫"هــي عبــارة عامــة بــل فضفاضــة"(5) يمكــن أن تطــرح أكثــر مــن تســاؤل: هــل يقصــد بهــا ديــن الدولــة،‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫وبالتالــي المؤسســات القائمــة؟.. أو يقصــد بهــا ديــن األغلبيــة فــي الدولــة التونسـية؟ هــل يقتصــر معناهــا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫علــى البعــد الثقافــي أو يتجــاوز ذلــك ليكــون لــه بعــد سياســي؟ وبالتالــي يمكــن أن يحيــل ضمنيــً علــى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً ّ‬ ‫إمكانيــة إدراج "الشــريعة اإلســامية" مث ـا، حتــى وإن تــم التخلــي عــن التنصيــص عليهــا صراحــة مــن قبــل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(6)‬ ‫الحــزب الحاكــم.‬ ‫يمكــن أن نتبيــن المفهــوم الحقيقــي للفصــل األول مــن دســتور 9591 بالرجــوع إلــى مــداوالت المجلــس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القومــي التأسيســي، وهــي مــداوالت عكســت صراعــً ثقافيــً وفكريــً حــول تصــور ذلــك المجلــس لنظــام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(7)‬ ‫ّ‬ ‫البــاد بعــد االســتقالل وقيــام الجمهوريــة، وهــو صــراع يتلخــص فــي مســألة "الهويــة" أو باألحــرى البحــث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عــن الهويــة بعــد عقــود طويلــة مــن االســتعمار واالســتنزاف للمجتمــع التونســي والمجتمعــات العربيــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عمومــً. بمعنــى آخــر "هــل نتمســك باألصــول العربيــة اإلســامية كمــا كانــت فــي الزمــن األول لإلســام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونرفــض كل مــا أنجــزه الغــرب مــن إنتــاج مــادي وفكــري أم نحقــق النهضــة بإنجــاز المعادلــة بيــن تأصيــل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(8)‬ ‫الكيــان واالنفتــاح علــى اآلخــر"؟‬ ‫ّ‬ ‫لقــد تميــزت مــداوالت المجلــس القومــي التأسيســي مــن 6591 إلــى 9591 باالختــاف(9) والنقــاش اللذيــن‬ ‫ّ‬ ‫وصــا إلــى درجــة كبيــرة مــن الحــدة فــي بعــض األحيــان حــول المــادة األولــى مــن الدســتور. وقــد تمحــور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫االختــاف أساســً حــول موقــع الفصــل المتعلــق بديــن الدولــة أوال، وبالتنصيــص عليــه مــن عدمــه ثانيــً.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبالعــودة إلــى األعمــال التحضيريــة، يتضــح لنــا أن الحبيــب بورقيبــة، رئيــس الحكومــة آنــذاك، قــد قــدم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االقتــراح التالــي:‬ ‫» »المادة1: "تونس حرة ذات سيادة"‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫» »المادة2: "الشعب التونسي، صاحب السيادة، يباشرها على الوجه الذي يضبطه هذا الدستور"‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫5 - من مداخلة األستاذ سليم اللغماني بمناسبة الملتقى الّذي نظمته الجمع ّة التونس ّة للقانون الدستوري بتاريخ 22/8/2102.‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫6 - تم التطرق في مداوالت المجلس الوطني التأسيسي إلى إمكان ّة الحديث عن "الشريعة اإلسالم ّة" مصدرا من مصادر القانون الوضعي من قبل حزب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫حركة النهضة.‬ ‫7 - عياض بن عاشور، السياسة والدين والقانون في العالم العربي.‬ ‫8 - عبد الجليل بوقرة، المجلس القومي التأسيسي، الوالدة العسيرة لدستور 1 جوان 9591، دراسة تاريخ ّة، دار آفاق، تونس، 2102، ص 09.‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫9 - الصادق بلعيد، "الفصل األ ّل": تونس دولة حرة مستقلّة ذات سيادة اإلسالم دينها ..."، األحكام العا ّة للدستور، تونس في 32-42 جانفي 9002. ُشر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫في 0102، ص 53 وما بعدها.‬ ‫41‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 15. ‫» »المــادة3: "اإلســام ديــن الدولــة، والعربيــة لغتهــا، وهــي تضمــن حريــة المعتقــد، وتحمــي حريــة القيــام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(01)‬ ‫ّ‬ ‫بالشــعائر الدينيــة مــا لــم تخــل بالقانــون"‬ ‫ّ‬ ‫الحبيب بورقيبة‬ ‫يعكــس هــذا المقتــرح بجــاء هاجــس‬ ‫الحبيــب بورقيبــة إلرســاء مفهــوم الحريــة‬ ‫ّ‬ ‫وســيادة الدولــة، وهــو أمــر يتيســر فهمــه بالنظــر‬ ‫ّ‬ ‫إلــى مــا عاشــته البــاد التونســية مــن اســتعمار‬ ‫ّ‬ ‫وتبعيــة؛ فقــد كان مــن الطبيعــي أن يجســد أول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دســتور جــاء بعــد االســتقالل القيــم التــي فقدهــا‬ ‫الشــعب التونســي.‬ ‫أمــا المقتــرح الثانــي، فقــد قدمــه األســتاذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫"محمــد الشــاذلي النيفــر، والســيد صالــح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القلعــاوي"، وقــد نــص علــى هويــة الدولــة العربيــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلســامية فــي المــادة األولــى. وقــدم الســيد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫"محمــود الغــول" مقترحــا ثالثــً، وتمثــل فــي النــص‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أوال علــى أن "تونــس ديمقراطيــة مســتقلة ذات‬ ‫ّ‬ ‫(11)‬ ‫ســيادة كاملــة"‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعــد جــدل طويــل تــم التخلــي عــن عبــارة "تونــس دولــة عربيــة إســامية مســتقلة ذات ســيادة"،‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحلــت محلهــا عبــارة "تونــس دولــة حــرة مســتقلة ذات ســيادة، اإلســام دينهــا"، والســؤال المطــروح:‬ ‫ّ‬ ‫(21)‬ ‫مــا المقصــود بكــون اإلســام ديــن الدولــة التونســية؟ هــل بالمفهــوم السياســي والقانونــي، أو‬ ‫ّ‬ ‫بالمفهــوم التراثــي والثقافــي؟‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مثــل هــذا الســؤال مســألة مهمــة تتعلــق بإمكانيــات تأويــل الفصــل األول مــن الدســتور، وكان ذلــك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫01 - تم حذف "تونس دولة عرب ّة" والتنصيص على أن لغة الدولة هي العرب ّة وهذا ما يوضح مقصد السلطة التأسيس ّة األصل ّة أال وهو الحديث عن الدين‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أو اللغة باعتبارهما صفة للمجتمع التونسي وليس للدولة التونس ّة في حد ذاتها.‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫11 - اعتبر هذا المقترح أكثر االقتراحات جرأة إذ لم يتم التطرق سابقا إلى مسألة الديمقراط ّة والتنصيص عليها صراحة في المادة األولى للدستور وهو ما‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّر المتدرج للمفاهيم الغرب ّة كالديمقراط ّة والليبرال ّة ودولة القانون والحر ّة.‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يعكس مرة أخرى االختالفات الفكر ّة والتأث‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫21 - وهو االقتراح الّذي تم تقيمه أ ّل األمر.‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫51‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 16. ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫محــل نقــاش فــي مــداوالت المجلــس القومــي التأسيســي، وتميــزت النقاشــات بالتخــوف والتحفــظ مــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلقــرار بديــن الدولــة فــي صلــب الدســتور ال فــي التوطئــة، ولذلــك تعالــت األصــوات لتؤكــد علــى الصبغــة‬ ‫الثقافيــة والوصفيــة للفصــل األول، خاصــة مــع رفــض صيغــة "دولــة مســلمة" أو "دولــة إســامية".‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقــد نــادى الســيد "أحمــد المســتيري"(31) باالكتفــاء بالحديــث عــن الدولــة اإلســامية فــي التوطئــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(41)‬ ‫ّ‬ ‫لخلوهــا مــن أي صبغــة قانونيــة . والموقــف نفســه تبنــاه رئيــس الحكومــة "الحبيــب بورقيبــة، وعلــي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(51)‬ ‫ّ‬ ‫بلهــوان، والباهــي األدغــم". وفــي هــذا اإلطــار تميــزت مداخلــة "الحبيــب بورقيبــة" بالوضــوح، إذ أكــد علــى‬ ‫ّ‬ ‫ضــرورة عــدم االنــزالق وتأويــل العبــارة خــارج إطارهــا، بمعنــى "حصــر التعــرض فــي الدســتور إلــى هاتيــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المســألتين (أي فيمــا يتعلــق بالديــن واللغــة) فــي بعدهمــا الثقافــي فحســب؛ أي كــون اإلســام هــو ديــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشــعب التونســي فــي أغلبيتــه، وأن العربيــة هــي لغــة األغلبيــة فــي البــاد، وأوصــى باجتنــاب كل بعــد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(61)‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حكمــي فــي العبــارة التــي وقــع االتفــاق عليهــا فــي صيغتهــا الحاليــة". وبنــاء عليــه يفهــم بوضــوح مــن‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عبــارة "اإلســام دينهــا" صبغتهــا الوصفيــة المكرســة لثقافــة الشــعب التونســي وللدولــة ككل(71)؛ فالدين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلســامي هــو ديــن أغلبيــة األمــة بــدون أدنــى نقــاش، وللتأكيــد على غيــاب الطابــع الحكمــي لهــذه العبارة،‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبالرجــوع إلــى جــل الدســاتير العربيــة؛ فإننــا نالحــظ، خالفــً للدســتور التونســي، التنصيــص علــى مواقــف أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫قواعــد أخــرى متعلقــة بالديــن والنظــام القانونــي للدولــة، خاصــة فــي الــدول اإلســامية التــي اعتمــدت‬ ‫ّ‬ ‫علــى التطابــق بيــن الديــن اإلســامي ونظامهــا القانونــي (كدســتور الســودان، باكســتان، البحريــن، إيــران،‬ ‫المملكــة العربيــة الســعودية)؛ حيــث تقــر الدســاتير صراحــة بتطبيــق الشــريعة مصــدرًا وحيــدًا وأساس ـيًا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(81)‬ ‫ّ‬ ‫علــى األقــل للدولــة.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن مــا يمكــن تأكيــده هــو أن الدولــة التونسـية، لــم تخــرج عــن جذورهــا الثقافيــة العربيــة اإلســامية، إذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كرســت فــي المــادة األولــى مــن دســتورها فكــرة أن اإلســام ديــن الدولــة، كمــا أنهــا لــم تحــد عــن األغلبيــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الســائدة للدســاتير المقارنــة للدولــة اإلســامية؛ حيــث اعتمــدت مجموعــة منهــا العبارة نفســها كالدســتور‬ ‫ّ‬ ‫المغربــي والجزائــري والماليــزي.‬ ‫31 - بالنسبة إلى مداخلة الس ّد أحمد المستيري يمكن مراجعة مناقشات المجلس القومي التأسيسي، جلسة 41/4/6591، ص 61.‬ ‫ي‬ ‫41 - ّلت مكانة التوطئة في السلّ‬ ‫م القانوني وصبغتها اإللزام ّة مسألة تم ّزت بعدم االستقرار في أغلب األنظمة الدستور ّة، وقد أخذ المجلس الوطني‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫مث‬ ‫ّ‬ ‫التأسيسي الحالي ذلك بعين االعتبار إذ تم إدراج الفصل 831 في الصيغة الثالثة من مشروع الدستور وينص الفصل على أن "توطئة هذا الدستور جزء ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتجزأ منه"، وهو إقرار صريح ومحمود بإلزام ّة التوطئة وقيمتها الدستور ّة وبكل مبادئها. ويجدر التأكيد هنا على ضرورة التقليص أو الحذف الكلّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي لمختلف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫التناقضات في التوطئة الحال ّة ونذكر منها التناقض بين التنصيص على كون ّة حقوق اإلنسان بما ينسجم مع الخصوص ّات الثقاف ّة للشعب التونسي".‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫51 - " تونس دولة ..... اإلسالم دينها" هي الصيغة الّ‬ ‫تي اقترحها الس ّد الباهي األدغم.‬ ‫ي‬ ‫61 - الصادق بلعيد، المقال المذكور، ص 63.‬ ‫71 - تم التأكيد على الصبغة الوصف ّة في مداخلة الشيخ مح ّد النيفر بمناسبة أعمال ملتقى تحت عنوان "المجلس القومي التأسيسي"، مركز الدراسات‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫والبحوث والنشر، كلية الحقوق والعلوم القانون ّة بتونس، 6891، ص 381.‬ ‫ي‬ ‫81 - ,4791 ,‪p107. Yadh Ben Achour, Islam et constitution, in R.T.D‬‬ ‫61‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 17. ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يعتبــر هــذا الفصــل مــن الفصــول القالئــل التــي تــم االحتفــاظ بهــا فــي صيغتهــا األولــى، إذ كان محــل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫توافــق بيــن جميــع األطيــاف السياس ـية ومكونــات المجتمــع المدنــي، شــريطة أال يتــم تأويلــه مســتقبال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واســتعماله خالفــً لمــا قصــده واضعــوه منــذ أكثــر مــن نصــف قــرن؛ فــا مجــال العتمــاد الشــريعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلســامية علــى ضــوء هــذا الفصــل، كمــا أكــد األســتاذ عيــاض بــن عاشــور أن عبــارة "اإلســام ديــن الدولــة"‬ ‫ّ‬ ‫يخــرج الديــن مــن السياســة وال يدخلــه فيهــا.‬ ‫المحافظة على شرط الدين اإلسالمي لرئيس الدولة:‬ ‫جــاءت الصيغــة الثالثــة لمشــروع دســتور البــاد التونســية محافظــة كذلــك علــى الفصــل 04 مــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دســتور 9591 المتعلــق بشــروط الترشــح لرئاســة الجمهوريــة. وينــص الفصــل علــى أن "الترشــح لمنصــب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رئيــس الجمهوريــة حــق لــكل تونســي غيــر حامــل لجنســية أخــرى، مســلم، مولــود ألب وأم، وجــد ألب وألم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تونســيين، وكلهــم تونســيون بــدون انقطــاع".‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونالحــظ فــي البدايــة أن شــرط اإلســام هــو ثانــي الشــروط بعــد الجنس ـية، وهــو مــا يعكــس األهميــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البالغــة للجنس ـية الطبيعيــة لــكل مترشــح، وإن جــاءت الشــروط متالزمــة. أمــا المالحظــة الثانيــة، فتتمثــل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فــي تأخــر شــرط اإلســام زمنيــً؛ فالنــص األصلــي للدســتور لــم ينــص علــى ديــن رئيــس الدولــة؛ حيــث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اكتفــى المجلــس القومــي التأسيســي (9591) بالقــرار التالــي: "رئيــس الجمهوريــة هــو رئيــس الدولــة ودينــه‬ ‫ّ‬ ‫(91)‬ ‫اإلســام".‬ ‫لقــد تــم إدراج شــرط الديــن اإلســامي بمقتضــى التنقيــح الدســتوري المــؤرخ فــي 52/7/8891، وحافظت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫المســودة الثالثــة (3102) علــى شــرط إســام رئيــس الدولــة ضمــن الشــروط األخــرى، إال أنهــا حذفــت اإلقــرار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بهــذه الصفــة حيــث أصبــح ينــص الفصــل 07 علــى أن "رئيــس الجمهوريــة هــو رئيــس الدولــة ورمــز لوحدتهــا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يضمــن اســتقاللها واســتمراريتها ويضمــن احتــرام الدســتور".‬ ‫ّ‬ ‫جــاء هــذا الشــرط إذن متجانســً مــع‬ ‫تنصيصــات "الدســاتير األخــرى عليــه"، وإن‬ ‫تعــددت التنصيصــات، واختلفــت مــن دســاتير‬ ‫ّ‬ ‫تنــص صراحــة علــى شــرط إســام رئيــس‬ ‫ّ‬ ‫الدولــة إلــى أخــرى لــم تنــص عليــه بشــكل‬ ‫ّ‬ ‫واضــح. بالنســبة إلــى الفئــة األولــى، يمكــن أن‬ ‫ّ‬ ‫91 - الفصل 83 المنقح بالقانون الدستوري عدد 73 لسنة 6791 المؤرخ في 8/4/6791. راجع دستور الجمهور ّة التونس ّة في الذكرى الخمسين‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫إلصداره، التحد ّات الدستور ّة ومداوالتها، المجلّد األ ّل، تونس، 9002، ص 172 وما بعدها.‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫71‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 18. ‫نذكــر الدســتور الجزائــري، والدســتور األردنــي، والدســتور الباكســتاني، والدســتور الموريتانــي. أمــا بالنســبة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫إلــى الفئــة الثانيــة، فيمكــن أن ذكــر مثـا، الدســتور المغربــي، والدســتور اليمنــي، والدســتور اإليرانــي، وذلــك‬ ‫بالنظــر إلــى اعتمادهــا الصريــح علــى الشــريعة اإلســامية، أو لطبيعــة النظــام السياســي القائــم كالنظــام‬ ‫ّ‬ ‫(02)‬ ‫الملكــي فــي المغــرب.‬ ‫ّ ً‬ ‫أمــا بالنســبة إلــى االســتثناءات، فيمكــن الحديــث أوال عــن المثــال اللبنانــي، ثــم المثــال الســوري، بالنســبة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلــى الدســتور اللبنانــي، فهــو ال ينــص صراحــة علــى ديــن رئيــس الجمهوريــة إذ نــص الفصــل الســادس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مــن القانــون 171/ 0002 علــى وجــوب توفــر شــروط معينــة للترشــح، وهــي الجنس ـية اللبنانيــة منــذ أكثــر مــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عشــر ســنوات، والســن المحــددة بـــ 52 ســنة علــى األقــل، باإلضافــة إلــى شــرط التعليــم والتمتــع بالحقــوق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫السياســية والمدنيــة، مــع التســجيل فــي قائمــة الناخبيــن، إال أن الفقــه أضــاف شــرطًا إضافيــً متعلقــً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(12)‬ ‫ّ‬ ‫بالطائفــة؛ حيــث يشــترط أن يكــون مــن المســيحيين الموارنــة . أمــا فيمــا يخــص الدســتور الســوري، فإنــه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لــم يأخــذ بشــرط الديــن (دســتورا 9691 و3791).‬ ‫ّ‬ ‫وقــد نتجــت عــن هــذه المســألة مواقــف مختلفــة، إذ يفســر البعــض أن هــذا الشــرط عــام وغيــر دقيــق،‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصــة مــع االنســجام الثقافــي والدينــي الــذي يميــز الدولــة التونســية؛ فــا حاجــة لشــرط يتوفــر فــي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(22)‬ ‫ّ‬ ‫األغلبيــة الســاحقة للمواطنيــن، وهــو موقــف تــم الــرد عليــه مــن خــال بعــض المقــاالت التــي تبــرز أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التطــور فــي مفهــوم الديــن ذاهــب إلــى ضــرورة التعريــف بالمســلم تعريفــً دقيقــً، وليــس ناتجــً عــن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نشــأة المواطــن فــي مجتمــع إســامي. ومــن ناحيــة أخــرى، فــإن تطــور التنظيمــات الدينيــة قــد يــؤدي إلــى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حــدوث تنظيمــات دينيــة مختلفــة فــي مجتمــع مــا، وإن كان مجتمعــً متجانســً دينيــً.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتبيــن شــرط إســام رئيــس الدولــة، والــذي حافظــت مســودة الدســتور الثالثــة عليــه مــن خــال إلزاميــة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أداء اليميــن الدســتورية أمــام مجلــس النــواب، كمــا نــص علــى ذلــك الفصــل 24 مــن دســتور 9591 وقــد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أدخلــت علــى اليميــن بعــض التعديــات (الفصــل 47)؛ حيــث يــؤدي الرئيــس الجمهوريــة المنتخــب أمــام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجلــس النــواب اليميــن التاليــة: "أقســم بــاهلل العظيــم أن أحافــظ علــى اســتقالل تونــس وســامة‬ ‫ترابهــا، وأن أحتــرم دســتورها وتشــريعها، وأن أرعــى مصالحهــا، وأن ألتــزم بالــوالء لهــا".‬ ‫ّ‬ ‫02 - راجع كل هذه التنصيصات في: مح ّد محمود المدهون، مفهوم األ ّة في دساتير الدول العرب ّة، أطروحة دكتوراه في القانون العام، تونس، 4891.‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫12 - عمر حوري، القانون الدستوري، منشورات الحلبي الحقوق ّة، 9002، ص 412.‬ ‫ي‬ ‫22 - ‪Pierre Rondot, l'islam et les musulmans d'aujourd'hui, Paris, l'Orante, 1960, t2, 1960, p 166 et ss‬‬ ‫81‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬
  • 19. ‫ّ‬ ‫ويطــرح شــرط ديــن رئيــس الدولــة مســألة مهمــة تتعلــق بالنظــام السياســي للدولــة إذ ارتبــط هــذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشــرط بنظــام يتمتــع فيــه الرئيــس بأغلــب الصالحيــات، ونقصــد النظــام الرئاســي. والســؤال هنــا:‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫» »لــم لــم يتــم التطــرق إلــى شــرط إســام رئيــس الحكومــة في ظــل نظــام تريــده األغلبيــة الحاكمة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫نظامــً برلمانيــً فــي البداية؟‬ ‫ّ‬ ‫لقــد أســس دســتور 1/6/9591 نظامــً سياس ـيًا رئاس ـيًا تحــول علــى مــر العقــود، وبمقتضــى التنقيحــات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(32)‬ ‫الدســتورية، والقوانيــن الصــادرة لفائــدة الســلطة (قوانيــن علــى المقــاس) إلــى نظــام رئاســي غــول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الســلطة التنفيذيــة المتمحــورة فــي نهايــة األمــر حــول شــخص رئيــس الدولــة؛ لذلــك ودون الدخــول فــي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫نقــاش حــول النظــام السياســي األجــدر واألصلــح لمــا بعــد 41/1/1102 ، فإننــا نالحــظ تحــوال جذريــً وانتقــاال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واضحــً للصالحيــات مــن رئيــس الدولــة إلــى رئيــس الحكومــة، فلمــاذا لــم يتــم التنصيــص علــى شــرط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إســام رئيــس الحكومــة فــي ظــل نظــام برلمانــي معــدل أو نظــام مختلــط فــي أقصــى الحــاالت؟‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫32 - أُدخل على الدستور التونسي 41 تنقيحا إضافة إلى التعديالت الثالثة المتعلّقة بالفصلين 93و04 من الدستور.‬ ‫ِ‬ ‫91‬ ‫الدستور التونسي الجديد‬