SlideShare ist ein Scribd-Unternehmen logo
1 von 128
Downloaden Sie, um offline zu lesen
‫ّ‬
‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬
‫ّ‬

‫الـعـدد 3 - 3102‬
‫الفهرس‬
‫إضاءات:‬
‫	 •بين الشرف المنشود ... والتنظيم المفقود‬

‫أ. صـالح الـديـن معـاوي‬

‫5‬

‫الـملـف:‬
‫تنظيم البث الفضائي العربي :‬

‫«بين التشريعات القانونية والضوابط األخالقية»‬
‫	‬
‫	‬
‫	‬
‫	‬

‫•المدخل‬
‫•في ضرورات ضبط البث التلفزيوني وشروطه‬
‫•واقع البث الفضائي العربي وسبل تنظيمه‬
‫•نحو ميثاق شرف أخالقي لإلعالميين العرب‬

‫أ. محمد رؤوف يعيش‬
‫.د.نصر الدين لعياضي‬
‫د. إبراهيم بعزيز‬
‫د. خالد صالح الدين‬

‫6‬
‫8‬
‫81‬
‫82‬

‫وثيقة:‬

‫	 •وقائع الندوة  العلمية حول «تنظيم البث الفضائي العربي‬
‫                                               ومدى الحاجة إلى تشريعات في المجال»‬

‫إعالم جديد :‬

‫64‬

‫	 •وسائل التواصل الحديثة والديموقراطية التشاركية‬

‫د.بـوحنيـة قـوي‬

‫46‬

‫	 •اإلعالم اإللكتروني والمردودية االقتصادية‬

‫د.الصادق رابح‬

‫28‬

‫ّ‬
‫         كيف يتمثل المواطن جوهر الديموقراطية ؟‬

‫اإلبداع العربي :‬

‫	 •األعمال الدرامية الرمضانية لموسم (4341هـ/3102)‬

‫د. أمال قرامي‬

‫         هل نحن أمام معالجة فنية جديدة ؟‬

‫إذاعيات  :‬
‫	 •الراديو في العقد الثالث من هذا القرن : اآلفاق الممكنة؟‬

‫أ. فيجاي صادهو‬

‫مهنيات :‬
‫	 •تجربة اإلعالم السمعي البصري العربي في 05 سنة‬

‫د. عبد السالم محمد خير‬

‫09‬

‫89‬
‫701‬

‫أنشطة االتحاد :‬
‫	 •التعاون العربي الصيني : نحو الشراكة المتينة‬
‫	 •التلفزيون والخدمات السمعية البصرية حسب الطلب‬

‫611‬
‫711‬

‫متابعات‬
‫ّ‬
‫	 •فرنسا تلتحق باإلجماع األوروبي في البث اإلذاعي الرقمي‬

‫911‬

‫نافذة على هيئاتنا‬
‫	 • إذاعة صنعاء : الريادة والتميز‬

‫021‬

‫أ. عبد الملك عبداهلل العرشي‬

‫في المكتبة اإلعالمية‬

‫421‬

‫‪ Abstract‬ملـخص العدد باللغة اإلنجليزية‬

‫621‬
‫إ��ضـ ـ ـ ــاءات‬
‫بني ال�شرف املن�شود ... والتنظيم املفقود‬
‫بقلم الأ�ستاذ : �صالح الدين معاوي‬

‫ّ ّ‬
‫ال �شك �أن الدور املتنامي والت�أثري الطاغي للإعالم ال�سمعي والب�صري، والذي �شهد يف ال�سنوات الأخرية «انفجارا»‬
‫عدديا غري م�سبوق، هو الذي ي�ؤرق ال�ساهرين على املجال ال�سيادي للدول، وي�رقهم �أكرث، �أن ي�صبح هذا الطوفان‬
‫ؤّ‬
‫ّ‬
‫الإعالمي املنفلت خارج ال�سيطرة تـماما، عابرا للحدود، ملغيا كلّ‬
‫�أ�شكال الرقابة .‬
‫ُ‬
‫ويعك�س هذا القلق الوجودي - ال�سيا�سي الكبري، التخبط الذي يـميز املبادرات الـمتتالية، لـمحاولة �إيجاد �آليات‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫من �ش�أنها �أن ت�ضع احلدّ الأدنى من ال�ضوابط التي حتافظ بقدرٍما على م�صالح الدول و�سيادتها.‬
‫ّ‬
‫هذا التخبط يتجلى يف املعطيات التالية :‬
‫ّ‬
‫ال يـزال الـخلط وا�ضحا، فـي التـحرك الـر�سمي العربي، بني البحث عن �إيجاد ميثـاق �شرف �إعالمي عربي،‬
‫ّ‬
‫وو�ضع اتفاقية ملزمة لتنظيم البث الف�ضائي العربي .‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫فيما يتعلق بامليثاق، وهو �شريف بامتياز، ويوجد العديد منه يف الوطن العربي، ف�إنه يعني تنظيم عمل امل�ؤ�س�سات‬
‫الإعالمية، من اجلانب الأخالقي واملهني، وهو لي�س من م�شموالت ال�سلط العمومية، ولي�س له �أي ُبعد �إلزامي‬
‫ّ‬
‫وردعي، وبالتايل ال جدوى �سيا�سية من ورائه.‬
‫�أما وثيقة تنظيم البث الف�ضائي (على غرار الوثيقة الأوروبية)، فهي احللقة املفقودة يف امل�شهد الإعالمي العربي،‬
‫ّ‬
‫والتي جعلت من املنطقة العربية ، املنطقة الوحيدة يف العامل التي تفتقد �إىل تنظيم �أو معايري مهنية للبث الف�ضائي...‬
‫ُ‬
‫هذه الوثيقة و�ضعت �سنة 8002 فـي جامعـة الـدول العربيـة ، بعـد بحث وجهد جـهيد ، ثم قربت يف الرفوف‬
‫ُ‬
‫ب�صفتها «اال�سرت�شادية» ومل يعاود النظر فيها �أو تدار�س �سبب ف�شلها.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫�إن ف�شل كل املحاوالت ال�سابقة من قبل النظام الر�سمي العربي يف و�ضع �آليات ل�ضبط البث الف�ضائي العربي،‬
‫ّ‬
‫ح�سب املعايري الأخالقية واملهنية ال�سائدة دوليا، يربز جليا �أن املدخل الر�سمي لإعداد هذه الوثيقة املن�شودة وال�ضرورية‬
‫واحليوية، هو يف الواقع مدخل خاطئ.‬
‫ّ‬
‫مثل هذه املواثيق الإعالمية املهنية ال ت�صدر عن احلكومات بل عن م�ؤ�س�سات �أهل املهنة، لأن يف ذلك �أح�سن �ضمان‬
‫لعدم توظيفها �سيا�سيا، و�أف�ضل �سبيل اللتزام املهنيني بتطبيقها الحقا، ما دامت انبثقت عنهم.‬
‫ّ‬
‫«التوجيه الأوروبي» امل�شهور �أعدّ ه احتاد �إذاعات الدول الأوروبية و�أقره الربملان الأوروبي وتنفذه الهيئات التعديلية‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫عن كل دولة �أوروبية ... �أما نحن يف العامل العربي، ف�إن وجد اتـحاد �إذاعات عربية، فال �صالحيات لربلـمان عربي‬
‫ْ ُ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫يف املجال، وال م�ؤ�س�سات تعديلية يف كل البلدان العربية...‬
‫هذا هو حالنا العربي : هناك م�أزق �سيا�سي وا�ضح يف جمال تنظيم البث الف�ضائي، وهناك �ضعف م�ؤ�س�سات التمثيل‬
‫املهني يف ذات املجال، وهناك �أي�ضا غياب للأطر القانونية املالئمة لو�ضع �آليات التنفيذ لأي وثيقة تنظيمية .‬
‫ّ‬
‫ويبقى احلديث ممجوجا وال�سعي م�شكورا ... وال جدوى يف الأفق !‬

‫5‬
‫امللف‬

‫الـمـ‬
‫ـلــ‬
‫ف‬

‫تنظيم البث الف�ضائي العربي‬
‫«بني الت�شريعات القانونية وال�ضوابط الأخالقية»‬

‫�أ.حممد ر�ؤوف يعي�ش‬

‫المدخل‬
‫يثري ملف هذا العدد مو�ضوع :‬
‫تنظيم البث الف�ضائي العربي‬
‫«بني الت�رشيعات القانونية وال�ضوابط الأخالقية»‬
‫وهو من املوا�ضيع احليوية التي باتت ت�شغل بال املهنيني‬
‫ّ‬
‫واخلرباء يف القطاع، و�سط ما يعرف اليوم «بالفو�ضى‬
‫ُ‬
‫الإعالمية الف�ضائية» التي من �أبرز مظاهرها التزايد‬
‫املذهل لعدد القنوات الف�ضائية العربية، وافتقاد البث‬
‫الف�ضائي لت�رشيعات قانونية حتكم تنظيمه وتعمل على‬
‫حمايته من االنزالقات واالنحرافات ...‬
‫وتطالعنا يف امللف ثالث درا�سات تول �إعدادها‬
‫ىّ‬
‫�أ�ساتذة جامعيون خمت�صون يف العامل العربي.‬
‫من هذه الدرا�سات ما �ست�سلّط ال�ضوء على واقع‬
‫البث الف�ضائي العربي و ما يعرتيه من تداخل وانعدام‬
‫ّ‬
‫تنظيم، مع حماولة الك�شف عن دواعي ظاهرة الفو�ضى‬
‫والعوامل الرئي�سية التي كانت �سببا يف �إحداثها .‬
‫فاملتابع لل�ش�أن العربي عموما، ولل�ساحة الإعالمية‬
‫العربية على وجه اخل�صو�ص، يدرك مدى تزايد عدد‬
‫القنوات التلفزيونية التي غمرت الف�ضاء االت�صايل‬
‫يف ال�سنوات الأخرية، واختالف اجتاهاتها وم�شاربها،‬
‫وال�سيما �إثر التحوالت اجلذرية التي ع�صفت ب�أنظمة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫بع�ض البلدان العربية وحلول �أنظمة جديدة مكانها،‬
‫مع ما رافق ذلك من حالة عدم ا�ستقرار يف املجاالت‬
‫ال�سيا�سية والأمنية والإعالمية. وقد �أ�سهمت هذه‬
‫6‬

‫الظروف يف �إ�ضعاف قدرة الأنظمة العربية على �إيجاد‬
‫الأر�ضية املالئمة للتن�سيق والتعاون من �أجل تنظيم‬
‫البث الف�ضائي العربي، بل �إن حالة الالّ�ستقرار ال�سائدة‬
‫ّ‬
‫هنا، وكرثة اخلالفات والنزاعات القائمة هناك، �أف�ضت‬
‫�إىل �إجها�ض املبادرات التي مت �إطالقها �إىل حد الآن .‬
‫ّ‬
‫و�سيعر�ض املقال املقرتح �أهم هذه املبادرات العربية،‬
‫كما �سيبينّ الوظائف التي ت�ؤديها الت�رشيعات والقوانني.‬
‫ّ‬
‫و�سيتم الرتكيز على �أهمية تنظيم البث الف�ضائي العربي‬
‫ّ‬
‫من خالل التو�صل �إىل �إ�صدار ت�رشيعات كفيلة ب�أن حتمل‬
‫ّ‬
‫�سائر القنوات والف�ضائيات العربية والعاملني فيها، على‬
‫االلتزام وفق هذه القواعد القانونية واحرتام بنودها.‬
‫وتتحدث درا�سة �أخرى يف �رضورات �ضبط البث‬
‫ّ‬
‫التلفزيوين و�رشوطه، حيث �إن هذه العملية ال ت�سعى �إىل‬
‫الت�ضييق على حرية الإعالم املرئي، بل تروم حتقيق‬
‫جملة من التوازنات التي تتعاظم �أهميتها يف ظل‬
‫ّ‬
‫التغيرّات االقت�صادية وال�سيا�سية والتقنية والثقافية‬
‫التي نعي�ش على وقعها اليوم، من ذلك، التوازن بني‬
‫احلقوق الأ�سا�سية للأ�شخا�ص ومتطلّبات املجتمع،‬
‫والتوازن بني م�س�ؤوليات الدولة يف امل�ستوى الإعالمي‬
‫والثقايف والفنّي وفاعلية ال�سوق، والتوازن بني ا�ستقاللية‬
‫ّ‬
‫الهيئات املكلّفة بال�ضبط، وال�سيا�سات الوطنية التي‬
‫ت�ضعها الدولة يف القطاع ال�سمعي الب�رصي. ف�ضبط البث‬
‫التلفزيوين هو مبثابة االلتزام القانوين الذي تفر�ضه‬
‫عوامل عدة، من بينها تكري�س احلق يف الإعالم و�ضمان‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫حرية التعبري عرب البث التلفزيوين، وتعزيز اخلدمة‬
‫العامة يف التلفزيون باعتباره مرفقا عموميا، وحتديد‬
‫�رشوط توزيع موجات البث الإذاعي والتلفزيوين،‬
‫وت�أطري املناف�سة بني القنوات التلفزيونية، من خالل‬
‫التدخل يف م�ضامني املواد والربامج التلفزيونية،‬
‫ّ‬
‫وتقنني ن�شاط الهيئة امل�ستقلّة عن ال�سلطة التنفيذية،‬
‫واملخول لها بال�سهر على مراقبة مدى االلتزام ب�أحكام‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫�ضبط البث التلفزيوين.‬
‫وت�شري الدرا�سة �إىل التطور التّقني الذي �أحدث تغيريا‬
‫ّ‬
‫كبريا يف �أمناط البث وا�ستقباله، على نحو جعل تلقّي‬
‫الربامج التلفزيونية غري حم�صور يف �شا�شة التلفزيون،‬
‫بل امتد �إىل �أجهزة متطورة على غرار احلا�سوب واللّوح‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الإلكرتوين والهاتف الذكي.‬
‫واهتم امللف مبواثيق ال�رشف الأخالقية، مبا هي‬
‫ّ‬
‫الإطار الذي يحدد للإعالميني وم�ؤ�س�سات البث العربية‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫املعايري املهنية و�أخالقيات العمل الإعالمي.‬
‫وتورد الدرا�سة التي �أعدت للغر�ض حتليال نقديا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ملختلف الإ�شكاليات ذات العالقة ب�إجناز هذه املواثيق‬
‫وتفعيلها يف البيئة الإعالمية عربيا وعامليا.‬
‫وترتبط هذه الإ�شكاليات:- ب�آليات �صياغة مواثيق‬
‫ّ‬
‫ال�رشف الإعالمية، ومدى توافق الإعالميني على املبادئ‬
‫التي تت�ضمنها، يف نطاق مفاهيم التنظيم الذاتي‬
‫ّ‬
‫للإعالم، بعيدا عن الو�صاية احلكومية.‬
‫وباملرتكزات التي تقوم عليها هذه املواثيق ومدى‬‫ارتباطها بال�سيا�سات الإعالمية ومراعاتها خل�صو�صيات‬
‫البلدان الثقافية والأقاليم اجلغرافية املعينة - وكذلك‬
‫ّ‬
‫بالآثار ال�سلبية الناجمة عن االنتهاكات الأخالقية يف‬
‫ال�ساحة الإعالمية العربية، والتي ا�شتد ن�سق وتريتها‬
‫ّ‬
‫يف غياب االلتزام مبيثاق ال�رشف الإعالمي العربي.‬
‫كما ترتبط بتطوير الت�رشيعات الإعالمية العربية‬
‫وب�آليات تطوير ميثاق ال�رشف الإعالمي العربي، يف ظل‬
‫ّ‬
‫التحديات التي �أفرزتها العوملة الإعالمية والتغيرّات التي‬
‫ّ‬
‫ميزت احلراك العربي منذ ما يقارب الثالثة �أعوام �إىل اليوم.‬
‫ّ‬
‫هذا ويتوج امللف بعر�ض وثيقة تعك�س وقائع‬
‫ّ‬
‫ُ ّ‬
‫الندوة العلمية التي �أقامها احتاد �إذاعات الدول العربية‬

‫واللجنة العليا للتن�سيق بني القنوات الف�ضائية العربية‬
‫يف �شهر �أبريل 3102 بالعا�صمة الأردنية عمان حول‬
‫ّ‬
‫«تنظيم البث الف�ضائي العربي ومدى احلاجة �إىل‬
‫ت�رشيعات يف املجال».‬
‫وناق�ش امل�شاركون يف الندوة هذه املحاور :‬
‫املرجعية القانونية يف �ضبط البث الف�ضائي العربي‬
‫الو�ضعية القانونية للبث الف�ضائي العربي بني وحدة‬
‫ّ‬
‫وتعدد القوانني املنظّمة للقنوات الف�ضائية والتوجه �إىل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫قواعد موحدة ب�ش�أن تراخي�ص البث الف�ضائي العربي،‬
‫ّ‬
‫جتلّيات االختالف بني القنوات الف�ضائية التابعة‬
‫للقطاعني العام واخلا�ص،‬
‫نحو حتيني القوانني املنظّمة للقنوات الف�ضائية من‬
‫�أجل مواكبة التطورات،‬
‫ّ‬
‫�إقرار ميثاق �رشف �أو مدونة �أخالقيات للبث الف�ضائي‬
‫ّ‬
‫العربي...‬
‫مدى ت�أثري القنوات الف�ضائية العربية على املجال‬
‫ال�سيادي للبلدان العربية‬
‫البث الف�ضائي العربي و�أثره الإيجابي وال�سلبي‬
‫على املجال ال�سيادي للدول العربية،‬
‫نحو �سيا�سة وا�ضحة من �أجل تنظيم ن�شاط البث‬
‫الف�ضائي العربي، والعمل على عدم جتاوزه لقوانني‬
‫الإعالم واالت�صال بالبلدان العربية،‬
‫التن�سيق العربي والدويل يف �سبيل مواجهة القنوات‬
‫الف�ضائية املخلّة بالقوانني الدولية وبالقيم الإن�سانية،‬
‫التزام القنوات الف�ضائية العربية بقواعد االحتكام‬
‫لق�ضاء البلدان العربية املت�رضّرة �أو ملركز عربي‬
‫للتحكيم ذي قواعد حتكيم جوهرية و�إجرائية خمت�صة‬
‫ّ‬
‫يف منازعات الإعالم واالت�صال.‬
‫م�شـــكالت التداخل والت�شوي�ش ال�ساتلي على البث‬
‫التلفزيوين الف�ضائي يف املنطقة العربية‬
‫التداخل : (�أنواعه وم�شكالته و�أ�شكاله والرتتيبات‬
‫القانونية والتقنيــــــــة املطلوبــــــــة للحد منه)‬
‫ّ‬
‫دور اجلهات الدولية والإقليمية وم�شغّلي ال�سواتل‬
‫يف هذا امل�ضمار.‬
‫7‬
‫امللف‬
‫ّ‬
‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬
‫ّ‬

‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬
‫د. ن�صر الدين لعيا�ضي‬
‫كلية االت�صال – جامعة ال�شارقة‬

‫يعرف ال�ضبط ب�أنه‬
‫ُ‬
‫امل�سار الذي يعتمد‬
‫ُ‬
‫مبوجبه �سلوك‬
‫منظمة ما معقدة‬
‫�أو يعدل وفق قواعد‬
‫ُ ّ‬
‫ومعايري.‬

‫�إنّ الـحاجة �إلـى �إعادة �ضبط البث التلفزيوين فـي املنطقة العربية جت ّلت، ب�شكل وا�ضح، منذ مدة طويلة،‬
‫لكن النقا�ش حولها مل ينطلق، مع الأ�سف بعد. هذا ال يعني بتاتا غياب امللتقيات والندوات التي تعقد يف‬
‫هذا البلد العربي �أو ذاك، والتي ت�شري �إىل بع�ض الفراغ القانوين الذي يعاين منه البث التلفزيوين فـي املنطقة‬
‫العربية �أو عدم مواكبته للتطور التكنولوجي احلا�صل يف عامل االت�صال اليوم، خا�صة بعد �أن تزايد عدد القنوات‬
‫التلفزيونية التي تبث براجمها من داخل الدول العربية، وتن ّوعت �أمناط ملكيتها و�أ�شكال متويلها، وتعددت‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مرجعياتها ال�سيا�سية والثقافية.‬
‫غري �أنّ النقا�ش يف العديد من هذه امللتقيات انزلق، مع الأ�سف، من احلديث عن �ضبط ‪Regulation‬‬
‫البث التلفزيوين �إىل احلديث عن �ضبطه ذاتيا ‪ .Self Regulation‬واخت�صر هذا ال�ضبط الذاتي فـي الدعوة‬
‫�إىل �إ�صدار مواثيق لأخالقيات الإعالم. وبالفعل، لقد ا�ستجابت بع�ض القنوات التلفزيونية العربية لها، و�أ�صدرت‬
‫مواثيق خا�صة بها، لكنها مل تتق ّيد بها، مع الأ�سف، يف املمار�سة. وال�سبب يف ذلك ال يعود فقط �إىل م�ضمونها‬
‫الذي ُيعد �ضربا من “املواعظ” املهنية. وال يرجع �إىل كونها ال تـم ّيز الأخالق عن الأخالقيات، بل يعود، �أي�ضا،‬
‫ّ‬
‫�إىل عدم �إدراك �أنّ ال�ضبط الذاتي هو �شكل من التناغم بني القوانني وامل�س�ؤوليات.1 فماذا بو�سع الأخالقيات‬
‫القيام به يف جمال البث التلفزيوين يف ظل غياب الإطار القانوين العام الذي ي�ضبطه، �أو يف وجود هذا الإطار‬
‫جم ّردا من الأدوات امل�ستقلة التي ت�سهر على جت�سيده ؟‬
‫للم�ساهمة يف النقا�ش حول �ضبط البث التلفزيوين وت�أطريه، ميكن االنطالق من الأ�سئلة املفتاحية التالية:‬
‫ما هي �ضرورات �ضبط هذا البث؟ ومن ي�ضبطه؟ وما هي �آليات �ضبطه.‬

‫يف معنى ال�ضبط ومع�ضالته:‬
‫يع ّرف فقهاء القانون ال�ضبط ‪ Regulation‬بـ�أنه امل�سار الذي مبوجبه ُيعتمد �سلوك منظومة ما معقّدة �أو ُيعدل‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫وفق قواعد ومعايري.2 ويرون �أنّ غايته فـي جمال البث التلفزيوين تتمثّل فـي تـحقيق جمموعة من التوازنات‬
‫التي تتعاظم �أهميتها يف ظل التغريات االقت�صادية وال�سيا�سية والتقنية والثقافية اجلارية يف املجتمع. نذكر منها:‬
‫8‬
‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬

‫التوازن بني احلقوق الأ�سا�سية للأ�شخا�ص ومتطلبات املجتمع. والتوازن بني م�س�ؤوليات الدولة على ال�صعيد‬
‫الإعالمي والثقايف والفني وفاعلية ال�سوق، والتوازن بني ا�ستقاللية الهيئات املك ّلفة بال�ضبط وال�سيا�سات الوطنية‬
‫التي ت�صوغها الدولة يف القطاع ال�سمعي- الب�صري، والثقايف ب�صفة عامة.‬
‫ت�سوق الباحثة الربيطانية واخلبرية يف جمال الت�شريعات الإعالمية، �إيف �سلومون 3 ‪،Eve Salomon‬‬
‫جمموعة من العوامل التى تراها �ضرورية، وت�ستدعي �ضبط البث التلفزيوين، نحاول اخت�صارها يف النقاط التالية:‬
‫1 - حماية احلقوق الأ�سا�سية للمواطن وح ّرياته، منها احلق يف االطالع واملعرفة، واحلق يف حماية احلياة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ال�شخ�صية �أو اخل�صو�صية، وح ّرية التعبري، والعمل على تر�سيخ الدميقراطية وحماية تعددية الر�أي والإعالم.‬
‫2 - توجيه ن�شاط القنوات التلفزيونية نحو االرتقاء بالثقافة الوطنية وحمايتها، خا�صة يف املجتمعات التي‬
‫تقاوم ذوبان ثقافتها يف مد “العوملة” �أو التي ت�سعى �إىل احلفاظ على لغتها الأ�صلية �أو تعدديتها الل�سانية والثقافية.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫فالكثري من الدول الأوروبية توظف قنواتها التلفزيونية لن�شر لغاتها املحلية �أو �إنتاجها ال�سمعي- الب�صري الذي‬
‫ال يحظى ب�سوق وا�سعة. لذا تفر�ض على القنوات التلفزيونية، ب�صرف النظر عن طبيعة ملكيتها القانونية، �سقفا‬
‫من الإنتاج ال�سمعي-الب�صري الوطني �أوال، ثم قدرا من الإنتاج الأوروبي، و�أخريا حدا من الإنتاج الأمريكي.‬
‫ّ‬
‫3 - جت�سيد فل�سفة الدولة يف جمال اال�ستثمار يف القطاع ال�سمعي- الب�صري بالإجابة العملية عن الأ�سئلة التالية:‬
‫	 •�إىل �أي حد ميكن ت�شجيع اال�ستثمار الأجنبي يف القطاع ال�سمعي-الب�صري ؟‬
‫ّ ّ‬
‫	 •وما هي الوظائف التي توكل �إليه ؟‬
‫	 •�أو ما هي الآليات التي يجب اتخاذها للحد من جربوته؟ وما هي جماالت التعاون الأجنبي يف جمال‬
‫ّ‬
‫البث التلفزيوين؟‬
‫ّ‬
‫	 •ما هي الآليات التي تتحكم يف املناف�سة العادلة يف جمال البث التلفزيوين، وتت�صدى لالحتكار؟‬
‫ّ‬
‫فغني عن القول �إنّ التكنولوجية الرقمية واملواءمة التكنولوجية ‪Technological convergence‬‬
‫ّ‬
‫ت�س ّهل عملية احتكار ملكية و�سائل الإعالم، وت�س ّرعها متجاوزة يف ذلك القيود التي و�ضعت ل�ضبطها يف �أثناء‬
‫هيمنة التكنولوجية التناظرية.‬
‫بالطبع، �إنّ �ضبط البث التلفزيوين يحمل القنوات التلفزيونية ذات امللكية العامة جمموعة من امل�س�ؤوليات‬
‫ّ‬
‫التي قد تختلف عن تلك التي ت�ضطلع بها القنوات التلفزيونية التجارية �أو ذات امللكية اخلا�صة. لذا تقن‬
‫نّ‬
‫الت�شريعات مهام القنوات التلفزيونية التابعة للقطاع العام وحتدد �أدوارها، وتر�سم �أ�شكال التمويل التي ت�ؤهلها‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لال�ضطالع بهذه املهام باعتبارها مرفقا عاما. وتبينّ �أ�شكال �إعانتها ماليا، بكل �شفافية. وتن�ص على �أ�شكال‬
‫ّ‬
‫حما�سبتها يف الأطر النظامية املالئمة لذلك عن كيفية �صرفها للأموال التي جنتها �أو منحت لها.‬
‫فمن املعلوم �أنّ مفهوم اخلدمة العمومية قد تبلور يف ظل االقتناع ب�أنّ القطاع اخلا�ص �أو ال�سلطات التنفيذية‬
‫تعجز عن االلتزام مبتطلبات اخلدمة التلفزيونية الرامية �إىل حتقيق املنفعة العامة. لذا �أوكلت �إىل القنوات التلفزيونية‬
‫م�س�ؤولية القيام بها، و�شخ�صتها على ال�صعيد القانوين والإجرائي. ك�إلزام القناة التلفزيونية باال�شرتاك فـي �إنتاج‬
‫ّ‬
‫مواد تلفزيونيـة وطنيـة، والبث لـمدة مع ّينـة بلغـة حمليـة �أو وطنيـة، �أو بث ن�سبة مع ّينـة من الربامج الثقافـيـة‬
‫ّ‬

‫�إن �ضبط البث‬
‫ّ‬
‫التلفزيوين يحمل‬
‫ّ‬
‫القنوات ذات‬
‫امللكية العامة‬
‫جمموعة من‬
‫امل�س�ؤوليات التي‬
‫قد تختلف عن تلك‬
‫التي ت�ضطلع بها‬
‫القنوات التلفزيونية‬
‫التجارية �أو ذات‬
‫امللكية اخلا�صة.‬

‫9‬
‫امللف‬
‫ّ‬
‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬
‫ّ‬

‫حتى ال تكون‬
‫ال�سلطة التنفيذية‬
‫هي اخل�صم واحلكم‬
‫يف �آن واحد‬
‫يف جمال البث‬
‫التلفزيوين، ين�ص‬
‫ّ‬
‫امل�رشّعون على‬
‫�إن�شاء هيئة مكلّفة‬
‫ب�ضبطه تتمتع‬
‫با�ستقاللية عن‬
‫�سلطة ال�سيا�سة‬
‫و�سلطة املال.‬

‫01‬

‫التي �شاع عنها �أنها ال حتظى بكرثة �إقبال امل�شاهدين على متابعتها، كما تزعم بع�ض مراكز البحث و قيا�س امل�شاهدة‬
‫التلفزيونية. والبث الأ�سبوعي لربامج دينية تعك�س تعددية الديانات يف جمتمع ما، وغريها.‬
‫4 - التدخل ل�ضبط الربامج واملواد التلفزيونية، �سواء بحظر بثها �أو بتحديد حجمها بالدقائق �أو تعيني مواعيد‬
‫بثها. ومن املواد والربامج التي ي�شملها هذا ال�ضبط، نذكر الإعالنات والربامج املوجهة �إلـى الأطفال �أو تلك التي‬
‫تت�ضمن م�شاهد �إباحية �أو ت�شجع على الـحقد والـميز على �أ�س�س عرقية ودينية وجن�سية، �أو تلك التي ُتذكي نار‬
‫ّ‬
‫التط ّرف والعنف.‬
‫5 - توزيع موجات البث الإذاعي والتلفزيوين: فخالفا لل�صحافة املكتوبة، يكمن الدافع الأ�سا�سي الذي يدعو‬
‫�إىل �ضبط البث التلفزيوين يف العامل التقني الذي متثّله موجات البث التي تعد ملكية عمومية منحت للدول‬
‫ّ‬
‫مبوجب اتفاقيات دولية. فهذه املوجات حمدودة، حتى و�إنْ تكاثر عددها بفعل التكنولوجية الرقمية. فمن املنطقي‬
‫�أن حتدد الدولة، باعتبارها مالكة لهذه املوجات، �شروط التنازل عنها �ضمن منح الرخ�ص للراغبني يف ا�ستغاللها‬
‫ّ‬
‫لغر�ض البث الإذاعي والتلفزيوين. فمن النادر �أن متنح الدولة ترخي�صا �أبد ّيا له�ؤالء الراغبني. فبع�ض الدول‬
‫تعر�ض بع�ض املوجات للبيع ملدة زمنية مع ّينة قابلة للتجديد. وبع�ضها الآخر مينحها جمانا ل�سنوات معدودات،‬
‫لكن يف كلتا احلالتني يكون الرتخي�ص مقرونا بجملة من االلتزامات املفرو�ضة على امل�ستفيدين منه يت�ضمنها‬
‫دفرت الأعباء �أو ال�شروط. ويختلف م�ضمون هذه ال�شروط من دولة �إىل �أخرى ح�سب طبيعة نظامها ال�سيا�سي‬
‫وخ�صو�صيتها: قوة قنواتها التلفزيونية العمومية ومقدرتها على تغطية الرتاب الوطني، مدى تن ّوع برامج قنواتها‬
‫التلفزيونية، و�سيا�ستها الإعالمية والثقافية، وغايتها من اال�ستثمار اخلا�ص �أو الأجنبي �أو املختلط يف جمال الإذاعة‬
‫والتلفزيون. ويقت�ضي �ضبط البث التلفزيوين حتديد طرائق منح الرخ�ص، خا�صة �إنْ كانت جمانية: هل متنح ح�سب‬
‫ّ‬
‫نظام الأ�سبقية يف تقدمي الطلب، �أو وفق �آليات من التناف�س تتحكم فيها كفاءات مع ّينة؟‬
‫ومهما كانت طرائق منح الرخ�ص وجتديدها، فيجب �أن تكون حمددة يف الت�شريعات القانونية واللوائح‬
‫التنظيمية بكل و�ضوح، وتط ّبق بطريقة من�صفة، وب�شكل علني و�شفاف.‬

‫ال�ضبط التزام قانوين.‬
‫يت�ضح مما �سبق، �أنّ �ضبط البث التلفزيوين لي�س ت�صريحا عن النوايا، بل التزام مبجموعة من املبادئ الرئي�سة‬
‫ّ‬
‫التي تت�ضمنها الن�صو�ص القانونية الأ�سا�سية التي ُي�ستمد منها الت�شريع يف كل دولة. وتتبعها ن�صو�ص ثانوية‬
‫ّ‬
‫وترتيبات تنفيذية تد ّون يف املواثيق والقوانني واللوائح التنظيمية التي ت�صدرها الهيئات املخت�صة بال�ضبط.‬
‫واحلكمة من هذا الف�صل بني املبادئ الأ�سا�سية والثانوية و�إجراءاتها التنفيذية تتمثل يف �إتاحة الفر�صة‬
‫لإدخال التعديالت عليهـا وتكييفهـا لتـواكب ما ي�ستجد فـي جمـال ال�سمعي- الب�صري على ال�صعيد التـقني‬
‫ّ‬
‫�أو االقت�صادي �أو الرباجمي �أو يف طبيعة املتلقّي، كما �سرنى الحقا.‬
‫َ‬
‫حتى ال تكون ال�سلطة التنفيذية هي اخل�صم واحلكم يف �آن واحد يف جمال البث التلفزيوين، ين�ص امل�ش ّرعون‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫على �إن�شاء هيئة مك ّلفة ب�ضبطه، تتمتع با�ستقاللية عن ال�سلطة ال�سيا�سة و�سلطة املال. وتحُدد �صالحياتها وكيفية‬
‫تعيني �أع�ضائها، ومدة عهدتهم و�أ�سباب وطريقة عزلهم. وتمُنح لهذه الهيئة اال�ستقاللية املالية حلمايتها من كل‬
‫ُ‬
‫�ضغوط �أو م�ساومة �أو ابتزاز. بالطبع �إنّ م�سمى هذه الهيئة، وعدد �أع�ضائها وكيفية اختيارهم، و�صالحياتها، و�آليات‬
‫ّ‬
‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬

‫�إداراتها، والهيئات التابعة لها، و�أ�شكال تنفيذ قراراتها تختلف من بلد �إىل �آخر.‬
‫وتن�ص خمتلف الت�شريعات القانونية على جمموعة من املبادئ التي حتمي حقوق خمتلف الأطراف الفاعلة‬
‫ّ‬
‫يف البث التلفزيوين، نذكر منها:‬
‫�أ- الطعن يف القرارات التي تتخذها هيئات ال�ضبط للحد من كل تع�سف يف ا�ستخدام ال�سلطة.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ب- الت�صويب والرد: ميكن للأ�شخا�ص التقدم بطلب �إىل القناة التلفزيونية التي بثت معلومات خاطئة‬
‫عنهم من �أجل ت�صحيحها وت�صويبها �أو طلب حق الرد �إذا ا�ستهدفتهم وقيعة يف برنامج تلفزيوين.‬
‫ّ‬
‫و ُيق�صد بالوقيعة يف اللغة العربية التكلم عن الغائب بحقد وميل للإغاظة واالفرتاء والقذف. و�إجبار القنوات‬
‫التلفزيونية على االلتزام بحق الت�صويب والرد. و�إذا رف�ضت بدون مربر �شرعي حتال على الق�ضاء.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ج- ال�سماح للم�شاهدين مبمار�سة دور العني الفاح�صة �أو الناقدة. ففي هذا الإطار ُتقبل �شكاوى امل�شاهدين‬
‫املتعلقة ببع�ض التجاوزات �أو امل�آخذ التي ي�سجلونها على بع�ض الربامج التلفزيونية. وتعترب هذه ال�شكاوى و�سيلة‬
‫ّ‬
‫مل�ساعدة هيئات ال�ضبط يف ن�شاطها ولفت نظر القنوات التلفزيونية املعنية بها. ويـمكن الإ�شارة فـي هذا املقام‬
‫�إىل ارتفاع عدد القنوات التلفزيونية التي جل�أت �إىل تعيني و�سيط ‪ ombudsman‬حلماية اجلمهور من جتاوزاتها‬
‫�إنْ حدثت. والو�سيط هو تقليد �أجنلو �سك�سوين وجد طريقه �إىل و�سائل الإعالم، والقنوات التلفزيونية يف العامل‬
‫بعد تفاقم �أزمة الثقة بينها وبني جمهورها. وي�سهر الو�سيط على حت�سني عالقة القناة التلفزيونية بجمهورها وحماية‬
‫ه�ؤالء من خمتلف التجاوزات التي ترتكبها القناة التلفزيونية نتيجة خ�ضوعها ل�ضغوط �سيا�سية �أو جتارية.‬
‫خ- الإن�صاف فـي تقديـم الأخبار، خا�صة تلك التي تتناول الأحداث ذات الطابع ال�سجالـي �أو اجلدالـي.‬
‫ودعوة القنوات التلفزيونية �إىل االلتزام ببع�ض القواعد املهنية التي جت�سده. وهنا يجب الإقرار ب�أنّ احلديث‬
‫ّ‬
‫عن هذا الإن�صاف ت�شوبه نزعة مثالية، بينما التجربة املكت�سبة يف جمال البث التلفزيوين تثبت �أنه ميلك قيمة‬
‫ن�سبية تتفاوت من قناة تلفزيونية �إىل �أخرى، لأنّ مفهومه يختلف باختالف الأنظمة ال�سيا�سية حتى داخل‬
‫الثقافة الواحدة، مثل الثقافة الأجنلو�سك�سونية ، وهذا ما يتج ّلى بكل و�ضوح يف فهم قناتي “البي البي �سي”‬
‫ْ‬
‫الربيطانية و”فوك�س نيوز” الأمريكية مل�س�ألة الإن�صاف يف الأخبار. ففهم هذه الأخرية للإن�صاف يف جمال‬
‫الأخبار التلفزيونية ال تف�صله عن تطلعات مالكها وميوله ال�سيا�سية والإيديولوجية.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫خ- حتديد درجة العقوبات املرت ّتبة على كل اخرتاق للبنود القانونية واللوائح املنظمة للبث التلفزيوين،‬
‫ّ‬
‫واجلهات املك ّلفة بتنفيذها. فبع�ض هيئات ال�ضبط متلك �سلطة الزجر، وبع�ضها الآخر ت�شكل طرفا مدنيا يف‬
‫النزاعات الناجمة عن هذا االخرتاق وحتال �إىل العدالة.‬

‫هل ميكن نقل‬
‫�ضوابط البث‬
‫التلفزيوين التي‬
‫�صيغت يف نهاية‬
‫القرن املا�ضي‬
‫ونطبقها على البث‬
‫ّ‬
‫التلفزيوين احلايل‬
‫الذي ي�شهد الكثري‬
‫من التغيرّات على‬
‫�صعيد تقنيات‬
‫االت�صال؟‬

‫جدل:‬
‫هل يـمكن �أن ننقل هذه ال�ضوابط التي �صيغت فـي نهاية القرن الـما�ضي ونط ّبقها على البث التلفزيوين يف‬
‫هذا القرن الذي ي�شهد عديد التغريات على �صعيد تقنيات االت�صال، و�أمناط متويل القنوات التلفزيونية، وانتقال‬
‫تلقّي الربامج التلفزيونية من �إطارها اجلماعي �إىل �إطارها الفردي؟�إنّ التطور التكنولوجي فتح �أبواب اجلدل حول‬
‫فل�سفة ال�ضبط القانوين للبث التلفزيوين بال�صيغة التي ا�ستعر�ضناها �آنفا، واجلدوى منه يف عامل امنحت احلدود‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫اجلغرافية بني بلدانه و�أنظمته ال�سيا�سية. وت�شكل الإجابتان التاليتان عن ال�س�ؤال املطروح �أعاله طريف هذا اجلدل.‬
‫11‬
‫امللف‬
‫ّ‬
‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬
‫ّ‬

‫رغم �أن م�ستقبل‬
‫ّ‬
‫التلفزيون رقمي،‬
‫�إالّ �أن تفكرينا يف‬
‫ّ‬
‫�ضبط بثه ظل‬
‫ّ‬
‫متاثليا �أو تناظريا.‬

‫الإجابة الأوىل: متنح للتكنولوجيا احلق يف قول كلمة الف�صل يف جممل الت�شريعات املتعلقة بالبث التلفزيوين.‬
‫ّ‬
‫�إذ ترى �أنّ ال�ضبط، كما �سبق و�أن ا�ستعر�ضناه �آنفا، �أ�ضحى متجاوزا عمليا. هذا ما ي�ست�شف من قول اخلبرية‬
‫ّ‬
‫الأمريكية املخت�صة يف تكنولوجية االت�صال : بيث �سيمون نافوك ‪ Beth Simone Noveck‬التي �أكدت على‬
‫ّ‬
‫ما يلي: رغم �أنّ م�ستقبل التلفزيون رقمي �إال �أنّ تفكرينا يف �ضبط بثّه ظل متاثليا �أو تناظريا. 4 وهذا يعني الدعوة‬
‫�إىل توجيه التفكري نحو �صيغ جديدة ل�ضبط البث التلفزيوين تتما�شى ومنطق رقمنة االت�صال والإعالم القائم على‬
‫املواءمة التقنية، وتعدد حمامل البث، وتن ّوع الو�سائط املتنقلة لتلقّي الربامج واملواد التلفزيونية.‬
‫ّ‬
‫الإجابة الثانية : حتذر من االعتماد على العامل التقني وحده فـي �إعادة النظر يف عملية �ضبط هذا البث.‬
‫ّ‬
‫�إذ ترى �أنّ كل تغيري يف الت�شريعات القانونية اخلا�صة بالبث التلفزيوين يجب أ�ال يكون خا�ضعا للتطورات التقنية‬
‫ّ‬
‫احلا�صلة يف قطاع الإعالم وحدها.5 فهذه الإجابة ال ترف�ض �أي مراجعة للقوانني املنظمة للبث التلفزيوين.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وال تعترب التكنولوجيا قوة حمايدة يف جمال هذا البث، بل حتذر من االن�صياع �إىل �أحكامها فقط. و�سبب‬
‫هذا التحذير ال يعود �إىل �سرعة �إيقاع التطور التكنولوجي يف قطاع الإعالم واالت�صاالت التي جتعل كل ت�شريع‬
‫مرتبط به ع�ضويا عر�ضة للتغيري وعدم اال�ستقرار، بل يرجع �إىل ما �شخ�صه الباحث “توما�س جيبون” يف قوله:‬
‫ّ‬
‫«�إنّ التغريات التقنية احلا�صلة يف طرائق االت�صال والتوا�صل مل تغيرّ ال�سمة الأ�سا�سية لو�سائل الإعالم؛ مبعنى‬
‫ّ‬
‫�أنّ االهتمام العام بو�سائل الإعالم مل يت�ضاءل. واحلر�ص على حرية التعبري مل ي�ضعف هو الآخر. واالن�شغال‬
‫6‬
‫با�ستقاللية الإعالم مل يرتاجع. وكذلك الأمر بالن�سبة �إىل متطلبات النوعية وامل�س�ؤولية يف الإعالم.»‬

‫عنا�صر للنقا�ش.‬
‫�إن الإجـابتني الـمذكورتيـن �أعاله تطرحـان �إ�شكالية فل�سفية وقـانونية و�سيا�سية يـمكن تلخي�ص عنا�صرها‬
‫يف النقاط التالية:‬
‫1 - بعد ال�شروع يف اال�ستغناء عن التكنولوجية التناظرية، مل يعد ا�ستقبال البث التلفزيوين متوقفا على‬
‫�شا�شة التلفزيون، بل امتد �إىل الكمبيوتر واللوح الإلكرتوين والهاتف الذكي. وبذلك ا�شرتك هذا البث مع‬
‫االت�صاالت والإنرتنت يف ا�ستخدام البنية القاعدية ذاتها، ومل يعد مقت�صرا على البث املبا�شر �أو امل�سجل، بل‬
‫ّ‬
‫غدا ي�شمل الربامج امل�ستدركة ‪ ،Catch Television‬وبرامج الفيديو حتت الطلب ‪Video On Demand‬‬
‫والتلفزيون التفاعلي.‬
‫فاندماج هذه الأ�شكال من املواد ال�سمعية والب�صرية يف احلياة اليومية مد جمال البث التلفزيوين، وجعل‬
‫ّ‬
‫�إطاره القانوين التقييدي متجاوزا عمليا. فطرح �ضرورة �إعادة التعريف القانوين للبث التلفزيوين الذي ُتبنى عليه‬
‫جممل الت�شريعات القانونية ال�ضابطة له.‬
‫ّ‬
‫2 - رغم االندماج احلا�صل يف قطاعي الإعالم واالت�صاالت، ظل كالهما خا�ضعا لهيئة �ضبط خم�صو�صة :‬
‫ْ‬
‫هيئة �ضبط الإعالم، و�أخرى ل�ضبط االت�صاالت.‬
‫فالأوىل تهتم ب�ضبط املحتوى،‬
‫والثانية تهتم ب�ضبط الـمحامل التقنية.‬
‫ّ‬

‫21‬
‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬

‫ّ‬
‫فمن املفرو�ض ال�شروع يف توحيد الهيئتني وتو�سيع جمال ممار�سة �صالحياتهما من �أجل التحكم �أكرث يف عملية‬
‫البث التلفزيوين �ضمن �إطار قانوين ُيحدث االن�سجام بني البث التلفزيوين والإنرتنت واالت�صاالت.‬
‫3 - �إنّ ال�سبب الأ�سا�سي الذي ا�ستدعى �ضرورة �ضبط البث التلفزيوين هو ندرة موجاته، كما �أو�ضحنا‬
‫�سابقا. لكن البث الرقمي عرب الف�ضاء (البث عرب الأقمار اال�صطناعية) �أو عرب الكيبل ف ّند هذه الندرة املزعومة.‬
‫فتم التخمني ب�أن تفقد هيئات ال�ضبط جزءا �أ�سا�سيا وحيويا من �صالحياتها، واملتمثل يف الرتخي�ص بالبث الذي‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫�أ�شرنا �إليه �آنفا. لكن الواقع يثبت �أنّ الرتخي�ص يبقى مطلبا اجتماعيا يف املجتمع املعا�صر حتى يف ظل التطورات‬
‫التكنولوجية املتالحقة. فالدول تتحمل كل م�س�ؤولياتها يف ت�أطري ن�شاط املتعاملني يف تكنولوجية النفاذ �إىل الربامج‬
‫ّ‬
‫واملواد ال�سمعية-الب�صرية، وتنظيم اخلدمات التجارية املرتبطة بالتلفزيون الرقمي.‬
‫وب�صرف النظر عن دمج الهيئات امل�شرفة على البث التلفزيونية وقطاع االت�صاالت، ال ميكن ال�سماح ملن‬
‫هب ودب با�ستغالل موجات البث، بحجة وفرتها. هذا �إ�ضافة �إىل �أنّ البث التلفزيوين عرب عدة االت�صاالت‬
‫ُّ‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫يرتبط باملبادئ التي يت�ضمنها مفهوم ‪� ،Open Network Provision‬أي توفري �شبكة مفتوحة لالت�صاالت.‬
‫وهي املبادئ التي حتدد ال�شروط املعيارية للنفاذ �إىل ال�شبكات وا�ستخدامها واال�ستفادة من خدماتها العمومية‬
‫املتاحة. لذا يجب �أن تكون هذه ال�شروط �شفافة، ومو�ضوعية، وبعيدة عن كل نية ت�شجع على التمييز يف املعاملة‬
‫ّ‬
‫بني امل�ستخدمني.7 فال�ضبط التقني ينبغي �أن يحقق امل�ساواة والعدل يف النفاذ �إىل الربامج التي تنقلها ال�شبكات.‬
‫ّ‬
‫لهذا الغر�ض �س ّنت بع�ض الدول جمموعة من القوانني التي متكن الفئات املحرومة �أو �شرائح مع ّينة من املجتمع‬
‫من اال�ستفادة من خدمات جمتمع املعلومات : الدعم ل�شراء كمبيوترات، واال�شرتاك يف �شبكة الإنرتنت، والتز ّود‬
‫ّ‬
‫بجهاز فك ال�شفرات ‪ Decoder‬للتلقّي التلفزيوين.‬
‫4 - �إنّ الكثري من القيود االتي ُفر�ضت على الربامج التلفزيونية، مثل تلك اخلا�صة بالإعالن، ارتبطت ب�شبكة‬
‫ّ ّ‬
‫الربامج يف القناة التلفزيونية، تفقد معناها يف ظل «ت�شذر» هذه الربامج عرب خمتلف حمامل البث ومن�صاته وو�سائط‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫تلقّيه. كذلك الأمر بالن�سبة �إىل حتديد �سقف بث الربامج التلفزيونية الوطنية التي تفقد مربر وجودها يف ظل‬
‫ّ‬
‫تدفّق املواد ال�سمعية- الب�صرية وتدويلها. ويرى �أ�ستاذ قانون الإعالم يف جامعة �أم�سرتدام «ترال�ش ماك غوناغل»‬
‫8‬
‫�أنّ التم�سك بهذا ال�سقف قد يقف يف وجه تطور امليديا اجلديدة.‬
‫ّ‬
‫�إنّ املربر الأ�سا�سي الذي ا�ستدعى، �أي�ضا، �ضبط البث التلفزيوين هو العمل على حماية حرية التعبري‬
‫ّ‬
‫والتعددية الإعالمية. وميكن القول �إنّ التكنولوجية الرقمية �أنتجت، من خالل ديناميكيتها، نوعا من املفارقة: وفرة‬
‫يف الربامج التلفزيونية وامللفات ال�سمعية-الب�صرية عرب العديد من الو�سائط، مما ي�ضمن حدا من التعددية الإعالمية‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫والثقافية. لقد �أ�صبح ب�إمكان �أي �شخ�ص �أو منظمة �إطالق حمطة �إذاعة �أو قناة تلفزيون عرب �شبكة الإنرتنت �أو‬
‫ّ‬
‫يبث ما ي�سجله وي�ص ّوره عرب املواقع الإلكرتونية �أو يف ال�شبكات االفرتا�ضية. ومن جهة �أخرى فقد فتحت هذه‬
‫ّ‬
‫التكنولوجية املجال الت�ساع االحتكار �أو الإفالت من القيود املفرو�ضة على ملكية و�سائل الإعالم التي و�ضعت‬
‫يف زمن البث التناظري. لكن البث يف زمن التكنولوجية الرقمية �أ�صبح يعاين مما بات ُيعرف “بالوجه املظلم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫للتن ّوع الإعالمي” 9، والذي يت�شكل من الـمواد الإباحية واالعتداء الـجن�سي على الأطفال الق�صر، والـمواد‬
‫ّ‬
‫التي تدعو �إىل العنف والإرهاب وامليز العن�صري والعرقي والديني.‬

‫�إن املبرّر الأ�سا�سي‬
‫ّ‬
‫الذي ا�ستدعى �ضبط‬
‫البث التلفزيوين‬
‫هو العمل من‬
‫�أجل حرّية‬
‫التعبري والتعددية‬
‫الإعالمية‬

‫31‬
‫امللف‬
‫ّ‬
‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬
‫ّ‬

‫من ال�سهل احلديث‬
‫عن م�س�ؤولية‬
‫الأ�شخا�ص يف‬
‫مراقبة البث‬
‫الرقمي الأر�ضي‬
‫�أو عرب الف�ضاء،‬
‫لكن من ال�صعب‬
‫جت�سيده عمليا لأنه‬
‫يتطلب حمو الأمية‬
‫الإلكرتونية ووجود‬
‫جمتمع مدين فاعل.‬

‫41‬

‫ّ‬
‫يعتقد البع�ض �أنّ الرت�سانة القانونية تقف عاجزة عن حمو هذا الوجه املظلم. وكل م�سعى للق�ضاء عليه يبوء،‬
‫حتما، بالف�شل. ودليلهم يف ذلك املثال التايل :‬
‫لو قامت دول ٌة ما بحظر ن�شر مادة �سمعية-ب�صرية مل�ضمونها املناه�ض ملا تن�ص عليه مبادئ �ضبط البث‬
‫ّ‬
‫التلفزيوين. فيمكن بثهـا عـرب موقع �إلكرتوين �آخر يتخذ عنوانا له فـي دولة �أجنبية ال يطالـها القانون الوطني.‬
‫بينما يرى البع�ض الآخر �أنّ كل التفكري يف �ضبط بث املواد ال�سمعية-الب�صرية يقت�ضي الأخذ يف االعتبار‬
‫حقيقتني �أ�سا�سيتني، وهما :‬
‫�أ- �إنّ الإنتاج ال�سمعي-الب�صري وتوزيعه تعومل، و�أ�صبح يتوقف على ن�شاط بع�ض ال�شركات املتعددة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫اجلن�سيات العمالقة، �سواء تلك املتحكمة يف املحامل �أو يف امل�ضامني �أو يف توزيعها وبثها. وكل حماولة ل�ضبطها‬
‫تتطلب مفاو�ضات دولية متعددة و�شاقة: مفاو�ضات متعددة الأطراف بني الدول، وداخل املنظمات الدولية‬
‫والإقليمية املختلفة، وتن�سيقا حمكما ومكثفا. وهذا ما �أثبتته جتربة االحتاد الأوروبي يف جمال �ضبط البث التلفزيوين.‬
‫ب- �إنّ الطابع الفردي، وحتى ال�شخ�صي للميديا اجلديدة يفر�ض على امل�ش ّرعني �إيالء �أهمية �أكرب للأ�شخا�ص.‬
‫فاملراقبة مل تعد حكرا على ال�سلطات التنفيذية �أو هيئات ال�ضبط، بل �أ�ضحت تقع على كاهل الأ�شخا�ص الذين‬
‫حت ّولوا �إىل �أطراف فاعلة يف �إنتاج املواد التلفزيونية وا�ستخدامها. وهذا ما نالحظه يف جمال الإنرتنت. فالآباء‬
‫�أ�صبحوا يقومون بدور فاعل يف حجب بع�ض املواقع التي يعتقدون �أنها ت�ض ّر بال�صحة البدنية والنف�سية لأطفالهم.‬
‫فب�إمكان املواطن التز ّود ببع�ض الأجهزة وبرامج الإنرتنت التي ت�سمح له بغربلة الـمواد ال�سمعية-الب�صرية وانتقاء‬
‫مـا ُير�ضيه �أو ينا�سب �أفراد �أ�سرته. ويـمكن حماية �أجهزته وح�ساباتـه فـي مواقع ال�شبكات االجتماعـية بجملة‬
‫من كلمات ال�س ّر.‬
‫من ال�سهل احلديث عن م�س�ؤولية الأ�شخا�ص فـي مراقبة م�ضامني البث الرقمي الأر�ضي �أو عرب الف�ضاء،‬
‫ّ‬
‫لكن من ال�صعب جت�سيده عمليا لأنه يتطلب حمو الأمية التكنولوجية، ووجود جمتمع مدين فاعل ي�ؤطر املبادرات‬
‫الفردية يف جمال الرقابة.‬

‫تو�صيف �ضبط البث التلفزيوين يف املنطقة العربية‬
‫هل ميكن �أن نناق�ش �ضبط البث التلفزيوين يف املنطقة العربية على �ضوء ال�ضرورات املذكورة �أعاله؟‬
‫وهل ميكن اال�ستفادة من الإجابتني املذكورتني عن فل�سفة ال�ضبط القانوين لهذا البث يف ظل تطور‬
‫التكنولوجية الرقمية التي ات�سع ا�ستخدامها االجتماعي والتجاري يف العديد من الدول العربية؟‬
‫ّ‬
‫ي�ؤكد املهنيون واملخت�صون يف القانون �أنّ الكثري من القوا�سم امل�شرتكة التي جتمع الدول العربية: اللغة،‬
‫والدين، والتاريخ امل�شرتك مل متنع التباين، بهذا القدر �أو ذاك، يف تـجاربها التنظيمية والإدارية وامل�ؤ�س�ساتية‬
‫والقانونية. وميكن ح�صر هذا التباين يف النقاط التالية:‬
‫ مازالت بع�ض الدول العربية تعمل بقانون املطبوعات والن�شر، ومل تخ�ص�ص ت�شريعا للقطاع ال�سمعي‬‫ّ‬
‫الب�صري الذي ي�شهد تطورا غري م�سبوق فـي املنطقة العربية. حقيقة، لقد بد�أت بع�ض الدول العربية التفكري فـي‬
‫تقنني مـا ت�سميه ال�صحافـة الإلكرتونيـة منذ 0102. وبع�ضها �أ�صدر فعال قـانونا خـا�صــا بهذه ال�صحافـة، لكنـه‬
‫ّ‬
‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬

‫مل ي�ستطع �أن يقدم �إجابات عملية عن الت�سا�ؤالت التي يطرحها ال�ضبط القانوين للبث التلفزيوين الرقمي. فتزايد‬
‫ّ‬
‫القنوات التلفزيونية وتعدد ملكيتها، وتن ّوع غاياتها قد جتاوز الإطار القانوين الذي و�ضعه امل�ش ّرع لل�صحافة.‬
‫ّ‬
‫ رغم �أنّ جل الدول العربية اقتنعت ب�ضرورة فتح املجال لال�ستثمار اخلا�ص الوطني �أو العربي �أو الأجنبي‬‫ّ‬
‫يف قطاع الإذاعة والتلفزيون، �إال �أنّ بع�ض الدول، ومن ح�سن احلظ �أنها قليلة جدا، مازالت متم�سكة باحتكارها‬
‫مللكية القنوات التلفزيونية، رغم �أنّ التطور التكنولوجي يطعن، يوميا، يف مربر ا�ستمرار وجود هذا االحتكار وي�ؤكد‬
‫ّ‬
‫عدم فاعليته.‬
‫ّ‬
‫ يبدو �أنّ فتح املجال �أمام اخلوا�ص المتالك قنوات تلفزيونية قد ُفر�ض فر�ضا على بع�ض الدول العربية. لعل‬‫ّ‬
‫اجلميع يتذكر �أنّ �أول قناة تلفزيونية عربية ذات ملكية خا�صة غطت املنطقة العربية ت�أ�س�ست بربيطانيا يف 1991.‬
‫وبعدها بد�أت البلدان العربية حتت�ضن، تدريجيا، القنوات التلفزيونية اخلا�صة لت�شرع يف البث من فوق �أرا�ضيها دون‬
‫ّ‬
‫�أن ت�ؤطر بثها بقانون وا�ضح يحدد قواعد املناف�سة فيما بينها. وهناك َمن يعتقد �أنّ العامل ال�سيا�سي هو الذي كان‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وراء « ميالد «التعددية التلفزيونية» يف املنطقة العربية. ودليلهم يف ذلك هو القرار ال�سيا�سي الذي يتحكم وحده‬
‫يف عملية البث التلفزيوين، �سواء بال�سماح لبع�ض امل�ستثمرين ب�إن�شاء قنوات تلفزيونية دون غريهم. كما �أنّ العامل‬
‫املذكور هو الآمر، �أي�ضا، بتوقيف بع�ض القنوات التلفزيونية عن البث لأ�سباب �سيا�سية حم�ضة.‬
‫�إنّ اال�ستثمار يف قطاع ال�سمعي-الب�صري باملنطقة العربية مل يعد وليد البحث عن نفوذ �سيا�سي �أو ت�صفية‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ح�سابات �سيا�سية فقط، بل �أ�صبح ي�شكل، �أي�ضا، ن�شاطا جتاريا يعجز «اقت�صاد ال�سوق» عن التحكم يف �أطماعه‬
‫وجنوحه. والنتيجة �أنّ امل�شاهد التلفزيوين يف املنطقة العربية �أ�صبح هدفا لإنزال تلفزيوين قد يزداد كثافة مع تعدد‬
‫ّ‬
‫و�سائط بث الربامج التلفزيونية وتوزيعها. و�إنْ كان البد من الإقرار �أنّ بع�ض البث التلفزيوين العربي ي�سعى �إىل‬
‫ّ‬
‫ك�سب ثقة اجلمهور، العتقاده �أنه يعمل على تر�سيخ احلق يف الإعالم، وحرية التعبري، فال بد من االعرتاف، �أي�ضا،‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫�أنّ بع�ضه الآخر يتغذى من الدعاية، والت�ضليل، وال�شعوذة، واجلن�س، ويختلق الفنت بني الطوائف العرقية والدينية،‬
‫وحتى بني املذاهب يف الدين الواحد ويتاجر بها. ومن �أجل احلد من تبعات هذه التجارة، البد من حتديد �إطار‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫قانوين جديد ي�ضبط البث التلفزيوين ب�شكل ُيحدث التوازن بني احلق يف ملكية القنوات التلفزيونية وحقوق‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الأ�شخا�ص الأ�سا�سية ومتطلبات املجتمع. وينظم قواعد املناف�سة التلفزيونية.‬
‫ �إنّ البث التلفزيوين بدون �ضوابط اجتماعية وثقافية قد ينم نظريا عن نية ح�سنة يف حترير التلفزيون من‬‫ّ‬
‫كل احتكار، واحلر�ص على حرية التعبري، لكنه قد يتح ّول عمليا �إىل �ضرب من الفو�ضى. فال معنى لفتح املجال‬
‫المتالك قنوات تلفزيونية بدون االتكاء على �سيا�سة وطنية يف جمال الإعالم والثقافة ذات معامل وا�ضحة، وجتيب‬
‫ب�شكل عملي عن الأ�سئلة التالية:‬
‫	 •ما هي الأولويات يف البث التلفزيوين؟‬
‫	 •هل يجب �إن�شاء قنوات متخ�ص�صة يف الـمجاالت التي ت�شكو من نق�ص، مثل تلك املوجهة �إىل الأطفال‬
‫�أو املهتمة بالثقافة والفنون والتاريخ ؟‬
‫	 •هل ينبغي تعزيز مكانة القنوات التلفزيونية ذات الطابع العام وتنويعها؟‬

‫�إن البث‬
‫ّ‬
‫التلفزيوين بدون‬
‫�ضوابط اجتماعية‬
‫وثقافية قد ينم‬
‫ّ‬
‫نظريا عن نية‬
‫ّ‬
‫ح�سنة يف حترير‬
‫التلفزيون من كل‬
‫احتكار واحلر�ص‬
‫على حرية التعبري،‬
‫لكنه قد يتحول‬
‫ّ‬
‫عمليا �إىل �رضب‬
‫من الفو�ضى.‬

‫51‬
‫امللف‬
‫ّ‬
‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬
‫ّ‬

‫�إن فاعلية ال�ضبط‬
‫ّ‬
‫الإعالمي ال تتوقف‬
‫فقط على الن�صو�ص‬
‫الت�رشيعية، وال‬
‫ترتكز على الهيئات‬
‫املج�سدة لها، بل‬
‫ّ‬
‫تتكئ على ثقافة‬
‫�سيا�سية متينة.‬

‫61‬

‫	 •هل يتعينّ فر�ض حد معينّ من الإنتاج التلفزيوين الوطني يف �صنف بعينه: الدراما، الأفالم الوثائقية؟‬
‫ّ‬
‫	 •هل ينبغـي �إلزام القنوات التلفزيونيـة ب�سقـف زمـني مـحدد لبث الـمواد التلفـزيونيـة الوطنيـة‬
‫ّ ّ‬
‫والعربية والأجنبية؟‬
‫	 •ماهي �أمناط البث التي ينبغي ت�شجيعها: البث الرقمي الأر�ضي �أوالف�ضائي، والبث احل ّر �أو امل�شفّر؟‬
‫	 •هل يتعينّ ترقية اللغة العربية و تطوير الثقافة الوطنية عرب البث التلفزيوين؟‬
‫	 •فما هي الفائدة التي جتنيها الدولة من الرتخي�ص لقناة تلفزيونية تبث برامج �ضحلة م�ستوردة كليا .‬
‫ّ‬
‫وقد ح�صلت عليها جمانا يف �سوق املواد التلفزيونية، مقابل بثها بلغتها الأجنبية، علما ب�أنه ميكن للم�شاهد �أن‬
‫ي�شاهدها يف قنوات �أجنبية جمانا! رمبا امل�ستفيد الوحيد منها هو املالك الذي �أن�ش�أها بن ّية احل�صول على الأموال‬
‫ج ّراء بث الإعالنات فقط؟‬
‫ يعي�ش قطاع الإعالن يف املنطقة العربية حالة من التجاوزات مل ُتفلح املحاباة والوالءات ال�سيا�سية يف‬‫ّ‬
‫تنظيمه. ومن ي�شك يف هذه احلقيقة، فلي�شاهد حجم الإعالنات التي تغزو ال�شا�شات ال�صغرى يف �شهر رم�ضان‬
‫املعظم، حتى يخال للبع�ض �أنّ بث الأخبار والربامج الدرامية: �أفالم، م�سل�سالت... والألعاب التلفزيونية‬
‫وامل�سابقات وبرامج التوك �شو ‪ Talk-show‬لي�ست �سوى حيل فنية لتمرير الإعالنات لكرثتها وطول مدة بثها.‬
‫و�إذا كان عائد هذه الإعالنات املالية يريح امل�ستثمرين ف�إنّ تكلفتها االجتماعية والثقافية �ستظهر �آجال على �صعيد‬
‫الذوق الفني والقيم الثقافية، نظرا �إىل �أنّ الكثري منها يعد ترجمة للإعالنات الأجنبية �أو ن�سخة �شاحبة منها.‬
‫ّ‬
‫ تختلف �أدوات �ضبط الن�شاط الإعالمي يف املنطقة العربية من دولة �إىل �أخرى. فبع�ض الدول العربية‬‫الزالت متم�سكة بوزارة الإعالم، وبع�ضها الآخر ا�ستغنى عنها وترك �صالحياتها الإدارية ملجال�س الإعالم،‬
‫وبع�ضها اكتفى ب�إن�شاء جمال�س لل�صحافة متار�س �صالحياتها يف قطاع ال�صحافة املكتوبة فقط، وبع�ضها �أن�ش�أ جمال�س‬
‫لالت�صال ال�سمعي-الب�صري ومنحها دورا ا�ست�شاريا فقط؛ �أي ح�صر �صالحياتها يف رفع التقارير عن و�ضع قطاع‬
‫التلفزيون �إىل اجلهات املخت�صة، وتقدمي ا�ست�شارة حول م�شاريع القوانني املتعلقة بتنظيم قطاع الإذاعة والتلفزيون‬
‫التي ُتع َر�ض عليها. بينما ذهبت بع�ض الدول �إلـى ما هو �أبعد، �إذ منحت هذه الـمجال�س �صالحـيـات �أو�سع،‬
‫لعل �أبرزها هي �سلطة اتخاذ القرار، ومراقبة ما تبثه القنوات التلفزيونية، ومنح رخ�ص البث التلفزيوين.‬
‫ �إنّ فاعلية ال�ضبط الإعالمي ال تتوقف فقط على الن�صو�ص الت�شريعية، على �أهميتها البالغة، وال ترتكز‬‫على الهيئات املج�سدة لها رغم دورها احلا�سم، بل تتكئ �أي�ضا على ثقافة �سيا�سية متينة. فه�شا�شة هذه الثقافة‬
‫ّ‬
‫هي التي تف�سر لنا اخللط احلا�صل يف بع�ض الن�صو�ص الت�شريعية العربية بني مفهوم الدولة وال�سلطة التنفيذية.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫لذا نالحظ غياب «مفهوم اخلدمة العامة �أو العمومية» يف العديد من الن�صو�ص القانونية املنظمة للبث‬
‫التلفزيوين وعدم قيام «املجتمع املدين» باملطالبة ب�ضرورة االلتزام بها. ونالحظ �أي�ضا �أنّ بع�ض القنوات التلفزيونية‬
‫التابعة للقطاع العام ال تختلف كثريا عن القنوات التلفزيونية التجارية، �إذ �أم�ست تجُاريها يف بث الربامج الرامية‬
‫�إىل ك�سب �أكرب عدد من امل�شاهدين لتلبية رغبات املعلنني. وبهذا تتعامل مع م�شاهديها كزبائن ولي�س كمواطنني.‬
‫والنتيجة �أنها ف ّرطت يف دورها الثقايف واالجتماعي، كالتقليل �أو حتى العزوف عن بث الربامج ذات الطابع الثقايف‬
‫ّ‬
‫والعلمي، على �سبيل املثال، بحجة ق ّلة الإقبال على م�شاهدتها، واالكتفاء با�سترياد برامج الألعاب وامل�سابقات.‬
‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬

‫اخلال�صة:‬
‫�إنّ �أولوية تطوير �ضبط البث الإذاعي والتلفزيوين يف املنطقة العربية تقت�ضي العمل على ت�شجيع الدول‬
‫العربية التـي تعاين من ت�أخري فـي �إ�صدار الت�شريعات القانونيـة ذات ال�صلـة بهذا البث على ا�ستدراك ت�أخرها. ثم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫ال�سعي من �أجل تقريب الأطر القانونية املنظمة للبث الإذاعي والتلفزيوين، يف بع�ض الدول، من بع�ضها البع�ض.‬
‫فقراءة جتربة االحتاد الأوروبي يف هذا املجال تبدو مفيدة. ذلك �أنّ الن�صو�ص ال�ضابطة للبث الإذاعي والتلفزيوين‬
‫لي�ست متطابقة بني الدول الأع�ضاء يف هذا االحتاد ولي�ست موحدة؛ بل �إنها خمتلفة ومتقاربة يف �آن واحد؛ �أي‬
‫ّ‬
‫�أنها خا�ضعة خل�صو�صيات الأنظمة الد�ستورية وال�سيا�سية لكل دولة من جهة، وتت�ضمن املبادئ الأ�سا�سية الكربى‬
‫امل�شرتكة التي يدافع عنها االحتاد الأوروبي يف جمال الإعالم، من جهة �أخرى.‬
‫هذه احلقيقة ت�ؤ�س�س لعمل م�شرتك م�ستقبلي على ال�صعيد العربي، لأنّ رهان �ضبط البث الإذاعي‬
‫والتلفزيوين يف ظل التكنولوجية الرقمية يتعدى الإطار الوطني وحتى القومي ليطرح على م�ستوى دويل، كما‬
‫ّ‬
‫ذكرنا �آنفا. فمن ال�صعوبة مبكان �أن تبادر �أي دولة عربية مبفردها �إىل خو�ض مفاو�ضات دولية �شاقة من �أجل �إلزام‬
‫ّ‬
‫�أطراف دولية مب�س�ؤولياتها يف �ضبط هذا البث �إنْ مل تبذل اجلهد املطلوب لتنظيم البث التلفزيوين فوق ترابها، وفق‬
‫املبادئ الأ�سا�سية التي �أ�صبحت مبادئ كونية.‬

‫املراجع‬

‫‪1	 - Miklَ s Haraszti: Le Guide Pratique de l’autorégulation des Médias, Les questions et‬‬
‫9 ‪les réponses, Organisation pour la Sécurité et la Coopération en Europe, Vienne, 2008, p‬‬
‫	2‬
‫‪- André-Jean ARNAUD (dir.), Dictionnaire encyclopédique de théorie et de‬‬
‫125 .‪sociologie du droit, 2e éd., Paris L.G.D.J., 1993, p‬‬
‫8002- ‪3	 - Eve Salomon- Guidelines for Broadcasting Regulation, Unesco, Paris‬‬
‫‪4	 - B.S.Noveck, « Thinking Analogue About Digital Television? Bringing European‬‬
‫‪Content Regulation Into The Information Age”, in C.Marsden&S.Verhulst, Eds., Convergence‬‬
‫83.‪in European Digital TV Regulation (Blackstone Press Limited, London, 1999),pp 37-63, p‬‬
‫‪5	 - Tarlach Mc Gonagle: Le cadre réglementaire en vigueur en matière de télévision‬‬
‫‪est-il applicable aux nouveaux médias ? IRIS plus; Observations juridiques de l’Observatoire‬‬
‫6-1002 ;‪européen de l’audiovisuel; Victoires Editions; Paris‬‬
‫‪6	 - Thomas Gibbons: Concentrations of Ownership and Control in a Converging‬‬
‫‪Media Industry”, cité par Tarlach Mc Gonagle‬‬
‫	7‬
‫‪- Trudel Pierre: Points de vue sur la gouvernance dans le contexte de la‬‬
‫/‪numérisation, Consulté le 10/7/2013 de: http://www.chairelrwilson.ca/cours/drt3805g‬‬
‫‪Pointsdevueregulationtrudel.pdf‬‬
‫‪8	 - Tarlach Mc Gonagle, op cité‬‬
‫‪9	 - D. Goldberg, T. Prosser & S. Verhulst, Regulating the Changing Media (Clarendon‬‬
‫.61 .‪Press, Oxford, 1998), p‬‬

‫رهان �ضبط‬
‫البث الإذاعي‬
‫والتلفزيوين يف‬
‫ظل التكنولوجية‬
‫الرقمية يتعدى‬
‫ّ‬
‫الإطار الوطني‬
‫وحتى القومي‬
‫ليطرح على‬
‫م�ستوى دويل.‬

‫71‬
‫امللف‬

‫واقع البث الف�ضائي العربي و�سبل تنظيمه‬
‫د. �إبراهيم بعزيز‬
‫�أ�ستاذ متخ�ص�ص يف علوم الإعالم واالت�صال‬

‫حمكمة فـي الـمجال، قادرة على �ضبط هذه ال�سوق الإعالمية.‬
‫مقدّ مة :‬
‫ومع هذا الو�ضع من الفو�ضى التي ي�شهدها البث الف�ضائي العربي،‬
‫�شهدت ال�ساحة الإعالمية العربية يف ال�سنوات الأخرية ميالد‬
‫تربز احلاجة �إىل تنظيم هذا املجال و�ضبط �آليات العمل فيه، ب�شكل‬
‫العديد من القنوات التلفزيونية والف�ضائيات، �سواء كانت عامة �أو‬
‫يحدد امل�س�ؤوليات والواجبات، ويحفظ احلقوق واحلريات.‬
‫ّ‬
‫متخ�ص�صة يف جمال معينّ.فقد «�أدى التط ّور التكنولوجي �إىل تكاثر‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫و�إذا كان هذا املقال يركز على حالة العامل العربي، وعلى حاجة‬
‫مت�سارع الوترية للقنوات الف�ضائية العربية بجميع �أنواعها.‬
‫البث الف�ضائي فيه �إىل التنظيم وال�ضبط، �إال �أنّ البث الف�ضائي‬
‫فمنذ انطالق �أقمار «عرب �سات» عام 6791 و«نايل �سات»‬
‫الدويل ب�صفة عامة بحاجة �إىل قوانني موحدة لتنظيمه، وبحاجة �إىل‬
‫ّ‬
‫�سنة 6991، حت ّول الإر�سال الف�ضائي �إىل جمال للمناف�سة التجارية،‬
‫م�ؤ�س�سات دولية و�إقليمية قادرة على فر�ض هذه املعايري والقوانني.‬
‫وال�سيا�سية �أي�ضا، بظهور ف�ضائيات عربية ناف�ست احل�ضور الإعالمي‬
‫ّ‬
‫�إذ «ي�شكل �ضبط الـمحتوى الإعالمي تـحدياً فـي خمتلف دول‬
‫ّ‬
‫الأجنبي و�أوجدت ف�ضاء عربيا م�ؤثّرا يف‬
‫ً‬
‫العامل، ال�سيمـا �أنّ النفاذ �إىل ن�صو�ص–‬
‫ّ‬
‫ت�شكالت الر�أي العام العربي، و�سط تن ّوع �إن ما �شهده العامل العربي من انتعا�ش مرئية وم�سموعة – تعترب «غري الئقة»‬
‫كبري يف التوجهات واخلطوط الإعالمية»1.‬
‫يف ال�ساحة الإعالمية كما ونوعا،‬
‫ّ‬
‫ل�صالح الأمة/الأ�سرة/املجتمع باتت متوفرة‬
‫�صاحبته حالة من االنفالت والفو�ضى،‬
‫وبعد الأحداث التي عرفها العامل مما يحتم على امل�ؤ�س�سات الو�صية �إيجاد بال ح�سيب �أو رقيب �أو �ضوابط تفر�ضها‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫العربي م�ؤخرا، وما �صاحبها من �سقوط‬
‫الدول.‬
‫ال�سبل والأليات الكفيلة بتنظيمها.‬
‫�أنظمة عديدة، عرفت الكثري من الأقطار‬
‫ويف هذا ال�سياق، طرحت القنوات‬
‫العربية انفتاحا �إعالميا، متخ�ض عنه ظهور كم هائل من الف�ضائيات.‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التلفزيونية الف�ضائية �أ�سئلة �صعبة حول �إمكانيات و�أ�شكال ال�ضبط‬
‫فح�سب الإح�صائيات اجلديدة حول البث الف�ضائي العربي بلغ‬
‫ّ‬
‫اجلديدة لت�صنيف املحتوى . إ�ال �أنّ مناذج متن ّوعة من ال�ضبط قد‬
‫عدد القنوات الف�ضائية التي تبثها �أو تعيد بثها الهيئات العربية‬
‫ط ّبقت على هذا القطاع ب�سبب الأهمية االجتماعية والثقافية التي‬
‫0231قناة، ترتاوح بني قنوات جامعة، ومتخ�ص�صة، كما �أنّ بع�ضها‬
‫يكت�سيها البث. وتو ّلت �إدارات حكومية تنفيذ �آليات ال�ضبط هذه‬
‫تابع للقطاع العام والبع�ض الآخر للقطاع اخلا�ص2.‬
‫التي �س ِّلمت �أحياناً �إىل هيئات م�ستقلة عن احلكومة تقوم على قاعدة‬
‫و�أمام هذا الواقع الإعالمي املنتع�ش من حيث الكم وامل�ضمون،‬
‫ت�شريعية. ولكن التنظيم املنهجي للبث الف�ضائي ال يزال مت�أخراً»3،‬
‫ّ‬
‫ف�إنّ ال�ساحة الإعالمية العربية تعرف حالة من االنفالت والفو�ضى،‬
‫وال�سيما يف العامل العربي، الذي ت�شهد الكثري من �أقطاره انفتاحا‬
‫بفعل انعدام م�ؤ�س�سات عربية ذات ر�ؤية وا�ضحة و�إ�سرتاتيجية‬
‫�إعالميا، تـمخـ�ض عنه ظهور عدد كبري من القنوات والف�ضائيات.‬
‫ّ‬
‫81‬
‫واقع البث الف�ضائي العربي و�سبل تنظيمه‬

‫واحلديث عن �ضبط وتنظيم البث الف�ضائي العربي، ُيق�صد به‬
‫حتديد املعايري والقواعد القانونية والت�شريعية التي ت�ضبط هذا الن�شاط،‬
‫من حيث طريقة العمل، واجلهات املانحة للرتخي�ص، وامل�ضامني التي‬
‫ي�سمح بن�شرها، وامل�ضامني غري املقبولة للن�شر، وملف الإعالنات،‬
‫ّ‬
‫والهيئات التي تنظم وتتابع كل هذه الأن�شطة والإجراءات.‬
‫ولكن الإ�شكال الذي يطرح نف�سه حاليا، هل امل�شهد الإعالمي‬
‫العربي بحاجة �إىل مزيد من الت�شريعات والقواعد القانونية، �أم �إىل‬
‫مواثيق �شرف ومد ّونات �أخالقيات املهنة؟؟‬
‫ّ‬
‫�أ�سباب الفو�ضى وقلة تنظيم البث الف�ضائي العربي:‬
‫قبل اخلو�ض يف الزوايا املختلفة ملو�ضوع البث الف�ضائي العربي،‬
‫ومن �أجل ت�شخي�ص مكامن اخللل والنق�ص، البد لنا من �إبراز �أهم‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الأ�سباب والعوامل التي �ساهمت يف حالة الفو�ضى التي يعي�شها‬
‫هذا القطاع، وفيما يلي �سنذكر �أبرز هذه الأ�سباب :‬
‫✓ ✓غياب القوانني والت�شريعات الكافية : على الرغم من‬
‫وجود بع�ض املبادرات العربية لتنظيم البث الف�ضائي، ورغم‬
‫وجود مبادرات �أخرى دولية ميكن ا�ستلهام الأفكار منها،‬
‫�إال �أنّ «ال�سوق الإعالمية العربية الزالت دون ن�صو�ص‬
‫ت�شريعية كافية وكفيلة ب�إزالة حالة الفو�ضى»4، وحتى القوانني‬
‫ّ‬
‫وامل�شاريع املوجودة حاليا مل تتمكن الدول العربية من‬
‫تطبيقها يف امليدان، لأ�سباب عديدة �أهمها، وجود خالفات‬
‫ّ‬
‫�سيا�سية بني عدة دول عربية.‬
‫✓ ✓عدم التزام الدول مبا تخرج به املبادرات واالتفاقيات‬
‫العربية: وهذا العامل ال يخ�ص فقط جمال البث الف�ضائي‬
‫ّ‬

‫و�إمنا كل املجاالت الأخرى، التي نادرا ما تلتزم فيها كل‬
‫الأقطار العربية ببنود وقرارات االتفاقيات، مما يحول دون‬
‫ّ‬
‫التطبيق والتنظيم الالزم للقطاع.‬
‫✓ ✓الرقابة الداخلية ال�صارمة وانعدام حرية الإعالم : وهذا‬
‫العامل يخ�ص تقريبا غالبية الدول العربية، التي تفر�ض قيودا‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫�صارمة على حرية التعبري وحرية ال�صحافة. ولعل قوانني املنع‬
‫والرقابة ال�صارمة يف بع�ض الأقطار العربية، هو ما �أحدث حالة‬
‫االنفالت والرت ّدي التي تعي�شها البيئة الإعالمية العربية، حيث‬
‫�إنّ بع�ض الـمعار�ضني �أو �أ�صحـاب القنوات الذين لـحقتهم‬

‫م�ضايقات يف بلدانهم، قاموا بالهجرة �إىل بلدان غربية �أو عربية‬
‫�أخرى لن�شر ما منعوا منه يف بلدانهم الأ�صلية. فوجدوا حرية‬
‫ال حدود لها، جعلتهم يتجاوزون حدودها الأخالقية واملهنية،‬
‫وذلك بتواط� الدول امل�ضيفة لهم ولقنواتهم. فغالبية الدول‬
‫ؤ‬
‫العربية ال متنع ما يبث من م�ضامني وبرامج تنتقد دوال �أخرى.‬
‫ّ‬
‫�أما �إذا تع ّلق الأمر بال�ش�أن الداخلي ف�إنه من املح ّرمات وممنوع‬
‫�أن يتم تغطيته. ولهذا ف�إنّ الف�ضائيات العربية التابعة لبلدان‬
‫ّ‬
‫وكيانات وتيارات وجماعات �سيا�سية مع ّينة، ال جتد غ�ضا�ضة‬
‫يف االنتقاد الالذع والتجريح �أحيانا للـدول �أو التـيـارات التي‬
‫ّ‬
‫ت�ص ّنـفهــا فـي خانة الـخ�صوم �أو الأعـداء. ولـعل هـذا مـا‬
‫خـلق جـزءا كبـريا من الفو�ضى يف البث الف�ضائي العربي.‬
‫تتعدد �أ�سباب الفو�ضى التي تعي�شها البيئة الإعالمية‬
‫ّ‬
‫عمومـا، والبث الف�ضائي خ�صو�صا، وال ميكن ف�صل‬
‫هذه الفو�ضى عن تلك التي جندها يف ال�سيا�سة،‬
‫الثقافة، االقت�صاد،...الخ.‬

‫✓ ✓النزاعات وال�صراعات العديدة بني الدول العربية: والتي‬
‫خلقت ج ّوا من العدائية امل�ستمرة بني عدة �أقطار، خا�صة‬
‫املتجاورة منها. فكرثة موا�ضيع اخلالف �أ ّدى �إىل تنا�سي موا�ضع‬
‫االتفاق والتعاون، وبالتايل ف�شلت غالبية حماوالت �إطالق‬
‫مبادرات وم�شاريع م�شرتكة.‬
‫✓ ✓ق ّلة الوعي بخطورة/و�أهمية البث الف�ضائي: وهذا �سواء‬
‫على ال�صعيد الر�سمي احلكومي �أويف امل�ستوى ال�شعبي.‬
‫فالبث الف�ضائي العربي �أو حتى غري العربي، له دور كبري‬
‫ّ‬
‫يف حتديد معامل عدة جماالت �أخرى، كال�سيا�سة، االقت�صاد،‬
‫اال�ستقرار والأمن...الخ. ولذلك ف�إنّ البث الف�ضائي مهم‬
‫ّ‬
‫وخطـري فـي ذات الـوقـت، وهـذا ح�سب درجـة الـوعي‬
‫بهذا الأمر وح�سب �سبل وطرق تعامل احلكومات العربية مع‬
‫هذا املو�ضوع. كما �أنّ البث الف�ضائي العربي له ت�أثري كذلك،‬
‫لي�س فقط على البيئة العربية و�إمنا حتى على غري العرب،‬
‫من حيث ن�شر الثقافة العربية والتقاليد والقيم الإ�سالمية،‬
‫ومن حيث ت�صحيح الأفكار املغلوطة وتقريب وجهات النظر‬
‫و�إحالل ال�سلم والتعاي�ش بني الثقافات وال�شعوب.‬
‫91‬
‫امللف‬
‫✓ ✓الوالءات الإيديولوجية وال�سيا�سية للف�ضائيات العربية:‬

‫حيث �إنّ الف�ضائيات العربية لها انتماءات ووالءات مل�شارب‬
‫فكرية وتيارات حزبية و�سيا�سية خمتلفة، مما يدفعها �إىل التنابز‬
‫ّ‬
‫وتبادل االتهامات وال�شتائم، والبحث عن الثغرات والعيوب‬
‫التي وقع فيها الطرف اخل�صم �أو العدو. وهذا ك ّله يحدث‬
‫بعيدا عن �أي هيئة �أو �سلطة عربية قادرة على �إخ�ضاع هذه‬
‫ّ‬
‫القنوات ملعايري مهنة ال�صحافة و�أخالقياتها.وقد �أدت هذه‬
‫ال�صراعات الإعالمية �إىل قيام الأحزاب واجلماعات الدينية‬
‫وال�سيا�سية والعرقية، بت�أ�سي�س قنوات �إعالمية تابعة لها، للدفاع‬
‫عن نف�سها والر ّد على اتهامات الأطراف الأخرى، ف�أ�صبحت‬
‫ال�ساحة الإعالمية العربية م�سرحا لل�صراعات الإيديولوجية‬
‫وال�سيا�سية، مما عمق ه ّوة اخلالف العربي-العربي، و�ص ّعب من‬
‫ّ ّ‬
‫عملية التوحد والتقارب وتوحيد اجلهود يف خمتلف املجاالت‬
‫ّ‬
‫مبا فيها الإعالم.‬

‫ف�ضال عن اقرتاح �أو امل�شاركة يف م�شاريع عربية.‬
‫✓ ✓�سرعة وترية التقدّ م التكنولوجي : وهذا يف قطاع الإعالم‬
‫عموما ويف البث الف�ضائي خ�صو�صا، حيث �إنّ هذا التقدم‬
‫ّ‬
‫ال�سريع للتكنولوجيات والتقنيات والأجهزة والو�سائل، جعل‬
‫هذا املجال يتطور ب�سرعة كبرية، مما �ص ّعب على امل�ش ّرعني‬
‫ّ‬
‫والقانونيني جماراة وم�سايرة هذا القطاع من خالل ت�شريع‬
‫و�إ�صدار قوانني جديدة.‬
‫✓ ✓الو�ضع ال�سيا�سي والأمني الذي تعرفه غالبية الدول‬
‫العربية: والذي يتم ّيز بالتدهور والال�ستقرار، خا�صة يف‬

‫الدول التي حدث فيها تغيري �سيا�سي م�ؤخرا (تون�س، م�صر،‬
‫ليبيا...)، والتي ظهرت فيها ع�شرات القنوات الف�ضائية خا�صة‬
‫يف املرحلة التي تلت �سقوط الأنظمة ال�سابقة، والتي تـم ّيزت‬
‫بانعدام �سلطة ال�ضبط �أو امل�ؤ�س�سات احلكومية القوية والقادرة‬
‫على �ضبط وتنظيم ال�سوق الإعالمية، من حيث تراخي�ص‬
‫الن�شاط، وت�سميات القنوات، وم�ضامينها...الخ.‬
‫✓ ✓ انفالت بع�ض الف�ضائيات و�سعيها امللح وراء ال�سبق‬
‫ّ‬
‫ال�صحفي والإثارة : ف�إذا الحظنا ومت ّعنا يف م�ضامني العديد‬
‫الـمبـادرات العـربية ال�سـاعـيـة �إلـى تـنظيم الـبث‬
‫من القنوات والف�ضائيات العربية وال�سيما اخلا�صة منها،‬
‫الف�ضائـي الـعـربي :‬
‫ّ‬
‫لوجدنا �أنها تعتمد �أ�سلوب الإثارة والتجيي�ش لعواطف النا�س،‬
‫قبل احلديث عن حماولة الدول العربية �ضبط البث الف�ضائي‬
‫وال�سعي وراء حت�صيل �أخبار ح�صرية مت ّيزها عن و�سائل الإعالم‬
‫العربي، تنبغي الإ�شارة �إىل �أنّ هذا املو�ضوع (تنظيم البث الف�ضائي)‬
‫الأخرى، دون �إيالء �أهمية للمعايري املهنية وال لأخالقيات‬
‫كان ي�شغل بال العديد من املنظمات الدولية. وعليه «لي�س �ضبط‬
‫ال�صحافة.ولهذا ف�إنّ هذه القنوات تبحث فقط عن «املوا�ضيع‬
‫الإعالم بخطاب جديد ولي�س احلديث حولها حديثا مفاده تقييد‬
‫الـ�ساخـنـة(  (‪ hot i s‬ثمة مبادرات وم�شاريع عديدة طُ رحت احلريات الإعالمية. و�إمنا فكرة ال�ضبط قد تبدلت ب�شكل‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫5»)‪ ،sues‬حــتـى و�إن على امل�ستوى العربي، يف �إطار حماولة جذري تبعاً للتغريات الطارئة على النظام العاملي وما أُ�حرز‬
‫كان ت�أثريها �سلبيا على تنظيم و�ضـبط البـث الف�ضائـي، �إال �أنهـا من تقدم يف املجال التكنولوجي. والواقع �أنّ الو�سائل‬
‫ّ‬
‫مل تتمكّن حلد الآن من حتقيق ذلك.‬
‫ّ‬
‫الـمـ�شاهد وعلى البيئة‬
‫التكنولوجية احلديثة قد جنحت يف الق�ضاء على الفر�ضيات‬
‫العربية. وهذا ما �أحدث‬
‫املطروحة �سابقاً حول �ضبط الإعالم. �إال �أنّ «الإعالم‬
‫فو�ضى من حيث امل�ضامني والربامج، تر ّتبت عليها �صعوبة‬
‫بالتدفق احلايل فـي خمتلف و�سائطه» يفر�ض �أهمية تنظيمه دائماً‬
‫ّ‬
‫كبرية يف حتكم احلكومات العربية يف قطاع البث الف�ضائي.‬
‫مع �أنّ حمتواه قد يختلف من ثقافة �إىل �أخرى»6.‬
‫✓ ✓انعدام ت�شريعات وقوانني داخلية خا�صة بالقطاع ال�سمعي‬
‫ولذلك، فقد �أطلقت مبادرات عديدة على امل�ستوى الدويل‬
‫الب�صري : فهناك نق�ص وعجز يف العديد من البلدان العربية‬
‫لتنظيم البث الف�ضائي، كانت �أوالها مبادرة اليون�سكو يف 51‬
‫فيما يخ�ص قوانني الإعالم ال�سمعي الب�صري والبث الف�ضائي،‬
‫نوفمرب 2791، بعنوان «�إعالن املبادئ املديرية ال�ستعمال البث‬
‫ّ‬
‫مما جعل هذه البلدان تعجز عن تنظيم القطاع داخل حدودها،‬
‫ّ‬
‫عرب الأقمار اال�صطناعية من �أجل حرية التداول الإعالمي وتو�سيع‬
‫02‬
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري
تنظيم الاعلام السمعي البصري

Weitere ähnliche Inhalte

Mehr von BEN SAAD YASSINE

Projet loi-version-finale مشروع القرار المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري
Projet loi-version-finale مشروع القرار المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري Projet loi-version-finale مشروع القرار المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري
Projet loi-version-finale مشروع القرار المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري
BEN SAAD YASSINE
 
تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة - حقائق مفزعة
تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة - حقائق مفزعة تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة - حقائق مفزعة
تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة - حقائق مفزعة
BEN SAAD YASSINE
 
Guide de-déontologie-journalistique cpq
Guide de-déontologie-journalistique cpqGuide de-déontologie-journalistique cpq
Guide de-déontologie-journalistique cpq
BEN SAAD YASSINE
 
شبكة الجزيرة الإعلامية .ميثاق الشرف
شبكة الجزيرة الإعلامية .ميثاق الشرفشبكة الجزيرة الإعلامية .ميثاق الشرف
شبكة الجزيرة الإعلامية .ميثاق الشرف
BEN SAAD YASSINE
 
Nieuwsombudsman engels.pdf
Nieuwsombudsman engels.pdfNieuwsombudsman engels.pdf
Nieuwsombudsman engels.pdf
BEN SAAD YASSINE
 
Formulaire masters-design-lmd-2014
Formulaire masters-design-lmd-2014Formulaire masters-design-lmd-2014
Formulaire masters-design-lmd-2014
BEN SAAD YASSINE
 
Colloque ipsi 2014 صحافة الاستقصاء وسلطة وسائل الإعلام التحدّيّات والرّهانات...
Colloque ipsi  2014 صحافة الاستقصاء وسلطة وسائل الإعلام التحدّيّات والرّهانات...Colloque ipsi  2014 صحافة الاستقصاء وسلطة وسائل الإعلام التحدّيّات والرّهانات...
Colloque ipsi 2014 صحافة الاستقصاء وسلطة وسائل الإعلام التحدّيّات والرّهانات...
BEN SAAD YASSINE
 
المجلس الوطني للصحافة ؟ في البحث عن النموذج الأصلح الدكتور الصادق الحمامي
المجلس الوطني للصحافة ؟ في البحث عن النموذج الأصلح الدكتور الصادق الحمامي المجلس الوطني للصحافة ؟ في البحث عن النموذج الأصلح الدكتور الصادق الحمامي
المجلس الوطني للصحافة ؟ في البحث عن النموذج الأصلح الدكتور الصادق الحمامي
BEN SAAD YASSINE
 

Mehr von BEN SAAD YASSINE (20)

Global charter of_ethics_fr FIJ (amende) ميثاق الاتحاد الدوليللصحفيين
Global charter of_ethics_fr FIJ (amende)  ميثاق الاتحاد الدوليللصحفيين Global charter of_ethics_fr FIJ (amende)  ميثاق الاتحاد الدوليللصحفيين
Global charter of_ethics_fr FIJ (amende) ميثاق الاتحاد الدوليللصحفيين
 
Projet loi-version-finale مشروع القرار المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري
Projet loi-version-finale مشروع القرار المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري Projet loi-version-finale مشروع القرار المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري
Projet loi-version-finale مشروع القرار المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري
 
قانون المالية 2017 - تونس
قانون المالية 2017 - تونسقانون المالية 2017 - تونس
قانون المالية 2017 - تونس
 
تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة - حقائق مفزعة
تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة - حقائق مفزعة تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة - حقائق مفزعة
تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة - حقائق مفزعة
 
Journalistes admis TAP
Journalistes admis TAPJournalistes admis TAP
Journalistes admis TAP
 
الميديا الإجتماعية من منظور التنظيم والتنظيم الذاتي د الصادق الحمامي
الميديا الإجتماعية من منظور التنظيم والتنظيم الذاتي د الصادق الحماميالميديا الإجتماعية من منظور التنظيم والتنظيم الذاتي د الصادق الحمامي
الميديا الإجتماعية من منظور التنظيم والتنظيم الذاتي د الصادق الحمامي
 
قانون حق النفاذ إلى المعلومة -تونس 2016
قانون حق النفاذ إلى المعلومة -تونس 2016قانون حق النفاذ إلى المعلومة -تونس 2016
قانون حق النفاذ إلى المعلومة -تونس 2016
 
12 04-03-anal-ict-tunisia
12 04-03-anal-ict-tunisia12 04-03-anal-ict-tunisia
12 04-03-anal-ict-tunisia
 
Charte fij-1986
Charte fij-1986Charte fij-1986
Charte fij-1986
 
Sources d'information presse
Sources d'information presseSources d'information presse
Sources d'information presse
 
Carnet 7-situation-durgence-avec-cover
Carnet 7-situation-durgence-avec-coverCarnet 7-situation-durgence-avec-cover
Carnet 7-situation-durgence-avec-cover
 
Guide de-déontologie-journalistique cpq
Guide de-déontologie-journalistique cpqGuide de-déontologie-journalistique cpq
Guide de-déontologie-journalistique cpq
 
Guide de-déontologie-journalistique cpq
Guide de-déontologie-journalistique cpqGuide de-déontologie-journalistique cpq
Guide de-déontologie-journalistique cpq
 
شبكة الجزيرة الإعلامية .ميثاق الشرف
شبكة الجزيرة الإعلامية .ميثاق الشرفشبكة الجزيرة الإعلامية .ميثاق الشرف
شبكة الجزيرة الإعلامية .ميثاق الشرف
 
Nieuwsombudsman engels.pdf
Nieuwsombudsman engels.pdfNieuwsombudsman engels.pdf
Nieuwsombudsman engels.pdf
 
BEN SAAD YASSINE
BEN SAAD YASSINEBEN SAAD YASSINE
BEN SAAD YASSINE
 
Untitled Presentation
Untitled PresentationUntitled Presentation
Untitled Presentation
 
Formulaire masters-design-lmd-2014
Formulaire masters-design-lmd-2014Formulaire masters-design-lmd-2014
Formulaire masters-design-lmd-2014
 
Colloque ipsi 2014 صحافة الاستقصاء وسلطة وسائل الإعلام التحدّيّات والرّهانات...
Colloque ipsi  2014 صحافة الاستقصاء وسلطة وسائل الإعلام التحدّيّات والرّهانات...Colloque ipsi  2014 صحافة الاستقصاء وسلطة وسائل الإعلام التحدّيّات والرّهانات...
Colloque ipsi 2014 صحافة الاستقصاء وسلطة وسائل الإعلام التحدّيّات والرّهانات...
 
المجلس الوطني للصحافة ؟ في البحث عن النموذج الأصلح الدكتور الصادق الحمامي
المجلس الوطني للصحافة ؟ في البحث عن النموذج الأصلح الدكتور الصادق الحمامي المجلس الوطني للصحافة ؟ في البحث عن النموذج الأصلح الدكتور الصادق الحمامي
المجلس الوطني للصحافة ؟ في البحث عن النموذج الأصلح الدكتور الصادق الحمامي
 

تنظيم الاعلام السمعي البصري

  • 1. ‫ّ‬ ‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬ ‫ّ‬ ‫الـعـدد 3 - 3102‬
  • 2.
  • 3. ‫الفهرس‬ ‫إضاءات:‬ ‫ •بين الشرف المنشود ... والتنظيم المفقود‬ ‫أ. صـالح الـديـن معـاوي‬ ‫5‬ ‫الـملـف:‬ ‫تنظيم البث الفضائي العربي :‬ ‫«بين التشريعات القانونية والضوابط األخالقية»‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫•المدخل‬ ‫•في ضرورات ضبط البث التلفزيوني وشروطه‬ ‫•واقع البث الفضائي العربي وسبل تنظيمه‬ ‫•نحو ميثاق شرف أخالقي لإلعالميين العرب‬ ‫أ. محمد رؤوف يعيش‬ ‫.د.نصر الدين لعياضي‬ ‫د. إبراهيم بعزيز‬ ‫د. خالد صالح الدين‬ ‫6‬ ‫8‬ ‫81‬ ‫82‬ ‫وثيقة:‬ ‫ •وقائع الندوة العلمية حول «تنظيم البث الفضائي العربي‬ ‫ ومدى الحاجة إلى تشريعات في المجال»‬ ‫إعالم جديد :‬ ‫64‬ ‫ •وسائل التواصل الحديثة والديموقراطية التشاركية‬ ‫د.بـوحنيـة قـوي‬ ‫46‬ ‫ •اإلعالم اإللكتروني والمردودية االقتصادية‬ ‫د.الصادق رابح‬ ‫28‬ ‫ّ‬ ‫ كيف يتمثل المواطن جوهر الديموقراطية ؟‬ ‫اإلبداع العربي :‬ ‫ •األعمال الدرامية الرمضانية لموسم (4341هـ/3102)‬ ‫د. أمال قرامي‬ ‫ هل نحن أمام معالجة فنية جديدة ؟‬ ‫إذاعيات :‬ ‫ •الراديو في العقد الثالث من هذا القرن : اآلفاق الممكنة؟‬ ‫أ. فيجاي صادهو‬ ‫مهنيات :‬ ‫ •تجربة اإلعالم السمعي البصري العربي في 05 سنة‬ ‫د. عبد السالم محمد خير‬ ‫09‬ ‫89‬ ‫701‬ ‫أنشطة االتحاد :‬ ‫ •التعاون العربي الصيني : نحو الشراكة المتينة‬ ‫ •التلفزيون والخدمات السمعية البصرية حسب الطلب‬ ‫611‬ ‫711‬ ‫متابعات‬ ‫ّ‬ ‫ •فرنسا تلتحق باإلجماع األوروبي في البث اإلذاعي الرقمي‬ ‫911‬ ‫نافذة على هيئاتنا‬ ‫ • إذاعة صنعاء : الريادة والتميز‬ ‫021‬ ‫أ. عبد الملك عبداهلل العرشي‬ ‫في المكتبة اإلعالمية‬ ‫421‬ ‫‪ Abstract‬ملـخص العدد باللغة اإلنجليزية‬ ‫621‬
  • 4.
  • 5. ‫إ��ضـ ـ ـ ــاءات‬ ‫بني ال�شرف املن�شود ... والتنظيم املفقود‬ ‫بقلم الأ�ستاذ : �صالح الدين معاوي‬ ‫ّ ّ‬ ‫ال �شك �أن الدور املتنامي والت�أثري الطاغي للإعالم ال�سمعي والب�صري، والذي �شهد يف ال�سنوات الأخرية «انفجارا»‬ ‫عدديا غري م�سبوق، هو الذي ي�ؤرق ال�ساهرين على املجال ال�سيادي للدول، وي�رقهم �أكرث، �أن ي�صبح هذا الطوفان‬ ‫ؤّ‬ ‫ّ‬ ‫الإعالمي املنفلت خارج ال�سيطرة تـماما، عابرا للحدود، ملغيا كلّ‬ ‫�أ�شكال الرقابة .‬ ‫ُ‬ ‫ويعك�س هذا القلق الوجودي - ال�سيا�سي الكبري، التخبط الذي يـميز املبادرات الـمتتالية، لـمحاولة �إيجاد �آليات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من �ش�أنها �أن ت�ضع احلدّ الأدنى من ال�ضوابط التي حتافظ بقدرٍما على م�صالح الدول و�سيادتها.‬ ‫ّ‬ ‫هذا التخبط يتجلى يف املعطيات التالية :‬ ‫ّ‬ ‫ال يـزال الـخلط وا�ضحا، فـي التـحرك الـر�سمي العربي، بني البحث عن �إيجاد ميثـاق �شرف �إعالمي عربي،‬ ‫ّ‬ ‫وو�ضع اتفاقية ملزمة لتنظيم البث الف�ضائي العربي .‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فيما يتعلق بامليثاق، وهو �شريف بامتياز، ويوجد العديد منه يف الوطن العربي، ف�إنه يعني تنظيم عمل امل�ؤ�س�سات‬ ‫الإعالمية، من اجلانب الأخالقي واملهني، وهو لي�س من م�شموالت ال�سلط العمومية، ولي�س له �أي ُبعد �إلزامي‬ ‫ّ‬ ‫وردعي، وبالتايل ال جدوى �سيا�سية من ورائه.‬ ‫�أما وثيقة تنظيم البث الف�ضائي (على غرار الوثيقة الأوروبية)، فهي احللقة املفقودة يف امل�شهد الإعالمي العربي،‬ ‫ّ‬ ‫والتي جعلت من املنطقة العربية ، املنطقة الوحيدة يف العامل التي تفتقد �إىل تنظيم �أو معايري مهنية للبث الف�ضائي...‬ ‫ُ‬ ‫هذه الوثيقة و�ضعت �سنة 8002 فـي جامعـة الـدول العربيـة ، بعـد بحث وجهد جـهيد ، ثم قربت يف الرفوف‬ ‫ُ‬ ‫ب�صفتها «اال�سرت�شادية» ومل يعاود النظر فيها �أو تدار�س �سبب ف�شلها.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�إن ف�شل كل املحاوالت ال�سابقة من قبل النظام الر�سمي العربي يف و�ضع �آليات ل�ضبط البث الف�ضائي العربي،‬ ‫ّ‬ ‫ح�سب املعايري الأخالقية واملهنية ال�سائدة دوليا، يربز جليا �أن املدخل الر�سمي لإعداد هذه الوثيقة املن�شودة وال�ضرورية‬ ‫واحليوية، هو يف الواقع مدخل خاطئ.‬ ‫ّ‬ ‫مثل هذه املواثيق الإعالمية املهنية ال ت�صدر عن احلكومات بل عن م�ؤ�س�سات �أهل املهنة، لأن يف ذلك �أح�سن �ضمان‬ ‫لعدم توظيفها �سيا�سيا، و�أف�ضل �سبيل اللتزام املهنيني بتطبيقها الحقا، ما دامت انبثقت عنهم.‬ ‫ّ‬ ‫«التوجيه الأوروبي» امل�شهور �أعدّ ه احتاد �إذاعات الدول الأوروبية و�أقره الربملان الأوروبي وتنفذه الهيئات التعديلية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن كل دولة �أوروبية ... �أما نحن يف العامل العربي، ف�إن وجد اتـحاد �إذاعات عربية، فال �صالحيات لربلـمان عربي‬ ‫ْ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف املجال، وال م�ؤ�س�سات تعديلية يف كل البلدان العربية...‬ ‫هذا هو حالنا العربي : هناك م�أزق �سيا�سي وا�ضح يف جمال تنظيم البث الف�ضائي، وهناك �ضعف م�ؤ�س�سات التمثيل‬ ‫املهني يف ذات املجال، وهناك �أي�ضا غياب للأطر القانونية املالئمة لو�ضع �آليات التنفيذ لأي وثيقة تنظيمية .‬ ‫ّ‬ ‫ويبقى احلديث ممجوجا وال�سعي م�شكورا ... وال جدوى يف الأفق !‬ ‫5‬
  • 6. ‫امللف‬ ‫الـمـ‬ ‫ـلــ‬ ‫ف‬ ‫تنظيم البث الف�ضائي العربي‬ ‫«بني الت�شريعات القانونية وال�ضوابط الأخالقية»‬ ‫�أ.حممد ر�ؤوف يعي�ش‬ ‫المدخل‬ ‫يثري ملف هذا العدد مو�ضوع :‬ ‫تنظيم البث الف�ضائي العربي‬ ‫«بني الت�رشيعات القانونية وال�ضوابط الأخالقية»‬ ‫وهو من املوا�ضيع احليوية التي باتت ت�شغل بال املهنيني‬ ‫ّ‬ ‫واخلرباء يف القطاع، و�سط ما يعرف اليوم «بالفو�ضى‬ ‫ُ‬ ‫الإعالمية الف�ضائية» التي من �أبرز مظاهرها التزايد‬ ‫املذهل لعدد القنوات الف�ضائية العربية، وافتقاد البث‬ ‫الف�ضائي لت�رشيعات قانونية حتكم تنظيمه وتعمل على‬ ‫حمايته من االنزالقات واالنحرافات ...‬ ‫وتطالعنا يف امللف ثالث درا�سات تول �إعدادها‬ ‫ىّ‬ ‫�أ�ساتذة جامعيون خمت�صون يف العامل العربي.‬ ‫من هذه الدرا�سات ما �ست�سلّط ال�ضوء على واقع‬ ‫البث الف�ضائي العربي و ما يعرتيه من تداخل وانعدام‬ ‫ّ‬ ‫تنظيم، مع حماولة الك�شف عن دواعي ظاهرة الفو�ضى‬ ‫والعوامل الرئي�سية التي كانت �سببا يف �إحداثها .‬ ‫فاملتابع لل�ش�أن العربي عموما، ولل�ساحة الإعالمية‬ ‫العربية على وجه اخل�صو�ص، يدرك مدى تزايد عدد‬ ‫القنوات التلفزيونية التي غمرت الف�ضاء االت�صايل‬ ‫يف ال�سنوات الأخرية، واختالف اجتاهاتها وم�شاربها،‬ ‫وال�سيما �إثر التحوالت اجلذرية التي ع�صفت ب�أنظمة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بع�ض البلدان العربية وحلول �أنظمة جديدة مكانها،‬ ‫مع ما رافق ذلك من حالة عدم ا�ستقرار يف املجاالت‬ ‫ال�سيا�سية والأمنية والإعالمية. وقد �أ�سهمت هذه‬ ‫6‬ ‫الظروف يف �إ�ضعاف قدرة الأنظمة العربية على �إيجاد‬ ‫الأر�ضية املالئمة للتن�سيق والتعاون من �أجل تنظيم‬ ‫البث الف�ضائي العربي، بل �إن حالة الالّ�ستقرار ال�سائدة‬ ‫ّ‬ ‫هنا، وكرثة اخلالفات والنزاعات القائمة هناك، �أف�ضت‬ ‫�إىل �إجها�ض املبادرات التي مت �إطالقها �إىل حد الآن .‬ ‫ّ‬ ‫و�سيعر�ض املقال املقرتح �أهم هذه املبادرات العربية،‬ ‫كما �سيبينّ الوظائف التي ت�ؤديها الت�رشيعات والقوانني.‬ ‫ّ‬ ‫و�سيتم الرتكيز على �أهمية تنظيم البث الف�ضائي العربي‬ ‫ّ‬ ‫من خالل التو�صل �إىل �إ�صدار ت�رشيعات كفيلة ب�أن حتمل‬ ‫ّ‬ ‫�سائر القنوات والف�ضائيات العربية والعاملني فيها، على‬ ‫االلتزام وفق هذه القواعد القانونية واحرتام بنودها.‬ ‫وتتحدث درا�سة �أخرى يف �رضورات �ضبط البث‬ ‫ّ‬ ‫التلفزيوين و�رشوطه، حيث �إن هذه العملية ال ت�سعى �إىل‬ ‫الت�ضييق على حرية الإعالم املرئي، بل تروم حتقيق‬ ‫جملة من التوازنات التي تتعاظم �أهميتها يف ظل‬ ‫ّ‬ ‫التغيرّات االقت�صادية وال�سيا�سية والتقنية والثقافية‬ ‫التي نعي�ش على وقعها اليوم، من ذلك، التوازن بني‬ ‫احلقوق الأ�سا�سية للأ�شخا�ص ومتطلّبات املجتمع،‬ ‫والتوازن بني م�س�ؤوليات الدولة يف امل�ستوى الإعالمي‬ ‫والثقايف والفنّي وفاعلية ال�سوق، والتوازن بني ا�ستقاللية‬ ‫ّ‬ ‫الهيئات املكلّفة بال�ضبط، وال�سيا�سات الوطنية التي‬ ‫ت�ضعها الدولة يف القطاع ال�سمعي الب�رصي. ف�ضبط البث‬ ‫التلفزيوين هو مبثابة االلتزام القانوين الذي تفر�ضه‬ ‫عوامل عدة، من بينها تكري�س احلق يف الإعالم و�ضمان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حرية التعبري عرب البث التلفزيوين، وتعزيز اخلدمة‬
  • 7. ‫العامة يف التلفزيون باعتباره مرفقا عموميا، وحتديد‬ ‫�رشوط توزيع موجات البث الإذاعي والتلفزيوين،‬ ‫وت�أطري املناف�سة بني القنوات التلفزيونية، من خالل‬ ‫التدخل يف م�ضامني املواد والربامج التلفزيونية،‬ ‫ّ‬ ‫وتقنني ن�شاط الهيئة امل�ستقلّة عن ال�سلطة التنفيذية،‬ ‫واملخول لها بال�سهر على مراقبة مدى االلتزام ب�أحكام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�ضبط البث التلفزيوين.‬ ‫وت�شري الدرا�سة �إىل التطور التّقني الذي �أحدث تغيريا‬ ‫ّ‬ ‫كبريا يف �أمناط البث وا�ستقباله، على نحو جعل تلقّي‬ ‫الربامج التلفزيونية غري حم�صور يف �شا�شة التلفزيون،‬ ‫بل امتد �إىل �أجهزة متطورة على غرار احلا�سوب واللّوح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الإلكرتوين والهاتف الذكي.‬ ‫واهتم امللف مبواثيق ال�رشف الأخالقية، مبا هي‬ ‫ّ‬ ‫الإطار الذي يحدد للإعالميني وم�ؤ�س�سات البث العربية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املعايري املهنية و�أخالقيات العمل الإعالمي.‬ ‫وتورد الدرا�سة التي �أعدت للغر�ض حتليال نقديا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ملختلف الإ�شكاليات ذات العالقة ب�إجناز هذه املواثيق‬ ‫وتفعيلها يف البيئة الإعالمية عربيا وعامليا.‬ ‫وترتبط هذه الإ�شكاليات:- ب�آليات �صياغة مواثيق‬ ‫ّ‬ ‫ال�رشف الإعالمية، ومدى توافق الإعالميني على املبادئ‬ ‫التي تت�ضمنها، يف نطاق مفاهيم التنظيم الذاتي‬ ‫ّ‬ ‫للإعالم، بعيدا عن الو�صاية احلكومية.‬ ‫وباملرتكزات التي تقوم عليها هذه املواثيق ومدى‬‫ارتباطها بال�سيا�سات الإعالمية ومراعاتها خل�صو�صيات‬ ‫البلدان الثقافية والأقاليم اجلغرافية املعينة - وكذلك‬ ‫ّ‬ ‫بالآثار ال�سلبية الناجمة عن االنتهاكات الأخالقية يف‬ ‫ال�ساحة الإعالمية العربية، والتي ا�شتد ن�سق وتريتها‬ ‫ّ‬ ‫يف غياب االلتزام مبيثاق ال�رشف الإعالمي العربي.‬ ‫كما ترتبط بتطوير الت�رشيعات الإعالمية العربية‬ ‫وب�آليات تطوير ميثاق ال�رشف الإعالمي العربي، يف ظل‬ ‫ّ‬ ‫التحديات التي �أفرزتها العوملة الإعالمية والتغيرّات التي‬ ‫ّ‬ ‫ميزت احلراك العربي منذ ما يقارب الثالثة �أعوام �إىل اليوم.‬ ‫ّ‬ ‫هذا ويتوج امللف بعر�ض وثيقة تعك�س وقائع‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫الندوة العلمية التي �أقامها احتاد �إذاعات الدول العربية‬ ‫واللجنة العليا للتن�سيق بني القنوات الف�ضائية العربية‬ ‫يف �شهر �أبريل 3102 بالعا�صمة الأردنية عمان حول‬ ‫ّ‬ ‫«تنظيم البث الف�ضائي العربي ومدى احلاجة �إىل‬ ‫ت�رشيعات يف املجال».‬ ‫وناق�ش امل�شاركون يف الندوة هذه املحاور :‬ ‫املرجعية القانونية يف �ضبط البث الف�ضائي العربي‬ ‫الو�ضعية القانونية للبث الف�ضائي العربي بني وحدة‬ ‫ّ‬ ‫وتعدد القوانني املنظّمة للقنوات الف�ضائية والتوجه �إىل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قواعد موحدة ب�ش�أن تراخي�ص البث الف�ضائي العربي،‬ ‫ّ‬ ‫جتلّيات االختالف بني القنوات الف�ضائية التابعة‬ ‫للقطاعني العام واخلا�ص،‬ ‫نحو حتيني القوانني املنظّمة للقنوات الف�ضائية من‬ ‫�أجل مواكبة التطورات،‬ ‫ّ‬ ‫�إقرار ميثاق �رشف �أو مدونة �أخالقيات للبث الف�ضائي‬ ‫ّ‬ ‫العربي...‬ ‫مدى ت�أثري القنوات الف�ضائية العربية على املجال‬ ‫ال�سيادي للبلدان العربية‬ ‫البث الف�ضائي العربي و�أثره الإيجابي وال�سلبي‬ ‫على املجال ال�سيادي للدول العربية،‬ ‫نحو �سيا�سة وا�ضحة من �أجل تنظيم ن�شاط البث‬ ‫الف�ضائي العربي، والعمل على عدم جتاوزه لقوانني‬ ‫الإعالم واالت�صال بالبلدان العربية،‬ ‫التن�سيق العربي والدويل يف �سبيل مواجهة القنوات‬ ‫الف�ضائية املخلّة بالقوانني الدولية وبالقيم الإن�سانية،‬ ‫التزام القنوات الف�ضائية العربية بقواعد االحتكام‬ ‫لق�ضاء البلدان العربية املت�رضّرة �أو ملركز عربي‬ ‫للتحكيم ذي قواعد حتكيم جوهرية و�إجرائية خمت�صة‬ ‫ّ‬ ‫يف منازعات الإعالم واالت�صال.‬ ‫م�شـــكالت التداخل والت�شوي�ش ال�ساتلي على البث‬ ‫التلفزيوين الف�ضائي يف املنطقة العربية‬ ‫التداخل : (�أنواعه وم�شكالته و�أ�شكاله والرتتيبات‬ ‫القانونية والتقنيــــــــة املطلوبــــــــة للحد منه)‬ ‫ّ‬ ‫دور اجلهات الدولية والإقليمية وم�شغّلي ال�سواتل‬ ‫يف هذا امل�ضمار.‬ ‫7‬
  • 8. ‫امللف‬ ‫ّ‬ ‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬ ‫ّ‬ ‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬ ‫د. ن�صر الدين لعيا�ضي‬ ‫كلية االت�صال – جامعة ال�شارقة‬ ‫يعرف ال�ضبط ب�أنه‬ ‫ُ‬ ‫امل�سار الذي يعتمد‬ ‫ُ‬ ‫مبوجبه �سلوك‬ ‫منظمة ما معقدة‬ ‫�أو يعدل وفق قواعد‬ ‫ُ ّ‬ ‫ومعايري.‬ ‫�إنّ الـحاجة �إلـى �إعادة �ضبط البث التلفزيوين فـي املنطقة العربية جت ّلت، ب�شكل وا�ضح، منذ مدة طويلة،‬ ‫لكن النقا�ش حولها مل ينطلق، مع الأ�سف بعد. هذا ال يعني بتاتا غياب امللتقيات والندوات التي تعقد يف‬ ‫هذا البلد العربي �أو ذاك، والتي ت�شري �إىل بع�ض الفراغ القانوين الذي يعاين منه البث التلفزيوين فـي املنطقة‬ ‫العربية �أو عدم مواكبته للتطور التكنولوجي احلا�صل يف عامل االت�صال اليوم، خا�صة بعد �أن تزايد عدد القنوات‬ ‫التلفزيونية التي تبث براجمها من داخل الدول العربية، وتن ّوعت �أمناط ملكيتها و�أ�شكال متويلها، وتعددت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مرجعياتها ال�سيا�سية والثقافية.‬ ‫غري �أنّ النقا�ش يف العديد من هذه امللتقيات انزلق، مع الأ�سف، من احلديث عن �ضبط ‪Regulation‬‬ ‫البث التلفزيوين �إىل احلديث عن �ضبطه ذاتيا ‪ .Self Regulation‬واخت�صر هذا ال�ضبط الذاتي فـي الدعوة‬ ‫�إىل �إ�صدار مواثيق لأخالقيات الإعالم. وبالفعل، لقد ا�ستجابت بع�ض القنوات التلفزيونية العربية لها، و�أ�صدرت‬ ‫مواثيق خا�صة بها، لكنها مل تتق ّيد بها، مع الأ�سف، يف املمار�سة. وال�سبب يف ذلك ال يعود فقط �إىل م�ضمونها‬ ‫الذي ُيعد �ضربا من “املواعظ” املهنية. وال يرجع �إىل كونها ال تـم ّيز الأخالق عن الأخالقيات، بل يعود، �أي�ضا،‬ ‫ّ‬ ‫�إىل عدم �إدراك �أنّ ال�ضبط الذاتي هو �شكل من التناغم بني القوانني وامل�س�ؤوليات.1 فماذا بو�سع الأخالقيات‬ ‫القيام به يف جمال البث التلفزيوين يف ظل غياب الإطار القانوين العام الذي ي�ضبطه، �أو يف وجود هذا الإطار‬ ‫جم ّردا من الأدوات امل�ستقلة التي ت�سهر على جت�سيده ؟‬ ‫للم�ساهمة يف النقا�ش حول �ضبط البث التلفزيوين وت�أطريه، ميكن االنطالق من الأ�سئلة املفتاحية التالية:‬ ‫ما هي �ضرورات �ضبط هذا البث؟ ومن ي�ضبطه؟ وما هي �آليات �ضبطه.‬ ‫يف معنى ال�ضبط ومع�ضالته:‬ ‫يع ّرف فقهاء القانون ال�ضبط ‪ Regulation‬بـ�أنه امل�سار الذي مبوجبه ُيعتمد �سلوك منظومة ما معقّدة �أو ُيعدل‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫وفق قواعد ومعايري.2 ويرون �أنّ غايته فـي جمال البث التلفزيوين تتمثّل فـي تـحقيق جمموعة من التوازنات‬ ‫التي تتعاظم �أهميتها يف ظل التغريات االقت�صادية وال�سيا�سية والتقنية والثقافية اجلارية يف املجتمع. نذكر منها:‬ ‫8‬
  • 9. ‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬ ‫التوازن بني احلقوق الأ�سا�سية للأ�شخا�ص ومتطلبات املجتمع. والتوازن بني م�س�ؤوليات الدولة على ال�صعيد‬ ‫الإعالمي والثقايف والفني وفاعلية ال�سوق، والتوازن بني ا�ستقاللية الهيئات املك ّلفة بال�ضبط وال�سيا�سات الوطنية‬ ‫التي ت�صوغها الدولة يف القطاع ال�سمعي- الب�صري، والثقايف ب�صفة عامة.‬ ‫ت�سوق الباحثة الربيطانية واخلبرية يف جمال الت�شريعات الإعالمية، �إيف �سلومون 3 ‪،Eve Salomon‬‬ ‫جمموعة من العوامل التى تراها �ضرورية، وت�ستدعي �ضبط البث التلفزيوين، نحاول اخت�صارها يف النقاط التالية:‬ ‫1 - حماية احلقوق الأ�سا�سية للمواطن وح ّرياته، منها احلق يف االطالع واملعرفة، واحلق يف حماية احلياة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�شخ�صية �أو اخل�صو�صية، وح ّرية التعبري، والعمل على تر�سيخ الدميقراطية وحماية تعددية الر�أي والإعالم.‬ ‫2 - توجيه ن�شاط القنوات التلفزيونية نحو االرتقاء بالثقافة الوطنية وحمايتها، خا�صة يف املجتمعات التي‬ ‫تقاوم ذوبان ثقافتها يف مد “العوملة” �أو التي ت�سعى �إىل احلفاظ على لغتها الأ�صلية �أو تعدديتها الل�سانية والثقافية.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فالكثري من الدول الأوروبية توظف قنواتها التلفزيونية لن�شر لغاتها املحلية �أو �إنتاجها ال�سمعي- الب�صري الذي‬ ‫ال يحظى ب�سوق وا�سعة. لذا تفر�ض على القنوات التلفزيونية، ب�صرف النظر عن طبيعة ملكيتها القانونية، �سقفا‬ ‫من الإنتاج ال�سمعي-الب�صري الوطني �أوال، ثم قدرا من الإنتاج الأوروبي، و�أخريا حدا من الإنتاج الأمريكي.‬ ‫ّ‬ ‫3 - جت�سيد فل�سفة الدولة يف جمال اال�ستثمار يف القطاع ال�سمعي- الب�صري بالإجابة العملية عن الأ�سئلة التالية:‬ ‫ •�إىل �أي حد ميكن ت�شجيع اال�ستثمار الأجنبي يف القطاع ال�سمعي-الب�صري ؟‬ ‫ّ ّ‬ ‫ •وما هي الوظائف التي توكل �إليه ؟‬ ‫ •�أو ما هي الآليات التي يجب اتخاذها للحد من جربوته؟ وما هي جماالت التعاون الأجنبي يف جمال‬ ‫ّ‬ ‫البث التلفزيوين؟‬ ‫ّ‬ ‫ •ما هي الآليات التي تتحكم يف املناف�سة العادلة يف جمال البث التلفزيوين، وتت�صدى لالحتكار؟‬ ‫ّ‬ ‫فغني عن القول �إنّ التكنولوجية الرقمية واملواءمة التكنولوجية ‪Technological convergence‬‬ ‫ّ‬ ‫ت�س ّهل عملية احتكار ملكية و�سائل الإعالم، وت�س ّرعها متجاوزة يف ذلك القيود التي و�ضعت ل�ضبطها يف �أثناء‬ ‫هيمنة التكنولوجية التناظرية.‬ ‫بالطبع، �إنّ �ضبط البث التلفزيوين يحمل القنوات التلفزيونية ذات امللكية العامة جمموعة من امل�س�ؤوليات‬ ‫ّ‬ ‫التي قد تختلف عن تلك التي ت�ضطلع بها القنوات التلفزيونية التجارية �أو ذات امللكية اخلا�صة. لذا تقن‬ ‫نّ‬ ‫الت�شريعات مهام القنوات التلفزيونية التابعة للقطاع العام وحتدد �أدوارها، وتر�سم �أ�شكال التمويل التي ت�ؤهلها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لال�ضطالع بهذه املهام باعتبارها مرفقا عاما. وتبينّ �أ�شكال �إعانتها ماليا، بكل �شفافية. وتن�ص على �أ�شكال‬ ‫ّ‬ ‫حما�سبتها يف الأطر النظامية املالئمة لذلك عن كيفية �صرفها للأموال التي جنتها �أو منحت لها.‬ ‫فمن املعلوم �أنّ مفهوم اخلدمة العمومية قد تبلور يف ظل االقتناع ب�أنّ القطاع اخلا�ص �أو ال�سلطات التنفيذية‬ ‫تعجز عن االلتزام مبتطلبات اخلدمة التلفزيونية الرامية �إىل حتقيق املنفعة العامة. لذا �أوكلت �إىل القنوات التلفزيونية‬ ‫م�س�ؤولية القيام بها، و�شخ�صتها على ال�صعيد القانوين والإجرائي. ك�إلزام القناة التلفزيونية باال�شرتاك فـي �إنتاج‬ ‫ّ‬ ‫مواد تلفزيونيـة وطنيـة، والبث لـمدة مع ّينـة بلغـة حمليـة �أو وطنيـة، �أو بث ن�سبة مع ّينـة من الربامج الثقافـيـة‬ ‫ّ‬ ‫�إن �ضبط البث‬ ‫ّ‬ ‫التلفزيوين يحمل‬ ‫ّ‬ ‫القنوات ذات‬ ‫امللكية العامة‬ ‫جمموعة من‬ ‫امل�س�ؤوليات التي‬ ‫قد تختلف عن تلك‬ ‫التي ت�ضطلع بها‬ ‫القنوات التلفزيونية‬ ‫التجارية �أو ذات‬ ‫امللكية اخلا�صة.‬ ‫9‬
  • 10. ‫امللف‬ ‫ّ‬ ‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬ ‫ّ‬ ‫حتى ال تكون‬ ‫ال�سلطة التنفيذية‬ ‫هي اخل�صم واحلكم‬ ‫يف �آن واحد‬ ‫يف جمال البث‬ ‫التلفزيوين، ين�ص‬ ‫ّ‬ ‫امل�رشّعون على‬ ‫�إن�شاء هيئة مكلّفة‬ ‫ب�ضبطه تتمتع‬ ‫با�ستقاللية عن‬ ‫�سلطة ال�سيا�سة‬ ‫و�سلطة املال.‬ ‫01‬ ‫التي �شاع عنها �أنها ال حتظى بكرثة �إقبال امل�شاهدين على متابعتها، كما تزعم بع�ض مراكز البحث و قيا�س امل�شاهدة‬ ‫التلفزيونية. والبث الأ�سبوعي لربامج دينية تعك�س تعددية الديانات يف جمتمع ما، وغريها.‬ ‫4 - التدخل ل�ضبط الربامج واملواد التلفزيونية، �سواء بحظر بثها �أو بتحديد حجمها بالدقائق �أو تعيني مواعيد‬ ‫بثها. ومن املواد والربامج التي ي�شملها هذا ال�ضبط، نذكر الإعالنات والربامج املوجهة �إلـى الأطفال �أو تلك التي‬ ‫تت�ضمن م�شاهد �إباحية �أو ت�شجع على الـحقد والـميز على �أ�س�س عرقية ودينية وجن�سية، �أو تلك التي ُتذكي نار‬ ‫ّ‬ ‫التط ّرف والعنف.‬ ‫5 - توزيع موجات البث الإذاعي والتلفزيوين: فخالفا لل�صحافة املكتوبة، يكمن الدافع الأ�سا�سي الذي يدعو‬ ‫�إىل �ضبط البث التلفزيوين يف العامل التقني الذي متثّله موجات البث التي تعد ملكية عمومية منحت للدول‬ ‫ّ‬ ‫مبوجب اتفاقيات دولية. فهذه املوجات حمدودة، حتى و�إنْ تكاثر عددها بفعل التكنولوجية الرقمية. فمن املنطقي‬ ‫�أن حتدد الدولة، باعتبارها مالكة لهذه املوجات، �شروط التنازل عنها �ضمن منح الرخ�ص للراغبني يف ا�ستغاللها‬ ‫ّ‬ ‫لغر�ض البث الإذاعي والتلفزيوين. فمن النادر �أن متنح الدولة ترخي�صا �أبد ّيا له�ؤالء الراغبني. فبع�ض الدول‬ ‫تعر�ض بع�ض املوجات للبيع ملدة زمنية مع ّينة قابلة للتجديد. وبع�ضها الآخر مينحها جمانا ل�سنوات معدودات،‬ ‫لكن يف كلتا احلالتني يكون الرتخي�ص مقرونا بجملة من االلتزامات املفرو�ضة على امل�ستفيدين منه يت�ضمنها‬ ‫دفرت الأعباء �أو ال�شروط. ويختلف م�ضمون هذه ال�شروط من دولة �إىل �أخرى ح�سب طبيعة نظامها ال�سيا�سي‬ ‫وخ�صو�صيتها: قوة قنواتها التلفزيونية العمومية ومقدرتها على تغطية الرتاب الوطني، مدى تن ّوع برامج قنواتها‬ ‫التلفزيونية، و�سيا�ستها الإعالمية والثقافية، وغايتها من اال�ستثمار اخلا�ص �أو الأجنبي �أو املختلط يف جمال الإذاعة‬ ‫والتلفزيون. ويقت�ضي �ضبط البث التلفزيوين حتديد طرائق منح الرخ�ص، خا�صة �إنْ كانت جمانية: هل متنح ح�سب‬ ‫ّ‬ ‫نظام الأ�سبقية يف تقدمي الطلب، �أو وفق �آليات من التناف�س تتحكم فيها كفاءات مع ّينة؟‬ ‫ومهما كانت طرائق منح الرخ�ص وجتديدها، فيجب �أن تكون حمددة يف الت�شريعات القانونية واللوائح‬ ‫التنظيمية بكل و�ضوح، وتط ّبق بطريقة من�صفة، وب�شكل علني و�شفاف.‬ ‫ال�ضبط التزام قانوين.‬ ‫يت�ضح مما �سبق، �أنّ �ضبط البث التلفزيوين لي�س ت�صريحا عن النوايا، بل التزام مبجموعة من املبادئ الرئي�سة‬ ‫ّ‬ ‫التي تت�ضمنها الن�صو�ص القانونية الأ�سا�سية التي ُي�ستمد منها الت�شريع يف كل دولة. وتتبعها ن�صو�ص ثانوية‬ ‫ّ‬ ‫وترتيبات تنفيذية تد ّون يف املواثيق والقوانني واللوائح التنظيمية التي ت�صدرها الهيئات املخت�صة بال�ضبط.‬ ‫واحلكمة من هذا الف�صل بني املبادئ الأ�سا�سية والثانوية و�إجراءاتها التنفيذية تتمثل يف �إتاحة الفر�صة‬ ‫لإدخال التعديالت عليهـا وتكييفهـا لتـواكب ما ي�ستجد فـي جمـال ال�سمعي- الب�صري على ال�صعيد التـقني‬ ‫ّ‬ ‫�أو االقت�صادي �أو الرباجمي �أو يف طبيعة املتلقّي، كما �سرنى الحقا.‬ ‫َ‬ ‫حتى ال تكون ال�سلطة التنفيذية هي اخل�صم واحلكم يف �آن واحد يف جمال البث التلفزيوين، ين�ص امل�ش ّرعون‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫على �إن�شاء هيئة مك ّلفة ب�ضبطه، تتمتع با�ستقاللية عن ال�سلطة ال�سيا�سة و�سلطة املال. وتحُدد �صالحياتها وكيفية‬ ‫تعيني �أع�ضائها، ومدة عهدتهم و�أ�سباب وطريقة عزلهم. وتمُنح لهذه الهيئة اال�ستقاللية املالية حلمايتها من كل‬ ‫ُ‬ ‫�ضغوط �أو م�ساومة �أو ابتزاز. بالطبع �إنّ م�سمى هذه الهيئة، وعدد �أع�ضائها وكيفية اختيارهم، و�صالحياتها، و�آليات‬ ‫ّ‬
  • 11. ‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬ ‫�إداراتها، والهيئات التابعة لها، و�أ�شكال تنفيذ قراراتها تختلف من بلد �إىل �آخر.‬ ‫وتن�ص خمتلف الت�شريعات القانونية على جمموعة من املبادئ التي حتمي حقوق خمتلف الأطراف الفاعلة‬ ‫ّ‬ ‫يف البث التلفزيوين، نذكر منها:‬ ‫�أ- الطعن يف القرارات التي تتخذها هيئات ال�ضبط للحد من كل تع�سف يف ا�ستخدام ال�سلطة.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ب- الت�صويب والرد: ميكن للأ�شخا�ص التقدم بطلب �إىل القناة التلفزيونية التي بثت معلومات خاطئة‬ ‫عنهم من �أجل ت�صحيحها وت�صويبها �أو طلب حق الرد �إذا ا�ستهدفتهم وقيعة يف برنامج تلفزيوين.‬ ‫ّ‬ ‫و ُيق�صد بالوقيعة يف اللغة العربية التكلم عن الغائب بحقد وميل للإغاظة واالفرتاء والقذف. و�إجبار القنوات‬ ‫التلفزيونية على االلتزام بحق الت�صويب والرد. و�إذا رف�ضت بدون مربر �شرعي حتال على الق�ضاء.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ج- ال�سماح للم�شاهدين مبمار�سة دور العني الفاح�صة �أو الناقدة. ففي هذا الإطار ُتقبل �شكاوى امل�شاهدين‬ ‫املتعلقة ببع�ض التجاوزات �أو امل�آخذ التي ي�سجلونها على بع�ض الربامج التلفزيونية. وتعترب هذه ال�شكاوى و�سيلة‬ ‫ّ‬ ‫مل�ساعدة هيئات ال�ضبط يف ن�شاطها ولفت نظر القنوات التلفزيونية املعنية بها. ويـمكن الإ�شارة فـي هذا املقام‬ ‫�إىل ارتفاع عدد القنوات التلفزيونية التي جل�أت �إىل تعيني و�سيط ‪ ombudsman‬حلماية اجلمهور من جتاوزاتها‬ ‫�إنْ حدثت. والو�سيط هو تقليد �أجنلو �سك�سوين وجد طريقه �إىل و�سائل الإعالم، والقنوات التلفزيونية يف العامل‬ ‫بعد تفاقم �أزمة الثقة بينها وبني جمهورها. وي�سهر الو�سيط على حت�سني عالقة القناة التلفزيونية بجمهورها وحماية‬ ‫ه�ؤالء من خمتلف التجاوزات التي ترتكبها القناة التلفزيونية نتيجة خ�ضوعها ل�ضغوط �سيا�سية �أو جتارية.‬ ‫خ- الإن�صاف فـي تقديـم الأخبار، خا�صة تلك التي تتناول الأحداث ذات الطابع ال�سجالـي �أو اجلدالـي.‬ ‫ودعوة القنوات التلفزيونية �إىل االلتزام ببع�ض القواعد املهنية التي جت�سده. وهنا يجب الإقرار ب�أنّ احلديث‬ ‫ّ‬ ‫عن هذا الإن�صاف ت�شوبه نزعة مثالية، بينما التجربة املكت�سبة يف جمال البث التلفزيوين تثبت �أنه ميلك قيمة‬ ‫ن�سبية تتفاوت من قناة تلفزيونية �إىل �أخرى، لأنّ مفهومه يختلف باختالف الأنظمة ال�سيا�سية حتى داخل‬ ‫الثقافة الواحدة، مثل الثقافة الأجنلو�سك�سونية ، وهذا ما يتج ّلى بكل و�ضوح يف فهم قناتي “البي البي �سي”‬ ‫ْ‬ ‫الربيطانية و”فوك�س نيوز” الأمريكية مل�س�ألة الإن�صاف يف الأخبار. ففهم هذه الأخرية للإن�صاف يف جمال‬ ‫الأخبار التلفزيونية ال تف�صله عن تطلعات مالكها وميوله ال�سيا�سية والإيديولوجية.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خ- حتديد درجة العقوبات املرت ّتبة على كل اخرتاق للبنود القانونية واللوائح املنظمة للبث التلفزيوين،‬ ‫ّ‬ ‫واجلهات املك ّلفة بتنفيذها. فبع�ض هيئات ال�ضبط متلك �سلطة الزجر، وبع�ضها الآخر ت�شكل طرفا مدنيا يف‬ ‫النزاعات الناجمة عن هذا االخرتاق وحتال �إىل العدالة.‬ ‫هل ميكن نقل‬ ‫�ضوابط البث‬ ‫التلفزيوين التي‬ ‫�صيغت يف نهاية‬ ‫القرن املا�ضي‬ ‫ونطبقها على البث‬ ‫ّ‬ ‫التلفزيوين احلايل‬ ‫الذي ي�شهد الكثري‬ ‫من التغيرّات على‬ ‫�صعيد تقنيات‬ ‫االت�صال؟‬ ‫جدل:‬ ‫هل يـمكن �أن ننقل هذه ال�ضوابط التي �صيغت فـي نهاية القرن الـما�ضي ونط ّبقها على البث التلفزيوين يف‬ ‫هذا القرن الذي ي�شهد عديد التغريات على �صعيد تقنيات االت�صال، و�أمناط متويل القنوات التلفزيونية، وانتقال‬ ‫تلقّي الربامج التلفزيونية من �إطارها اجلماعي �إىل �إطارها الفردي؟�إنّ التطور التكنولوجي فتح �أبواب اجلدل حول‬ ‫فل�سفة ال�ضبط القانوين للبث التلفزيوين بال�صيغة التي ا�ستعر�ضناها �آنفا، واجلدوى منه يف عامل امنحت احلدود‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫اجلغرافية بني بلدانه و�أنظمته ال�سيا�سية. وت�شكل الإجابتان التاليتان عن ال�س�ؤال املطروح �أعاله طريف هذا اجلدل.‬ ‫11‬
  • 12. ‫امللف‬ ‫ّ‬ ‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬ ‫ّ‬ ‫رغم �أن م�ستقبل‬ ‫ّ‬ ‫التلفزيون رقمي،‬ ‫�إالّ �أن تفكرينا يف‬ ‫ّ‬ ‫�ضبط بثه ظل‬ ‫ّ‬ ‫متاثليا �أو تناظريا.‬ ‫الإجابة الأوىل: متنح للتكنولوجيا احلق يف قول كلمة الف�صل يف جممل الت�شريعات املتعلقة بالبث التلفزيوين.‬ ‫ّ‬ ‫�إذ ترى �أنّ ال�ضبط، كما �سبق و�أن ا�ستعر�ضناه �آنفا، �أ�ضحى متجاوزا عمليا. هذا ما ي�ست�شف من قول اخلبرية‬ ‫ّ‬ ‫الأمريكية املخت�صة يف تكنولوجية االت�صال : بيث �سيمون نافوك ‪ Beth Simone Noveck‬التي �أكدت على‬ ‫ّ‬ ‫ما يلي: رغم �أنّ م�ستقبل التلفزيون رقمي �إال �أنّ تفكرينا يف �ضبط بثّه ظل متاثليا �أو تناظريا. 4 وهذا يعني الدعوة‬ ‫�إىل توجيه التفكري نحو �صيغ جديدة ل�ضبط البث التلفزيوين تتما�شى ومنطق رقمنة االت�صال والإعالم القائم على‬ ‫املواءمة التقنية، وتعدد حمامل البث، وتن ّوع الو�سائط املتنقلة لتلقّي الربامج واملواد التلفزيونية.‬ ‫ّ‬ ‫الإجابة الثانية : حتذر من االعتماد على العامل التقني وحده فـي �إعادة النظر يف عملية �ضبط هذا البث.‬ ‫ّ‬ ‫�إذ ترى �أنّ كل تغيري يف الت�شريعات القانونية اخلا�صة بالبث التلفزيوين يجب أ�ال يكون خا�ضعا للتطورات التقنية‬ ‫ّ‬ ‫احلا�صلة يف قطاع الإعالم وحدها.5 فهذه الإجابة ال ترف�ض �أي مراجعة للقوانني املنظمة للبث التلفزيوين.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وال تعترب التكنولوجيا قوة حمايدة يف جمال هذا البث، بل حتذر من االن�صياع �إىل �أحكامها فقط. و�سبب‬ ‫هذا التحذير ال يعود �إىل �سرعة �إيقاع التطور التكنولوجي يف قطاع الإعالم واالت�صاالت التي جتعل كل ت�شريع‬ ‫مرتبط به ع�ضويا عر�ضة للتغيري وعدم اال�ستقرار، بل يرجع �إىل ما �شخ�صه الباحث “توما�س جيبون” يف قوله:‬ ‫ّ‬ ‫«�إنّ التغريات التقنية احلا�صلة يف طرائق االت�صال والتوا�صل مل تغيرّ ال�سمة الأ�سا�سية لو�سائل الإعالم؛ مبعنى‬ ‫ّ‬ ‫�أنّ االهتمام العام بو�سائل الإعالم مل يت�ضاءل. واحلر�ص على حرية التعبري مل ي�ضعف هو الآخر. واالن�شغال‬ ‫6‬ ‫با�ستقاللية الإعالم مل يرتاجع. وكذلك الأمر بالن�سبة �إىل متطلبات النوعية وامل�س�ؤولية يف الإعالم.»‬ ‫عنا�صر للنقا�ش.‬ ‫�إن الإجـابتني الـمذكورتيـن �أعاله تطرحـان �إ�شكالية فل�سفية وقـانونية و�سيا�سية يـمكن تلخي�ص عنا�صرها‬ ‫يف النقاط التالية:‬ ‫1 - بعد ال�شروع يف اال�ستغناء عن التكنولوجية التناظرية، مل يعد ا�ستقبال البث التلفزيوين متوقفا على‬ ‫�شا�شة التلفزيون، بل امتد �إىل الكمبيوتر واللوح الإلكرتوين والهاتف الذكي. وبذلك ا�شرتك هذا البث مع‬ ‫االت�صاالت والإنرتنت يف ا�ستخدام البنية القاعدية ذاتها، ومل يعد مقت�صرا على البث املبا�شر �أو امل�سجل، بل‬ ‫ّ‬ ‫غدا ي�شمل الربامج امل�ستدركة ‪ ،Catch Television‬وبرامج الفيديو حتت الطلب ‪Video On Demand‬‬ ‫والتلفزيون التفاعلي.‬ ‫فاندماج هذه الأ�شكال من املواد ال�سمعية والب�صرية يف احلياة اليومية مد جمال البث التلفزيوين، وجعل‬ ‫ّ‬ ‫�إطاره القانوين التقييدي متجاوزا عمليا. فطرح �ضرورة �إعادة التعريف القانوين للبث التلفزيوين الذي ُتبنى عليه‬ ‫جممل الت�شريعات القانونية ال�ضابطة له.‬ ‫ّ‬ ‫2 - رغم االندماج احلا�صل يف قطاعي الإعالم واالت�صاالت، ظل كالهما خا�ضعا لهيئة �ضبط خم�صو�صة :‬ ‫ْ‬ ‫هيئة �ضبط الإعالم، و�أخرى ل�ضبط االت�صاالت.‬ ‫فالأوىل تهتم ب�ضبط املحتوى،‬ ‫والثانية تهتم ب�ضبط الـمحامل التقنية.‬ ‫ّ‬ ‫21‬
  • 13. ‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬ ‫ّ‬ ‫فمن املفرو�ض ال�شروع يف توحيد الهيئتني وتو�سيع جمال ممار�سة �صالحياتهما من �أجل التحكم �أكرث يف عملية‬ ‫البث التلفزيوين �ضمن �إطار قانوين ُيحدث االن�سجام بني البث التلفزيوين والإنرتنت واالت�صاالت.‬ ‫3 - �إنّ ال�سبب الأ�سا�سي الذي ا�ستدعى �ضرورة �ضبط البث التلفزيوين هو ندرة موجاته، كما �أو�ضحنا‬ ‫�سابقا. لكن البث الرقمي عرب الف�ضاء (البث عرب الأقمار اال�صطناعية) �أو عرب الكيبل ف ّند هذه الندرة املزعومة.‬ ‫فتم التخمني ب�أن تفقد هيئات ال�ضبط جزءا �أ�سا�سيا وحيويا من �صالحياتها، واملتمثل يف الرتخي�ص بالبث الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أ�شرنا �إليه �آنفا. لكن الواقع يثبت �أنّ الرتخي�ص يبقى مطلبا اجتماعيا يف املجتمع املعا�صر حتى يف ظل التطورات‬ ‫التكنولوجية املتالحقة. فالدول تتحمل كل م�س�ؤولياتها يف ت�أطري ن�شاط املتعاملني يف تكنولوجية النفاذ �إىل الربامج‬ ‫ّ‬ ‫واملواد ال�سمعية-الب�صرية، وتنظيم اخلدمات التجارية املرتبطة بالتلفزيون الرقمي.‬ ‫وب�صرف النظر عن دمج الهيئات امل�شرفة على البث التلفزيونية وقطاع االت�صاالت، ال ميكن ال�سماح ملن‬ ‫هب ودب با�ستغالل موجات البث، بحجة وفرتها. هذا �إ�ضافة �إىل �أنّ البث التلفزيوين عرب عدة االت�صاالت‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫يرتبط باملبادئ التي يت�ضمنها مفهوم ‪� ،Open Network Provision‬أي توفري �شبكة مفتوحة لالت�صاالت.‬ ‫وهي املبادئ التي حتدد ال�شروط املعيارية للنفاذ �إىل ال�شبكات وا�ستخدامها واال�ستفادة من خدماتها العمومية‬ ‫املتاحة. لذا يجب �أن تكون هذه ال�شروط �شفافة، ومو�ضوعية، وبعيدة عن كل نية ت�شجع على التمييز يف املعاملة‬ ‫ّ‬ ‫بني امل�ستخدمني.7 فال�ضبط التقني ينبغي �أن يحقق امل�ساواة والعدل يف النفاذ �إىل الربامج التي تنقلها ال�شبكات.‬ ‫ّ‬ ‫لهذا الغر�ض �س ّنت بع�ض الدول جمموعة من القوانني التي متكن الفئات املحرومة �أو �شرائح مع ّينة من املجتمع‬ ‫من اال�ستفادة من خدمات جمتمع املعلومات : الدعم ل�شراء كمبيوترات، واال�شرتاك يف �شبكة الإنرتنت، والتز ّود‬ ‫ّ‬ ‫بجهاز فك ال�شفرات ‪ Decoder‬للتلقّي التلفزيوين.‬ ‫4 - �إنّ الكثري من القيود االتي ُفر�ضت على الربامج التلفزيونية، مثل تلك اخلا�صة بالإعالن، ارتبطت ب�شبكة‬ ‫ّ ّ‬ ‫الربامج يف القناة التلفزيونية، تفقد معناها يف ظل «ت�شذر» هذه الربامج عرب خمتلف حمامل البث ومن�صاته وو�سائط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تلقّيه. كذلك الأمر بالن�سبة �إىل حتديد �سقف بث الربامج التلفزيونية الوطنية التي تفقد مربر وجودها يف ظل‬ ‫ّ‬ ‫تدفّق املواد ال�سمعية- الب�صرية وتدويلها. ويرى �أ�ستاذ قانون الإعالم يف جامعة �أم�سرتدام «ترال�ش ماك غوناغل»‬ ‫8‬ ‫�أنّ التم�سك بهذا ال�سقف قد يقف يف وجه تطور امليديا اجلديدة.‬ ‫ّ‬ ‫�إنّ املربر الأ�سا�سي الذي ا�ستدعى، �أي�ضا، �ضبط البث التلفزيوين هو العمل على حماية حرية التعبري‬ ‫ّ‬ ‫والتعددية الإعالمية. وميكن القول �إنّ التكنولوجية الرقمية �أنتجت، من خالل ديناميكيتها، نوعا من املفارقة: وفرة‬ ‫يف الربامج التلفزيونية وامللفات ال�سمعية-الب�صرية عرب العديد من الو�سائط، مما ي�ضمن حدا من التعددية الإعالمية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والثقافية. لقد �أ�صبح ب�إمكان �أي �شخ�ص �أو منظمة �إطالق حمطة �إذاعة �أو قناة تلفزيون عرب �شبكة الإنرتنت �أو‬ ‫ّ‬ ‫يبث ما ي�سجله وي�ص ّوره عرب املواقع الإلكرتونية �أو يف ال�شبكات االفرتا�ضية. ومن جهة �أخرى فقد فتحت هذه‬ ‫ّ‬ ‫التكنولوجية املجال الت�ساع االحتكار �أو الإفالت من القيود املفرو�ضة على ملكية و�سائل الإعالم التي و�ضعت‬ ‫يف زمن البث التناظري. لكن البث يف زمن التكنولوجية الرقمية �أ�صبح يعاين مما بات ُيعرف “بالوجه املظلم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للتن ّوع الإعالمي” 9، والذي يت�شكل من الـمواد الإباحية واالعتداء الـجن�سي على الأطفال الق�صر، والـمواد‬ ‫ّ‬ ‫التي تدعو �إىل العنف والإرهاب وامليز العن�صري والعرقي والديني.‬ ‫�إن املبرّر الأ�سا�سي‬ ‫ّ‬ ‫الذي ا�ستدعى �ضبط‬ ‫البث التلفزيوين‬ ‫هو العمل من‬ ‫�أجل حرّية‬ ‫التعبري والتعددية‬ ‫الإعالمية‬ ‫31‬
  • 14. ‫امللف‬ ‫ّ‬ ‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬ ‫ّ‬ ‫من ال�سهل احلديث‬ ‫عن م�س�ؤولية‬ ‫الأ�شخا�ص يف‬ ‫مراقبة البث‬ ‫الرقمي الأر�ضي‬ ‫�أو عرب الف�ضاء،‬ ‫لكن من ال�صعب‬ ‫جت�سيده عمليا لأنه‬ ‫يتطلب حمو الأمية‬ ‫الإلكرتونية ووجود‬ ‫جمتمع مدين فاعل.‬ ‫41‬ ‫ّ‬ ‫يعتقد البع�ض �أنّ الرت�سانة القانونية تقف عاجزة عن حمو هذا الوجه املظلم. وكل م�سعى للق�ضاء عليه يبوء،‬ ‫حتما، بالف�شل. ودليلهم يف ذلك املثال التايل :‬ ‫لو قامت دول ٌة ما بحظر ن�شر مادة �سمعية-ب�صرية مل�ضمونها املناه�ض ملا تن�ص عليه مبادئ �ضبط البث‬ ‫ّ‬ ‫التلفزيوين. فيمكن بثهـا عـرب موقع �إلكرتوين �آخر يتخذ عنوانا له فـي دولة �أجنبية ال يطالـها القانون الوطني.‬ ‫بينما يرى البع�ض الآخر �أنّ كل التفكري يف �ضبط بث املواد ال�سمعية-الب�صرية يقت�ضي الأخذ يف االعتبار‬ ‫حقيقتني �أ�سا�سيتني، وهما :‬ ‫�أ- �إنّ الإنتاج ال�سمعي-الب�صري وتوزيعه تعومل، و�أ�صبح يتوقف على ن�شاط بع�ض ال�شركات املتعددة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجلن�سيات العمالقة، �سواء تلك املتحكمة يف املحامل �أو يف امل�ضامني �أو يف توزيعها وبثها. وكل حماولة ل�ضبطها‬ ‫تتطلب مفاو�ضات دولية متعددة و�شاقة: مفاو�ضات متعددة الأطراف بني الدول، وداخل املنظمات الدولية‬ ‫والإقليمية املختلفة، وتن�سيقا حمكما ومكثفا. وهذا ما �أثبتته جتربة االحتاد الأوروبي يف جمال �ضبط البث التلفزيوين.‬ ‫ب- �إنّ الطابع الفردي، وحتى ال�شخ�صي للميديا اجلديدة يفر�ض على امل�ش ّرعني �إيالء �أهمية �أكرب للأ�شخا�ص.‬ ‫فاملراقبة مل تعد حكرا على ال�سلطات التنفيذية �أو هيئات ال�ضبط، بل �أ�ضحت تقع على كاهل الأ�شخا�ص الذين‬ ‫حت ّولوا �إىل �أطراف فاعلة يف �إنتاج املواد التلفزيونية وا�ستخدامها. وهذا ما نالحظه يف جمال الإنرتنت. فالآباء‬ ‫�أ�صبحوا يقومون بدور فاعل يف حجب بع�ض املواقع التي يعتقدون �أنها ت�ض ّر بال�صحة البدنية والنف�سية لأطفالهم.‬ ‫فب�إمكان املواطن التز ّود ببع�ض الأجهزة وبرامج الإنرتنت التي ت�سمح له بغربلة الـمواد ال�سمعية-الب�صرية وانتقاء‬ ‫مـا ُير�ضيه �أو ينا�سب �أفراد �أ�سرته. ويـمكن حماية �أجهزته وح�ساباتـه فـي مواقع ال�شبكات االجتماعـية بجملة‬ ‫من كلمات ال�س ّر.‬ ‫من ال�سهل احلديث عن م�س�ؤولية الأ�شخا�ص فـي مراقبة م�ضامني البث الرقمي الأر�ضي �أو عرب الف�ضاء،‬ ‫ّ‬ ‫لكن من ال�صعب جت�سيده عمليا لأنه يتطلب حمو الأمية التكنولوجية، ووجود جمتمع مدين فاعل ي�ؤطر املبادرات‬ ‫الفردية يف جمال الرقابة.‬ ‫تو�صيف �ضبط البث التلفزيوين يف املنطقة العربية‬ ‫هل ميكن �أن نناق�ش �ضبط البث التلفزيوين يف املنطقة العربية على �ضوء ال�ضرورات املذكورة �أعاله؟‬ ‫وهل ميكن اال�ستفادة من الإجابتني املذكورتني عن فل�سفة ال�ضبط القانوين لهذا البث يف ظل تطور‬ ‫التكنولوجية الرقمية التي ات�سع ا�ستخدامها االجتماعي والتجاري يف العديد من الدول العربية؟‬ ‫ّ‬ ‫ي�ؤكد املهنيون واملخت�صون يف القانون �أنّ الكثري من القوا�سم امل�شرتكة التي جتمع الدول العربية: اللغة،‬ ‫والدين، والتاريخ امل�شرتك مل متنع التباين، بهذا القدر �أو ذاك، يف تـجاربها التنظيمية والإدارية وامل�ؤ�س�ساتية‬ ‫والقانونية. وميكن ح�صر هذا التباين يف النقاط التالية:‬ ‫ مازالت بع�ض الدول العربية تعمل بقانون املطبوعات والن�شر، ومل تخ�ص�ص ت�شريعا للقطاع ال�سمعي‬‫ّ‬ ‫الب�صري الذي ي�شهد تطورا غري م�سبوق فـي املنطقة العربية. حقيقة، لقد بد�أت بع�ض الدول العربية التفكري فـي‬ ‫تقنني مـا ت�سميه ال�صحافـة الإلكرتونيـة منذ 0102. وبع�ضها �أ�صدر فعال قـانونا خـا�صــا بهذه ال�صحافـة، لكنـه‬ ‫ّ‬
  • 15. ‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬ ‫مل ي�ستطع �أن يقدم �إجابات عملية عن الت�سا�ؤالت التي يطرحها ال�ضبط القانوين للبث التلفزيوين الرقمي. فتزايد‬ ‫ّ‬ ‫القنوات التلفزيونية وتعدد ملكيتها، وتن ّوع غاياتها قد جتاوز الإطار القانوين الذي و�ضعه امل�ش ّرع لل�صحافة.‬ ‫ّ‬ ‫ رغم �أنّ جل الدول العربية اقتنعت ب�ضرورة فتح املجال لال�ستثمار اخلا�ص الوطني �أو العربي �أو الأجنبي‬‫ّ‬ ‫يف قطاع الإذاعة والتلفزيون، �إال �أنّ بع�ض الدول، ومن ح�سن احلظ �أنها قليلة جدا، مازالت متم�سكة باحتكارها‬ ‫مللكية القنوات التلفزيونية، رغم �أنّ التطور التكنولوجي يطعن، يوميا، يف مربر ا�ستمرار وجود هذا االحتكار وي�ؤكد‬ ‫ّ‬ ‫عدم فاعليته.‬ ‫ّ‬ ‫ يبدو �أنّ فتح املجال �أمام اخلوا�ص المتالك قنوات تلفزيونية قد ُفر�ض فر�ضا على بع�ض الدول العربية. لعل‬‫ّ‬ ‫اجلميع يتذكر �أنّ �أول قناة تلفزيونية عربية ذات ملكية خا�صة غطت املنطقة العربية ت�أ�س�ست بربيطانيا يف 1991.‬ ‫وبعدها بد�أت البلدان العربية حتت�ضن، تدريجيا، القنوات التلفزيونية اخلا�صة لت�شرع يف البث من فوق �أرا�ضيها دون‬ ‫ّ‬ ‫�أن ت�ؤطر بثها بقانون وا�ضح يحدد قواعد املناف�سة فيما بينها. وهناك َمن يعتقد �أنّ العامل ال�سيا�سي هو الذي كان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وراء « ميالد «التعددية التلفزيونية» يف املنطقة العربية. ودليلهم يف ذلك هو القرار ال�سيا�سي الذي يتحكم وحده‬ ‫يف عملية البث التلفزيوين، �سواء بال�سماح لبع�ض امل�ستثمرين ب�إن�شاء قنوات تلفزيونية دون غريهم. كما �أنّ العامل‬ ‫املذكور هو الآمر، �أي�ضا، بتوقيف بع�ض القنوات التلفزيونية عن البث لأ�سباب �سيا�سية حم�ضة.‬ ‫�إنّ اال�ستثمار يف قطاع ال�سمعي-الب�صري باملنطقة العربية مل يعد وليد البحث عن نفوذ �سيا�سي �أو ت�صفية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ح�سابات �سيا�سية فقط، بل �أ�صبح ي�شكل، �أي�ضا، ن�شاطا جتاريا يعجز «اقت�صاد ال�سوق» عن التحكم يف �أطماعه‬ ‫وجنوحه. والنتيجة �أنّ امل�شاهد التلفزيوين يف املنطقة العربية �أ�صبح هدفا لإنزال تلفزيوين قد يزداد كثافة مع تعدد‬ ‫ّ‬ ‫و�سائط بث الربامج التلفزيونية وتوزيعها. و�إنْ كان البد من الإقرار �أنّ بع�ض البث التلفزيوين العربي ي�سعى �إىل‬ ‫ّ‬ ‫ك�سب ثقة اجلمهور، العتقاده �أنه يعمل على تر�سيخ احلق يف الإعالم، وحرية التعبري، فال بد من االعرتاف، �أي�ضا،‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أنّ بع�ضه الآخر يتغذى من الدعاية، والت�ضليل، وال�شعوذة، واجلن�س، ويختلق الفنت بني الطوائف العرقية والدينية،‬ ‫وحتى بني املذاهب يف الدين الواحد ويتاجر بها. ومن �أجل احلد من تبعات هذه التجارة، البد من حتديد �إطار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قانوين جديد ي�ضبط البث التلفزيوين ب�شكل ُيحدث التوازن بني احلق يف ملكية القنوات التلفزيونية وحقوق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الأ�شخا�ص الأ�سا�سية ومتطلبات املجتمع. وينظم قواعد املناف�سة التلفزيونية.‬ ‫ �إنّ البث التلفزيوين بدون �ضوابط اجتماعية وثقافية قد ينم نظريا عن نية ح�سنة يف حترير التلفزيون من‬‫ّ‬ ‫كل احتكار، واحلر�ص على حرية التعبري، لكنه قد يتح ّول عمليا �إىل �ضرب من الفو�ضى. فال معنى لفتح املجال‬ ‫المتالك قنوات تلفزيونية بدون االتكاء على �سيا�سة وطنية يف جمال الإعالم والثقافة ذات معامل وا�ضحة، وجتيب‬ ‫ب�شكل عملي عن الأ�سئلة التالية:‬ ‫ •ما هي الأولويات يف البث التلفزيوين؟‬ ‫ •هل يجب �إن�شاء قنوات متخ�ص�صة يف الـمجاالت التي ت�شكو من نق�ص، مثل تلك املوجهة �إىل الأطفال‬ ‫�أو املهتمة بالثقافة والفنون والتاريخ ؟‬ ‫ •هل ينبغي تعزيز مكانة القنوات التلفزيونية ذات الطابع العام وتنويعها؟‬ ‫�إن البث‬ ‫ّ‬ ‫التلفزيوين بدون‬ ‫�ضوابط اجتماعية‬ ‫وثقافية قد ينم‬ ‫ّ‬ ‫نظريا عن نية‬ ‫ّ‬ ‫ح�سنة يف حترير‬ ‫التلفزيون من كل‬ ‫احتكار واحلر�ص‬ ‫على حرية التعبري،‬ ‫لكنه قد يتحول‬ ‫ّ‬ ‫عمليا �إىل �رضب‬ ‫من الفو�ضى.‬ ‫51‬
  • 16. ‫امللف‬ ‫ّ‬ ‫مجلة فصلية تصدر عن اتحاد إذاعات الدول العربية‬ ‫ّ‬ ‫�إن فاعلية ال�ضبط‬ ‫ّ‬ ‫الإعالمي ال تتوقف‬ ‫فقط على الن�صو�ص‬ ‫الت�رشيعية، وال‬ ‫ترتكز على الهيئات‬ ‫املج�سدة لها، بل‬ ‫ّ‬ ‫تتكئ على ثقافة‬ ‫�سيا�سية متينة.‬ ‫61‬ ‫ •هل يتعينّ فر�ض حد معينّ من الإنتاج التلفزيوين الوطني يف �صنف بعينه: الدراما، الأفالم الوثائقية؟‬ ‫ّ‬ ‫ •هل ينبغـي �إلزام القنوات التلفزيونيـة ب�سقـف زمـني مـحدد لبث الـمواد التلفـزيونيـة الوطنيـة‬ ‫ّ ّ‬ ‫والعربية والأجنبية؟‬ ‫ •ماهي �أمناط البث التي ينبغي ت�شجيعها: البث الرقمي الأر�ضي �أوالف�ضائي، والبث احل ّر �أو امل�شفّر؟‬ ‫ •هل يتعينّ ترقية اللغة العربية و تطوير الثقافة الوطنية عرب البث التلفزيوين؟‬ ‫ •فما هي الفائدة التي جتنيها الدولة من الرتخي�ص لقناة تلفزيونية تبث برامج �ضحلة م�ستوردة كليا .‬ ‫ّ‬ ‫وقد ح�صلت عليها جمانا يف �سوق املواد التلفزيونية، مقابل بثها بلغتها الأجنبية، علما ب�أنه ميكن للم�شاهد �أن‬ ‫ي�شاهدها يف قنوات �أجنبية جمانا! رمبا امل�ستفيد الوحيد منها هو املالك الذي �أن�ش�أها بن ّية احل�صول على الأموال‬ ‫ج ّراء بث الإعالنات فقط؟‬ ‫ يعي�ش قطاع الإعالن يف املنطقة العربية حالة من التجاوزات مل ُتفلح املحاباة والوالءات ال�سيا�سية يف‬‫ّ‬ ‫تنظيمه. ومن ي�شك يف هذه احلقيقة، فلي�شاهد حجم الإعالنات التي تغزو ال�شا�شات ال�صغرى يف �شهر رم�ضان‬ ‫املعظم، حتى يخال للبع�ض �أنّ بث الأخبار والربامج الدرامية: �أفالم، م�سل�سالت... والألعاب التلفزيونية‬ ‫وامل�سابقات وبرامج التوك �شو ‪ Talk-show‬لي�ست �سوى حيل فنية لتمرير الإعالنات لكرثتها وطول مدة بثها.‬ ‫و�إذا كان عائد هذه الإعالنات املالية يريح امل�ستثمرين ف�إنّ تكلفتها االجتماعية والثقافية �ستظهر �آجال على �صعيد‬ ‫الذوق الفني والقيم الثقافية، نظرا �إىل �أنّ الكثري منها يعد ترجمة للإعالنات الأجنبية �أو ن�سخة �شاحبة منها.‬ ‫ّ‬ ‫ تختلف �أدوات �ضبط الن�شاط الإعالمي يف املنطقة العربية من دولة �إىل �أخرى. فبع�ض الدول العربية‬‫الزالت متم�سكة بوزارة الإعالم، وبع�ضها الآخر ا�ستغنى عنها وترك �صالحياتها الإدارية ملجال�س الإعالم،‬ ‫وبع�ضها اكتفى ب�إن�شاء جمال�س لل�صحافة متار�س �صالحياتها يف قطاع ال�صحافة املكتوبة فقط، وبع�ضها �أن�ش�أ جمال�س‬ ‫لالت�صال ال�سمعي-الب�صري ومنحها دورا ا�ست�شاريا فقط؛ �أي ح�صر �صالحياتها يف رفع التقارير عن و�ضع قطاع‬ ‫التلفزيون �إىل اجلهات املخت�صة، وتقدمي ا�ست�شارة حول م�شاريع القوانني املتعلقة بتنظيم قطاع الإذاعة والتلفزيون‬ ‫التي ُتع َر�ض عليها. بينما ذهبت بع�ض الدول �إلـى ما هو �أبعد، �إذ منحت هذه الـمجال�س �صالحـيـات �أو�سع،‬ ‫لعل �أبرزها هي �سلطة اتخاذ القرار، ومراقبة ما تبثه القنوات التلفزيونية، ومنح رخ�ص البث التلفزيوين.‬ ‫ �إنّ فاعلية ال�ضبط الإعالمي ال تتوقف فقط على الن�صو�ص الت�شريعية، على �أهميتها البالغة، وال ترتكز‬‫على الهيئات املج�سدة لها رغم دورها احلا�سم، بل تتكئ �أي�ضا على ثقافة �سيا�سية متينة. فه�شا�شة هذه الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫هي التي تف�سر لنا اخللط احلا�صل يف بع�ض الن�صو�ص الت�شريعية العربية بني مفهوم الدولة وال�سلطة التنفيذية.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لذا نالحظ غياب «مفهوم اخلدمة العامة �أو العمومية» يف العديد من الن�صو�ص القانونية املنظمة للبث‬ ‫التلفزيوين وعدم قيام «املجتمع املدين» باملطالبة ب�ضرورة االلتزام بها. ونالحظ �أي�ضا �أنّ بع�ض القنوات التلفزيونية‬ ‫التابعة للقطاع العام ال تختلف كثريا عن القنوات التلفزيونية التجارية، �إذ �أم�ست تجُاريها يف بث الربامج الرامية‬ ‫�إىل ك�سب �أكرب عدد من امل�شاهدين لتلبية رغبات املعلنني. وبهذا تتعامل مع م�شاهديها كزبائن ولي�س كمواطنني.‬ ‫والنتيجة �أنها ف ّرطت يف دورها الثقايف واالجتماعي، كالتقليل �أو حتى العزوف عن بث الربامج ذات الطابع الثقايف‬ ‫ّ‬ ‫والعلمي، على �سبيل املثال، بحجة ق ّلة الإقبال على م�شاهدتها، واالكتفاء با�سترياد برامج الألعاب وامل�سابقات.‬
  • 17. ‫يف �ضرورات �ضبط البث التلفزيوين و�شروطه‬ ‫اخلال�صة:‬ ‫�إنّ �أولوية تطوير �ضبط البث الإذاعي والتلفزيوين يف املنطقة العربية تقت�ضي العمل على ت�شجيع الدول‬ ‫العربية التـي تعاين من ت�أخري فـي �إ�صدار الت�شريعات القانونيـة ذات ال�صلـة بهذا البث على ا�ستدراك ت�أخرها. ثم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سعي من �أجل تقريب الأطر القانونية املنظمة للبث الإذاعي والتلفزيوين، يف بع�ض الدول، من بع�ضها البع�ض.‬ ‫فقراءة جتربة االحتاد الأوروبي يف هذا املجال تبدو مفيدة. ذلك �أنّ الن�صو�ص ال�ضابطة للبث الإذاعي والتلفزيوين‬ ‫لي�ست متطابقة بني الدول الأع�ضاء يف هذا االحتاد ولي�ست موحدة؛ بل �إنها خمتلفة ومتقاربة يف �آن واحد؛ �أي‬ ‫ّ‬ ‫�أنها خا�ضعة خل�صو�صيات الأنظمة الد�ستورية وال�سيا�سية لكل دولة من جهة، وتت�ضمن املبادئ الأ�سا�سية الكربى‬ ‫امل�شرتكة التي يدافع عنها االحتاد الأوروبي يف جمال الإعالم، من جهة �أخرى.‬ ‫هذه احلقيقة ت�ؤ�س�س لعمل م�شرتك م�ستقبلي على ال�صعيد العربي، لأنّ رهان �ضبط البث الإذاعي‬ ‫والتلفزيوين يف ظل التكنولوجية الرقمية يتعدى الإطار الوطني وحتى القومي ليطرح على م�ستوى دويل، كما‬ ‫ّ‬ ‫ذكرنا �آنفا. فمن ال�صعوبة مبكان �أن تبادر �أي دولة عربية مبفردها �إىل خو�ض مفاو�ضات دولية �شاقة من �أجل �إلزام‬ ‫ّ‬ ‫�أطراف دولية مب�س�ؤولياتها يف �ضبط هذا البث �إنْ مل تبذل اجلهد املطلوب لتنظيم البث التلفزيوين فوق ترابها، وفق‬ ‫املبادئ الأ�سا�سية التي �أ�صبحت مبادئ كونية.‬ ‫املراجع‬ ‫‪1 - Miklَ s Haraszti: Le Guide Pratique de l’autorégulation des Médias, Les questions et‬‬ ‫9 ‪les réponses, Organisation pour la Sécurité et la Coopération en Europe, Vienne, 2008, p‬‬ ‫ 2‬ ‫‪- André-Jean ARNAUD (dir.), Dictionnaire encyclopédique de théorie et de‬‬ ‫125 .‪sociologie du droit, 2e éd., Paris L.G.D.J., 1993, p‬‬ ‫8002- ‪3 - Eve Salomon- Guidelines for Broadcasting Regulation, Unesco, Paris‬‬ ‫‪4 - B.S.Noveck, « Thinking Analogue About Digital Television? Bringing European‬‬ ‫‪Content Regulation Into The Information Age”, in C.Marsden&S.Verhulst, Eds., Convergence‬‬ ‫83.‪in European Digital TV Regulation (Blackstone Press Limited, London, 1999),pp 37-63, p‬‬ ‫‪5 - Tarlach Mc Gonagle: Le cadre réglementaire en vigueur en matière de télévision‬‬ ‫‪est-il applicable aux nouveaux médias ? IRIS plus; Observations juridiques de l’Observatoire‬‬ ‫6-1002 ;‪européen de l’audiovisuel; Victoires Editions; Paris‬‬ ‫‪6 - Thomas Gibbons: Concentrations of Ownership and Control in a Converging‬‬ ‫‪Media Industry”, cité par Tarlach Mc Gonagle‬‬ ‫ 7‬ ‫‪- Trudel Pierre: Points de vue sur la gouvernance dans le contexte de la‬‬ ‫/‪numérisation, Consulté le 10/7/2013 de: http://www.chairelrwilson.ca/cours/drt3805g‬‬ ‫‪Pointsdevueregulationtrudel.pdf‬‬ ‫‪8 - Tarlach Mc Gonagle, op cité‬‬ ‫‪9 - D. Goldberg, T. Prosser & S. Verhulst, Regulating the Changing Media (Clarendon‬‬ ‫.61 .‪Press, Oxford, 1998), p‬‬ ‫رهان �ضبط‬ ‫البث الإذاعي‬ ‫والتلفزيوين يف‬ ‫ظل التكنولوجية‬ ‫الرقمية يتعدى‬ ‫ّ‬ ‫الإطار الوطني‬ ‫وحتى القومي‬ ‫ليطرح على‬ ‫م�ستوى دويل.‬ ‫71‬
  • 18. ‫امللف‬ ‫واقع البث الف�ضائي العربي و�سبل تنظيمه‬ ‫د. �إبراهيم بعزيز‬ ‫�أ�ستاذ متخ�ص�ص يف علوم الإعالم واالت�صال‬ ‫حمكمة فـي الـمجال، قادرة على �ضبط هذه ال�سوق الإعالمية.‬ ‫مقدّ مة :‬ ‫ومع هذا الو�ضع من الفو�ضى التي ي�شهدها البث الف�ضائي العربي،‬ ‫�شهدت ال�ساحة الإعالمية العربية يف ال�سنوات الأخرية ميالد‬ ‫تربز احلاجة �إىل تنظيم هذا املجال و�ضبط �آليات العمل فيه، ب�شكل‬ ‫العديد من القنوات التلفزيونية والف�ضائيات، �سواء كانت عامة �أو‬ ‫يحدد امل�س�ؤوليات والواجبات، ويحفظ احلقوق واحلريات.‬ ‫ّ‬ ‫متخ�ص�صة يف جمال معينّ.فقد «�أدى التط ّور التكنولوجي �إىل تكاثر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫و�إذا كان هذا املقال يركز على حالة العامل العربي، وعلى حاجة‬ ‫مت�سارع الوترية للقنوات الف�ضائية العربية بجميع �أنواعها.‬ ‫البث الف�ضائي فيه �إىل التنظيم وال�ضبط، �إال �أنّ البث الف�ضائي‬ ‫فمنذ انطالق �أقمار «عرب �سات» عام 6791 و«نايل �سات»‬ ‫الدويل ب�صفة عامة بحاجة �إىل قوانني موحدة لتنظيمه، وبحاجة �إىل‬ ‫ّ‬ ‫�سنة 6991، حت ّول الإر�سال الف�ضائي �إىل جمال للمناف�سة التجارية،‬ ‫م�ؤ�س�سات دولية و�إقليمية قادرة على فر�ض هذه املعايري والقوانني.‬ ‫وال�سيا�سية �أي�ضا، بظهور ف�ضائيات عربية ناف�ست احل�ضور الإعالمي‬ ‫ّ‬ ‫�إذ «ي�شكل �ضبط الـمحتوى الإعالمي تـحدياً فـي خمتلف دول‬ ‫ّ‬ ‫الأجنبي و�أوجدت ف�ضاء عربيا م�ؤثّرا يف‬ ‫ً‬ ‫العامل، ال�سيمـا �أنّ النفاذ �إىل ن�صو�ص–‬ ‫ّ‬ ‫ت�شكالت الر�أي العام العربي، و�سط تن ّوع �إن ما �شهده العامل العربي من انتعا�ش مرئية وم�سموعة – تعترب «غري الئقة»‬ ‫كبري يف التوجهات واخلطوط الإعالمية»1.‬ ‫يف ال�ساحة الإعالمية كما ونوعا،‬ ‫ّ‬ ‫ل�صالح الأمة/الأ�سرة/املجتمع باتت متوفرة‬ ‫�صاحبته حالة من االنفالت والفو�ضى،‬ ‫وبعد الأحداث التي عرفها العامل مما يحتم على امل�ؤ�س�سات الو�صية �إيجاد بال ح�سيب �أو رقيب �أو �ضوابط تفر�ضها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربي م�ؤخرا، وما �صاحبها من �سقوط‬ ‫الدول.‬ ‫ال�سبل والأليات الكفيلة بتنظيمها.‬ ‫�أنظمة عديدة، عرفت الكثري من الأقطار‬ ‫ويف هذا ال�سياق، طرحت القنوات‬ ‫العربية انفتاحا �إعالميا، متخ�ض عنه ظهور كم هائل من الف�ضائيات.‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التلفزيونية الف�ضائية �أ�سئلة �صعبة حول �إمكانيات و�أ�شكال ال�ضبط‬ ‫فح�سب الإح�صائيات اجلديدة حول البث الف�ضائي العربي بلغ‬ ‫ّ‬ ‫اجلديدة لت�صنيف املحتوى . إ�ال �أنّ مناذج متن ّوعة من ال�ضبط قد‬ ‫عدد القنوات الف�ضائية التي تبثها �أو تعيد بثها الهيئات العربية‬ ‫ط ّبقت على هذا القطاع ب�سبب الأهمية االجتماعية والثقافية التي‬ ‫0231قناة، ترتاوح بني قنوات جامعة، ومتخ�ص�صة، كما �أنّ بع�ضها‬ ‫يكت�سيها البث. وتو ّلت �إدارات حكومية تنفيذ �آليات ال�ضبط هذه‬ ‫تابع للقطاع العام والبع�ض الآخر للقطاع اخلا�ص2.‬ ‫التي �س ِّلمت �أحياناً �إىل هيئات م�ستقلة عن احلكومة تقوم على قاعدة‬ ‫و�أمام هذا الواقع الإعالمي املنتع�ش من حيث الكم وامل�ضمون،‬ ‫ت�شريعية. ولكن التنظيم املنهجي للبث الف�ضائي ال يزال مت�أخراً»3،‬ ‫ّ‬ ‫ف�إنّ ال�ساحة الإعالمية العربية تعرف حالة من االنفالت والفو�ضى،‬ ‫وال�سيما يف العامل العربي، الذي ت�شهد الكثري من �أقطاره انفتاحا‬ ‫بفعل انعدام م�ؤ�س�سات عربية ذات ر�ؤية وا�ضحة و�إ�سرتاتيجية‬ ‫�إعالميا، تـمخـ�ض عنه ظهور عدد كبري من القنوات والف�ضائيات.‬ ‫ّ‬ ‫81‬
  • 19. ‫واقع البث الف�ضائي العربي و�سبل تنظيمه‬ ‫واحلديث عن �ضبط وتنظيم البث الف�ضائي العربي، ُيق�صد به‬ ‫حتديد املعايري والقواعد القانونية والت�شريعية التي ت�ضبط هذا الن�شاط،‬ ‫من حيث طريقة العمل، واجلهات املانحة للرتخي�ص، وامل�ضامني التي‬ ‫ي�سمح بن�شرها، وامل�ضامني غري املقبولة للن�شر، وملف الإعالنات،‬ ‫ّ‬ ‫والهيئات التي تنظم وتتابع كل هذه الأن�شطة والإجراءات.‬ ‫ولكن الإ�شكال الذي يطرح نف�سه حاليا، هل امل�شهد الإعالمي‬ ‫العربي بحاجة �إىل مزيد من الت�شريعات والقواعد القانونية، �أم �إىل‬ ‫مواثيق �شرف ومد ّونات �أخالقيات املهنة؟؟‬ ‫ّ‬ ‫�أ�سباب الفو�ضى وقلة تنظيم البث الف�ضائي العربي:‬ ‫قبل اخلو�ض يف الزوايا املختلفة ملو�ضوع البث الف�ضائي العربي،‬ ‫ومن �أجل ت�شخي�ص مكامن اخللل والنق�ص، البد لنا من �إبراز �أهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الأ�سباب والعوامل التي �ساهمت يف حالة الفو�ضى التي يعي�شها‬ ‫هذا القطاع، وفيما يلي �سنذكر �أبرز هذه الأ�سباب :‬ ‫✓ ✓غياب القوانني والت�شريعات الكافية : على الرغم من‬ ‫وجود بع�ض املبادرات العربية لتنظيم البث الف�ضائي، ورغم‬ ‫وجود مبادرات �أخرى دولية ميكن ا�ستلهام الأفكار منها،‬ ‫�إال �أنّ «ال�سوق الإعالمية العربية الزالت دون ن�صو�ص‬ ‫ت�شريعية كافية وكفيلة ب�إزالة حالة الفو�ضى»4، وحتى القوانني‬ ‫ّ‬ ‫وامل�شاريع املوجودة حاليا مل تتمكن الدول العربية من‬ ‫تطبيقها يف امليدان، لأ�سباب عديدة �أهمها، وجود خالفات‬ ‫ّ‬ ‫�سيا�سية بني عدة دول عربية.‬ ‫✓ ✓عدم التزام الدول مبا تخرج به املبادرات واالتفاقيات‬ ‫العربية: وهذا العامل ال يخ�ص فقط جمال البث الف�ضائي‬ ‫ّ‬ ‫و�إمنا كل املجاالت الأخرى، التي نادرا ما تلتزم فيها كل‬ ‫الأقطار العربية ببنود وقرارات االتفاقيات، مما يحول دون‬ ‫ّ‬ ‫التطبيق والتنظيم الالزم للقطاع.‬ ‫✓ ✓الرقابة الداخلية ال�صارمة وانعدام حرية الإعالم : وهذا‬ ‫العامل يخ�ص تقريبا غالبية الدول العربية، التي تفر�ض قيودا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫�صارمة على حرية التعبري وحرية ال�صحافة. ولعل قوانني املنع‬ ‫والرقابة ال�صارمة يف بع�ض الأقطار العربية، هو ما �أحدث حالة‬ ‫االنفالت والرت ّدي التي تعي�شها البيئة الإعالمية العربية، حيث‬ ‫�إنّ بع�ض الـمعار�ضني �أو �أ�صحـاب القنوات الذين لـحقتهم‬ ‫م�ضايقات يف بلدانهم، قاموا بالهجرة �إىل بلدان غربية �أو عربية‬ ‫�أخرى لن�شر ما منعوا منه يف بلدانهم الأ�صلية. فوجدوا حرية‬ ‫ال حدود لها، جعلتهم يتجاوزون حدودها الأخالقية واملهنية،‬ ‫وذلك بتواط� الدول امل�ضيفة لهم ولقنواتهم. فغالبية الدول‬ ‫ؤ‬ ‫العربية ال متنع ما يبث من م�ضامني وبرامج تنتقد دوال �أخرى.‬ ‫ّ‬ ‫�أما �إذا تع ّلق الأمر بال�ش�أن الداخلي ف�إنه من املح ّرمات وممنوع‬ ‫�أن يتم تغطيته. ولهذا ف�إنّ الف�ضائيات العربية التابعة لبلدان‬ ‫ّ‬ ‫وكيانات وتيارات وجماعات �سيا�سية مع ّينة، ال جتد غ�ضا�ضة‬ ‫يف االنتقاد الالذع والتجريح �أحيانا للـدول �أو التـيـارات التي‬ ‫ّ‬ ‫ت�ص ّنـفهــا فـي خانة الـخ�صوم �أو الأعـداء. ولـعل هـذا مـا‬ ‫خـلق جـزءا كبـريا من الفو�ضى يف البث الف�ضائي العربي.‬ ‫تتعدد �أ�سباب الفو�ضى التي تعي�شها البيئة الإعالمية‬ ‫ّ‬ ‫عمومـا، والبث الف�ضائي خ�صو�صا، وال ميكن ف�صل‬ ‫هذه الفو�ضى عن تلك التي جندها يف ال�سيا�سة،‬ ‫الثقافة، االقت�صاد،...الخ.‬ ‫✓ ✓النزاعات وال�صراعات العديدة بني الدول العربية: والتي‬ ‫خلقت ج ّوا من العدائية امل�ستمرة بني عدة �أقطار، خا�صة‬ ‫املتجاورة منها. فكرثة موا�ضيع اخلالف �أ ّدى �إىل تنا�سي موا�ضع‬ ‫االتفاق والتعاون، وبالتايل ف�شلت غالبية حماوالت �إطالق‬ ‫مبادرات وم�شاريع م�شرتكة.‬ ‫✓ ✓ق ّلة الوعي بخطورة/و�أهمية البث الف�ضائي: وهذا �سواء‬ ‫على ال�صعيد الر�سمي احلكومي �أويف امل�ستوى ال�شعبي.‬ ‫فالبث الف�ضائي العربي �أو حتى غري العربي، له دور كبري‬ ‫ّ‬ ‫يف حتديد معامل عدة جماالت �أخرى، كال�سيا�سة، االقت�صاد،‬ ‫اال�ستقرار والأمن...الخ. ولذلك ف�إنّ البث الف�ضائي مهم‬ ‫ّ‬ ‫وخطـري فـي ذات الـوقـت، وهـذا ح�سب درجـة الـوعي‬ ‫بهذا الأمر وح�سب �سبل وطرق تعامل احلكومات العربية مع‬ ‫هذا املو�ضوع. كما �أنّ البث الف�ضائي العربي له ت�أثري كذلك،‬ ‫لي�س فقط على البيئة العربية و�إمنا حتى على غري العرب،‬ ‫من حيث ن�شر الثقافة العربية والتقاليد والقيم الإ�سالمية،‬ ‫ومن حيث ت�صحيح الأفكار املغلوطة وتقريب وجهات النظر‬ ‫و�إحالل ال�سلم والتعاي�ش بني الثقافات وال�شعوب.‬ ‫91‬
  • 20. ‫امللف‬ ‫✓ ✓الوالءات الإيديولوجية وال�سيا�سية للف�ضائيات العربية:‬ ‫حيث �إنّ الف�ضائيات العربية لها انتماءات ووالءات مل�شارب‬ ‫فكرية وتيارات حزبية و�سيا�سية خمتلفة، مما يدفعها �إىل التنابز‬ ‫ّ‬ ‫وتبادل االتهامات وال�شتائم، والبحث عن الثغرات والعيوب‬ ‫التي وقع فيها الطرف اخل�صم �أو العدو. وهذا ك ّله يحدث‬ ‫بعيدا عن �أي هيئة �أو �سلطة عربية قادرة على �إخ�ضاع هذه‬ ‫ّ‬ ‫القنوات ملعايري مهنة ال�صحافة و�أخالقياتها.وقد �أدت هذه‬ ‫ال�صراعات الإعالمية �إىل قيام الأحزاب واجلماعات الدينية‬ ‫وال�سيا�سية والعرقية، بت�أ�سي�س قنوات �إعالمية تابعة لها، للدفاع‬ ‫عن نف�سها والر ّد على اتهامات الأطراف الأخرى، ف�أ�صبحت‬ ‫ال�ساحة الإعالمية العربية م�سرحا لل�صراعات الإيديولوجية‬ ‫وال�سيا�سية، مما عمق ه ّوة اخلالف العربي-العربي، و�ص ّعب من‬ ‫ّ ّ‬ ‫عملية التوحد والتقارب وتوحيد اجلهود يف خمتلف املجاالت‬ ‫ّ‬ ‫مبا فيها الإعالم.‬ ‫ف�ضال عن اقرتاح �أو امل�شاركة يف م�شاريع عربية.‬ ‫✓ ✓�سرعة وترية التقدّ م التكنولوجي : وهذا يف قطاع الإعالم‬ ‫عموما ويف البث الف�ضائي خ�صو�صا، حيث �إنّ هذا التقدم‬ ‫ّ‬ ‫ال�سريع للتكنولوجيات والتقنيات والأجهزة والو�سائل، جعل‬ ‫هذا املجال يتطور ب�سرعة كبرية، مما �ص ّعب على امل�ش ّرعني‬ ‫ّ‬ ‫والقانونيني جماراة وم�سايرة هذا القطاع من خالل ت�شريع‬ ‫و�إ�صدار قوانني جديدة.‬ ‫✓ ✓الو�ضع ال�سيا�سي والأمني الذي تعرفه غالبية الدول‬ ‫العربية: والذي يتم ّيز بالتدهور والال�ستقرار، خا�صة يف‬ ‫الدول التي حدث فيها تغيري �سيا�سي م�ؤخرا (تون�س، م�صر،‬ ‫ليبيا...)، والتي ظهرت فيها ع�شرات القنوات الف�ضائية خا�صة‬ ‫يف املرحلة التي تلت �سقوط الأنظمة ال�سابقة، والتي تـم ّيزت‬ ‫بانعدام �سلطة ال�ضبط �أو امل�ؤ�س�سات احلكومية القوية والقادرة‬ ‫على �ضبط وتنظيم ال�سوق الإعالمية، من حيث تراخي�ص‬ ‫الن�شاط، وت�سميات القنوات، وم�ضامينها...الخ.‬ ‫✓ ✓ انفالت بع�ض الف�ضائيات و�سعيها امللح وراء ال�سبق‬ ‫ّ‬ ‫ال�صحفي والإثارة : ف�إذا الحظنا ومت ّعنا يف م�ضامني العديد‬ ‫الـمبـادرات العـربية ال�سـاعـيـة �إلـى تـنظيم الـبث‬ ‫من القنوات والف�ضائيات العربية وال�سيما اخلا�صة منها،‬ ‫الف�ضائـي الـعـربي :‬ ‫ّ‬ ‫لوجدنا �أنها تعتمد �أ�سلوب الإثارة والتجيي�ش لعواطف النا�س،‬ ‫قبل احلديث عن حماولة الدول العربية �ضبط البث الف�ضائي‬ ‫وال�سعي وراء حت�صيل �أخبار ح�صرية مت ّيزها عن و�سائل الإعالم‬ ‫العربي، تنبغي الإ�شارة �إىل �أنّ هذا املو�ضوع (تنظيم البث الف�ضائي)‬ ‫الأخرى، دون �إيالء �أهمية للمعايري املهنية وال لأخالقيات‬ ‫كان ي�شغل بال العديد من املنظمات الدولية. وعليه «لي�س �ضبط‬ ‫ال�صحافة.ولهذا ف�إنّ هذه القنوات تبحث فقط عن «املوا�ضيع‬ ‫الإعالم بخطاب جديد ولي�س احلديث حولها حديثا مفاده تقييد‬ ‫الـ�ساخـنـة( (‪ hot i s‬ثمة مبادرات وم�شاريع عديدة طُ رحت احلريات الإعالمية. و�إمنا فكرة ال�ضبط قد تبدلت ب�شكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫5»)‪ ،sues‬حــتـى و�إن على امل�ستوى العربي، يف �إطار حماولة جذري تبعاً للتغريات الطارئة على النظام العاملي وما أُ�حرز‬ ‫كان ت�أثريها �سلبيا على تنظيم و�ضـبط البـث الف�ضائـي، �إال �أنهـا من تقدم يف املجال التكنولوجي. والواقع �أنّ الو�سائل‬ ‫ّ‬ ‫مل تتمكّن حلد الآن من حتقيق ذلك.‬ ‫ّ‬ ‫الـمـ�شاهد وعلى البيئة‬ ‫التكنولوجية احلديثة قد جنحت يف الق�ضاء على الفر�ضيات‬ ‫العربية. وهذا ما �أحدث‬ ‫املطروحة �سابقاً حول �ضبط الإعالم. �إال �أنّ «الإعالم‬ ‫فو�ضى من حيث امل�ضامني والربامج، تر ّتبت عليها �صعوبة‬ ‫بالتدفق احلايل فـي خمتلف و�سائطه» يفر�ض �أهمية تنظيمه دائماً‬ ‫ّ‬ ‫كبرية يف حتكم احلكومات العربية يف قطاع البث الف�ضائي.‬ ‫مع �أنّ حمتواه قد يختلف من ثقافة �إىل �أخرى»6.‬ ‫✓ ✓انعدام ت�شريعات وقوانني داخلية خا�صة بالقطاع ال�سمعي‬ ‫ولذلك، فقد �أطلقت مبادرات عديدة على امل�ستوى الدويل‬ ‫الب�صري : فهناك نق�ص وعجز يف العديد من البلدان العربية‬ ‫لتنظيم البث الف�ضائي، كانت �أوالها مبادرة اليون�سكو يف 51‬ ‫فيما يخ�ص قوانني الإعالم ال�سمعي الب�صري والبث الف�ضائي،‬ ‫نوفمرب 2791، بعنوان «�إعالن املبادئ املديرية ال�ستعمال البث‬ ‫ّ‬ ‫مما جعل هذه البلدان تعجز عن تنظيم القطاع داخل حدودها،‬ ‫ّ‬ ‫عرب الأقمار اال�صطناعية من �أجل حرية التداول الإعالمي وتو�سيع‬ ‫02‬